الواقع السوري.. بين التحديات ومقومات النهوض
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
بعد سقوط حكم الأسد، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024 علي يد قوات ردع العدوان، والفصائل المتحالفة معه بقيادة السيد "احمد الشرع"، بدأ يتشكل في المشرق العربي "الشام الجديد" بوجهه الإسلامي المُشرق، حرية وتسامحا ورحمة، على أنقاض سوريا سايكس بيكو ومشروعها القومي الجاهلي الذي ملأ أرضها طغيانا واستبداد وإجراما وفسادا على يد عصابات الاسد التي حكمت البلاد.
فالشام الجديد هو أول دولة في العالم العربي -منذ سقوط الخلافة العثمانية 1924 وحتى 2024- تتأسس بإرادة الأمة وشعوبها، وتعبر عن هويتها الإسلامية، بعد ثورة تاريخية كبرى شاركت الأمةُ كلها فيها الشعبَ السوري إمدادا وإعدادا وإسنادا، فشارك فيها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها بأموالهم وإعلامهم في نصرة شعبها، وشارك فيها العرب والترك والقوقاز وغيرهم بأرواحهم واختلطت على ثراه الطاهر دماؤهم، فانهارت الحدود والسدود المصطنعة بين المسلمين -التي فرضتها الحملة الصليبية منذ احتلت العالم الإسلامي- فعاد الشام من جديد كما كان عبر تاريخه منذ الفتح الإسلامي، بلدا إسلاميا لكل مكونات الأمة فيه من العرب والترك والكورد وغيرهم،كما للجغرافيا السياسية أحكامها التي تفرض نفسها على الدول، وكلما أحسنت استثمار موقعها الجغرافي سياسيا واقتصاديا على أفضل وجه كان النجاح حليفها، فكذلك للديموغرافيا السياسية أحكامها، حيث تتمتع سوريا الشام بموقع جيوسياسي وديموغرافي يجعلها حلقة الوصل الأهم بعد أن حولته سايكس بيكو لبلد قومي عربي جاهلي فاصل بين العالمين العربي (500 مليون نسمة) والتركي (200 مليون)، فكانت سوريا طوال قرن كامل إسفينا وسدا منيعا بين العرب والترك كما أرادته سايكس بيكو لها!
وقد عاد الشام اليوم مرة أخرى حلقة الوصل بين العالمين العربي والتركي، وهي فرصة تاريخية للأمة وشعوبها للخروج من الطوق القومي الجاهلي - الذي طوقتهم به الحملة الصليبية منذ الحرب العالمية الأولى- إلى رحابة أخوة الإسلام ونظامه السياسي الإسلامي، وكما للجغرافيا السياسية أحكامها التي تفرض نفسها على الدول، وكلما أحسنت استثمار موقعها الجغرافي سياسيا واقتصاديا على أفضل وجه كان النجاح حليفها، فكذلك للديموغرافيا السياسية أحكامها، حيث تتمتع سوريا الشام بموقع جيوسياسي وديموغرافي يجعلها حلقة الوصل الأهم بين الحزامين العربي جنوبا من موريتانيا إلى عمان، والتركي شمالا من تركستان إلى البلقان، ليربط الشام من جديد بين الحزامين جغرافيا وديموغرافيا، حيث تتشكل فيه سكانيا أكثرية عربية تربطه في محيطه وعالمه العربي، أكثرية سنية تربطه بمحيطه وعالمه الإسلامي التركي والكردي، وهي القوميات الثلاث الأبرز في منطقة الأناضول والشام التي استطاعت بوحدتها أن صهرها الإسلام ووحدها في ظل الخلافة أن تحرر المشرق الإسلامي من كل الحملات الفرنجية الصليبية وتحرر القدس والمسجد الأقصى.
مقومات للإصلاح والنهوض
إن الأمة وهي تحاول النهوض تحتاج مجموعة من المقومات والأدوات، ولا شك أن الإعلام يمثل ركنا أساسيا في قضية الإصلاح في المجتمعات المسلمة، ووسيلة ضرورية في حرب العقائد والأفكار.
الأمة وهي تحاول النهوض تحتاج مجموعة من المقومات والأدوات، ولا شك أن الإعلام يمثل ركنا أساسيا في قضية الإصلاح في المجتمعات المسلمة، ووسيلة ضرورية في حرب العقائد والأفكار
إن جزءا من الضعف والهوان الذي نخر في الأمة المسلمة كان بسبب الإعلام وغياب الإعلام الإسلامي عن الساحة، مما ترك للإعلام الآخر الفرصة ليوغل في الفريسة ويتركها وقد قطعها إربا إربا.
هذا لا يعني الانعزال عن المجتمع أو التقوقع أو الإحجام عن الإعلام الآخر، بل من المفترض اختراقه وتسخيرها -ما أمكن- لخدمة القضية الإسلامية، وإن بصور جزئية، أو على الأقل تقليل مصادر الشر والفتنة التي تنطلق منه.
وهذا ما تحدث عنه الدكتور محمد مختار الشنقيطي في العديد من كتاباته، وله الفضل الأكبر في تأهيل وتعميق الهوية الإسلامية وترسيخها عبر الأجيال، في المقابل تحدث الدكتور أحمد موفق زيدان عن الإعلام الاسلامي خلال مشاريع يسيرة -لكنها جادة عازمة- فهذا الإعلام في أمسّ الحاجة للرؤية الاستراتيجية الشاملة للواقع المعاصر كي يساهم بفعالية بذكاء في التغيير والإصلاح.
هذا الأمر يستدعي وجود طاقات شابة مؤهلة ومدربة وذات حماس عال ورغبة جادة للاستفادة من الإعلام بكافة صوره وأساليبه، ليكون أداة لانتشال الأمة من غفلتها ووسيلة لإعادة مجد الحضارة الإسلامية الضائع ولبنة لتكوين المجتمع المسلم الفاضل المنشود.
في النهاية..
تواضع أهل الشام اليوم عظيم، لكنه واجب وضرورة حين تكون المعركة في بدايتها أمام حشود من المتربصين، حاجتنا لكل صوت مخلص في الحب والدعم. فجراحنا واحدة، ونحن بحاجة تكاتف وليس لتبادل الاتهامات.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات العربي سوريا ثورة النهوض الاسلامي سوريا اسلام ثورة عرب نهوض مدونات رياضة مقالات سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الغزيون في مرمى النار مجدداً
في خضم التصعيد العسكري المتجدد في غزة، تتجلى ملامح مأساة مستمرة، حيث تلوح في الأفق حقيقة أن المفاوضات بين الأطراف كانت مرهونة بالفشل منذ البداية، لسبب بسيط هو أن فكرة "التنازلات تعني الهزيمة" قد سيطرت على تفكير كلا الجانبين، مما يجعل أي محاولة للتقارب أو التفاهم تبدو شبه مستحيلة وهو ما ويزيد من تعقيد الفرص الضئيلة للوصول إلى حل شامل ينهي كابوس الحرب.
لا يمكن قراءة الهجوم الإسرائيلي الأخير بمعزل عن حالة الجمود التي وصلت إليها المفاوضات مع حماس، فإسرائيل كانت تراهن على تنازلات من الحركة بشأن ملف الأسرى والتهدئة طويلة الأمد، في حين أن حماس، رغم الضغوط، لم تُظهر أي ليونة تتيح إحراز تقدم ملموس. وبينما كانت القاهرة والدوحة وواشنطن تعمل على تقريب وجهات النظر، جاءت الضربة العسكرية كرسالة إسرائيلية بأن استمرار المراوحة وكسب الوقت لن يكون بلا ثمن.
من الجانب الإسرائيلي، فإن هذا التصعيد يخدم بنيامين نتنياهو، الذي يعاني من أزمة سياسية داخلية متصاعدة، حيث يشكل أي تحرك عسكري فرصة للهروب من أزماته الداخلية وكسب مزيد من الدعم من اليمين المتطرف، الذي يطالب بتوجيه ضربات أكثر حدة لغزة ووقف أي حديث عن تنازلات في المفاوضات.
أما حركة حماس، فتجد نفسها أمام معادلة معقدة؛ فمن جهة، تسعى للحفاظ على صورة "النصر المعنوي" الذي كرسته بصمودها لأكثر من عام ونصف أمام محاولات نتنياهو القضاء عليها بالكامل، مع أنها تدرك لا محالة أن تعثر المفاوضات يعني تتجدد المواجهة مرة أخرى، وإرتفاع فاتورة "الصمود" على حساب القطاع وأهله، حيث يتحول كل إنجاز سياسي أو عسكري إلى عبء إضافي يدفع المدنيون ثمنه من أرواحهم وأمنهم ومستقبلهم.
لكن هل يعتمد موقف حماس على رؤية استراتيجية؟ أم أن ما يحدث هو مجرد رد فعل مبني على مواقف تكتيكية غير مجدية؟ الواقع يظهر أن حماس قد ضحت بالكثير من أجل صفقة سياسية محدودة، لم تؤدِ إلى أي تغيير حقيقي في موازين القوى أو الواقع المفروض على الأرض. حتى في الوقت الذي يتحدث فيه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف عن جهود التفاوض، نجد أن اهتمامه محصور في ملف الأسير الأميركي، في حين تظل قضية وقف إطلاق النار أو مستقبل غزة مغيبة عن جدول الأعمال. وهذا يعكس بوضوح أن المفاوضات تسير بلا هدف واضح، وأن الأطراف الدولية الكبرى تكتفي بالتفاعل مع الظروف الحالية دون أن تطرح رؤية استراتيجية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في غزة.
مع تصاعد الرفض من حماس للمقترحات الإسرائيلية، يظل السؤال الأبرز: ما الذي يمكن أن تحققه حماس بعد أن قررت إسرائيل العودة الى الحرب مجدداً؟ هل بإمكانها حقاً تحقيق مكاسب في ظل الظروف الراهنة؟ الواقع يجيب بالنفي، فحماس التي أشعلت فتيل حرب كبرى زعمت من خلالها تغيير الواقع المفروض عليها تجد نفسها اليوم في موقع صعب مع فقدانها القدرة على التأثير في مجريات الأحداث بعد إنهيار قدراتها العسكرية وتفكك محور المقاومة الذي راهنت عليه من أجل الضغط على إسرائيل، وإذا نظرنا إلى حسابات الربح والخسارة يمكن القول إن حماس قد تكون حققت انتصاراً معنوياً بصمودها طوال سنة ونصف، لكنها على المدى البعيد ستواجه هزيمة حتمية، ذلك لأنها لن تتمكن من إقناع الأطراف العربية والدولية بدعم خطة إعمار غزة على شاكلة المواجهات السابقة.
لا يختلف اثنان على أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأول عن معاناة الفلسطينيين، لكن ذلك لا يعفي الفصائل الفلسطينية من مسؤوليتها في تجنيب سكان غزة ويلات الحرب. فلا يمكن الاستمرار في التعامل مع المدنيين كأوراق ضغط في المفاوضات، ولا يمكن أن تظل القضية الفلسطينية رهينة تكتيكات عسكرية دون رؤية استراتيجية تُخرج غزة من دائرة الصراع المتكرر.
اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج الفلسطينيون إلى قيادة سياسية تدرك أن موازين القوى لا تصنعها صواريخ تُطلق من غزة بقدر ما تصنعها استراتيجيات طويلة الأمد تُوظف لصالح القضية الفلسطينية ككل لا لصالح فصيل أو حسابات آنية، ذلك لأن سلامة الأبرياء يجب أن تتخطى الحسابات السياسية، وعلى حماس أن تعي أن أي مكسب سياسي لن يكون أغلى من أرواح الأبرياء الذين يقضون مع كل جولة تصعيد جديدة.