جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-15@02:16:19 GMT

القيادة الأخلاقية في العمل

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

القيادة الأخلاقية في العمل

 

 

 

د. سعيد الدرمكي

 

الحديث عن أخلاقيات القيادة في بيئة العمل لا يقل أهمية عن الحديث عن ميزانية المؤسسة وأرباحها وأهدافها المستقبلية. بل إن أخلاقيات القيادة في بيئة العمل تعد بوصلة لنجاح المؤسسة واستدامتها. فهي ليست مجرد نهج إداري، بل أسلوب حياة يرتكز على احترام القيم وكرامة الإنسان، مع توجيه الأفراد بنزاهة وعدالة ومسؤولية.

القيادة الأخلاقية، كما عرفها مندونكا وكانونغو، هي التأثير بالمبادئ والقيم لتحقيق السلوك الصحيح. فقد أصبحت أولوية في المؤسسات الحديثة لدورها في ترسيخ النزاهة والشفافية. ورؤية "عُمان 2040" أبرزت أهميتها، مشددة على تطوير قيادات وطنية تتسم بالكفاءة والمسؤولية الأخلاقية، لتحقيق تنمية مستدامة قائمة على العدالة والقيم.

القائد الأخلاقي يتميز بسمات جوهرية تشكل حجر الأساس في نجاحه. النزاهة تأتي في المقدمة، حيث تعكس التزام القائد بالصدق والثبات على المبادئ. يليها الذكاء العاطفي، الذي يمكن القائد من فهم احتياجات فريقه وتقدير وجهات نظرهم، وبناء علاقات إيجابية. الشفافية عنصر رئيسي يعزز التواصل المفتوح، في حين تضمن العدالة تطبيق القواعد بشكل منصف ومتساوٍ. هذه السمات لا تقتصر على تصرفات القائد، بل تشكل مصدر إلهام للآخرين لتبني القيم الأخلاقية كمنهج دائم.

لا شك أن القيادة الأخلاقية تشكل أساسًا لبيئة عمل إيجابية تعزز التعاون، الشمولية، والنمو، بينما تسهم القيادة غير الأخلاقية في خلق بيئات سامة تُضعف الاستقرار وتضر بالسمعة المؤسسية. لذلك، يجب على المؤسسات اعتماد الأخلاق كمعيار أساسي في اختيار القادة، إلى جانب الإبداع، الفطنة التجارية، والجوانب ذات الصلة بالوظيفة وطبيعة المؤسسة، لضمان الاستدامة وتعزيز السمعة على المدى الطويل

تعد شركة تويوتا نموذجًا للقيادة الأخلاقية؛ حيث تعاملت بشفافية مع أزمة عيوب التصنيع عام 2010؛ مما عزز ثقة العملاء. كذلك، أظهرت مجموعة تاتا في الهند التزامًا بالنزاهة والمسؤولية الاجتماعية من خلال تخصيص جزء من أرباحها لتنمية المجتمع. في المقابل، تسببت فضائح مثل فساد شركة سامسونج الكورية في 2017، والتلاعب المالي في شركة نيسان اليابانية في 2018، وانهيار شركة إنرون الأمريكية في 2001، وحسابات شركة الخدمات المالية "ويلز فارجو" الوهمية في 2016، في الإضرار بالسمعة والثقة؛ مما يُبرِز أهمية القيادة الأخلاقية في تحقيق الاستدامة المؤسسية.

القيادة الأخلاقية تُعزِّز سُمعة المؤسسة، وتبني الثقة، وتقوِّي الولاء بين العاملين؛ مما يدعم الإبداع والشمولية. ولتعزيزها، يُمكن اعتماد مدونات السلوك، والتغذية الراجعة، وبرامج تدريبية لبناء المهارات، إضافة إلى قنوات للإبلاغ عن المخالفات لضمان الشفافية والالتزام.

يحمل المستقبل فرصًا وتحديات للقيادة الأخلاقية؛ حيث يُطلب من القادة الالتزام بمبادئ العدالة والإنصاف في ظل التحولات العالمية. ومن أبرز الاتجاهات الحديثة: أخلاقيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان استخدام التقنيات بمسؤولية وشفافية مع إشراف بشري يحمي من التجاوزات. كما تبرز الاستدامة كعنصر محوري، تركز على ممارسات أخلاقية في الحوكمة البيئية والاجتماعية. وفي نوفمبر 2021، أصدرت منظمة اليونسكو أول وثيقة عالمية لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، اعتمدتها 193 دولة، لتترجم القيم الأخلاقية إلى سياسات عملية تدعم الشفافية والاستدامة عالميًا.

ولترسيخ مفهوم القيادة الأخلاقية، يتعين على القادة أن يكونوا نموذجًا يُحتذى به في التزامهم بالقيم والمبادئ الأخلاقية، مع التأكيد على أهمية اتخاذ قرارات تعكس النزاهة والشفافية. القيادة الأخلاقية تتطلب مواجهة أي ممارسات غير أخلاقية بحزم وسرعة، مع تعزيز بيئة عمل تحفّز على الاحترام المتبادل والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية.

ومن الضروري أن تسعى المؤسسات إلى بناء ثقافة تعتمد على القيم الأخلاقية كأساس للتميز المؤسسي، مع التركيز على التعلم المستمر كوسيلة للتطوير المستدام.

وفي هذا السياق، يجب أن تؤدي المؤسسات الأكاديمية والتدريبية، مثل الأكاديمية السلطانية للإدارة، دورًا محوريًا في تمكين القادة من خلال برامج مُتخصصة تُعنى بتعزيز مهارات القيادة الأخلاقية؛ مما يُسهم في إعداد جيل من القادة القادرين على قيادة مؤسساتهم بوعي أخلاقي وتوجه استراتيجي مُستدام.

إنَّ القيادة الأخلاقية ليست رفاهية؛ بل ضرورة لتحقيق النجاح المؤسسي على المدى القريب والبعيد؛ حيث إنها أداة لزرع الثقة وتعزيز الشفافية والمساءلة داخل المؤسسة. وللتغلب على التحديات المستقبلية، تحتاج المؤسسات إلى قادة يتمتعون بمرونة فكرية وقدرة على التكيف، مع التزام قوي بالمبادئ الأخلاقية التي تضمن لهم وللمؤسسات التي يقودونها الازدهار والتميز.

 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نائب إطاري:نرفض العمل بالدوائر الانتخابية في كل محافظة

آخر تحديث: 14 يناير 2025 - 2:52 م بغداد/شبكة أخبار العراق- اعتبر رئيس كتلة أجيال النيابية التابعة لحزب الدعوة النائب محمد الصيهود ، الثلاثاء ، العودة الى تعدد الدوائر الانتخابية لكل محافظة غير منتج وسيسهم في اضعاف المؤسسة التشريعية.وقال الصيهود في تصريح صحفي، إن “الحديث عن اجراء تعديل قانون الانتخابات لم يطرح على مجلس النواب لحد اللحظة ، وما يدور مجرد اراء شخصية ولاتتبناه كتلة سياسية محددة”.واضاف ان ” مهمة النائب في البرلمان مهمة وطنية لاتقتصر على فئة محددة او شريحة خاصة ،وانما المساهمة بتشريع القوانين لعامة الشعب العراقي ويختلف دور النائب في البرلمان الاتحادي ، تماما عن مهام عضو مجلس المحافظة”.وأشار إلى أن “تعدد الدوائر الانتخابية في المحافظة غير منتج وسيسهم في اضعاف المؤسسة التشريعية” .

مقالات مشابهة

  • نائب إطاري:نرفض العمل بالدوائر الانتخابية في كل محافظة
  • وزير المالية: الإنتهاء من تحضير قانون جديد للسوق المالي
  • حصول دبلوم عُماني في القيادة الاستراتيجية على اعتماد دولي 
  • «أوقاف دبي» تنفّذ 62% من الأعمال الإنشائية لمتاجر الورقاء
  • مؤسسة النفط تعيد تشغيل «الحفارة العملاقة»
  • مبادرات وطنية شاملة لتشغيل الشباب وتأهيلــــــهم لسوق العمل في سلطنة عُمان
  • البنك المركزي و"شباب القادة" يناقشان سبل تعزيز التعاون لدعم تمكين النشأ و الشباب
  • التدريب التقني توفر أكثر من 11 ألف فرصة وظيفية
  • التدريب التقني توفر أكثر من 11 ألف فرصة وظيفية للخريجين