الجزيرة:
2025-02-19@05:40:58 GMT

هل المسلمون في العالم متحدون؟

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

هل المسلمون في العالم متحدون؟

اسمحوا لي أن أكون صريحًا جدًا – أنا متعب من سماع المسلمين يشتكون من الانقسام. يؤلمني كثيرًا رؤية العديد من أفراد مجتمعي ينضحون بإحساس من اليأس والإحباط؛ بسبب اعتقاد خاطئ بأن الأمة منقسمة، وبالتالي نحن جميعًا "خاسرون".

أعلم أن هذا التشاؤم ينشأ بشكل أساسي من مشاهدة العنف والظلم الذي يتعرض له إخواننا وأخواتنا في الدين في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مع إفلات واضح من العقاب، في سياق صراعات جيوسياسية مختلفة.

ومع ذلك، كمسلمين، لدينا مسؤولية بعدم اليأس. يشجعنا ديننا على التأمل الذاتي، والالتزام بـ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وهذا يتطلب تحليلًا دقيقًا وإذا لزم الأمر، نقدًا للوضع الراهن، ولكن دون الوقوع في الإحباط.

بعد فقدان الخلافة بسقوط الإمبراطورية العثمانية في عام 1922، ركزت غالبية المسلمين جهودهم وطاقتهم على إيجاد وسيلة لـ "إعادة توحيد" الأمة. افترضوا أنه بدون خلافة، سيجد المسلمون في العالم صعوبة في الاتفاق على القضايا المهمة، وسيتكبدون العواقب. أدى هذا إلى اقتتال لا نهاية له – خصوصًا بين من يسعون للحفاظ على الممارسات الدينية القديمة وبين من يريدون إجراء إصلاحات أساسية في الدين باسم إعادة توحيد الأمة. لكن ماذا حقق كل هذا النزاع والصراخ؟ لقد مر قرن كامل منذ أن فقدنا الخلافة، وما زال الكثير منا يبكون بسبب ما يعتقدون أنه انقسام بين المسلمين.

إعلان الوحدة الحقيقية ليست في الهيكل السياسي

الذين أصبحوا مهووسين بفقدان الأمة لـ"وحدتها" في غياب هيكل سياسي مشترك فقدوا رؤية الأمور التي تبقينا متوحدين، وهي أمور يمكنها فعليًا مساعدة مجتمعنا على تحقيق العدالة والسلام والازدهار.

الوحدة الحقيقية لا يمكن أن توجد في فرض التجانس السياسي أو الثقافي تحت إمبراطورية مثالية تمتد من المغرب إلى ماليزيا. إنها موجودة بالفعل في التزامنا الجماعي بمبادئ الإسلام الأساسية، التي هي بطبيعتها عالمية.

الرسالة القرآنية، التي نقلها النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، تؤكد هذه العالمية. جعلت أصول الإسلام كتراث شفهي ومعاش منهجًا فريدًا يسهل الوصول إليه من قبل مجتمعات متنوعة، من القبائل البدوية إلى الحضارات المتقدمة. هذا الوصول السهل خلق وحدة يصعب كسرها.

اليوم، ورغم غياب الخلافة أو هيكل سياسي مشترك، فإن المسلمين في العالم أكثر اتحادًا مما نعترف به. نحن متحدون في مبادئنا وممارساتنا وقيمنا. الاعتراف بهذه الوحدة واستغلال قوتها واجب ديني. وبالمثل، فإن احتضان هذه الوحدة وتقديرها، وعدم الانسياق خلف روايات الانقسام المضللة، هو فعل سياسي مقاوم للإرث المستمر للطغيان الاستعماري والإمبريالي.

الروايات الزائفة عن الانقسام

رواية "الانقسام" المفروضة علينا تأتي من قوى خارجية تسعى منذ قرون لإخضاعنا. هذه القوى تريدنا أن نصدق أنه بما أنه لا توجد وحدة سياسية شاملة، فنحن غير موحدين في أي شيء. يريدوننا أن نغرق في اليأس ونصبح فعلًا منقسمين، ليتمكنوا من الحفاظ على هيمنتهم.

بالفعل، لا يمكن فصل رواية الانقسام السائدة في المجتمع المسلم اليوم عن جراح الاستعمار والإمبريالية الغربية. لأكثر من قرنين، خضع العالم الإسلامي للهيمنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت القوى الإمبريالية الغربية. الحدود المصطنعة التي رسمها الإداريون الاستعماريون صُممت لتمزيق المناطق ذات الأغلبية المسلمة، وإثارة الانقسام بين شعوبنا للسماح لهم بالاستمرار في السيطرة علينا.

إعلان

ومع ذلك، فإن وحدة الأمة مستمرة بطرق لم يتمكن هؤلاء "الغزاة" من محوها. استمرارية الممارسات الإسلامية – من الصلاة إلى الحج – على مدى 1400 عام، تشهد على رابطة ميتافيزيقية لا تنكسر. التعرف عليها لا يعني تجاهل التحديات السياسية الحقيقية، بل إعادة صياغة الرواية لتسليط الضوء على الصمود.

التنوع مصدر قوة

يكمن فهم هذا في احتضان تنوع المجتمع الإسلامي العالمي. كان المجتمع الإسلامي المبكر متعدد الثقافات واللغات والأعراق. لم تقوض الخلافات في الحكم والمقاربات السياسية بين الخلفاء الراشدين، الوحدة؛ بل أظهرت مرونة وشمولية المبادئ الإسلامية. وبالمثل، فإن تطور السياسات الإسلامية عبر القارات- من العباسيين إلى العثمانيين – يثبت أن الخلافات السياسية لا تعادل الانقسام.

إن القدرة على استيعاب الآراء المختلفة والمدارس الفكرية والتعبيرات الثقافية هي قوة أثرت الأمة تاريخيًا. على سبيل المثال، الاختلافات في ممارسات الصلاة بين المدارس الفكرية الإسلامية ليست علامات انقسام، بل تعكس تقليدًا قويًا يقدّر التنوع ضمن إطار مشترك.

الصمود بدلًا من الشكوى

عندما يواجه شعبنا الظلم والعنف والهزيمة من قوى استبدادية خارجية- كما رأينا للأسف في العديد من الأمثلة في السنوات الأخيرة – يجب أن تكون استجابتنا هي الصمود والتركيز على كل ما يوحدنا، بدلًا من الشكوى من "الانقسام" والوقوع في اليأس.

على سبيل المثال، بعد فشل ثورة الهند عام 1857 ضد الاستعمار البريطاني، التي أسفرت عن مقتل آلاف العلماء المسلمين، لم يستسلم علماء ديوبند لليأس. رغم الأثر النفسي المدمر للخسائر، قبلوا بفشلهم، وتحملوا المسؤولية، وبدؤُوا فورًا العمل للنهوض من رماد الهزيمة.

لم ينهاروا، ولم يشتكوا من ضعف الأمة أو انقسامها. بدلًا من ذلك، قرروا المضي قدمًا بحماية المعرفة الإسلامية في الهند البريطانية، مدركين أن الظالمين يمكنهم هزيمة الأفراد، لكنهم لا يستطيعون هزيمة المعرفة المقدسة التي توحدنا.

إعلان الطريق إلى الأمام

في هذا الوقت المليء بالصراعات وعدم المساواة والظلم المنتشر، يجب أن يركز المسلمون على الإنجازات والروابط الدائمة التي تربط الأمة عبر الزمان والمكان بدلًا من التركيز على روايات الفشل. وحدة العالم الإسلامي ليست مثالية غير قابلة للتحقيق، بل هي حقيقة حية تتطلب الاعتراف والاحتفاء بها.

مع ذلك، يجب ألا يؤدي الاعتراف بوحدة الأمة الدينية إلى الرضا الزائف. تتطلب تحديات العالم الحديث حلولًا مبتكرة. لكن هذه الحلول يجب أن تُبنى على أساس الوحدة القائمة، لا أن تقوضها بروايات تشاؤمية.

بإعادة صياغة الرواية والاحتفاء بما يوحدنا، يمكن للمسلمين المضي قدمًا بثقة، وتحويل الوحدة إلى قوة للتجديد والمقاومة في عالم لا يزال يعاني من آثار الاستعمار.

هذا ليس وقتًا لليأس، بل هو وقت لاستخدام إيماننا بقوة الله الأبدية والانخراط في جهود استباقية لإصلاح وتحسين مساعينا الإسلامية!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بدل ا من

إقرأ أيضاً:

لوموند: بين أوروبا وواشنطن.. الانقسام عميق والقطيعة تاريخية

اختارت صحيفة لوموند العنوان التالي لافتتاحيتها لهذا اليوم: "أوروبا في مواجهة تحد تاريخي"، محذرة فيها من أن الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس في مؤتمر ميونخ أحدث هزة في العلاقات عبر الأطلسي وأظهر أن "الانقسام بين أوروبا وواشنطن عميق وأن القطيعة تاريخية".

وشددت الصحيفة الفرنسية على أنه يتعين على الأوروبيين الآن أن يعترفوا بأن أمن قارتهم لم يعد يعتمد إلا عليهم هم فقط.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2يديعوت أحرونوت: نتنياهو لن يستمر بصفقة الأسرى من دون ضغط ترامبlist 2 of 2ظهور رئيس كولومبيا حاملا خريطة فلسطين يثير الغضب في إسرائيلend of list

ولفتت إلى أن التطورات التي تكشفت بوضوح خلال مؤتمر ميونخ الأخير أظهرت أن "عاصفة ترامب اجتاحت القارة العجوز" حتى قبل المعركة حول الرسوم الجمركية وكانت أضرارها جسيمة، إذ هزت العلاقات عبر الأطلسي أحد ركائز النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية.

ووصفت الصحيفة خطاب دي فانس في ذلك المؤتمر بأنه كان صادما واستبداديا، بل عدائيا، إذ كان خطابا يمينيا متطرفا يتهم الممارسات الديمقراطية الأوروبية بأنها "قاتلة للحرية" ويقارن الزعماء الأوروبيين بالسياسيين السوفيات، مشيرة إلى أن دي فانس لم يكتف بذلك وإنما كان خطابه ينمّ عن "تدخل غير مقبول في الحملة الانتخابية في ألمانيا من قبل قوة يفترض أنها حليفة، إذ قدم نائب رئيس الولايات المتحدة دعمه لمرشح حزب البديل لألمانيا اليميني المتطرف، بينما رفض مقابلة المستشار الألماني".

إعلان

وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن المصير الذي ينتظر أوكرانيا وهي تترقب سلاما يفرضه الرئيس الأميركي للتركيز على التنافس مع الصين، قالت لوموند إن السؤال التالي يطرح نفسه: هل تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا أن تعملا معًا من أجل تحقيق سلام "عادل ودائم" في أوكرانيا في حين تخوضان حربًا أيديولوجية؟

وهذا سؤال حاسم بالنسبة لمستقبل الأوروبيين، حسب لوموند، بعد أن أدركوا أخيرا أنهم أصبحوا محاصرين في اعتمادهم الأمني ​​على "حليف يتصرف مثل الخصم وليس الصديق".

وأبرزت أن ذلك الخطاب أثار لدى الأوروبيين الوعي بعدم كفاية الوسائل المخصصة للدفاع، "فبدأنا نسمع خطاب الحقيقة، وخاصة بين القادة الألمان، بشأن المنهجية التي ينبغي اتخاذها لإقناع المواطنين بزيادات ميزانيات الدفاع".

وفي هذا المناخ وما يشوبه من عدم اليقين بشأن نوايا فريق ترامب، فإن الدعم الاقتصادي والعسكري الأوروبي لأوكرانيا يجب أن يظل أولوية، حتى تكون كييف في موقف قوة عندما تبدأ المفاوضات، وفقا للصحيفة التي ختمت بتأكيدها أن مؤتمر ميونخ وضع حدا للعمى الأوروبي، "ومن الآن فصاعدا، فإن أمن القارة يعتمد بشكل أساسي على الأوروبيين أنفسهم، وعلى قدرتهم على الحفاظ على تماسكهم"، وفقا للوموند.

مقالات مشابهة

  • “الإسلامية لتمويل التجارة” توقّع مذكرة تفاهم مع الإيسيسكو
  • تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. رابطة العالم الإسلامي تنظم النسخة الثانية لمؤتمر “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” في مكة المكرمة
  • برعاية خادم الحرمين الشريفين.. رابطة العالم الإسلامي تنظم مؤتمر “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية” في مكة المكرمة
  • في المنتدى السعودي للإعلام.. ملف كأس العالم 2034 وثيقة الحلم التي يراها العالم لأول مرة
  • ملتقى المرأة بالجامع الأزهر يناقش دور القبلة في وحدة الأمة الإسلامية
  • متى يبدأ رمضان 2025 في السعودية؟.. «باق أيام»
  • لوموند: بين أوروبا وواشنطن.. الانقسام عميق والقطيعة تاريخية
  • موعد أذان الفجر والمغرب في أول أيام رمضان
  • الجدعان: يجب أن نعمل لحل المشكلات التي تواجهها الاقتصادات المتقدمة .. فيديو
  • رسالة إلى قادة الأمة الإسلامية وعلمائها ومفكريها ومكوناتها: نداء قبل الانحدار