بقلم: فالح حسون الدراجي ..

بعد مقالاتي الثلاثة ، والتي تحدثت فيها عن علاقتي بعقيد الاستخبارات حامد عبد الكريم السامرائي.. تلقيت منذ المقال الاول حتى كتابة هذا المقال، رسائل، واتصالات كثيرة جداً، من أصدقاء وزملاء وقراء كرام، أبدوا جميعاً تقديرهم واحترامهم المعطر باريج الشكر والاعتزاز بشجاعة هذا الرجل، وبموقفه الوطني والانساني الذي جعلهم يفخرون بعراقيتهم التي أنجبت ضابطاً نبيلاً شجاعاً كالعقيد حامد السامرائي.

. ومع كلمات المديح التي خصّوا بها هذا الضابط، ثمة كلمات أخرى لا تقل في شكلها ومعناها الباهر، توجهوا بها نحو مدينة سامراء وأبنائها الشجعان، الذين دفعوا ثمناً باهظاً جراء مواقفهم الباسلة، وتصديهم الشجاع لنظام صدام حسين الدكتاتوري. لكن، رسالة واحدة، يبدو لي أنها لا تتفق مع عموم الرسائل الأخرى، وسأتناولها في نهاية المقال.

وقبل أن أبدأ باستعراض الرسائل، أود أن أشير الى حجم وروعة ودفق النقاء والشهامة والتكريم الذي تلقيته من عائلة الشهيد البطل حامد عبد الكريم السامرائي، عبر الاتصالات التي جرت بيني وبين أربعة من أفراد هذه الأسرة الكريمة، بينهم شقيقا الشهيد- وهما الشيخ مجيد والشيخ مهند- فضلاً عن مكالمة نجله الأستاذ حسام، ومكالمة حفيده (جهاد).. وللحق، فقد سعدت وفخرت جداً بهذه المكالمات الودودة. ناهيك من المعلومات والقصص الجديدة التي رواها لي أفراد أسرته، والتي تتحدث -بالأسماء- عن مواقف انسانية أخرى أنقذ فيها الشهيد حامد أعناق ثمانية عشر جندياً من المقصلة، بعد احدى معارك البصرة ..

أما الان فدعوني أستذكر الرسائل والاتصالات التي وصلتني من الأصدقاء والقراء حول ما كتبته عن عقيد الاستخبارات حامد عبد الكريم السامرائي.. وطبعاً فإني لن أعيد اليوم ما كنت قد ذكرته بالمقال السابق عن رسائل الأحبة كريم جسر، والسينارست حامد المالكي، والفريق الركن نجيب الصالحي، ولا أعيد رسالة الصديق أنور رستم أو رسالة (المخرج الذي اعلن عن تطوعه لإخراج فيلم سينمائي روائي عن ابن سامراء) .. إنما سأذكر اليوم الرسائل التي لم يرد ذكرها في مقالي السابق.. وطبعاً فإني لن أستطيع نشر كل الرسائل، وعددها تجاوز المئة بكثير، ولن أستذكر كل الاتصالات، لأنها كثيرة جداً أيضاً.. لكني سأنشر ما يسمح به المجال، معتذراً للأحبة الذين لن تذكر اسماؤهم ورسائلهم هنا..

ثمة رسائل يطالبني فيها أصحابها بمواصلة استذكار وتخليد تضحيات وبطولات الشجعان قبل أن تشيخ ذاكرة الزمن، ومثال على ذلك ماكتبه لي الفنان الكبير جواد الشكرچي في رسالته، التي أقتطع منها هذه الكلمات:

” عاشت الايادي ابو حسون. إنه مقال اكثر من رائع، للأسف لايعرف معظم أبناء الشعب العراقي هذه القصص والاحداث التي يجب ان يعرفها الجميع …انها قصص بطولية ملحمية، بوركت ياصديقي..”.

اما السفير العراقي في براغ، الدكتور فلاح عبد الحسن، فقد كتب لي: ” نعم ابو حسون، لابد من تسليط الضوء على ابناء الوطن الشرفاء وما اكثرهم في زمن ساد فيه الفاسدون وهرب او قتل او عزل فيه الشرفاء.. عاشت يدك .. ولا فض فوك” ..

في حين كانت الرسالة التي تلقيتها من الزميل الصحفي الرياضي علي شدهان الذي يعمل منذ سنوات في جريدة البيان الاماراتية، مكتنزة بالمهنية و (الحرفنة)، واليكم ما كتبه الزميل علي شدهان في رسالته نصاً :

” صباح الورد عيوني أبو حسون الغالي.. يا اخي أنت كاتب خطيييير، ما إن “يتورط” أحد بالبدء في قراءة مقالك، حتى تجبره طوعا على إكمال القراءة حتى لو كان المقال بطول نهر دجلة!

لا ابالغ إذا ما قلت انك من بين أميز صفوة كتاب العراق، الذين يجيدون إلى حد البراعة، الكتابة بأسلوب – الكماشة الصحفية – ذلك الأسلوب الذي يضع فيه الصحفي، قارئه في كماشة القراءة الطوعية لما يكتب، وبغض النظر إن كان المكتوب طويلا أو قصيرا، مقالا أو تحقيقا، تقريرا أو ملفا صحفيا شائكا.. وشخصياً، كثيرا ما قيل لي هنا في مشواري الصحفي في الإمارات بعد طرحي لملفات رياضية شائكة جدا، أني أجيد فن الكتابة بأسلوب الكماشة الصحفية، ولكني اليوم، ومن خلال أسلوبك المميز في مقالك الرائع، أدركت حقيقة شعور القراء بقيمة ما يكتب الصحفي.
لقد استمتعت كثيرا بمقالك السريالي، والذي أتمنى أن تحوله مع التفاصيل الخفية الأخرى، إلى ملف صحفي استقصائي شامل يتولاه أفضل واشطر صحفي عندك في جريدة الحقيقة، تكشف فيه النقاب عن كل زوايا قضية أهل سامراء، خصوصا وأن لديك أهم شاهد في القضية، ألا وهو شقيق صديقك الذي انقذك من حبل المشنقة.. تحياتي”..

وللفنان القدير الدكتور علاء فائق – مخرج سمفونية المقابر الجماعية التي أداها القارئ المعروف باسم الكربلائي- تعليق، يقول لي فيه:

” بوركت… انت من القلة الذين يكتبون ويذكرون الناس بجرائم صدام التي لا تنتهي ..”.

أما الكاتب حميد الياسري ابن شقيق الراحل الكبير شمران الياسري (أبو گاطع)، الذي يقيم في (سلوفاكيا ) منذ أكثر من 45 عاماً، فقد كتب يقول :

” هو موضوع هام واشبه بالريبورتاج الدرامي عن احد شهداء العراق .. وعندما اتصلت بك هاتفيا أردت أن أخبرك كيف كان بوسعي ان اختصر عليك معاناة البحث عن احد افراد أسرة العقيد حامد السامرائي، حيث أعرف الاستاذ كريم حمادي السامرائي (معلمي الراقي) ، وهو الآن متقاعد لكنه يعمل (نساب) ولديه معرفة بكل بيوتات وعشائر سامراء الكريمة.. وهو صاحب مضيف كبير، وعندي رقم هاتفه.. لقد جاءت معرفتي به مذ كان مبعدا في ريف الكوت، وقد درّسنا في مدرسة حمورابي الابتدائية للبنين، حيث أمضى في ارياف الكوت ثلاث سنوات، لم يزل الرجل يتذكرها بلذة، رغم أنه كان بمثابة (مبعد سياسي) في الستينيات.. وقد بحث عني وبحثت عنه أيضا عبر احد معارفي الذي كان يسكن في منطقتنا وقتذاك.. لكنك لن تحتاج له الان بعد أن علمت بالحقيقة المفجعة من شقيق الضابط البطل”

اما الناقد التشكيلي الصديق رحيم يوسف، فقد كتب لي عن المقال قائلاً: “رائع ما تكتبه في اضاءة الفترة المظلمة التي عشناها وعاشها الشعب العراقي، على الرغم من كم الالم الذي تسببه..

أحييك ابا حسون.. “.

أما الصحفي والباحث في الفلكلور والأدب الشعبي الصديق صباح الخطاط، فقد كتب لي يقول:

“مؤسف جداً موت هذا البطل، والإنسان الوطني الشريف.. رحم الله العقيد حامد واسكنه فسيح جناته، ورحم الله جميع شهداء العراق البواسل.. ولعنة الله على كل الظلمة والطغاة في التاريخ “.

في حين كتب لي الكاتب والاعلامي الصديق صادق الصافي، يقول:

” إنه مقال انساني محزن جداً.. فشكرا لوفائكم اخي ابو حسون المحترم.. الرحمة والفاتحة لروح الشهيد ابو حسام وكل شهداء الوطن الأبرار ..”.

أما الشاعر الجميل ماجد عودة، فقد كتب لي يقول:

“الله يرحمه برحمته الواسعة، لقد كفيت ووفيت.. بما كتبته عنه يا أبا حسون، واحييت ذكراه من جديد .. “.

بينما كتب لي اللواء الطيار الركن كامل جاسم أحد قادة جهاز مكافحة الإرهاب السابقين يقول:

“بقدر ماسعدت بموضوع الكاسيت بقدر أكثر تألمت للأوضاع المريرة التي كان يعيشها شبابنا من أمثالكم الذين خدموا وقت حروب صدام العبثية.. وكيف أن العدو كان أمامهم ورجال الإستخبارات خلفهم فأين المفر، مع ذلك نقول الحمدلله على سلامتكم ، وتحية وشكرا لضابط الاستخبارات الشهم الشريف حامد السامرائي الذي أنقذكم من موت محتم ..”.

في حين كتب لي الشاعر جبار فرحان رئيس اتحاد الادباء الشعبيين العرب يقول: ” لقد آلمني خبر اعدام الضابط السامرائي، اللهم يساعد قلبك لهذا الخبر .. ثق أني قررت قبل يومين أن أرسل المقال لصديقي الشاعر علي بدر السامرائي، للاستفسار منه عن العقيد حامد، لكني تفاجأت اليوم بإعدامه .. اللهم يرحمه برحمته ويطيل بعمرك اخي ابا حسون ..”.

أما الصديق (اللاذع) صباح الياسري، فقد كتب لي بلغته (الحسچة) يقول: ” إن هذا الرجل كما يتضح كان نبيلا جداً في إنسانيته، فابحث عنه ياصديقي ما استطعت، لأنه طوّق رقبتك بدين تعجز عن حمله الجبال.. يعني فرغصك من چف عزراييل والمفروض كل ليلة جمعة تذبحلك ديج لويه الله”..!

وعندما نشرت المقال الثاني وعرف ان صاحبي قد أعدم، كتب لي صباح مرة ثانية يقول:

“كيف لمثله أن لا يعدم .. وكل الخيرين هم أهداف مباحة ومتاحة لأن تصفى. رحم الله الشهيد حامد، وأمد بعمرك أيها الاخ الفاضل”.
أما الصديق الكاتب حسن الخفاجي فقد كتب يقول: رحم الله العقيد حامد السامرائي، والراحل ابو ضرغام باسم الربيعي .. واطال الله بعمرك أخي.. أنا اليوم ومنذ الصباح خصصت الوقت الذي تسمح به عيوني لقراءة مقالاتك الثلاثة واكملتها .. أتذكر اني كنت في يوم ما مع الاستاذ ثامر محسن والمدرب واثق ناجي يرحمهما الله، في بيت صديقنا كامل العليان شقيق علي العليان في سامراء.. وقد تحدث لنا عن سجن شقيقه علي، وعن (مؤامرة السوامره)، وتطويق سامراء، وبعد فترة جاء كامل الى بغداد وقال (لقد أفرج عنهم) .. لكن صدام عاد واعتقلهم مرة ثانية واعدمهم”..!

أما الزميل محمد مؤنس، فقد كتب لي بحميميته المعروفة كلاماً أنقله هنا نصاً: ” السلام عليكم ابو حسون.. اعتقد جازما أن العناية الإلهية قد أحاطتك برعايتها، وان هناك أمراً غيبيا قد تدخل أيضاً .. وربما تكون في تلك اللحظة الرهيبة تدعو الإمامين الحسين والعباس أو تتنخى بأمير المؤمنين علي عليه وعلى أولاده افضل الصلاة والسلام.. والا كيف هدى الله لك ضابط استخبارات يدافع عنك ويحميك من الأوغاد في لحظة تكاد تكون مصيرية أو تكون حداً فاصلاً بين الحياة والموت أو أضعف الإيمان السجن لمدة لا يعلمها إلا الله.. وثمة سبب اخر، ربما يكون لدعاء والديك رحمهما الله أجل وأثر في أن تكون قضيتك بيد هذا الضابط الوطني الشريف وليس بيد احد الضباط البعثيين القتلة، لقد أراد الله أن لا يصاب والداك بنكبة أخرى بعد نكبة اعتقال واعدام ابنهم خيون رحمه الله…يقيناً أن هناك سراً خفياً وفر لك كل هذا واحاطك بتلك الرعاية ..الرحمة والمغفرة للشهيد حامد السامرائي الذي كان عونا لك في هذا الامتحان .. دمت بخير”..

اما صديقنا الشاعر والاعلامي والنائب السابق وجيه عباس فقد كتب لي:

“يااخي أنت والله متحدث خطير، وراوية للايام التي علقت بذاكرتنا.. لقد كتبت عن هذا الرجل الوطني الشجاع مقالات انسانية تفيض بالمواقف الرحمانية..”.

في حين ان النائب السابق والكاتب والاكاديمي الدكتور محمد الشمري، أجرى اتصالاً مطولاً معي، تحدث فيه عن علاقته بأحد المعتقلين في قضية السوامرة، ألا وهو الدكتور عبد الله سلوم السامرائي، عندما كان أستاذه في الكلية.. وللعلم، فإن الدكتور الشمري بذل جهداً طيباً في مساعدتي بالتوصل لعائلة العقيد حامد، حيث قام مشكوراً بالبحث والاتصال بالشيخ مجيد عبد الكريم شقيق الشهيد العقيد حامد.

إن الرسائل التي وصلتني حول مقالاتي الثلاثة، كثيرة جداً قد لا تكفيها صفحتان في الجريدة.. لذلك سأذكر فقط بعضاً من أسماء مرسليها، دون نصوصها، وطبعاً فأن جميع مرسليها هم من الأصدقاء الأعزاء الأجلاء، ومن بين هذه الأسماء العزيزة اسم الزميل رحيم العراقي، الذي لم يكتف بالتعليق الودود، انما نشر المقالات الثلاثة في صفحته الشخصية أيضاً. كما كان لرسائل الأصدقاء الاجلاء أثر كبير في نفسي، كرسالة البروفسور شاكر حنيش، والصديق جمال جميل، والصديق فارس الكعبي، والصديق مهند أبو أمنية، والصديق جمال جابرو، والزميل طلال عدنان والشاعر العذب رياض الركابي، والصديق المهندس عمر حمدي، والصديق صادق الزيدي، والصديق الفنان جمال كريم، والسيدة مي ابنة القائد الشيوعي الشهيد ستار خضير، والصديق لطيف طرفه محافظ الكوت الأسبق، والزميل جبر شلال الجبوري، والزميل عدنان الجبوري، والصديق حسام حسن مدير عام العلاقات في وزارة الشباب، والعميد الركن السابق، الشخصية الرياضية المعروفة احمد عباس ابراهيم.. وعلى ذكر الرياضيين، فقد وردتني رسائل واتصالات عديدة حول موقف العقيد حامد عبد الكريم، وأولها من صديقي صاحب الموقف الشجاع اللاعب السابق عادل علوان، واتصال من لاعب الزوراء والمنتخب السابق مناضل داود، ورسالة من النجم الكبير كريم صدام، ولاعب التجارة السابق حامد جبر، واللاعب السابق غالب جاسم عودة، واللاعب فراس نجل ملك التغطية عبد كاظم، وغيرهم.. وعذراً للأصدقاء الذين لم أذكرهم، والف اعتذار عن التوقف عند هذا الحد.. مختتماً الرسائل، برسالة الصديق ( …. … ) الذي ارسل لي هذه الرسالة:

” صديقي العزيز أبا حسون.. يقيناً أن الشهيد حامد السامرائي يستحق ما كتبته عنه، فهو نموذج رائع وفريد، ولكن يجب ان تعرف ان السوامرة ليسوا كلهم مثل (العقيد حامد). لقد تعرضت في اعتقالي بالاستخبارات الى تعذيب وحشي فظيع ومعاملة لا أخلاقية رهيبة لم يمارسها النازيون مع اليهود، وكان بطلا هذا التعذيب ضابطين سامرائيين .. “!

الرسالة طويلة، وفيها كلام لا يجوز نشره.. وجوابي لهذا الصديق العزيز أقول: نعم، فالسوامرة مجتمع مثل أي مجتمع عراقي، او غير عراقي، تجد فيه الصالح والطالح معاً.. وهو امر لا يمكن لأحد إنكاره.. إن مقالاتي الثلاث جاءت تقديراً لموقف الشهيد حامد السامرائي، ولم أقل فيها أن السوامرة ملائكة، ومعصومون عن الخطأ.. أنما تحدثت فقط عن موقف هذا الضابط السامرائي الشريف، وثق بأني ساكتب المقالات ذاتها، لو كان العقيد حامد تكريتياً او موصلياً او فلوجياً أو بصرياً، او نجفياً.

نعم، أتفق معك أن ليس كل السامرائيين (حامدين )، وفي الوقت نفسه، فأن ليس كل التكارتة (صداميين)، ولا كل النجفيين (حيدريين) او كل الكربلائيين (حسينيين)، ولا كل أهل الرميثة أو السماوة هم شعلان أبو الجون .. مع إني من أشد المحبين لأهل الرميثة البواسل، ولعموم السماوة الطيبين.

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات فی حین

إقرأ أيضاً:

الهمباتة لا يقتلون النساء.. ليسوا سواء!!

في نقد مقاربة أخلاقية غير لائقة، تجشمها صحفيٌ إسلامي، في تعريضة له بسردية هيئة الدفاع عن إنقلاب الإنقاذ ، ما بين مرافعتهم في الدفاع عن عصبة الإنقاذ وما بين أدب الهمباتة، نبلهم وفلسفتهم..
ناجي شريف بابكر
.
إذا ما كان الهمباتة وفق ما أورده نص لصحفي قضّى زهرة شبابه يسوِّقُ لمشروع الإنقاذ السماويّ، يبلغ بهم النبل أن ينهبوا الأغنياء واللصوص كيما ينفقوا على الفقراء مما ينهبون، كما كان يفعل اللص النبيل آرسين لوبين في روايات موريس لبلان في السبعينات من القرن الماضي.. فإن ذلك لوحده، رغم ما فيه من التعدي والجناية، قد كان كافيا أن ينفي عنهم شبهة المقارنة بالإنقاذ وإسلامييها البخلاء المُقتِرين سالبيّ اليسطاء حقوقهم وثرواتهم الجمعية.. إنهم ليسوا سواء.
إن الإنقاذ لم تكن كشأنهم، تنهب الأثرياء حتى تنفق على الفقراء أوحتى تغيث الملهوفين، تجيرهم وتحسن جوارهم.. فهي للعار والمفارقة قد دأبت طوال ثلاثين عاما متتابعات، تنهب الفقراء وتغدق على الموسرين.. تجلّى ذلك في تصفيتها لممتلكات الشعب المتمثلة في أصول القطاع العام بواخره وطائراته وقطاراته وموارده المعدنية وأراضيه ومدخراته وتصفية مشافيه العامة التي كانت تكفل له الرعاية الصحية، والمدارس الحكومية التي كان يتعلم فيها أبناء البسطاء وبناتهم، كانت تفعل ذلك حتى لا يجد الفقراء ما يحملهم من القوت والدواب وما عليه يركبون.. حتى لا يجدوا خيارا أمامهم سوى الفقر والمخمصة..فقد أقامت الإنقاذ لأجل ذلك النيابات المتخصصة وأغدقت على منسوبيها أضعاف ما كانوا يتلقونه بالقضائية، كيما يلقوا بثقلهم لصالح المؤسسات الكبرى الجاحدة المتنفذة، في مواجهة المواطن الضعيف المغلوب الذي لا نصير له، نيابة للمصارف، ونيابة لسوداتيل، ونيابة للضرائب، ونيابة للجمارك.. كانت تقوم عبر المحليات بحشد المستضعفين من الصبية المشردين الذين يعملون في غسل السيارات في الشوارع، تحشدهم بالدفارات لمحاكم النظام العام التي تسرق عرقهم وعافيتهم فترسلهم بدورها كعمالة قسرية وكأرقاء في مزارع القصب بسكر عسلاية (صحيفة التغيير).. كانت السلطة فيها مُفسِدَة وظالمة، تتهم من تكره بلا جريرة، تُعزّ من تشاء وتذل من تشاء من الضحايا.. تعتقلهم، وتحاكمهم وتبتزهم لصالح دائنيهم، وتستلم الحوافز كلما زاد حيفها وقهرها للعوام.. ليسوا سواء.

الهمباتة رجال يتغنون ويتفاخرون بإنفاقهم وبأفضالهم وكرمهم واحترامهم لذوي الفضل والشجاعة واحتقارهم للبخل والجبن.. بينما كانت الإنقاذ على العكس من ذلك، شحيحة متمنعة، تُحرِّضُ المستشفيات الخيرية التي شيدتها الكنائس كمشفى السلام في سوبا جنوب الخرطوم، وتلك التي شيدها محسنون كمشفى السويدي وابن عوف، تطارد إداراتها كي تفرض رسوما مقابل ما كانت تمنحه دون مقابل من الدواء والخدمات العلاجية للفقراء الذين لا يجدون ما ينفقون. كانت تطارد رواد المبادرات الخيرية كمنظمة شارع الحوادث وصدقات ومنظمات الغوث الإنساني وتنكل بالقائمين عليها ثم تودعهم السجون. كان أثرياء النفوذ من حرافيش الإسلاميين الذين خلقتهم بثرواتهم الهائلة شحيحين مانعين للماعون وبخلاء، لم تعرف لهم الخرطوم كما عهدت في أثريائها، مشفىً خيريا واحدا، ولا مدرسة ولا جامعة مبذولة للبسطاء ولأبناء الفقراء وذويهم.
كانت سلطة الإنقاذ تقهر النساء والبسطاء المشردين وأبناء الشوارع. كانت تقهر العمال وتفسد عليهم أحلامهم وأجسامهم المطلبية حتى لا تسمع شكاواهم ومخمصتهم.. بينما ترعى العتاة من لصوص المال العام، المقيمين منهم والعابرين للحدود، المترفين وسيئ السمعة والمدانين في جرائم المال العام، على حساب الشرفاء المتعففين من العوام من الكادحين والضحايا.. وتجعل منهم أئمة وزعماءً واعيانا على المجتمع وعلى الأندية الرياضية، تدبجهم بالأوسمة والنياشين وقلادات الشرف. لو أن اللصوص يعبأون بالشرف.. لكن فاقد الشئ لا يعطيه.. ليسوا سواء.-لأن الهمباتة يحفظون العهد والجوار.. بينما سلطة الإنقاذ أجارت بن لادن ثم نهبته أمواله، وقايضت خصومه لتسليمهم إياه بينما كانوا يتمنعون لعدم إكتمال ملفاتهم القضائية، ثم دفعته للخروج وأستولت من بعده على أمواله وأصوله، فسماهم بحكومة الجريمة المنظمة .. أجارت كارلوس ثم خدرته خِلسةَ بإحدى مشافيها، وسلمته للفرنسيين مقابل ثمن بخس خمسين مليونا من الدولارات!!.. إستدرجت متشددي الجهاد الإسلامي وفتحت لهم المتاجر والمقاهي بالخرطوم (يافا.. والجزار) ثم رفعتهم على طائرة خاصة لأمريكا حتى دفعت السخرية بفرقة أصدقاء المسرح في إحدى إسكتشاتها المسرحية "صقر قريش" أن تقايض عبد الرحمن الداخل مقابل "عمبلوق" وهو ذكر حديث السن من أجِنّةِ الماعز، مصحوبا بخمسين كيسا من بصل المكادة.
اوهمت الإنقاذ متشددي القرن الأفريقي بالدعم والمساندة بينما بعثت من خلفهم في المدائن حاشرين، رفعوا بياناتهم وإحداثياتهم للأمريكيين.. حتى نصبّها مكتب التحقيقات الفيدرالي على الملأ كأكبر حكومة في أفريقيا تعاونا في الحرب في مواجهة الإرهاب.. وأخيرا وشى زعيمها بالنقيب أبو زيد لخصومه في جهاز الشرطة بعد أن تحصّل على ما كان بحوزته من دلائل موثقة على فساد الشرطة ومكائدها. حاكموه بالوشاية (الوشاية باللصوص) في محكمة خاصة بهم لا يشهدها العوام من الناس فلبث في السجن بضع سنين، وقد كان يحسب أنه بمفاتحته للرئيس إنما يُسدي لهم صنيعا، ضعف الطالب والمطلوب.. الشرطة التي حينما قتل أحد منسوبيها ببندقية آلية عوضية عجبنا إمرأة ثلاثينية وهي تقف أمام دارها وأسرتها بيدين خاليتين في ضاحية الديوم بالخرطوم. ثم بعد أن حكمت عليه المحكمة بالقصاص مقابل القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، تقدم ثلاثمائة ضابط من ضباطها بإستقالاتهم، ليس إنحيازا للضحية وإنما إستكبارا في مواجهة تنفيذ العدالة قصاصا لحقوق أناس بسطاء في وزن عوضية عجبنا. ثم تحايلوا على الحكم ثم نقضوه، ثم هرّبوا صاحبهم لينجو بجنايته وفي عنقه دماء.. الهمباته لا يقتلون النساء العزل.. ولا يناصرون قاتليهم.. ليسوا سواء..

لأن الهمباتة لا يكذبون فهم لا يخشون أحدا كي يخادعوه، ولا يخلفون وعدا قطعوه، بينما الإنقاذ ممثلة في رأسها كانت تكذب وتتحرّى الكذب، حتى أنها كانت تتسوّل الثقة لدى سامعيها جهارا "حصل كضبت عليكم؟".. كانت كل عام أو إثنين ترسل رأسها ليذهب لأهل الشرق، وفي بضع زيارات متعاقبات لبورتسودان، على قهرهم ومسغبتهم كان يأكل زادهم ويشرب حصتهم من الحساء، ثم يتلو عليهم الآيات وهم عطشى ممحلون، أن خلقنا من الماء كل شئ حي، ثم يقسم لهم أن الماكينات الأن وقد رآها بعينيه في طريقها للعمل لتشييد خط المياه ومضخاتها من ابي حمد إلى بورتسودان.. كان يعدهم فيما يعدهم المنّ والسلوى.. وكان الناس من عجبٍ يُصفقُّون له كأنما كان يسحرهم أو كأنما يسمعونه للمرة الأولى.. صمُ بكمُ عميٌ فهم لا يرجعون.. كانهم لا يملّون أن يصدقوا نفس الاكاذيب والوعود لكرّاتٍ وكرّات، فيما انقضى من السنين والأيام..لكنهم ليسوا سواء..

إن المقاربة ما بين الهمباته وأولئك الذين يدافعون عن نظام فاجر متجبر مقاربة فاسدة تحكي مدى الغفلة التي يغرق فيها مثقفو الإنقاذ وبطانتها، واستعدادهم أن يكتبوا بأيديهم من الشهادات ما يشوّه الحقائق ويهيئ في مكانها المسرح لسرديات أكثر سفها وفسادا..

nagibabiker@gmail.com
إنتهى  

مقالات مشابهة

  • الهمباتة لا يقتلون النساء.. ليسوا سواء!!
  • هل ذُكرت كلمة وطن في القرآن الكريم؟ أمين الفتوى يجيب
  • السامرائي والحكيم يؤكدان ضرورة وضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار
  • مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالمساجد وبيان فضلها
  • هل حفظ القرآن الكريم للحصول على مكافآت مالية حرام؟.. أمين الفتوى يرد
  • "أثر اللغة العربية في فهم القرآن الكريم" أمسية علمية بأوقاف الفيوم
  • أمين الفتوى: لا مانع شرعي من حفظ القرآن الكريم للحصول على جائزة مالية
  • أمير منطقة الرياض يرعى الحفل السنوي للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض “مكنون”
  • أذكار النوم من القرآن الكريم والسنة
  • الإفتاء توضح أفضل أوقات قراءة لقرآن الكريم