الهوس بتقييس الحياة بات السمة الطاغية على حياتنا، كل شيء يجب أن يخضع للوزن والقياس وإن لم يُكال أو يُوزن فسيكون ناقصًا أو غير مكتمل، أو قد يُنظر إليه كخطأ جسيم. الحياة أصبحت معادلة رياضية كما يقول الفـيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت حين رأى أن الطبيعة يمكن فهمها عبر الرياضيات: «لكي نفهم العالم، علينا تحويله إلى معادلات وأرقام» معتبرا أن «المفاهيم الرياضية هي مفاهيم فطرية مبرمجة فـي العقل» أي أن الأوزان والمقاييس هي فطرة إنسانية يلجأ إليها الإنسان لحساب كل شيء فـي الحياة.
لتبسيط فكرة الإنسان وولعه بالأوزان، سأقترب قليلًا من نمطية الحياة اليومية التي تبدأ بكوب القهوة الصباحي الذي يجب أن يكون مثاليًا، 20 جراما من البن لكل 30 مل من الماء، وإذا زادت هذه المعادلة أو نقصت مذاق القهوة لن يكون مثاليًا، إعداد هذا الكوب يتطلب دقة أكثر مما يتصورها البعض وكأنها معادلة فـيزيائية مثل درجة حرارة الماء، ومعدل تحميص البن، ودرجة طحنه، وغيرها من التفاصيل التي تحتاج إلى تركيز يشبه حل معادلة رياضية تحتاج إلى آلة حاسبة وميزان إلكتروني حساس.
القهوة ليست سوى بداية الموازين الإنسانية اليومية، أصبحنا نقيس كل شيء خشية أن يؤثر علينا وزن زائد أو ناقص وكأننا ننشد الكمال المطلق، الطعام الذي نأكله لا بد أن يكون موزونا بالسعرات الحرارية المضبوطة، كم تحوي الوجبة من السعرات؟ هل تحتوي على البروتين الكافـي؟ وماذا عن الدهون والألياف؟ أي «كالوري» مرتفع أو منخفض سيؤثر على الوزن الصحيح للإنسان الناشد لكمال وزنه ورشاقته وأناقته. باتت وجباتنا أقرب إلى صفقات رياضية تُحسب بدقة، ولم تعد تجربة للاستمتاع بالنكهات.
حتى النوم لم يسلم من هذا الهوس، نقيس ساعات النوم العميقة والمضطربة ونصدق ونلتزم بما تقوله لنا تطبيقات الصحة التي تخبرنا بكمية النوم المثالية اللازمة لنا. أصبح المشي والركض والجلوس والوقوف ووقت شرب الماء والإجهاد والراحة أمورا محسوبة بالمليمتر أو الثانية، ولا داعي للأحاسيس والمشاعر البشرية للتدخل فـي الموضوع، فالتطبيق أو الساعة فـي المعصم تعرف متى تحتاج إلى الراحة وكم خطوة يجب أن تمشي ومتى يجب أن تنام فالأمر منوط بمقاييس وموازين ورياضيات معقدة وليست بحاجة إلى مشاعر وأحاسيس.
هذا الهوس امتد إلى العلاقات البشرية فـي العصر الحديث، الكل يلهث وراء الإعجاب والمتابعين فـي كل منشور يشاركه مع أصدقائه فـي وسائل التواصل. كثرة المتابعين تعني الفرح والتميز، وعدد الإعجابات تعني الفرح والنشوة والوصول والعكس من ذلك فمن لديه مائة ألف متابع على إنستجرام، فهو شخص ناجح ومشهور ومميز، والعكس من ذلك صحيح فمن لا يملك أصدقاء افتراضيين يمدونه بالإعجابات فهو شخص منطوٍ على ذاته ويمكن أن يصنف فـي خانة مرضى التواصل الاجتماعي النفسيين.
أما المقياس الأكبر الذي يهيمن على حياتنا الحديثة فهو المال، وبه باتت تختصر وتُقاس قيمة الإنسان فكل شيء يدور حول المال والأرقام سواء تعلق الأمر بالفرد أم بالكيان الأكبر، فمقدار ما لديك من رصيد وثروة هي ميزانك الحقيقي فـي عيون الناس، نسينا أن الإنسان الحقيقي يُقاس بما يتركه فـي نفوس الآخرين، لا بما يضعه فـي رصيده البنكي.
لا ضير ولا ضرر من أن يكيل كل شيء فـي الحياة ابتداء من الوقت وانتهاء بالمشاعر الإنسانية فلذلك كثير من الفوائد، لكن أن يتم تجييش كل شيء فـي الحياة ليصبح رقما ومعادلة رياضية فهذا ما قد يحول إنسانيتنا إلى آلة متبلدة من المشاعر والأحاسيس لا تعترف إلا بالرقم فـي كل شيء ويتم تقييمك كبشري وفقا لتك الأرقام.
فـي وسط هذا العالم المهووس بالمقاييس، ربما فقدنا أجمل ما فـي الحياة، فقدنا العفوية وفقدنا متعة العيش بلا أوزان، فقدنا السعادة التي تأتي من أشياء بسيطة لا يمكن قياسها بالمليمتر ولا بالمليجرام، فالحياة لا تحتاج دائمًا إلى موازين ومقاييس وأرقام وربما حان الوقت لأن نضع تلك الموازين جانبًا، ونعيش الحياة كما هي بدون تعقيد كثير من الأطر والمعايير التي كبلنا بها أنفسنا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کل شیء فـی الحیاة یجب أن
إقرأ أيضاً:
أبرزهم بريانكا شوبرا وفلويد مايويذر.. نجوم يستثمرون في أندية رياضية
يتجه العديد من المشاهير العالميين للاستثمار في المجال الرياضي، خاصة في فرق كرة القدم وكرة السلة، بهدف تنويع مصادر دخلهم وتعزيز ثرواتهم، إذ يدر الاستثمار الرياضي عوائد مالية كبيرة من حقوق البث التلفزيوني والإعلانات، ناهيك عن شغفهم الشخصي بالرياضة.
ويُعتبر الدوري الإنجليزي الممتاز من أكثر الدوريات جذبًا للاستثمارات الأجنبية. وبالنسبة للمستثمرين الرياضيين، اشترى لاعب كرة السلة الأميركي ليبرون جيمس حصة تبلغ 2% من نادي ليفربول مقابل 6.5 ملايين عام 2011. ومع النجاحات المستمرة للنادي، ارتفعت قيمة حصته بشكل كبير لتقدر مؤخرا بنحو 32 مليونا.
واشترى الممثل الهوليودي مايكل ب. غوردون حصة رجل الأعمال مكسيم ديمين في نادي "إيه إف سي بورنموث" مقابل 198 مليون دولار، بالشراكة مع رجل الأعمال الأميركي بيل فولي.
أما لاعب كرة القدم الأميركية توم بريدي فبعد اعتزاله صوب تركيزه على الاستثمارات الرياضية حيث يمتلك 3.3% من قيمة نادي برمنغهام سيتي بموجب صفقة عقدها عام 2023.
وقد تعاونت الإعلامية إلين ديغيرنس مع مجموعة من رجال أعمال أميركا لشراء حصة كبيرة في نادي شيفيلد يونايتد عام 2020 على الرغم من الصراعات التي وجهتها من قبل مستثمرين منافسين.
إعلانوعام 2020 شهد استحواذ نجمي هوليود (ريان رينولدز وروب مكيليني) نادي ريكسهام الويلزي، أحد أقدم أندية كرة القدم في العالم، مقابل 2.5 مليون جنيه إسترليني. ويهدف الثنائي لتطوير النادي وإعادته إلى مكانته السابقة، وقد وثّقا رحلتهما في فيلم وثائقي بعنوان "مرحبًا في ريكسهام" وقد عُرض على منصة "ديزني+" عام 2022.
ومن جانبه، أسس لاعب كرة القدم الإنجليزي السابق ديفيد بيكهام نادي إنتر ميامي الأميركي عام 2018 بعد مسيرة حافلة قضاها في الملاعب.
واستفاد زوج نجمة فرقة "سبايس غيرلز" السابقة فيكتوريا بيكهام من بند في عقده مع نادي لوس أنجلوس غالاكسي عام 2007، مما أتاح له تأسيس نادٍ في الدوري الأميركي بميزانية منخفضة تُقدر بـ25 مليون دولار.
ونجح إنتر ميامي في جذب نجوم كبار، مثل الأرجنتيني ليونيل ميسي، مما أسهم في زيادة قيمة النادي التسويقية إلى مليار دولار مع نهاية عام 2023.
وشهد عام 2019 انضمام الممثل الأميركي ماثيو ماكونهي إلى مجموعة مالكي فريق أوستن إف سي الذي يشارك في الدوري الأميركي لكرة القدم.
أما الممثلة الهندية بريانكا شوبرا، فتسعى لتعزيز الرياضة في موطنها. ففي عام 2019، استثمرت في فريق "غوا" لكرة القدم، أحد أبرز فرق الدوري المحلي. كما استثمرت في رياضة الكريكيت التي تحظى بشعبية واسعة هناك من خلال امتلاك حصة في نادي "راجستان رويالز".
وتجذب فرق كرة السلة اهتمام عديد المشاهير، ففي العام 2014 أبدت الإعلامية أوبرا وينفري اهتمامًا بشراء نادي لوس أنجلوس كليبرز، إلا أن الصفقة لم تكتمل.
أما المغني أشير، يمتلك حصة في نادي كليفلاند كافالييرز لا تتعدى 1% حيث قام بشرائها عام 2005 مقابل 9 ملايين دولار.
وكان الملاكم فلويد مايويذر استحوذ على حصص في فرق كرة سلة مختلفة على رأسها لاس فيغاس غولدن نايتس الذي قام بشرائه قبل عامين بالتعاون مع رجل الأعمال برينت جونسون مقابل ملياري دولار.