العقيد حامد عبد الكريم أنموذج فريد والسوامرة ليسوا كلهم (عقيد حامد)
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
بقلم: فالح حسون الدراجي ..
بعد مقالاتي الثلاثة ، والتي تحدثت فيها عن علاقتي بعقيد الاستخبارات حامد عبد الكريم السامرائي.. تلقيت منذ المقال الاول حتى كتابة هذا المقال، رسائل، واتصالات كثيرة جداً، من أصدقاء وزملاء وقراء كرام، أبدوا جميعاً تقديرهم واحترامهم المعطر باريج الشكر والاعتزاز بشجاعة هذا الرجل، وبموقفه الوطني والانساني الذي جعلهم يفخرون بعراقيتهم التي أنجبت ضابطاً نبيلاً شجاعاً كالعقيد حامد السامرائي.
وقبل أن أبدأ باستعراض الرسائل، أود أن أشير الى حجم وروعة ودفق النقاء والشهامة والتكريم الذي تلقيته من عائلة الشهيد البطل حامد عبد الكريم السامرائي، عبر الاتصالات التي جرت بيني وبين أربعة من أفراد هذه الأسرة الكريمة، بينهم شقيقا الشهيد- وهما الشيخ مجيد والشيخ مهند- فضلاً عن مكالمة نجله الأستاذ حسام، ومكالمة حفيده (جهاد).. وللحق، فقد سعدت وفخرت جداً بهذه المكالمات الودودة. ناهيك من المعلومات والقصص الجديدة التي رواها لي أفراد أسرته، والتي تتحدث -بالأسماء- عن مواقف انسانية أخرى أنقذ فيها الشهيد حامد أعناق ثمانية عشر جندياً من المقصلة، بعد احدى معارك البصرة ..
أما الان فدعوني أستذكر الرسائل والاتصالات التي وصلتني من الأصدقاء والقراء حول ما كتبته عن عقيد الاستخبارات حامد عبد الكريم السامرائي.. وطبعاً فإني لن أعيد اليوم ما كنت قد ذكرته بالمقال السابق عن رسائل الأحبة كريم جسر، والسينارست حامد المالكي، والفريق الركن نجيب الصالحي، ولا أعيد رسالة الصديق أنور رستم أو رسالة (المخرج الذي اعلن عن تطوعه لإخراج فيلم سينمائي روائي عن ابن سامراء) .. إنما سأذكر اليوم الرسائل التي لم يرد ذكرها في مقالي السابق.. وطبعاً فإني لن أستطيع نشر كل الرسائل، وعددها تجاوز المئة بكثير، ولن أستذكر كل الاتصالات، لأنها كثيرة جداً أيضاً.. لكني سأنشر ما يسمح به المجال، معتذراً للأحبة الذين لن تذكر اسماؤهم ورسائلهم هنا..
ثمة رسائل يطالبني فيها أصحابها بمواصلة استذكار وتخليد تضحيات وبطولات الشجعان قبل أن تشيخ ذاكرة الزمن، ومثال على ذلك ماكتبه لي الفنان الكبير جواد الشكرچي في رسالته، التي أقتطع منها هذه الكلمات:
” عاشت الايادي ابو حسون. إنه مقال اكثر من رائع، للأسف لايعرف معظم أبناء الشعب العراقي هذه القصص والاحداث التي يجب ان يعرفها الجميع …انها قصص بطولية ملحمية، بوركت ياصديقي..”.
اما السفير العراقي في براغ، الدكتور فلاح عبد الحسن، فقد كتب لي: ” نعم ابو حسون، لابد من تسليط الضوء على ابناء الوطن الشرفاء وما اكثرهم في زمن ساد فيه الفاسدون وهرب او قتل او عزل فيه الشرفاء.. عاشت يدك .. ولا فض فوك” ..
في حين كانت الرسالة التي تلقيتها من الزميل الصحفي الرياضي علي شدهان الذي يعمل منذ سنوات في جريدة البيان الاماراتية، مكتنزة بالمهنية و (الحرفنة)، واليكم ما كتبه الزميل علي شدهان في رسالته نصاً :
” صباح الورد عيوني أبو حسون الغالي.. يا اخي أنت كاتب خطيييير، ما إن “يتورط” أحد بالبدء في قراءة مقالك، حتى تجبره طوعا على إكمال القراءة حتى لو كان المقال بطول نهر دجلة!
لا ابالغ إذا ما قلت انك من بين أميز صفوة كتاب العراق، الذين يجيدون إلى حد البراعة، الكتابة بأسلوب – الكماشة الصحفية – ذلك الأسلوب الذي يضع فيه الصحفي، قارئه في كماشة القراءة الطوعية لما يكتب، وبغض النظر إن كان المكتوب طويلا أو قصيرا، مقالا أو تحقيقا، تقريرا أو ملفا صحفيا شائكا.. وشخصياً، كثيرا ما قيل لي هنا في مشواري الصحفي في الإمارات بعد طرحي لملفات رياضية شائكة جدا، أني أجيد فن الكتابة بأسلوب الكماشة الصحفية، ولكني اليوم، ومن خلال أسلوبك المميز في مقالك الرائع، أدركت حقيقة شعور القراء بقيمة ما يكتب الصحفي.
لقد استمتعت كثيرا بمقالك السريالي، والذي أتمنى أن تحوله مع التفاصيل الخفية الأخرى، إلى ملف صحفي استقصائي شامل يتولاه أفضل واشطر صحفي عندك في جريدة الحقيقة، تكشف فيه النقاب عن كل زوايا قضية أهل سامراء، خصوصا وأن لديك أهم شاهد في القضية، ألا وهو شقيق صديقك الذي انقذك من حبل المشنقة.. تحياتي”..
وللفنان القدير الدكتور علاء فائق – مخرج سمفونية المقابر الجماعية التي أداها القارئ المعروف باسم الكربلائي- تعليق، يقول لي فيه:
” بوركت… انت من القلة الذين يكتبون ويذكرون الناس بجرائم صدام التي لا تنتهي ..”.
أما الكاتب حميد الياسري ابن شقيق الراحل الكبير شمران الياسري (أبو گاطع)، الذي يقيم في (سلوفاكيا ) منذ أكثر من 45 عاماً، فقد كتب يقول :
” هو موضوع هام واشبه بالريبورتاج الدرامي عن احد شهداء العراق .. وعندما اتصلت بك هاتفيا أردت أن أخبرك كيف كان بوسعي ان اختصر عليك معاناة البحث عن احد افراد أسرة العقيد حامد السامرائي، حيث أعرف الاستاذ كريم حمادي السامرائي (معلمي الراقي) ، وهو الآن متقاعد لكنه يعمل (نساب) ولديه معرفة بكل بيوتات وعشائر سامراء الكريمة.. وهو صاحب مضيف كبير، وعندي رقم هاتفه.. لقد جاءت معرفتي به مذ كان مبعدا في ريف الكوت، وقد درّسنا في مدرسة حمورابي الابتدائية للبنين، حيث أمضى في ارياف الكوت ثلاث سنوات، لم يزل الرجل يتذكرها بلذة، رغم أنه كان بمثابة (مبعد سياسي) في الستينيات.. وقد بحث عني وبحثت عنه أيضا عبر احد معارفي الذي كان يسكن في منطقتنا وقتذاك.. لكنك لن تحتاج له الان بعد أن علمت بالحقيقة المفجعة من شقيق الضابط البطل”
اما الناقد التشكيلي الصديق رحيم يوسف، فقد كتب لي عن المقال قائلاً: “رائع ما تكتبه في اضاءة الفترة المظلمة التي عشناها وعاشها الشعب العراقي، على الرغم من كم الالم الذي تسببه..
أحييك ابا حسون.. “.
أما الصحفي والباحث في الفلكلور والأدب الشعبي الصديق صباح الخطاط، فقد كتب لي يقول:
“مؤسف جداً موت هذا البطل، والإنسان الوطني الشريف.. رحم الله العقيد حامد واسكنه فسيح جناته، ورحم الله جميع شهداء العراق البواسل.. ولعنة الله على كل الظلمة والطغاة في التاريخ “.
في حين كتب لي الكاتب والاعلامي الصديق صادق الصافي، يقول:
” إنه مقال انساني محزن جداً.. فشكرا لوفائكم اخي ابو حسون المحترم.. الرحمة والفاتحة لروح الشهيد ابو حسام وكل شهداء الوطن الأبرار ..”.
أما الشاعر الجميل ماجد عودة، فقد كتب لي يقول:
“الله يرحمه برحمته الواسعة، لقد كفيت ووفيت.. بما كتبته عنه يا أبا حسون، واحييت ذكراه من جديد .. “.
بينما كتب لي اللواء الطيار الركن كامل جاسم أحد قادة جهاز مكافحة الإرهاب السابقين يقول:
“بقدر ماسعدت بموضوع الكاسيت بقدر أكثر تألمت للأوضاع المريرة التي كان يعيشها شبابنا من أمثالكم الذين خدموا وقت حروب صدام العبثية.. وكيف أن العدو كان أمامهم ورجال الإستخبارات خلفهم فأين المفر، مع ذلك نقول الحمدلله على سلامتكم ، وتحية وشكرا لضابط الاستخبارات الشهم الشريف حامد السامرائي الذي أنقذكم من موت محتم ..”.
في حين كتب لي الشاعر جبار فرحان رئيس اتحاد الادباء الشعبيين العرب يقول: ” لقد آلمني خبر اعدام الضابط السامرائي، اللهم يساعد قلبك لهذا الخبر .. ثق أني قررت قبل يومين أن أرسل المقال لصديقي الشاعر علي بدر السامرائي، للاستفسار منه عن العقيد حامد، لكني تفاجأت اليوم بإعدامه .. اللهم يرحمه برحمته ويطيل بعمرك اخي ابا حسون ..”.
أما الصديق (اللاذع) صباح الياسري، فقد كتب لي بلغته (الحسچة) يقول: ” إن هذا الرجل كما يتضح كان نبيلا جداً في إنسانيته، فابحث عنه ياصديقي ما استطعت، لأنه طوّق رقبتك بدين تعجز عن حمله الجبال.. يعني فرغصك من چف عزراييل والمفروض كل ليلة جمعة تذبحلك ديج لويه الله”..!
وعندما نشرت المقال الثاني وعرف ان صاحبي قد أعدم، كتب لي صباح مرة ثانية يقول:
“كيف لمثله أن لا يعدم .. وكل الخيرين هم أهداف مباحة ومتاحة لأن تصفى. رحم الله الشهيد حامد، وأمد بعمرك أيها الاخ الفاضل”.
أما الصديق الكاتب حسن الخفاجي فقد كتب يقول: رحم الله العقيد حامد السامرائي، والراحل ابو ضرغام باسم الربيعي .. واطال الله بعمرك أخي.. أنا اليوم ومنذ الصباح خصصت الوقت الذي تسمح به عيوني لقراءة مقالاتك الثلاثة واكملتها .. أتذكر اني كنت في يوم ما مع الاستاذ ثامر محسن والمدرب واثق ناجي يرحمهما الله، في بيت صديقنا كامل العليان شقيق علي العليان في سامراء.. وقد تحدث لنا عن سجن شقيقه علي، وعن (مؤامرة السوامره)، وتطويق سامراء، وبعد فترة جاء كامل الى بغداد وقال (لقد أفرج عنهم) .. لكن صدام عاد واعتقلهم مرة ثانية واعدمهم”..!
أما الزميل محمد مؤنس، فقد كتب لي بحميميته المعروفة كلاماً أنقله هنا نصاً: ” السلام عليكم ابو حسون.. اعتقد جازما أن العناية الإلهية قد أحاطتك برعايتها، وان هناك أمراً غيبيا قد تدخل أيضاً .. وربما تكون في تلك اللحظة الرهيبة تدعو الإمامين الحسين والعباس أو تتنخى بأمير المؤمنين علي عليه وعلى أولاده افضل الصلاة والسلام.. والا كيف هدى الله لك ضابط استخبارات يدافع عنك ويحميك من الأوغاد في لحظة تكاد تكون مصيرية أو تكون حداً فاصلاً بين الحياة والموت أو أضعف الإيمان السجن لمدة لا يعلمها إلا الله.. وثمة سبب اخر، ربما يكون لدعاء والديك رحمهما الله أجل وأثر في أن تكون قضيتك بيد هذا الضابط الوطني الشريف وليس بيد احد الضباط البعثيين القتلة، لقد أراد الله أن لا يصاب والداك بنكبة أخرى بعد نكبة اعتقال واعدام ابنهم خيون رحمه الله…يقيناً أن هناك سراً خفياً وفر لك كل هذا واحاطك بتلك الرعاية ..الرحمة والمغفرة للشهيد حامد السامرائي الذي كان عونا لك في هذا الامتحان .. دمت بخير”..
اما صديقنا الشاعر والاعلامي والنائب السابق وجيه عباس فقد كتب لي:
“يااخي أنت والله متحدث خطير، وراوية للايام التي علقت بذاكرتنا.. لقد كتبت عن هذا الرجل الوطني الشجاع مقالات انسانية تفيض بالمواقف الرحمانية..”.
في حين ان النائب السابق والكاتب والاكاديمي الدكتور محمد الشمري، أجرى اتصالاً مطولاً معي، تحدث فيه عن علاقته بأحد المعتقلين في قضية السوامرة، ألا وهو الدكتور عبد الله سلوم السامرائي، عندما كان أستاذه في الكلية.. وللعلم، فإن الدكتور الشمري بذل جهداً طيباً في مساعدتي بالتوصل لعائلة العقيد حامد، حيث قام مشكوراً بالبحث والاتصال بالشيخ مجيد عبد الكريم شقيق الشهيد العقيد حامد.
إن الرسائل التي وصلتني حول مقالاتي الثلاثة، كثيرة جداً قد لا تكفيها صفحتان في الجريدة.. لذلك سأذكر فقط بعضاً من أسماء مرسليها، دون نصوصها، وطبعاً فأن جميع مرسليها هم من الأصدقاء الأعزاء الأجلاء، ومن بين هذه الأسماء العزيزة اسم الزميل رحيم العراقي، الذي لم يكتف بالتعليق الودود، انما نشر المقالات الثلاثة في صفحته الشخصية أيضاً. كما كان لرسائل الأصدقاء الاجلاء أثر كبير في نفسي، كرسالة البروفسور شاكر حنيش، والصديق جمال جميل، والصديق فارس الكعبي، والصديق مهند أبو أمنية، والصديق جمال جابرو، والزميل طلال عدنان والشاعر العذب رياض الركابي، والصديق المهندس عمر حمدي، والصديق صادق الزيدي، والصديق الفنان جمال كريم، والسيدة مي ابنة القائد الشيوعي الشهيد ستار خضير، والصديق لطيف طرفه محافظ الكوت الأسبق، والزميل جبر شلال الجبوري، والزميل عدنان الجبوري، والصديق حسام حسن مدير عام العلاقات في وزارة الشباب، والعميد الركن السابق، الشخصية الرياضية المعروفة احمد عباس ابراهيم.. وعلى ذكر الرياضيين، فقد وردتني رسائل واتصالات عديدة حول موقف العقيد حامد عبد الكريم، وأولها من صديقي صاحب الموقف الشجاع اللاعب السابق عادل علوان، واتصال من لاعب الزوراء والمنتخب السابق مناضل داود، ورسالة من النجم الكبير كريم صدام، ولاعب التجارة السابق حامد جبر، واللاعب السابق غالب جاسم عودة، واللاعب فراس نجل ملك التغطية عبد كاظم، وغيرهم.. وعذراً للأصدقاء الذين لم أذكرهم، والف اعتذار عن التوقف عند هذا الحد.. مختتماً الرسائل، برسالة الصديق ( …. … ) الذي ارسل لي هذه الرسالة:
” صديقي العزيز أبا حسون.. يقيناً أن الشهيد حامد السامرائي يستحق ما كتبته عنه، فهو نموذج رائع وفريد، ولكن يجب ان تعرف ان السوامرة ليسوا كلهم مثل (العقيد حامد). لقد تعرضت في اعتقالي بالاستخبارات الى تعذيب وحشي فظيع ومعاملة لا أخلاقية رهيبة لم يمارسها النازيون مع اليهود، وكان بطلا هذا التعذيب ضابطين سامرائيين .. “!
الرسالة طويلة، وفيها كلام لا يجوز نشره.. وجوابي لهذا الصديق العزيز أقول: نعم، فالسوامرة مجتمع مثل أي مجتمع عراقي، او غير عراقي، تجد فيه الصالح والطالح معاً.. وهو امر لا يمكن لأحد إنكاره.. إن مقالاتي الثلاث جاءت تقديراً لموقف الشهيد حامد السامرائي، ولم أقل فيها أن السوامرة ملائكة، ومعصومون عن الخطأ.. أنما تحدثت فقط عن موقف هذا الضابط السامرائي الشريف، وثق بأني ساكتب المقالات ذاتها، لو كان العقيد حامد تكريتياً او موصلياً او فلوجياً أو بصرياً، او نجفياً.
نعم، أتفق معك أن ليس كل السامرائيين (حامدين )، وفي الوقت نفسه، فأن ليس كل التكارتة (صداميين)، ولا كل النجفيين (حيدريين) او كل الكربلائيين (حسينيين)، ولا كل أهل الرميثة أو السماوة هم شعلان أبو الجون .. مع إني من أشد المحبين لأهل الرميثة البواسل، ولعموم السماوة الطيبين.
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات فی حین
إقرأ أيضاً:
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فرنسا لأجل فلسطين
عندما كانت إسرائيل تغزو بيروت عام 1982، تابعت المجموعات الثورية الفلسطينية والعربية نهجها في ملاحقة العدو خارج حدود المواجهة، ناقلة المعركة إلى قلب أوروبا. من بين تلك العمليات، اغتيل "رجل موساد ودبلوماسي" أميركي في باريس، ووُجّهت أصابع الاتهام إلى اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، الذي يقبع في السجون الفرنسية منذ 4 عقود بتهمة قيادة الفصائل الثورية اللبنانية المدافعة عن فلسطين، وبذلك يكون أقدم سجين سياسي في أوروبا.
كانت العملية امتدادا لمرحلة "وراء العدو في كل مكان" التي اختصرتها روايات الأديب الفلسطيني غسان كنفاني (عكا 1936، بيروت 1972) وجسّدتها المجموعات الثورية بقيادة المناضل وديع حداد (صفد 1927، ألمانيا الشرقية 1978)، فحوّلت العالم إلى ميدان مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، واستقطبت مقاتلين عربا، ورفاقا من اليابان وأوروبا وأميركا اللاتينية، واضعة فلسطين على خريطة النضال الأممي.
"مناضل ولست مجرما"وعادت قضية المناضل الأممي جورج عبد الله إلى الواجهة مجددا مثلما كانت عام 2013، مع توالي الأخبار عن قرب الإفراج عنه بعد قرار محكمة فرنسية بذلك. إلا أن الادعاء الفرنسي، أعلن قبل أيام عزمه استئناف القرار. وفي حال أفرج عنه، يكون عبد الله قد أمضى أكثر من 20 عاما في السجون الفرنسية بعد انتهاء محكوميته، وسط رفض السلطات القضائية المتكرر إخلاء سبيله.
وأمام القضاة، وقف الرجل ذو اللحية الكثّة والنظرة الواثقة مطالبا بحريته للمرة الـ11، قائلا بثبات: "أنا مناضل ولست مجرما"، مؤكدا أن اختياره هذا الطريق كان "ردا على انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين"، وبأن ما فعله: مقاومة.
فهو المولود في الثاني من أبريل/نيسان 1951 في قرية القبيات شمال لبنان لعائلة مسيحية مارونية، وقد شهد في مطلع شبابه "نكسة" 1967، حيث ساهمت "هزيمة حزيران" في تشكيل وعي جيل بأكمله تجاه قضايا التحرر والمقاومة.
عبد الله اشتهر بعبارة "أنا مناضل ولست مجرما" وأكمل عقوبة السجن المؤبد عام 1999 (غيتي)وفي سن مبكرة، انضم إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، واختار طريق النضال والمقاومة. وبعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن (1970)، أصبحت بيروت معقلا للثوار والمقاومين، فكانت نقطة تحول حاسمة في مسار حياته، حيث كانت العاصمة اللبنانية مركزا يعجّ بالحركات الثورية، مما كان له الأثر الكبير في تشكيل قناعاته السياسية.
انضم عبد الله لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الراحل جورج حبش، بعد إصابته في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978 (عملية الليطاني). ومع أفراد من عائلته ورفاقه، أسس الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وبين عامي 1981 و1982، نفذت المجموعة هجمات في أوروبا، أسفرت بعضها عن سقوط قتلى في فرنسا، في إطار دعم القضية الفلسطينية والكفاح ضد الاحتلال.
موت المعلم وولادة المقاتلوبدأ جورج حياته المهنية معلما في مدرسة بمنطقة أكروم بعكار، وفي مقالة وردت بموقع يتبع لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، تروي بدايات جورج وتكشف عن ارتباطه المبكر بالفدائيين الفلسطينيين، يقول كاتبها إن "ابن القبيات" كان يعرّف نفسه بأنه "كادح وليس من البَكَوات"، مستنكرا الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
وتستعرض المقالة المراحل الأولى لجورج عبد الله ضمن الثورة الفلسطينية، مبينة تأثره بحياة "المخيمات" في لبنان، وكيف كان يجول أزقة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، مستخدما دراجته النارية، ليوزع مجلة "الآداب" على المهتمين.
وبعد إنهائه الدورات التثقيفية، انضم عبد الله إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رسميا، ثم انتقل من الشمال إلى منطقة "الجبل" في "مهمة جهادية"، وكان من المفترض أن يعود بعد شهر إلى الشمال، لكنه اختار البقاء، معلنا بذلك نهاية مرحلة "جورج المعلم" وولادة "جورج المقاتل". ومن ثم، أصبح جزءا من الجناح العسكري للجبهة الشعبية، لتصبح الأراضي اللبنانية كلها ساحة قتاله.
جورج عبد الله أمام المحكمة الفرنسية عام 1986 (غيتي)وخدم عبد الله في الجنوب، والبقاع، والجبل، وبيروت -بحسب المقالة- لكن بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقدته منظمة التحرير الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي قبيل اجتياح بيروت عام 1982، انفصل عبد الله عن الجبهة، رافضا التهدئة مع العدو، واتخذ مسارا خاصا به، متأثرا بوديع حداد، وخصوصا بمقولته الشهيرة "وراء العدو في كل مكان"، وانقطعت أخباره إلى حين سماع خبر اعتقاله في فرنسا.
جوازات سفر واعتقاليوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1984، دخل جورج عبد لله مركزا للشرطة في ليون الفرنسية، طالبا الحماية من ملاحقة الموساد الإسرائيلي له. حينها كان يحمل جواز سفر جزائري، بعد أن استخدم جوازات سفر أخرى من مالطا والمغرب واليمن للعبور إلى يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص.
لكن الأجهزة الأمنية الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحا وإنما هو عبد القادر السعدي، وهو الاسم الحركي لجورج عبد الله.
وعثر في إحدى شققه في باريس على أسلحة بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال.
وافقت محكمة فرنسية الأسبوع الماضي على طلب الإفراج عن جورج عبد الله (غيتي)وفي حوار مع صحيفة "لاديباش" الفرنسية، تحدث إيف بوني، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الفرنسي، عن تفاصيل اعتقال جورج إبراهيم عبد الله عام 1984، قائلا: "لم نكن نعلم هويته"، وخلال التحقيق "زعم انتماءه إلى جهاز أمن منظمة التحرير الفلسطينية ووجّه تهديدات للمحققين".
وأضاف بوني أنه لجأ إلى الإسرائيليين للحصول على المساعدة، مما قاد إلى اكتشاف هوية قائد الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وهي مجموعة ماركسية مدافعة عن فلسطين. ومع ذلك، أكد بوني أن الأدلة ضد عبد الله لم تكن قوية، إذ اقتصرت تهم بتزوير الوثائق وحيازة أسلحة ومواد متفجرة.
كان جورج على صلة بسوريا آنذاك، بحسب التحقيق، كذلك على تواصل مع حركات وشخصيات صُنّفت "إرهابية"، مثل تنظيم "العمل المباشر" في فرنسا، و"الألوية الحمراء" في إيطاليا، إضافة إلى علاقته بكارلوس الفنزويلي وفصيل الجيش الأحمر في ألمانيا.
مقاتل عربي لا يندمفي عام 1986، أصدرت محكمة ليون حكما بالسجن لمدة 4 سنوات على جورج عبد الله بتهم "التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومواد متفجرة". وفي العام التالي، مثل أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس، إذ وُجهت إليه تهم بالتواطؤ في اغتيال الأميركي تشارلز راي "ورجل الموساد" ياكوف بارسيمينتوف في 1982، بالإضافة إلى محاولة اغتيال ثالثة في 1984.
وبينما تمسك عبد الله بنفي التهم، قال إنه "مجرد مقاتل عربي"، أصدر القضاء حكما بالسجن المؤبد رغم أن النائب العام كان قد طالب بعقوبة أقل، تصل إلى 10 سنوات.
عبد الله اتهم بقيادة "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية" المناصرة لفلسطين (الفرنسية)في مذكراته، أشار المحامي جورج كيجمان إلى أن عبد الله "أهان الجميع" في المحكمة، ووصفهم بـ"الخنازير والإمبرياليين القذرين"، مما استدعى طرده من القاعة. ورأى محاميه السابق جاك فيرجيس في الحكم "إعلان حرب"، مما دفع إلى تشكيل لجنة دعم فورية تطالب بالإفراج عنه فورا.
ومنذ عام 1999، عندما أصبح مؤهلا لإطلاق سراحه، وتم رفض جميع طلبات عبد الله للإفراج عنه، باستثناء طلب واحد، كان مشروطا بترحيله، وهو ما لم ينفذه وزير الفرنسي الداخلية آنذاك، مانويل فالس.
في عام 2022، قال محاميه جان لويس شالانسيه في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: "إنه في حالة فكرية جيدة. لا يزال متمسكا بمواقفه، ويواصل القراءة بشكل مكثف، ويبقى مطلعا على الأحداث في الشرق الأوسط".
ويرى محامو ومؤيدو جورج عبد الله أن استمرار احتجازه هو نتيجة لتأثيرات سياسية ودولية خارجية. في عام 2013، صادقت المحكمة الفرنسية على إطلاق سراحه بشروط، كان من بينها ترحيله إلى لبنان. لكن، رغم هذا القرار، "تدخلت سفارتا الولايات المتحدة وإسرائيل في مجريات القضية"، مما أثّر بشكل كبير على سير المحاكمة وأدى إلى تراجع السلطات الفرنسية عن قرارها. هذه التدخلات، وفقا لمحاميه، تُعتبر جزءا من حملة سياسية منسقة تهدف إلى إبقاء عبد الله في السجون الفرنسية.
أنصار جورج عبد الله يتظاهرون خارج سجن لانيميزان الفرنسي (الفرنسية) خيانة فرنسيةردت الفصائل الثورية اللبنانية على اعتقال جورج عبد الله بخطف مدير المركز الثقافي الفرنسي في طرابلس، جيل سيدني بيرول، مطالبة بصفقة تبادل، وتم التوصل إلى اتفاق لتحرير بيرول وعبد الله، إلا أن فرنسا أخلفت وعدها وأبقته في السجن.
يروي إيف بوني، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الفرنسي لصحيفة "لا ديباش" تلك اللحظة، قائلا: "كنت خارج البلاد حين طلبت باريس مني العودة بسرعة للتفاوض على تبادل الأسرى. في ذلك الوقت، كان عبد الله متهما بمخالفات بسيطة، ولم يكن هناك ما يثبت تورطه في أي جريمة كبيرة. فوافقت على الصفقة دون أي اعتراض من وزارة الداخلية".
جورج عبد الله أمضى 15 عاما من حياته في ميادين المقاومة و40 عاما في السجون الفرنسية دفاعا عن فلسطين (رويترز)يضيف بوني، "ما لبثت الأمور أن تغيرت فجأة. ففي الوقت الذي تم فيه تحرير بيرول، أخبروني أنهم اكتشفوا في أحد مخابئ الفصائل الثورية اللبنانية السلاح الذي استخدم في قتل تشارلز راي وياكوف بارسيمينتوف. هذا الاكتشاف غيّر مسار القضية تماما، وتجاهلت العدالة الاتفاق الذي أبرمته. قالوا لي ببساطة: حكمه قد صدر".
ويختتم بوني حديثه: "شعرت بخيبة أمل شديدة. لقد قدمت وعدا إلى الذين بذلوا جهودا في هذه القضية، ولكن السلطات السياسية تركتني أواجه الموقف وحدي".
غزة لن ترفع راية الاستسلام"لن تحمل غزة أبدا راية الاستسلام… ولن تتمكن الصهيونية أو أي قوة إجرامية أخرى من كسر إرادة المقاومة فيها"، بهذه الكلمات عبر المعتقل جورج عبد الله في رسالته التضامنية مع الشعب الفلسطيني، الذي يواجه حرب إبادة في غزة والضفة الغربية. البيان أُلقي خلال مظاهرة نظمت في مرسيليا الفرنسية بتاريخ 25 فبراير/شباط الماضي، حيث عبّر المحتجون عن دعمهم لصمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال.
وأشار عبد الله في رسالته إلى أنه "لا ينبغي أن ننسى أبدا أن جذور النضال الفلسطيني انبثقت من أعماق مخيمات اللاجئين في غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان.. هذه المقاومة تحمل وعد التحرر وتصون إرث الفدائيين".
يرى أنصاره في العالم أنه رمز حي للنضال والمقاومة، فهو الذي اعتبرته الكاتبة الفرنسية آني إرنو، الحائزة جائزة نوبل للآداب عام 2022، "ضحية قضاء الدولة الذي يلحق العار بفرنسا". كما يعتقد إيف بوني أن الاستمرار باعتقاله يعد "انتقاما سياسيا"، وأنه قد يكون له الحق في اعتبار ما فعلته الفصائل الثورية اللبنانية "مقاومة"، لأنها جاءت في أعقاب مجزرة صبرا وشتيلا، داعيا إلى إنصافه.
جورج لا يزال في سجون فرنسا رغم مرور 20 عاما على انتهاء مدة محكوميته (وسائل التواصل)خلال 73 عاما من حياته، أمضى جورج عبد الله 15 عاما في ميادين المقاومة و40 عاما في السجون، ثابتا على قناعاته. وفي زنزانته، يعلّق صورة مكتوب عليها "اقترب اللقاء يا فلسطين"، متمسكا بالقضية التي كانت وستظل بوصلة نضاله دون اعتذار أو ندم، بل ويرى أن إطلاق سراحه "أمام الإبادة التي يرتكبها الإسرائيليون والأميركيون" في غزة، "مجرد تفصيل".
تجسد قضية جورج عبد الله الذي حمل رقم (N° 2388/A221) في سجن لانيميزان رمزا لظلم فرنسا ضد مناضل تعتقله منذ 40 عاما، وقد يبقى حتى وفاته ما لم يطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول المقبل كما أمرت المحكمة، رغم استحقاقه الحرية منذ عام 1999.