الثورة نت:
2025-04-14@22:32:57 GMT

أولويات الصهاينة.. القدس والجولان والليطاني

تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT

 

 

هنالك وقائع في الصراع مع الصهاينة قد تكون غائبة عن كثيرين، منها أن قادتهم يؤمنون بأن أرض الجولان هي بأهمية القدس التي يعتبرونها عاصمة لدولتهم، ويرفضون الحديث عن مستقبلها في أيّ محادثات «سلام»، ومنذ قيام إسرائيل، كان موضوع الاستيلاء على الجولان في مقدّمة الأهداف التي يريد الصهاينة تحقيقها. وكانت الوكالة التلغرافية اليهودية قد نقلت عام 1968م عن ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء صهيوني، تصريحاً جاء فيه أنه لا يمانع بإعادة جميع الأراضي المحتلة بعد حرب 1967م مقابل السلام، لكن باستثناء القدس والجولان.


هذا الموقف كرّره بن غوريون في آخر مقابلة أجراها معه توم سيغيف في مستعمرة سيدي بوكر في النقب بعد تقاعده واستغرقت ست ساعات، ويذكر سيغيف في كتاب بعنوان «دولة بأي ثمن: حياة دافيد بن غوريون» (بالإنكليزية، لندن 2020م) أن بن غوريون أعرب له «عن خيبته لأن آماله لم تتحقق بعد نهاية الحرب عام 1948م والتي لخّصها بالاستيلاء على دمشق ومناطق جنوب سوريا والوصول إلى الليطاني في جنوب لبنان»، ويضيف سيغيف نقلاً عن بن غوريون أنه لم يفقد الأمل بذلك مستقبلاً بدليل أنه رفض أن يتضمن إعلان استقلال دولة إسرائيل نصاً يبيّن حدود الدولة، وعندما أبلغه رجل القانون أن هذا الأمر مستحيل، كان جواب بن غوريون «كل شيء ممكن».
إذاً، أحد أبرز المؤسّسين لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، اعتبر أن الجولان هو بأهمية القدس بالنسبة إليه، لذلك وضع نصب عينيه منذ البدايات ليس السيطرة على مرتفعات هضبة الجولان فقط، بل على مناطق في جنوب سوريا أيضاً. وهذا ما سبق أن حاول تنفيذه عملياً البارون إدمون دو روتشيلد عندما قام بتمويل عدة مستعمرات أقيمت في حوران بلغت مساحتها ما يقارب الـ 100ألف دونم. وحاول الصهاينة عدة مرات، كما تكشف التقارير والوثائق الدبلوماسية الفرنسية، نيل موافقة سلطات الاحتلال الفرنسي للاستيطان في سوريا، وفي حوران والجولان بشكل خاص، إلا أن محاولاتهم فشلت.
يضاف إلى ذلك أن السرديات الدينية التي يكررها اليوم الكتّاب والمؤرّخون الصهاينة تؤكد أن الجولان وحوران ومساحات شاسعة أخرى من أرضنا تعود إلى ما يسمونه «أرض الميعاد»، وقد سبق لأبي الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل أن حدّد بوضوح حدود الدولة المُزمع إقامتها بقوله في الجزء الثاني من مذكّراته (صفحة 711) بأنها تشمل المساحة الممتدة «من وادي مصر إلى الفرات».
والواقع أن تطورات الأحداث بعد تأسيس الدولة العبرية وإقامة منطقة منزوعة السلاح بين سوريا وفلسطين، وتوقيع اتفاقية الهدنة عام 1949م، لم توقف محاولات الصهاينة الاستيلاء على الجولان. ففي البداية اعتبر الصهاينة أن المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود تعود إلى فلسطين وفق قرار التقسيم. لذلك صعّدوا اعتداءاتهم على تلك المنطقة، وبالنتيجة كان لهم ما أرادوا، إذ بادروا إلى تنفيذ برنامج تجفيف بحيرة الحولة وثبّتوا سيطرتهم عليها، وحصلوا على ما مقداره مائة مليون متر مكعب من المياه، وفي الوقت نفسه هجّروا أبناء القرى الفلسطينية في تلك المنطقة الخصبة في أبريل 1951م.
لاحقاً، نشر العديد من المؤرخين والصحافيين والكتّاب الصهاينة أقوالاً لجنرالات قاتلوا الجيش السوري على الجبهة السورية ما بين مطلع خمسينيات القرن الماضي وحتى حرب حزيران 1967م، وتتلخّص أقوالهم بأن إسرائيل تعمّدت استفزاز السوريين خلال تلك الفترة بهدف الاستيلاء على الجولان، وكان من بين أولئك الجنرالات موشي دايان الذي قاد الجيش على الجبهة السورية، فقد اعترف في مقابلة أجريت معه عام 1976م بأن 80% من الاشتباكات التي كانت تجري مع الجيش السوري بادرت بها إسرائيل لتوريط السوريين في معركة تمهيداً للاستيلاء على الأراضي السورية وتحويل منابع نهر الأردن والحيلولة دون استفادة سوريا منها.
كان التوسع الصهيوني الكبير في حرب حزيران 1967م قد أفسح المجال للصهاينة بالسيطرة على 1250 كيلومتراً مربعاً من أراضي هضبة الجولان التي تبلغ مساحتها 1750 كيلومتراً مربعاً، وبعد حرب 1973م جرى اتفاق لفصل القوات واستعادت سوريا 8% فقط من الأراضي التي سبق لإسرائيل أن احتلتها عام 1967م، وأقدمت القوات الإسرائيلية قبل انسحابها على تدمير معظم القرى الجولانية وبصورة خاصة القنيطرة عاصمة الجولان، وكتبت على جدران المنازل المدمّرة: «تريدون القنيطرة، سنعطيها لكم، ولكن مدمّرة»، كما أدّت ممارسات الاحتلال إلى تشريد أهالي الجولان، فنزحوا عن قراهم وتوجّهوا نحو دمشق. وهكذا ثبّت الاحتلال وجوده بإجراء تغيير جذري في المنطقة المحتلة، حيث أقيمت مستعمرات جديدة ومصانع ضخمة ومواقع عسكرية رئيسية وخاصة في منطقة جبل الشيخ التي تشرف على قسم كبير من جنوب لبنان وسوريا ووادي نهر الأردن.
الحرب الأخيرة التي خاضها المقاومون اللبنانيون أثبتت كذب الادّعاءات الصهيونية بأن إسرائيل تريد الاحتفاظ بالمنطقة جنوب نهر الليطاني خالية من السلاح، والبقاء في الجولان كونه ضرورياً لأمن الكيان الصهيوني. ففي عصر الصواريخ يمكن للمقاومين أن يطلقوا صواريخهم من مناطق بعيدة عن الحدود مع المحتلين، لذلك، فإن الأهداف الإسرائيلية الحقيقية المغلّفة بشعار الأمن ما هي إلا قناع يخفي النية المبّيتة للتحكم المباشر بالثروات المائية والجوفية في كل من الجولان وجنوب لبنان، وهذا ما أعلن عنه كبار القادة الصهاينة الأوائل ويعلن عنه اليوم قادتهم الجدد.
باختصار، إن الوضع الحالي يؤكد حقيقة أننا نواجه تحديات مصيرية، لم تبدأ مع حكم «البعث»، بل تعود إلى مرحلة ما قبل بداية حقبة الانقلابات العسكرية، لقد خسرت سوريا منذ الانقلاب العسكري الأول بقيادة حسني الزعيم في مارس 1949م حتى اليوم فرصاً عديدة لبناء قوة ردعية على الأقل، تضع حداً للتوسع الصهيوني رغم كل الصعوبات والتحديات، وبسبب الصراع على السلطة بين العسكر، تحوّلت سوريا إلى ميدان للتنافس بين القوى العربية والدولية المتنفّذة في تلك الفترة، وشهدت حقبة الانقلابات العسكرية قمعاً لكل القوى التي تعارض كل حكم جديد، وتساوت جميع الأنظمة التي حكمت دمشق في اعتماد أسلوب القمع والتنكيل، وكانت مرحلة الوحدة مع مصر، على سبيل المثال، قد تميّزت بقمع وحشي مارسه جهاز المخابرات بقيادة عبدالحميد السراج، حيث زجّ بالآلاف في السجون وتمت تصفية بعضهم، كما أدّت الانقلابات وخلافات الضباط في ما بينهم حول كيفية قيادة سوريا إلى نشوء ظاهرة خطيرة تمّ فيها تدجين معظم القوى السياسية، فانعدمت الحياة السياسية السليمة خوفاً من أجهزة المخابرات، واعتمد كل انقلاب لتثبيت حكمه على القبضة البوليسية وما ينتج عنها من قمع واضطهاد.
لقد أدمن السوريون على مفاعيل تلك الممارسات، وها هم اليوم جميعاً، على الرغم من اختلافاتهم وتنوع توجهاتهم الأيديولوجية، يحصدون ما جنته عليهم تلك الأنظمة. والمصيبة لا تقتصر الآن على انهيار اقتصادي، وعلى احتلالات أميركية وتركية وصهيونية، ترافقها مشاريع انفصالية… بل إن الخطر الأكبر يتمثل بتحركات الجيش الصهيوني الذي أصبح على أبواب دمشق، ولا يزال يواصل تقدّمه داخل الأراضي السورية دون توقف، بينما يشن سلاح الجو الصهيوني غارات مكثّفة لتدمير ما تبقّى من البنية العسكرية السورية، وباعتقادي أن القضية الأساسية اليوم ليست ما إذا كان باستطاعة الجولاني/الشرع وفريقه المسيطر على دمشق البقاء في الحكم أم لا، بل كيف سيستعيد السوريون أرضهم المحتلة، وهل باستطاعتهم الحيلولة دون تحقيق حلم بن غوريون بالاستيلاء على دمشق وجنوب سوريا والجولان؟
هناك حقيقة لا يستطيع أحد تجاهلها وهي أن تحرير الأرض المحتلة هو القاعدة الأساسية لشرعية أي حكم في دمشق. فالاستسلام للأمر الواقع يُعتبر خيانة لدماء مئات الآلاف من الأجيال السورية التي قاتلت من أجل سوريا وجنوبها، واليوم ليس مهماً مَنْ يتربع على كرسي الحكم، ولا أن ينتصر مذهب على آخر، بل الأهم والضروري هو كيف تستعيد سوريا أرضها المحتلة؟ فالأرض أهم من أي حاكم مهما كانت مؤهلاته وتوجهاته السياسية ونواياه.

* كاتب لبناني

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

رئيس الوزراء اللبناني يتوجه إلى سوريا للقاء مع الشرع.. ما محاور المباحثات؟

توجه رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، الاثنين، على رأس وفد رفيع المستوى إلى العاصمة السورية دمشق، في أول زيارة من نوعها منذ تشكيل حكومته.

وتهدف زيارة نواف سلام إلى لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، حسب بيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة اللبنانية.

ويترأس سلام في زيارته إلى دمشق وفدا رفيع المستوى يضم وزراء الدفاع ميشال منسى والخارجية يوسف رجي والداخلية أحمد الحجار.


وهذه أول زيارة يجريها سلام إلى دمشق منذ تشكيل حكومته في 8 شباط /فبراير الماضي، وهي ثاني زيارة يجريها رئيس وزراء لبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول /ديسمبر عام 2024.

ومن المتوقع أن يتطرق الوفد اللبناني إلى العديد من الملفات بما في ذلك المختفون اللبنانيون في السجون السورية خلال عهد النظام السابق، بالإضافة إلى تأمين الحدود بين الجانبين، والتي شهدت سلسلة من التوترات الأمنية والاشتباكات في أعقاب سقوط الأسد.

وفي آذار/ مارس، وقع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة ونظيره اللبناني ميشال منسي على اتفاق بشأن ترسيم الحدود بين البلدين، عقب اجتماع استضافته مدينة جدة في المملكة العربية السعودية.

وأفادت وكالة الأنباء السعودية "واس"، أن المملكة استضافت اجتماعا بين وزيري الدفاع اللبناني والسوري بحضور نظيرهما السعودي خالد بن سلمان، بهدف تعزيز التعاون في القضايا الأمنية والعسكرية بين دمشق وبيروت.


وأكد الجانبان على "تفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية وبخاصة في ما قد يطرأ على الحدود بينهما"، بالإضافة إلى الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في السعودية خلال الفترة القادمة.

وتسعى الإدارة السورية إلى ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد، وتعزيز قبضتها على الحدود مع دول الجوار ومنها لبنان، بما يشمل ملاحقة مهربي المخدرات وفلول النظام السابق الذين يثيرون قلاقل أمنية، بحسب وكالة الأناضول.

وتتسم الحدود اللبنانية السورية بتداخلها الجغرافي، إذ إنها تتكون من جبال وأودية وسهول دون علامات أو إشارات تدل على الحد الفاصل بين البلدين، اللذين يرتبطان بـستة معابر حدودية برية على طول نحو 375 كلم.

مقالات مشابهة

  • نواف سلام يجري في سوريا محادثات تصحيح مسار العلاقات
  • فتح الطرق المؤدية إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب تنفيذاً للاتفاق الموقع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية
  • رئيس الوزراء اللبناني يصل سوريا ويلتقي الشرع في قصر الشعب.. ما محاور المباحثات؟
  • أهم الملفات المطروحة للنقاش في زيارة رئيس الوزراء اللبناني إلى سوريا.. تفاصيل
  • رئيس الوزراء اللبناني يتوجه إلى سوريا للقاء الشرع.. ما محاور المباحثات؟
  • رئيس الوزراء اللبناني يتوجه إلى سوريا للقاء مع الشرع.. ما محاور المباحثات؟
  • ورشة عمل تعريفية بالجمعية الطبية السورية الألمانية لتعزيز العمل التشاركي ‏والنهوض بالواقع الصحي
  • بدء فتح الطرقات المؤدية إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، تنفيذاً للاتفاق الموقع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية.
  • رويترز: أكراد سوريا يطالبون بالفيدرالية
  • المبعوث الأممي إلى سوريا يطالب بإلغاء العقوبات المفروضة على دمشق