سودانايل:
2024-09-17@08:19:53 GMT

تــغــريــبــة الــقــافــر

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

ahmadalkhamisi2012@gmail.com

من زمن نفضت يدي من قراءة الروايات العربية وعدت إلى الأدب العالمي الكلاسيكي، لكني التفتت مؤخرا إلى رواية " تغريبة القافر" الرواية الخامسة في إبداع الروائي والشاعر العماني زهران القاسمي. وأخذتني الرواية تماما بتلك تماما بالسلاسة واليسر والعمق والتأمل الفلسفي بلغة الشعر التي لا تجور على أصول السرد الأدبي.

يعرض لنا الكاتب حكاية " سالم بن عبد الله" التي بدأت بانتزاعه من رحم مريم أمه، بعد غرقها وموتها في بئر. ينمو سالم ويلازمه طوال الوقت انصات ثابت مرهف إلى صوت الماء وخريره أينما تخفى الماء وراء الصخور أو في باطن الأرض، فيصبح دليلا يفتح أمام سكان القرية مغاليق المياه، ويكتسب لقب " القافـر"، أي من يقتفي أثر قنوات المياه السرية ويكشف منابعها. ومن السطور الأولى ، بمشهد مولد الطفل من رحم الموت، يسوقنا الكاتب للتأمل في أن الموت والحياة وجهان لحقيقة واحدة، تخرج الحياة من بطن الموت كما تخرج المياه من باطن الأرض. يقف القافر بين الرجال وبالحدس، أو المعجزة، يشير بإصبعه إلى موضع المياه الخفي وراء الصخور متمتما : " ماي .. هنا". هل هي المعجزة ؟ أم الأسطورة ؟ أم على العكس من كل ذلك إشارة إلى قدرة الانسان الواقعية على تحقيق المستحيل وتغيير الواقع بإشارة من يده؟. على امتداد الرواية يفتش القافر عن مكامن المياه في الأراضي الجدباء، ويستدعونه في القرى الأخرى، لكن معنى البحث عن المياه يتسع في الرواية بحكايات أخرى فيصبح بحث الانسان عن الوطن والكرامة والنماء بل والحب أيضا. لهذا يمسي صوت خرير المياه الخفية هو صوت دقات قلب " نصرا " محبوبة القافر التي تغدو زوجته. إنه الصوت نفسه. وينظر الكاتب إلى زاوية أخرى تماما، حين يشير إلى أن القافر تصور أن كل الأصوات التي يسمعها من مخيلته وليس لها أساس في الواقع، وكأن ا لروائي يقول لنا إن بحث القافر جزء من صميم أحلام البشر الباطنية، وأن هذه الأحلام والرؤي هي التي تقود كل انسان إلى تحقيق الوجود، بل هي مغزى وجوده.
يستدعي القاسمي أساطير الجن والعوالم السفلى والحكايات الخرافية، فحينما اختفى القافر زمنا تردد في القرية أن أهل الارض السفلية اخذوه وقيدوه في بلادهم، ويستعين الكاتب حتى بأسطورة بنيلوبي المعروفة، المرأة انتظرت رجوع زوجها أوديسيوس من حرب طروادة، ومع طول غيابه والحاح النبلاء عليها للزواج، فإنها تتذرع بأنها تحوك كفنا لوالد زوجها، وما إن تنتهي منه حتى تختار زوجا، ولكي لا ينتهي النسيج، ظلت كل ليلة تفك جزءا مما حاكته في النهار لتبقى في انتظار زوجها. وهو ما فعلته " نصرا" زوجة سالم القافر حين غاب عنها وألحوا عليها في الزواج، فتعللت بنفس الحجة.
يراوح الكاتب في روايته الجميلة بين ما هو تاريخي، وما هو أسطوري، وما هو واقعي ملموس في حياة القرى، ويحيل كل ذلك إلى أحداث وصور ظاهرة، وفي هذا السياق تلوح أضواء من ألف ليلة وليلة التي تتناسل فيها الحكايات، مثل حكاية ابن خلفون الذي خاصم أخاه بسبب خاتم فضي كان ملكا لوالدهما، وحكاية النبي سليمان الذي مر على عمان فوق بساط سحري ولما رآها جدباء أمر جنوده من الجن بحفر الافلاج والقنوات لتروي الأرض. في النهاية نجح القاسمي فنيا في تحويل الأسطورة إلى واقع، وتحويل الواقع إلى أسطورة، بحيث لا ترى الحدود بينهما، وقدم كل ذلك بشعور دقيق بفن الإيجاز، وتقطير الشعر، والفكر، والتأمل العميق. مبارك للأدب العربي العمل الجميل.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري
////////////////////////  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. “التهريبة”

“ #التهريبة ”

من أرشيف الكاتب #احمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 6 / 7 / 2019

ما أن تسحب الملقط الداخلي لغطاء السيارة الأمامي..حتى يسارع “الميكانيكي” لفتح الغطاء بنفسه والنظر إلى “الماتور” سريعاً..”شو مالها”؟ يقولها وهو يمسح فمه بــ”كُمِّ الأفرهول”..فترد عليه :”بتوكل زيت”!!..وفجأة يخرج المفك ويفك غطاء الماتور وهو يردد: “بدها كسكيت”..روح جيب واحد من عند “السّقِع” قله وداني عليك جمال..فتطيع الرجل وتذهب الى “السِّقِع” وتحضر كسكيت بنفس المقاس الذي تحمله بيدك..يبدله بسرعة ويأخذ أجرته…ثم بعد يوم أو يومين سرعان ما تظهر نفس المشكلة..فهناك نقصان بـ”الزيت” أضعاف أضعاف الطبيعي..تعيدها ثانية إليه..فيسألك نفس السؤال: ” شو مالها”؟؟..وعندما تشرح له العلة السابقة من جديد..يقول بثقة مطلقة “اللبّادة بدها تغيير” ثم يدير ظهره ويلتهي بسيارة أخرى..تحضر “لبادة” جديدة من عند عطوفة “الســِّقِع” ويأخذ جمال أجرته..ولكن تبقى “تهريبة” الزيت واضحة للعيان حيث تترك بقعاً سوداء في كل مكان تصطف فيه..هذه المرة تشكوه إليه..وتذكره بأنك قد غيّرت”الكسكيت” و”اللبادة” دون جدوى فــ”أكل الزيت” ما زال مستمراً .فيعزي الضياع الى “الزطمة التحتا”..يرمي كرتونة تحت السيارة وينسدح عليها ..يبدّل لك “الزطمة”..وأثناء لملمة مفكاته وأدواته عن الأرض ينصحك أن تغسل الماتور و توقفها في مكان نظيف لترى ان كان هناك “تبقيع” ام لا..في اليوم التالي ترى ان البقعة أكبر وأوسع وأكثر قتامةً من سابقاتها…وكلما أعدتها إليه ثانية سيختلق لك سبباً جديداً للتصليح تدفع ثمنه باهظاَ ، طبعاً السبب في هذا التخبّط وهذا التحزير: أما لأنه لا يعرف سبب التهريبة أو انه يعرف لكنه لا يقدر على وقفها وإصلاح الماكنة ..مع أن “تهريبة الزيت” عند الميكانيكي المحترف و-اللي بيخاف الله- معروفة أسبابها فهي أما أن تكون “بداية أفرهول” أو “راسية ماتور”..

مقالات ذات صلة الحوثيون يحيون المولد النبوي الشريف على ظهر سفينة “غالاكسي ليدر” الإسرائيلية / صور وفيديو 2024/09/14

المديونية في بلدنا مثل “تهريبة الزيت”..أذكر عندما تم تحرير سعر البنزين قبل سنوات قالوا ان الدعم المباشر لهذه المادة هو سبب المديونية العالية، فإذا تخلصنا منه تخلصنا من عجزنا ..وعندما صار البنزين يباع بسعر أعلى من السعر العالمي بضعف ونصف… بقي العجز كما هو لا بل زاد واتسع… في الشتاء الماضي عندما كان المواطن بأمس الحاجة لوقود التدفئة ، قالوا ان سبب المديونية هو دعم المشتقات النفطية .فإذا حررناها عن بكرة أبيها ..سنتخلص من عجز موازنتنا بشكل نهائي..فرفعوا أسعار المشتقات النفطية كاملة بما فيها الغاز والكاز “وقود الفقراء” .. وربحوا منها ربحاً فاحشاً..ومع ذلك بقيت ذات “ماكنة” المديونية تأكل ” زيت الدخل الاجمالي “+ جالون من “القروض” ..ومع ذلك لم يتوقف العجز أو يتباطأ ..على العكس تماماً فإن بقعة “المديونية” من شهر تشرين ثاني الماضي الى الآن صارت أكبر وأوسع وأكثر قتامةً…

الآن وبعزّ حاجة المواطن للكهرباء سيتحججون بــشدّ “زطمة” الكهرباء..وبعدها بـ”رغيف الفقير”..وأقسم لكم قسماً غليظاً مغلظاً لو رفعوا أسعار الكهرباء والماء والهواء والخبز والضرائب…لظلت المديونية تتتفشّى وتتورّم أكثر مما نتوقّع، وسيظل العجز يتزايد ويتضاعف أكثر مما نحن عليه الآن…باختصار لأن هناك “تهريبة” مزمنة وكبيرة…لا يمكن أن يوقفها تبديل كسكيت أو تغيير لبّادة او “شدّ”زطمة…

مشان الله..تحلّوا عنا.. “كشنتنا” ولّ !!


#75يوما

#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي

#صحة_احمد_في_خطر

#سجين_الوطن

مقالات مشابهة

  • مقرر أممي: تلوث المياه في غزة قنبلة تأثيرها أكبر من التي تدمر المباني
  • رحل طارق الكاتب ولم نعرف السبب
  • وزير الثقافة نعى الكاتب والأديب الياس الخوري: يا عاشق المقاومة
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: حقيقة تاريخ عُمان.....(2)
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: حقيقة تاريخ عُمان (2)
  • الهجوم اليمني على “تل أبيب”: الرواية الرسمية الإسرائيلية تتناقض مع المشاهد الميدانية والاحتلال يعترف بفشل دفاعاته
  • «حزن فوق حزن».. هند صبري تنعى الكاتب اللبناني الكبير إلياس خوري
  • بيان صادر عن عشائر الزعبية يطالبون فيه بالإفراج الفوري عن الكاتب أحمد حسن الزعبي
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. يا حَبيبي
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. “التهريبة”