شهد عام 1992، أزمة الصومال التي مازالت مستمرة..  فقد دمرت حرب أهلية وحشية ومجاعة البلاد، وتركت الملايين في حاجة إلى مساعدة عاجلة،  فأرسلت الولايات المتحدة قوات إلى الصومال كجزء من عملية استعادة الأمل.

 وكان هدفهم تحقيق الاستقرار وتقديم المساعدات الإنسانية،  ولكن بعد وقوع حادث مأساوي في عام 1993، حيث قُتل جنود أمريكيون في مقديشو، وغادر الجيش الأمريكي الصومال.

وأدى الرحيل إلى خلق فراغ في السلطة، وترك الصومال ليدافع عن نفسه.

وفي خضم هذه الاضطرابات، تدخلت مصر كشريك حيوي للصومال، وكانت جهودها لدعم الصومال خلال أحلك أيامه جديرة بالملاحظة وتستحق الاهتمام، فقد أدركت مصر، وهي دولة أفريقية عربية، أهمية مساعدة الصومال في إعادة بناء مجتمعه والحفاظ على الاستقرار.

وتم تعزيز دور مصر في تعزيز السلام والمصالحة في الصومال خلال إعلان القاهرة لعام 1997 بشأن الصومال،  وإدراكًا لضرورة اجتماع القادة الصوماليين وحل خلافاتهم، استضافت مصر مؤتمر سلام حاسمًا في الفترة من 12 نوفمبر إلى 22 ديسمبر 1997… جمعت هذه القمة القادة السياسيين الرئيسيين في الصومال، الذين أكدوا بعد أسابيع من الحوار التزامهم بتحقيق السلام والمصالحة في بلدهم الذي مزقته الحرب. حدد الإعلان المبادئ والإجراءات اللازمة لاستعادة الوحدة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة وإنشاء هيكل حكم شامل. أظهرت قيادة مصر في تسهيل هذا الاتفاق تفانيها في الحلول التي يقودها الصومال وإيمانها بالحوار باعتباره حجر الزاوية للسلام الدائم. وبينما لا تزال التحديات قائمة، يظل إعلان القاهرة لحظة محورية في تاريخ الصومال،

لقد وقفت مصر باستمرار إلى جانب الصومال في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها. في يناير 2024، عندما انتهكت إثيوبيا سلامة أراضي الصومال وانخرطت في أعمال تقوض سيادتها، كانت مصر واحدة من أوائل الدول التي أدانت مثل هذه الأعمال، ووعدت القاهرة بدعم الصومال دبلوماسيًا وأكدت استعدادها للدفاع عن المصالح الصومالية في المحافل الإقليمية والدولية.

 وقد أظهر هذا الموقف الحازم التزام مصر باستقرار الصومال ووحدته في مواجهة العدوان الخارجي، وعلاوة على ذلك، وبينما تستعد الصومال لبدء فصل جديد من تاريخها مع بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية الصومالية التي تحل محل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية المنتهية ولايتها، فإن مشاركة مصر ستكون حاسمة.

 ومن خلال الانضمام إلى هذه البعثة للمرة الثانية منذ عام 1994، ستجلب مصر ثروتها من الخبرة في حفظ السلام وفهمها العميق لتحديات الصومال، وتلعب دورًا حاسمًا في ضمان نجاح هذه المبادرة الجديدة من أجل الاستقرار والأمن في الصومال.

العلاقة التاريخية بين مصر والصومال

لقد رأت القاهرة فرصة لتعزيز العلاقات مع مقديشو وتقديم المساعدات خلال وقت حرج، وركزت الحكومة المصرية على الدعم الإنساني والتعليمي والدبلوماسي، وهو ما كانت الصومال في أمس الحاجة إليه.

قدمت مصر مساعدات إنسانية حاسمة خلال هذه الفترة. سلمت المنظمات المصرية الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الأساسية للأسر الصومالية النازحة… كما أرسلت مصر فرق طبية للمساعدة في مكافحة الأمراض في مخيمات اللاجئين الصوماليين، كانت هذه الجهود حيوية لأن نظام الرعاية الصحية في الصومال انهار أثناء الحرب الأهلية، قدم الأطباء المصريون العلاج في المستشفيات والعيادات المؤقتة، وأنقذوا أرواحًا لا حصر لها.

بالإضافة إلى ذلك، قدمت مصر الدعم اللوجستي للمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ساعدت في توزيع المساعدات على المناطق الريفية في الصومال التي يصعب الوصول إليها بسبب انعدام الأمن.

كان التعليم دائمًا حجر الزاوية في السياسة الخارجية المصرية في إفريقيا.. بعد عام 1994، استثمرت مصر بكثافة في التعليم الصومالي، قدمت منحًا دراسية للطلاب الصوماليين للدراسة في الجامعات المصرية. ساعدت هذه المبادرة في تدريب جيل جديد من المهنيين الصوماليين، بما في ذلك الأطباء والمهندسين والمعلمين.

ولقد لعبت جامعة الأزهر في القاهرة دورًا هامًا. فباعتبارها واحدة من أقدم وأعرق المؤسسات الإسلامية، رحبت بالطلاب الصوماليين لدراسة الدين والقانون واللغة العربية، وعاد العديد من هؤلاء الطلاب إلى الصومال للمساهمة في إعادة بناء مجتمعاتهم.

وفي حين عانت الصومال من القتال القبلي وعدم الاستقرار السياسي، عملت مصر على تعزيز السلام.، واستخدمت نفوذها في جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي للدفاع عن الوحدة الصومالية.

واستضافت مصر زعماء صوماليين لإجراء محادثات سلام، وشجعت الحوار بين الفصائل المتحاربة. ولم تكن هذه الجهود ناجحة دائمًا، لكن مصر ظلت ثابتة في دعم الحلول التي تقودها الصومال للصراع.

كما كان دعم مصر للصومال مدفوعًا أيضًا بمخاوف أمنية إقليمية، لقد شكل انهيار الصومال تهديدًا مباشرًا للبحر الأحمر وخليج عدن، فهذه المنطقة حيوية للشحن العالمي، وعدم الاستقرار قد يسمح للقرصنة والإرهاب بالازدهار… لقد أدركت مصر، بسيطرتها على قناة السويس، أهمية حماية الطرق البحرية، وكان دعم تعافي الصومال خطوة استراتيجية لضمان المرور الآمن للسفن في المنطقة.

وعلى الرغم من جهودها، واجهت مصر تحديات كبيرة في مساعدة الصومال، فقد جعل الصراع المستمر من الصعب تقديم المساعدات أو تنفيذ المشاريع طويلة الأجل، وكثيرًا ما كان عمال الإغاثة والدبلوماسيون المصريون يعملون في ظروف خطيرة.

واليوم، لا تزال الصومال تتعافى من عقود من الحرب، لكن مساهمات مصر تركت أثرًا دائمًا. فالمهنيون الصوماليون الذين درسوا في مصر أصبحوا الآن قادة في مجالاتهم، وتواصل المدارس المصرية في الصومال تعليم الشباب الصومالي، وتحافظ الدولتان على علاقات دبلوماسية قوية.

إن جهود مصر في تسعينيات القرن العشرين كانت بمثابة مثال يحتذى به للدول الأفريقية الأخرى، فقد أظهرت أن التضامن الإقليمي يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا في معالجة الأزمات،ومن خلال مساعدة الصومال، عززت مصر مكانتها كقائدة في العالمين العربي والأفريقي.

إن دعم مصر للصومال يسلط الضوء على أهمية مساعدة الدول الأفريقية لبعضها البعض في أوقات الأزمات. كما يؤكد على الرابطة الدائمة بين هاتين الدولتين. وبينما تواصل الصومال رحلتها نحو السلام والاستقرار، يمكنها أن تنظر إلى الوراء وتتذكر دور مصر في بقائها ونموها.

هذه القصة تذكرنا بقوة التضامن والتأثير الدائم…..

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: سوريا بشار الأسد الصومال أثيوبيا سد النهضة اسرائيل هضبة الجولان تركيا أكراد سوريا الأكراد السوريين الاسد دمشق روسيا أخبار مصر السودان هدنة غزة فی الصومال مصر فی

إقرأ أيضاً:

أحداث الساحل السوري.. انهيار الأمل في ظل التطرف

بغداد اليوم- متابعة

أخبار ومشاهد مروعة تلك التي شاهدها العالم الايام الماضية التي كان مسرحها المناطق الساحلية السورية، وبالأخص مدن اللاذقية وجبلة وبانياس.

موجة قتل صادمة نفذتها فصائل متطرفة متحالفة مع الحكومة المؤقتة بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني). 

هذه الأحداث، التي بدأت يوم الخميس 6 آذار 2025، كشفت عن وحشية غير مسبوقة استهدفت عائلات بأكملها، بما في ذلك الأطفال والنساء، في عمليات إعدام جماعي وانتقام طائفي أعادت إلى الأذهان أحلك فترات الحرب الأهلية، وبينما يُصور الجناة جرائمهم في مقاطع فيديو تُظهر فخرا مريضا بقتل المدنيين، تتساءل الأوساط الدولية عن جدوى التسرع في قبول هذه الجماعات كممثلين شرعيين لسوريا المستقبلية، في ظل عجز الشرع الواضح عن السيطرة على حلفائه.

المجازر: تفاصيل الوحشية

وفقا لتقرير المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 9 اذار 2025، فإن أكثر من 1311 شخصًا قُتلوا خلال 72 ساعة فقط، منهم 830 مدنيا أُعدموا في عمليات انتقام جماعي على الساحل السوري، من بين الضحايا، ذكرت 

منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في بيان بتاريخ 10 مارس آذار أن "عائلات بأكملها، بما في ذلك نساء وأطفال وكبار سن، ذُبحوا بوحشية أمام أعين الناجين".

 تقارير ميدانية من صحيفة "الغارديان" البريطانية أشارت إلى أن مقاتلين متطرفين، بعضهم مرتبط بفصائل إسلامية متشددة، نفذوا هجمات منظمة استهدفت الأقلية العلوية، مُستخدمين السواطير والأسلحة الرشاشة، ثم وثّقوا أفعالهم في فيديوهات تُظهر جثثا مكدسة في الشوارع.

في بانياس، أفاد شاهد عيان لـ"بي بي سي" (9 مارس آذار 2025) بأن "الفصائل قتلت كل من ظهر أمامها، وتركت الجثث متراكمة كعقاب جماعي"، مضيفا أن الأطفال لم يُستثنوا من هذه المذبحة".

 تقرير "أوكسفام" في 10 مارس آذار 2025 أكد أن "النساء والأطفال شكلوا نسبة كبيرة من الضحايا، مع أكثر من 200 طفل و150 امرأة قُتلوا خلال ثلاثة أيام فقط"، مما يُبرز استهدافا متعمدا للمدنيين العُزّل.

التسرع الدولي

هذه المجازر تُعرّي مخاطر الاندفاع الدولي للاعتراف بالجماعات المتطرفة، مثل "هيئة تحرير الشام" كحكام شرعيين لسوريا، وتجاهل تاريخ  تلك الفصائل وقادتها مع الإرهاب.

تقرير "فورين أفيرز" في 11 مارس آذار 2025 حذّر من أن "التسرع في قبول هذه الفصائل كشركاء دون ضمانات سيطرة مركزية قد يُعيد سوريا إلى دوامة الفوضى والإرهاب". 

المحلل السياسي إميل امين علّق في "نيويورك تايمز" (10 مارس 2025) قائلاً: "الدول التي رحبت بالشرع كمنقذ تكتشف الآن أنها دعمت وحوشا لا تفرق بين عدو ومدني".

ردود فعل دولية غاضبة

أثارت المجازر التي هزت الضمير العالمي استنكارا دوليا واسعا. 

ووصف مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الأحداث في 9 مارس آذار 2025 بأنها "انتهاكات مروعة تتطلب تحقيقا فوريا ومحاسبة الجناة"، مشددا على أن "قتل العائلات بأكملها يُظهر انهيارا كاملا للإنسانية".

الولايات المتحدة، عبر بيان لوزارة الخارجية في 10 مارس آذار، طالبت الشرع بـ"السيطرة على الفصائل الخارجة عن القانون"، مُلمحة إلى أن استمرار العنف قد يُعيق رفع العقوبات عن سوريا، من جانبها، حذرت فرنسا في بيان رسمي من أن "دعم الحكومة المؤقتة مشروط بوقف هذه الجرائم"، حسبما نقلت "لو موند" في 11 مارس آذار 2025.

في المقابل، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى "تدخل عاجل لمنع انزلاق سوريا إلى حرب طائفية شاملة"، مشيرا إلى، أن "الصمت الدولي قد يُشجع المزيد من الفظائع".

عجز الشرع عن السيطرة

تُظهر هذه الأحداث بوضوح أن أحمد الشرع، رغم تعيينه رئيسا مؤقتا في يناير كانون الثاني 2025، يفتقر إلى السيطرة الكاملة على الفصائل المتحالفة معه، في خطاب متلفز بتاريخ 9 مارس، اتهم الشرع "موالين للأسد وداعمين أجانب" بإشعال الفتنة، لكنه اعترف بوقوع "انتهاكات" من قِبل حلفائه، معلنا تشكيل لجنة تحقيق، لكن تقرير "رويترز" في 10 مارس آذار نقل عن مصدر أمني سوري، أن "الفصائل المسؤولة تضم مقاتلين أجانب متطرفين خارج سيطرة الشرع"، مما يُثير مخاوف من أن محاولاته لمعاقبة هؤلاء قد تُشعل صراعا داخليًا جديدا بين الفصائل.

إحصائيات مروعة

الأرقام تُبرز حجم الكارثة، "المرصد السوري" أفاد بمقتل 745 مدنيا على الأقل حتى 11 آذار مارس 2025، بينهم 200 طفل و150 امرأة، معظمهم أُعدموا بدم بارد، و "منظمة الصحة العالمية" (WHO) أكدت في 10 مارس أن "أكثر من 3000 شخص نازحوا إلى لبنان هربا من العنف"، بينما ذكرت "يونيسف" أن "الأطفال يُشكلون ثلث الضحايا، وهو ما يُظهر استهدافا متعمدا للأجيال القادمة". هذه الإحصائيات تُعزز شهادات الناجين التي نقلتها "بي بي سي" عن "صراخ الأطفال وهم يُذبحون أمام أمهاتهم".

درس قاسٍ للعالم

مجازر الساحل السوري تُشكل جرس إنذار للمجتمع الدولي، مُظهرةً أن المتطرفين الذين قاتلوا نظام الأسد ليسوا بالضرورة أبطالا للحرية، بل قد يكونون تهديدا أكبر،  وحشيتهم ضد الأطفال والنساء، وتصويرهم لجرائمهم بفخر، يُثبت أن سوريا تحت حكم هذه الفصائل تُواجه مستقبلا مظلما إن لم يتم تدارك الأمر.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • سفير الصومال في القاهرة يؤكد أهمية الدور الذي تلعبه جامعة الدول العربية
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: مَنْهَجُ اَلْأُمُوُمَةِ
  • رئيس دولة الإمارات يصل إلى القاهرة فى زيارة أخوية
  • أحمد ياسر يكتب: سياسة ترامب.. استراتيجية ارتجال أم عدم يقين؟
  • مصر تلاحق محاولات إثيوبيا النفاذ إلى البحر الأحمر.. كيف ذلك؟
  • سيد الناس الحلقة 22 … خالد الصاوي يكتب أملاكه باسم عمرو سعد
  • شام الذهبي لأخويها: ممتنة للأمومة التي منحتوني إياها
  • ياسر ريان: الأهلي يخوض كأس عاصمة مصر بهدف التجربة
  • أحداث الساحل السوري.. انهيار الأمل في ظل التطرف
  • رئيس وزراء إثيوبيا: وصولنا إلى البحر الأحمر مطلب وجودي.. ولن نحارب إريتريا