يمانيون:
2025-04-17@19:21:23 GMT

متى يُفصِحُ العربُ عن فصاحتِهم؟!

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

متى يُفصِحُ العربُ عن فصاحتِهم؟!

الشيخ علي حمادي العاملي

تدهشُنا العديدُ من اللُّغات حول العالم. هناك لُغاتٌ فيها موسيقى تظنُّ أن الشعوبَ الناطقةَ بها تغنّي، وهناك لغاتٌ سهلةٌ حفظنا بعضَ كلماتها من الأفلام والمسلسلات، وهناك لغاتٌ ثقيلةٌ وصعبة، وبعضُها كثيرة الحروف حتى أن أول ما يخطر على ذهنك مثلًا كيف أنّ طفلًا صينيًّا سيحفظُ أكثرَ من 500 حرف أَو بتعبير أدق أكثر من 500 شكل، كُـلّ منها يرمز إلى مقطع صوتي، أَو تتحيّر كيف سيجدون حاسوبًا تتّسع لوحة مفاتيحه لكل تلك الحروف!!

كلامي ليس عن اللغة الصينية ولو أنها جذّابة للتعرف عليها خُصُوصًا مع ريادة الصين اليوم وبروزها في النظام العالمي الجديد، ولكن حديثي عن اللغة التي لا تنفكّ تدهشنا بل تسحرنا، لا في الحرف والتركيب والموسيقى، أَو الغزارة في الجذور والمفردات فحسب… إن الغوص في بحر الضاد يجعلك تتساءل عن العقل العبقري الذي أبدع وعاءً يحمل وحيًّا عجزت عن حمله الجبال ومنبعًا للفكر والإبداع في كُـلّ زمان وفي شتّى العلوم! أي عبقريّ؟!

يقول د.

جورج سارتون: “وهب الله اللغة العربية مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوّن الوحي أحسن تدوين بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تعبّر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة”.

جذبَتْ هذه اللغة الحسناء الأعاجمَ قديمًا وحديثًا، ولم يقتصر الخوض في أبواب سحرها على الناطقين بها، فقد ورد الكثيرون إلى نهرها ليَبلُّوا الصّدى من “قطر الندى”، وعرجَ الذوّاقون على زهورها ليرشفوا من رحقيها، فهذا “سيبويه” الفارسي يترك “رائحة التفاح” وينجذب إلى شذا اللغة فينحو نحوها بطريق الإبداع. وجاء كشّافُ الزمخشري يكشف عن “أَسَاس بلاغتها” وبعض روعتها. والعشاق والعرفاء يدخلون حانتها ليسكروا من خمرها كما فعل “لسان الغيب” الشيرازي.

صحيح أن اللغة العربية هي من بين أكثر ست لغات انتشارا عالميًّا، ولها قداستها عند المسلمين؛ باعتبَار أنها لغة الوحي، وقد تركت أثرًا كَبيرًا في لغات عديدة كالفارسية والتركية وغيرهما، ونقلت معارف وفلسفة وعلومًا من اليونان إلى أُورُوبا في عصر النهضة، وسادت لقرون من الزمن، إلا أنها بدأت تتراجع؛ بسَببِ عوامل عديدة، حتى اتهمها بعضهم زورًا أَو جهلًا بأنها لا تواكب روح العصر.

الاستعمار كان العامل الأبرز رغم أن طبيعة العربية لغة “مقاوِمة”، صمدت في وجه الفرنكفونية كما يعترف المستعمِر نفسُه، فهذا المستشرق الفرنسي لوي ماسنيون يقول: “العربية لغة التأمل الداخلي، مجعولة كي يتذوق أصحابها مقصدًا إلهيًّا، ولها قدرة خَاصَّة على التجريد والنزوع إلى الكلية والشمول، لغة الغيب والإيحاء تعبر بجمل قصيرة مركزة عما لا تستطيع اللغات الأُخرى التعبير عنه إلا في جمل طويلة فضفاضة”. لا شكّ أن لغتنا الغنية حافظت على تراثها، ولكن ربما ضعفت بعض الشيء خُصُوصًا مع تغرّب الكثير من النخب العربية، واستخدامهم للغات الأجنبية. ومن العوامل أَيْـضًا مسألة العامّية واللهجات المحلّية على حساب الفصحى. ولكن العامل الأَسَاس في رأيي هو ضعف الإنسان العربي وتراجع حضوره في الساحة العالمية فتبع ذلك بطبيعة الحال تراجع اللغة حضورًا. هناك من العرب من يخجلون بلغتهم التي حيّرت المستشرقين ممن استعمروا أرضنا حتى رآها بعضهم أنها لغة خالدة، وأنها لغة المستقبل.

في لبنان، حَيثُ ينفي أبناء الوطن الواحد أيَّ تشابه بينهم، وسادت في السنوات الماضية شعاراتُ “ما بتشبهونا” بين مدرسة فينيقية فرنكفونية مسيحية، وأُخرى إسلامية من شبه الجزيرة العربية، هنا تعيش الضاد أزمة كبيرة سواء في المجتمع بشكل عام، حَيثُ أغلب الناس يكتبون العربية على هواتفهم بحروف أجنبية، ويتحدثون بالأجنبية أَو لغة الخليط وهي جمل عربية مطعّمة بكلمات أجنبية أَو العكس وكأنه تنقصنا المفردات، أم في المدارس بشكل خاص، حَيثُ يعدّها الكثير من التلاميذ لغة ثانوية لا يلتفتون لأهميتها، ولا يعرفون عن سحرها وجمالها سوى ما يطفو على سطح الكتب القديمة والمناهج العقيمة، والمسابقات غالبًا تتجه نحو العناوين العملية والرياضة والمختبر وقلّما نجد مسابقة أَو نشاطًا يتمحور حول اللغة كما كان يحصل في الماضي سواء في الشعر حفظًا وارتجالًا وإلقاءً أم في مسابقات أدبية تعمّق العلاقة مع أبجد هوّز..

وإذا أردنا شاهدًا “ميتًا” على معاناة الأبجدية يكفي أن نشاهدَ جلسةً واحدة لمجلس النواب أَو تصريحًا لبعض السياسيين.. عددٌ من هؤلاء لم يدمّـر اقتصادَ الوطن فقط، بل يسعى لتدمير العربية بحيثُ إنه كما يقالُ في مجتمعنا: لو سمعه “سيبويه” لانتحر.

يأتي يوم اللغة العربية في كانون الأول من كُـلّ عام ربما فرصةً لإعادة رسم الهوية الوطنية المشتركة أولًا، ولإعادة التفكير والتخطيط لآليات تساعد في نشر عظمة اللغة وتعريف العالم على فرادتها وثرائها وغناها بالمعاني والبديع والنحو والبلاغة ووو. وإحياء استخدامها في المدارس والمحافل والمجتمع ونشرات الأخبار وفي بلاد الاغتراب وُصُـولًا إلى إعادتها إلى مكانها الطبيعي في مصافِّ العالمية.. إنها لسانُ آدم وحواء، حينَ عُلّمَ الأسماء.. إنها لغة السماء.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

«الفجيرة للمونودراما».. مسرح يتجاوز عائق اللغة

تامر عبد الحميد (أبوظبي)
شدّد ممثلون على أهمية المسرح كونه مرآة تعكس قضايا المجتمع وهمومه، وتسلط الضوء عليها عبر عروض تحمل بعداً فكرياً وإنسانياً عميقاً، يقدمها نخبة من محترفي التمثيل في العالم والوطن العربي، مشيدين بالدور الكبير الذي يلعبه مهرجان «الفجيرة الدولي للمونودراما» في التركيز على هذا النوع من الفنون الذي يسمى بـ«مسرح الممثل الواحد»، ضمن عروض عالمية تتجاوز عائق اللغة، وتغوص في الأداء الجسدي من حركات وإيماءات وانفعالات، ممزوجة بتصميم عناصر مشهدية، مثل «السينوغرافيا» والإضاءة والأزياء والموسيقى لتقديم قصص وحكايات تصل إلى العالم.
وأعرب الممثل أحمد الجسمي عن سعادته كونه أحد الممثلين الذي يحرص على حضور «الفجيرة الدولي للمونودراما» منذ انطلاقته وحتى الآن، وقال: فخر كبير أن يكون لدينا مهرجان دولي، وليس فقط على المستويين المحلي والخليجي، مثل «الفجيرة الدولي للمونودراما» الذي ينفرد ويغرّد وحيداً بتقديم هذا النوع من الفن المسرحي العالمي، بتنظيم عدد من مسؤولي أبناء الإمارات الذين أثبتوا أنهم قادرون على صناعة الفكر والثقافة بشكل متطور.
وتابع الجسمي: كوني ابن المسرح، ولديّ باع طويل على خشبة «أبو الفنون»، فما يقدمه المهرجان من عروض محلية وخليجية وعربية وعالمية، تعتمد على «الممثل الواحد» حيث يستطع أن يملأ خشبة المسرح «تمثيلاً» بمفرده، مما يسهم في اكتساب الخبرات وتبادل المعرفة والثقافات في عالم «أبو الفنون».

أبرز المحافل
من جهته، قال الممثل جمعة علي الذي بدأ حياته الفنية ممثلاً مسرحياً: لطالما كانت خشبة المسرح مرآة تعكس قضايا المجتمع وهمومه، والمونودراما العربية تتناول في مجملها قضايا إنسانية متنوعة ومهمة، ويأتي «الفجيرة الدولي للمونودراما» في دورته الحادية عشرة، كأحد أبرز المحافل التي لا تكتفي بعرض المسرح، بل تصنعه.

مدرسة متكاملة
فيما أوضحت الممثلة فاطمة الحوسني أن المهرجان يمثل مدرسة متكاملة للممثل، حيث لا تقتصر المشاركة على تقديم عرض، بل تمتد للتفاعل مع تجارب فنية من مختلف بلدان العالم، وهذا التنوع الثقافي يشكل بيئة تعليمية تكسب الممثل مهارات جديدة، وتساعده على رؤية الفن من زوايا متعددة ما يجعله أكثر مرونة وإبداعاً.

قيمة ثقافية وفنية
أشاد الممثل جمال سليمان بأهمية مهرجان «الفجيرة الدولي للمونودراما»، باعتباره من المهرجانات النادرة التي لا تزال تحافظ على القيمة الثقافية والفنية للمسرح في العالم العربي، في ظل التراجع الكبير الذي يشهده هذا القطاع خلال العقود الأخيرة، لافتاً إلى أن أكثر ما يميزه أنه يختص بفن المونودراما، الذي يشهد تنامياً عالمياً.

دروس فنية
يرى هاني رمزي أن مهرجان «الفجيرة الدولي للمونودراما» ربما يكون الوحيد من نوعه في العالم العربي الذي لا يزال يحرص على إبراز فن المونودراما، وقال: يعتبر هذا المهرجان من أهم المهرجان الفنية الخاصة بالمسرح في العالم العربي، والذي يختص بفن المونودراما الذي يُعد من أصعب أنواع الفنون الأدائية التمثيلية. وتابع: أعتبر نفسي أحد أبناء «الفجيرة للمونودراما»، وأحرص على حضور فعالياته منذ دورته الأولى وحتى الآن؛ لأنني أعتبر عروضه المسرحية بمثابة دورس فنية ومحاضرات أكاديمية، تجعلني «مشحوناً بالفن» لتقديم أعمال أكثر تطوراً.

أخبار ذات صلة انطلاق مهرجان الشارقة للمسرح المدرسي 21 أبريل «أوبك»: اقتصاد الإمارات غير النفطي يواصل نموه القوي

قوة النص واحترافية الأداء
ضمن عروض المسابقة الرسمية على خشبة مسرح دبا الفجيرة ومسرح بيت المونودراما، وعروض الفضاءات المفتوحة بالقرية التراثية، شهد المهرجان عرض عدد من المسرحيات العالمية والعربية التي تميزت بقوة النص واحترافية الأداء والإخراج المعتمد على الفضاء المفتوح، ومن بين العروض التي نالت إشادات من قبل الممثلين وعشاق «أبو الفنون» وصناع المسرح، ورفعت أغلب عروضها شعار «كامل العدد»، العرض الجورجي «أغنس زوجة شكسبير» حيث تألقت الممثلة إيرينا ميجفينيتوخوسيسي في تجسيد قصة من تأليف نينا مازور وإخراج أفتانديلفار سيماشفيلي، لتعيد تشكيل شخصية زوجة شكسبير، وهي «أغنس».. هذا الاسم الذي يحتفظ به التاريخ في ظل العظيم شكسبير، حيث تقود إيرينا المشاهد عبر متاهة الذاكرة لفهم طبيعة عالمها من ألم ومعاناة ووحدة ويأس وسلام وحب. 

تجارب ريادية
تحت عنوان «تجارب ريادية عربية»، أقام مهرجان «الفجيرة الدولي للمونودراما» ندوة نقاشية، حضرها نخبة من الممثلين وصناع المسرح، وتناولت تجارب أبرز فناني المسرح العربي، منهم زيناتي قدسية، ورفيق علي أحمد، والكاتبة الكويتية فتحية حداد التي تناولت تجربة الممثل الكويتي الراحل عبد العزيز الحداد، كما تم تكريمهم خلال الندوة التي شهدت عرضاً مرئياً وثائقياً تناول المسيرة الإبداعية في عالم الفن والمسرح لكل فنان منهم. 

«قطار ميديا»
يطرح العرض الإسباني «قطار ميديا» أسطورة ميديا اليونانية من منظور معاصر ومحافظ، للتأكيد على حرية المرأة بشكل مغاير في الطرح والأسلوب.

ميا كولبا
يهدف عرض «ميا كولبا» من بوركينا فاسو إلى تعميق الدراسة والبحث في الارتباط المحتمل بين تقاليد الأقنعة الأفريقية، والمسرح الجسدي المعاصر، والرقص الحديث، كما يستمد العرض إلهامه من جذور الثقافة الأفريقية، وطقوسها، وموسيقاها، وقصصها، وإيقاعاتها، وألوانها. ويروي خلاله المخرج والمؤلف والممثل تشارلز نوموينديه تييندربويغو، التاريخ الحديث لأفريقيا.

الإنسان المهاجر
أما العرض السعودي «تذكرة مغترب» من تأليف إبراهيم حامد الحارثي وإخراج علي حسن الغراب، وتمثيل معتز مسعود عبد الله العبد الله، فاستعرض ذلك الإنسان المهاجر حاله حال الكثير من المغتربين الذين قهرتهم الظروف القاسية في بلدانهم والتي أجبرتهم على الرحيل إلى دول مختلفة، ظناً منهم أنهم سيجدون الأمان والاستقرار في تلك الدول.

مقالات مشابهة

  • أميركية الشارقة وجامعة الأخوين تتعاونان لتعزيز البحث في اللغة العربية وتطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي
  • غسان كنفاني: هشاشة الاسم والمنفى المؤجّل
  • ننشر جدول امتحانات الثانوية العامة 2025
  • ناطق باللغات الإنجليزية والفرنسية والأفريقية.. بدء تصوير مسلسل لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها
  • أمين بغداد: إطلاق أكثر من 84 مشروعاً تطويرياً تزامناً مع الاستعدادات للقمة العربية
  • عن الأمالي.. قراءة في المسار والخط!
  • فريق اليمن يحقق لقب بطل العرب ويحصد 8 جوائز في البطولة العربية الـ 16 للروبوت
  • «حماية اللغة العربية» تبحث تطوير أنشطتها وبرامجها
  • بدء تصوير مسلسل لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها
  • «الفجيرة للمونودراما».. مسرح يتجاوز عائق اللغة