اجتمع السيسي منذ أيام مع رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، وفي هذا اللقاء تحدث السيسي عن التزام مصر بوَحدة سوريا وسلامة أراضيها، مشيرا إلى أهمية أن تشمل العملية السياسية جميع الأطياف السورية، وأن مصر ستظل دائما داعمة للشعب السوري الشقيق.
ما يثير الانتباه في هذا الأمر؛ أن السيسي يتحدث عن دعم الشعب السوري، وضرورة اشتمال العملية السياسية جميع الأطياف السورية، فما الذي يفعله السيسي بالفعل؟
بمجرد سقوط نظام بشار الدموي، أصدرت السلطات المصرية قرارا بمنع دخول جميع السوريين إلى مصر إلا بموافقة أمنية، كما اعتقلت المحتفلين بسقوط بشار، ورحَّلت ثلاثة منهم بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، واعتقل ناشطا سوريّا انتقد قنصلية بلاده لأنها لا ترفع العلم السوري المعترف به من النظام الجديد.
المهم في هذه الإجراءات هي التي أعقبت سقوط بشار، وهي لا تعني سوى شيء واحد، وهو أن النظام قرر إنهاء الوجود السوري في مصر سريعا، وإجبارهم على الخروج منها تحت الضغوط أو بالترحيل، وهذا سيؤدي إلى تصدير مشكلة إلى النظام السوري الجديد الذي قد لا يستطيع التعامل مع عودة مفاجئة لعشرات أو مئات الآلاف دفعة واحدة، سواء من مصر أو من دول أخرى تتواطأ على تصدير أزمة إلى سوريا الجديدة
سبقت هذه الإجراءات في العامين الأخيرين تضييقات أخرى على السوريين، كإلغاء مساواتهم بالمصريين في مجانية التعليم، وفرض غرامات بأثر رجعي على الأطفال السوريين غير الحاصلين على إقامات، وإلغاء الإقامات السياحية إلا بعد الخروج من مصر والدخول مرة أخرى، وغير ذلك من الإجراءات التي عقدت أوضاع السوريين داخل مصر، ما جعلهم يلجأون إلى التسجيل في مفوضية اللاجئين أو البحث عن خيار آخر غير البقاء في مصر.
المهم في هذه الإجراءات هي التي أعقبت سقوط بشار، وهي لا تعني سوى شيء واحد، وهو أن النظام قرر إنهاء الوجود السوري في مصر سريعا، وإجبارهم على الخروج منها تحت الضغوط أو بالترحيل، وهذا سيؤدي إلى تصدير مشكلة إلى النظام السوري الجديد الذي قد لا يستطيع التعامل مع عودة مفاجئة لعشرات أو مئات الآلاف دفعة واحدة، سواء من مصر أو من دول أخرى تتواطأ على تصدير أزمة إلى سوريا الجديدة. فأوروبا بدأت توقف النظر في طلبات اللجوء للسوريين، وتعتبر سوريا دولة آمنة تحتمل إعادة اللاجئين إليها، ما قد يؤدي إلى رحلات عودة مكثفة، هادمة شبكات الأمان الاقتصادي والاجتماعي التي أنشأها السوريون في كل بقعة حطوا رحالهم فيها.
هذا الجانب من جوانب تصدير المشكلات، ربما يكون الجانب الأكثر لطفا في التعامل مع المستجد السوري، فتصريحات نديم قطيش، رئيس تحرير محطة سكاي نيوز العربية التي تبث من الإمارات، بأن هناك قرارا عربيا بمنع تكرار نموذج مرسي في مصر، وأن هناك استعدادا لدفع أغلى الأثمان لمنع ذلك، هذه التصريحات التي تقطر وقاحة وشرّا، تقول إن محور الشر العربي بقيادة الإمارات ومصر، سيعبث بأمن سوريا ومستقبلها، لمنع الوصول إلى نموذج حكم رشيد غير استبدادي مثل نظامهما، أيّا كانت الخلفية الثقافية للحكام الجدد، وبالطبع وجود حكام من خلفية إسلامية سيسهل مهمة هذا المحور لأنها ستحظى بدعم دولي أكبر. ولفظ "إسلامية" هنا مجرد توصيف ولا يعني بالضرورة قبوله أو رفضه.
الجانب الآخر من تصريحات السيسي، كان عن أهمية شمول العملية السياسية كامل الأطياف السورية! ويا لها من وقاحة أن يصدر تعبير كهذا منه، فهذا الذي استأثر بحكم مصر دون رقيب أو شريك، وعبث بأمنها وباع أرضها ولم يشرك معه أحدا في أي قرار أخذه، ولا يزال يصدر القوانين دون أي مشاركة اجتماعية، ويحبس عشرات الآلاف، ويقتل معارضيه بالرصاص مباشرة أو بالتعذيب أو بالإهمال الطبي، يتحدث عن شراكة سياسية!
هذا الذي استأثر بحكم مصر دون رقيب أو شريك، وعبث بأمنها وباع أرضها ولم يشرك معه أحدا في أي قرار أخذه، ولا يزال يصدر القوانين دون أي مشاركة اجتماعية، ويحبس عشرات الآلاف، ويقتل معارضيه بالرصاص مباشرة أو بالتعذيب أو بالإهمال الطبي، يتحدث عن شراكة سياسية!
تقف سوريا اليوم على حافة شديدة الخطورة، فهناك تحديات خارجية ستكون شديدة الشراسة لإفساد هذه التجربة قبل استقرارها، فالأنظمة الاستبدادية التي كانت تحذِّر شعوبها من محاولات التغيير ضاربة المثل بسوريا، تخشى من ازدهار هذا النموذج، وحينها سيسعى الناس إلى الاقتداء بهذا النموذج، كما حدث في عام 2011 عندما فتحت تونس الباب للتغيير، ولحقت بها عدة أقطار.
كذا هناك التحديات الداخلية شديدة الخطورة، فاقتصاديا، 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، ويحتاج أكثر من 15 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، بحسب بيان سابق للصليب الأحمر في 14 حزيران/ يونيو 2023، وهناك التحدي الأمني المهدد لاستقرار النظام، فالسلاح منتشر في عموم سوريا، والفصائل لم تنهِ عمليات تسليم السلاح، ولم تبدأ عملية دمج الفصائل أو الأفراد في الجيش الوطني، وهي عملية قد تلاقي رفضا من بعض الأفراد والفصائل، كذا قد تتكرر حوادث الانتقام الشعبية من الموالين للنظام السابق، انتقاما مما فعلوه، وفوضى العنف الشعبي ستكون مؤشرا لضعف الدولة، وبالتالي ستسبب غضبا تجاهها أو احتجاجا ضدها.
كما لا يمكن إغفال التهديد الكردي لوَحدة الأراضي السورية، برفض التسليم للحكومة الجديدة قبل وضع تفاهمات، يقال إنها تشمل تمسك الأكراد بمسألة انضمام قوات (قسد) إلى القوات السورية الجديدة على أساس كتلة موحدة، مع المطالبة بالحصول على الحصة الكبرى من عائدات النفط لصالح إدارة مستقلة أشبه بالفيدرالية تضم المناطق ذات الغالبية الكردية. وهذا يعني تكرار النموذج العراقي، والتمهيد لإقامة دولة عرقية كردية في المنطقة. وتسيطر قسد على نحو 28 في المئة من أراضي سوريا، وهي مساحة شاسعة بالطبع.
كذا هناك التهديد الدرزي، وإعلان بعض الشخصيات الدرزية رغبتها في الانضمام لدولة الاحتلال بدلا من سوريا.
وأيضا هناك التهديد المتعلق بالانقسام الثقافي الذي وأَدَ الثورة المصرية، فالأحزاب السياسية حولت أفكارها إلى ساحة للصراع بدلا من ترك حسم الخلافات للرأي الشعبي عبر البرلمان والمؤسسات الأهلية، ودخل السيسي من هذه البوابة إلى قصر الحكم، مُقْصيا الجميع.
إن النظام السوري الجديد يحتاج إلى ابتعاد أنظمة الشر العربية والدولية عنه، وإلى ابتعاد التابعين لهذه الأنظمة في الداخل السوري عن المشهد العام، ويحتاج إلى الاستماع إلى أبناء الدولة المؤمنين بالحرية والديمقراطية أيّا كانت أفكارهم ورؤاهم، دون إقصاء لأحد، وأن يكون الحَكَم بين القوى السياسية والاجتماعية الشارع فقط، دون وصاية من تيار أو مؤسسة أو حتى دستور توضع فيه مبادئ تكون وصية على الشارع في اختياراته، فآفة التغيير الوصايةُ والتدخل الخارجي، سواء كان التدخل مباشرا أو عبر وكلاء محليين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السيسي مصر سوريا الثورة سوريا مصر الأسد السيسي ثورة مقالات مقالات مقالات سياسة رياضة رياضة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مصر
إقرأ أيضاً:
للمشاركة في اجتماع وزاري حول سوريا..وزير الخارجية السوري يصل إلى الرياض
تحول وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى العاصمة السعودية الرياض، مساء السبت، للمشاركة في اجتماع وزاري موسع تستضيفه المملكة اليوم الأحد، حول سوريا.
وزير خارجية الإدارة السورية الجديدة يصل إلى الرياض، للمشاركة في الاجتماع الوزاري الموسع بشأن سوريا الذي تستضيفه المملكة.https://t.co/FacvTuCHwC#واس_عام pic.twitter.com/n0w2L4VRAz
— واس العام (@SPAregions) January 11, 2025وقالت وكالة الأنباء السعودية إن الوزير وصل إلى الرياض وكان في استقباله في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، نائب وزير الخارجية وليد بن عبدالكريم الخريجي.
ومن المنتظر أن يشارك في اجتماع الرياض وزراء خارجية تركيا، وسوريا، والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، والعراق، ولبنان، والأردن، ومصر، وبريطانيا، وألمانيا، فيما ستشارك الولايات المتحدة، وإيطاليا على مستوى نائب وزير الخارجية.
كما من المتوقع أن تحضر الاجتماع أيضاً الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، وغير بيدرسون المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا.