الجزيرة:
2025-01-15@03:34:18 GMT

هل المسلمون في العالم متحدون؟

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

هل المسلمون في العالم متحدون؟

اسمحوا لي أن أكون صريحًا جدًا – أنا متعب من سماع المسلمين يشتكون من الانقسام. يؤلمني كثيرًا رؤية العديد من أفراد مجتمعي ينضحون بإحساس من اليأس والإحباط؛ بسبب اعتقاد خاطئ بأن الأمة منقسمة، وبالتالي نحن جميعًا "خاسرون".

أعلم أن هذا التشاؤم ينشأ بشكل أساسي من مشاهدة العنف والظلم الذي يتعرض له إخواننا وأخواتنا في الدين في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مع إفلات واضح من العقاب، في سياق صراعات جيوسياسية مختلفة.

ومع ذلك، كمسلمين، لدينا مسؤولية بعدم اليأس. يشجعنا ديننا على التأمل الذاتي، والالتزام بـ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وهذا يتطلب تحليلًا دقيقًا وإذا لزم الأمر، نقدًا للوضع الراهن، ولكن دون الوقوع في الإحباط.

بعد فقدان الخلافة بسقوط الإمبراطورية العثمانية في عام 1922، ركزت غالبية المسلمين جهودهم وطاقتهم على إيجاد وسيلة لـ "إعادة توحيد" الأمة. افترضوا أنه بدون خلافة، سيجد المسلمون في العالم صعوبة في الاتفاق على القضايا المهمة، وسيتكبدون العواقب. أدى هذا إلى اقتتال لا نهاية له – خصوصًا بين من يسعون للحفاظ على الممارسات الدينية القديمة وبين من يريدون إجراء إصلاحات أساسية في الدين باسم إعادة توحيد الأمة. لكن ماذا حقق كل هذا النزاع والصراخ؟ لقد مر قرن كامل منذ أن فقدنا الخلافة، وما زال الكثير منا يبكون بسبب ما يعتقدون أنه انقسام بين المسلمين.

إعلان الوحدة الحقيقية ليست في الهيكل السياسي

الذين أصبحوا مهووسين بفقدان الأمة لـ"وحدتها" في غياب هيكل سياسي مشترك فقدوا رؤية الأمور التي تبقينا متوحدين، وهي أمور يمكنها فعليًا مساعدة مجتمعنا على تحقيق العدالة والسلام والازدهار.

الوحدة الحقيقية لا يمكن أن توجد في فرض التجانس السياسي أو الثقافي تحت إمبراطورية مثالية تمتد من المغرب إلى ماليزيا. إنها موجودة بالفعل في التزامنا الجماعي بمبادئ الإسلام الأساسية، التي هي بطبيعتها عالمية.

الرسالة القرآنية، التي نقلها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، تؤكد هذه العالمية. جعلت أصول الإسلام كتراث شفهي ومعاش منهجًا فريدًا يسهل الوصول إليه من قبل مجتمعات متنوعة، من القبائل البدوية إلى الحضارات المتقدمة. هذا الوصول السهل خلق وحدة يصعب كسرها.

اليوم، ورغم غياب الخلافة أو هيكل سياسي مشترك، فإن المسلمين في العالم أكثر اتحادًا مما نعترف به. نحن متحدون في مبادئنا وممارساتنا وقيمنا. الاعتراف بهذه الوحدة واستغلال قوتها واجب ديني. وبالمثل، فإن احتضان هذه الوحدة وتقديرها، وعدم الانسياق خلف روايات الانقسام المضللة، هو فعل سياسي مقاوم للإرث المستمر للطغيان الاستعماري والإمبريالي.

الروايات الزائفة عن الانقسام

رواية "الانقسام" المفروضة علينا تأتي من قوى خارجية تسعى منذ قرون لإخضاعنا. هذه القوى تريدنا أن نصدق أنه بما أنه لا توجد وحدة سياسية شاملة، فنحن غير موحدين في أي شيء. يريدوننا أن نغرق في اليأس ونصبح فعلًا منقسمين، ليتمكنوا من الحفاظ على هيمنتهم.

بالفعل، لا يمكن فصل رواية الانقسام السائدة في المجتمع المسلم اليوم عن جراح الاستعمار والإمبريالية الغربية. لأكثر من قرنين، خضع العالم الإسلامي للهيمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت القوى الإمبريالية الغربية. الحدود المصطنعة التي رسمها الإداريون الاستعماريون صُممت لتمزيق المناطق ذات الأغلبية المسلمة، وإثارة الانقسام بين شعوبنا للسماح لهم بالاستمرار في السيطرة علينا.

إعلان

ومع ذلك، فإن وحدة الأمة مستمرة بطرق لم يتمكن هؤلاء "الغزاة" من محوها. استمرارية الممارسات الإسلامية – من الصلاة إلى الحج – على مدى 1400 عام، تشهد على رابطة ميتافيزيقية لا تنكسر. التعرف عليها لا يعني تجاهل التحديات السياسية الحقيقية، بل إعادة صياغة الرواية لتسليط الضوء على الصمود.

التنوع مصدر قوة

يكمن فهم هذا في احتضان تنوع المجتمع الإسلامي العالمي. كان المجتمع الإسلامي المبكر متعدد الثقافات واللغات والأعراق. لم تقوض الخلافات في الحكم والمقاربات السياسية بين الخلفاء الراشدين، الوحدة؛ بل أظهرت مرونة وشمولية المبادئ الإسلامية. وبالمثل، فإن تطور السياسات الإسلامية عبر القارات- من العباسيين إلى العثمانيين – يثبت أن الخلافات السياسية لا تعادل الانقسام.

إن القدرة على استيعاب الآراء المختلفة والمدارس الفكرية والتعبيرات الثقافية هي قوة أثرت الأمة تاريخيًا. على سبيل المثال، الاختلافات في ممارسات الصلاة بين المدارس الفكرية الإسلامية ليست علامات انقسام، بل تعكس تقليدًا قويًا يقدّر التنوع ضمن إطار مشترك.

الصمود بدلًا من الشكوى

عندما يواجه شعبنا الظلم والعنف والهزيمة من قوى استبدادية خارجية- كما رأينا للأسف في العديد من الأمثلة في السنوات الأخيرة – يجب أن تكون استجابتنا هي الصمود والتركيز على كل ما يوحدنا، بدلًا من الشكوى من "الانقسام" والوقوع في اليأس.

على سبيل المثال، بعد فشل ثورة الهند عام 1857 ضد الاستعمار البريطاني، التي أسفرت عن مقتل آلاف العلماء المسلمين، لم يستسلم علماء ديوبند لليأس. رغم الأثر النفسي المدمر للخسائر، قبلوا بفشلهم، وتحملوا المسؤولية، وبدؤُوا فورًا العمل للنهوض من رماد الهزيمة.

لم ينهاروا، ولم يشتكوا من ضعف الأمة أو انقسامها. بدلًا من ذلك، قرروا المضي قدمًا بحماية المعرفة الإسلامية في الهند البريطانية، مدركين أن الظالمين يمكنهم هزيمة الأفراد، لكنهم لا يستطيعون هزيمة المعرفة المقدسة التي توحدنا.

إعلان الطريق إلى الأمام

في هذا الوقت المليء بالصراعات وعدم المساواة والظلم المنتشر، يجب أن يركز المسلمون على الإنجازات والروابط الدائمة التي تربط الأمة عبر الزمان والمكان بدلًا من التركيز على روايات الفشل. وحدة العالم الإسلامي ليست مثالية غير قابلة للتحقيق، بل هي حقيقة حية تتطلب الاعتراف والاحتفاء بها.

مع ذلك، يجب ألا يؤدي الاعتراف بوحدة الأمة الدينية إلى الرضا الزائف. تتطلب تحديات العالم الحديث حلولًا مبتكرة. لكن هذه الحلول يجب أن تُبنى على أساس الوحدة القائمة، لا أن تقوضها بروايات تشاؤمية.

بإعادة صياغة الرواية والاحتفاء بما يوحدنا، يمكن للمسلمين المضي قدمًا بثقة، وتحويل الوحدة إلى قوة للتجديد والمقاومة في عالم لا يزال يعاني من آثار الاستعمار.

هذا ليس وقتًا لليأس، بل هو وقت لاستخدام إيماننا بقوة الله الأبدية والانخراط في جهود استباقية لإصلاح وتحسين مساعينا الإسلامية!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بدل ا من

إقرأ أيضاً:

من سيرة النبي.. قصة اجعلها دليلك في مواجهة الابتلاء

في حياتنا اليومية، نواجه كثيرًا من التحديات والمصاعب التي قد تجعلنا نشعر باليأس أو القلق، قد تمر لحظات نشعر فيها أن الأمور لا تسير كما نتمنى، وقد نرى أن ما نمر به ليس إلا شدة أو اختبارًا عسيرًا. ولكن، في ظل هذه اللحظات، يجب أن نتذكر دائمًا أن "رب الناس لا يأتي إلا بالخير"، وأن كل ما يحدث لنا قد يكون بداية لخيرٍ عظيم لم نره بعد، إحدى أجمل القصص التي تبرز هذا المعنى، هي قصة النبي صلى الله عليه وسلم عندما تعرض لمحنة في غزوة أحد.

قصة غزوة أحد وتأكيد خيرية الابتلاءات

في غزوة أحد، خرج المسلمون للقتال ضد قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع خطة محكمة، وكان من ضمنها أن يظل الرماة على الجبل في موقعهم حتى إذا انتصر المسلمون، كي لا يُطعن الجيش الإسلامي من الخلف. ولكن ما حدث كان عكس ما توقعه الجميع.

بينما كان المسلمون يحققون النصر، خالف بعض الرماة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا مواقعهم على الجبل معتقدين أن النصر قد تحقق، وهذا أدى إلى هجوم مفاجئ من فرسان قريش من الخلف، مما تسبب في قتل العديد من الصحابة، وجرح النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأصيب المسلمون بشدة.

ولكن ما نراه من هذه المحنة هو دروس عظيمة، أولها أن الابتلاءات التي يمر بها الإنسان في حياته، مهما كانت شديدة، قد تكون بداية لخير لا نعلمه، فعندما أصيب النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، فقال بعض الصحابة: "لو كان النبي قد مات لما كان ذلك أفضل لنا؟". لكن النبي صلى الله عليه وسلم، وبصبره العظيم، أظهر أن هذا الابتلاء هو جزء من مسيرة الإيمان، وأن الله سبحانه وتعالى يختار لنا ما فيه الخير، وإن لم نكن نراه في اللحظة الحالية.

دروس عظيمة في الصبر والتوكل على الله

من خلال هذه المحنة، تأكد المسلمون أن النصر في النهاية بيد الله، وأن المؤمن لا يتأثر بما يراه من شدة، بل يعلم أن ما يقدره الله له هو الخير، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظات الصعبة على تلك الأصوات المحبطة قائلاً: "ما كان الله ليخذلكم"، ليعطيهم درسًا في الإيمان بالله والتوكل عليه، وأكد لهم أن ما يمرون به في هذه الدنيا ليس سوى اختبار للإيمان، وأنه سيكون دائمًا بعده فرج من الله.

عبرة لزماننا

اليوم، قد نمر بتجارب مشابهة من الفقد أو الألم أو الخسارة، وقد نشعر أن ما نحن فيه هو نهاية الطريق، لكن من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحداث غزوة أحد، نتعلم أن الله لا يأتي إلا بالخير، وأنه قد يكون وراء كل ابتلاء خيرٌ عظيم لا نراه في اللحظة الحالية. علينا أن نثق في حكمته ورحمته، وأن نعلم أن كل شيء له حكمة، وأنه في النهاية، مهما كانت التحديات، سيكون الخير هو النتيجة.

مقالات مشابهة

  • "كنتُ اليد الحازمة التي كان العالم بحاجة إليها".. بايدن يخرج من البيت الأبيض منتشيًا بـ"إنجازاته"
  • القوات المسلحة تدين التجاوزات الفردية التي جرت مؤخراً ببعض المناطق بولاية الجزيرة عقب تطهير مدينة ود مدني
  • تصريح صحفي من حزب الأمـــة القومــي حول مجزرة كمبو طيبة بأم القري شرق ولاية الجزيرة
  • موعد أول أيام شهر رمضان 2025 وعيد الفطر في مصر
  • من سيرة النبي.. قصة اجعلها دليلك في مواجهة الابتلاء
  • الإخوان المسلمين والدعم السريع.. ما المخبوء تحت القشرة؟
  • الجزيرة.. مؤشرات إيجابية بـ«الشباك النظيفة»
  • السفير الرحبي: الثقافة العمانية بتاريخها العريق تظل بحاجة لمزيد من الجسور التي تربطها بنظيراتها في العالم
  • السودان بين الوحدة والانقسام- قراءة في شواهد التقسيم وتداعياته المحتملة