عدن الغد:
2024-09-19@04:01:51 GMT

يـــومٌ ألــيــم (قصة قصيرة)

تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT

يـــومٌ ألــيــم (قصة قصيرة)

قصة قصيرة / كتبها: أبو زين ناصر الوليدي

كعادتي أخرج من البيت بعد العصر، وأستفرغ طاقتي في اللعب مع الأطفال اللذين هم في سني أو يقاربونه، لم تكن لنا آنذاك هذه الأنواع المختلفة من الكرات، كنا نحصل على أي كرة فنلعب بها، صغيرة أو كبيرة، وحين لا نملك الكرة علينا أن نصنعها من لفائف الورق وبقايا الجلود.
لازلت أتذكر تلك الكرة التي كنت ألعب بها ذلك اليوم، وكيف أنساها وأنا ما نسيت حتى لون شمس ذلك اليوم، ولا ذرات الغبار التي كانت محلقة في سمائه، ولا الأوراق التي كانت تعبث بها الريح؟ 
حتى الأخشاب وبقايا الحطب لازلت أذكر أشكالها وأماكنها.


أنهكني التعب بعد مطاردة تلك الكرة الصغيرة، وجنحت إلى الراحة والاسترخاء في جانب الشارع الترابي، وهناك قريبًا من بيت العم أحمد العولقي جلست لاهثًا، فمددت رجلي واتكأت على يدي، ورفعت وجهي نحو السماء باحثًا عن الهواء لأملأ به رئتي المرهقتين من طول اللعب وكثرة الجري. 
كان الشارع ممتلئًا بالأطفال ممن هم في سني وممن هم أكبر وأصغر مني، وكانت هناك حلقة لبعض النساء في ظل جدار يتبادلن الحديث ويقتتن الكلام. 
يا إلهي ما الذي جرى؟
لم تكن اللحظات تسمح بالاستفسار، وجدت نفسي أمام الموت وجهًا لوجه، لم يترك لي فرصة للهرب.
انطلقت (الحراثة) إلى الوراء تنتهب الأرض نهبًا وعليها عدد من الأطفال، أحاط بها الصراخ من كل مكان، حاولت النساء إنزال الأطفال من الحراثة، لكن كان الفشل حليفهن في كل محاولة، فسرعة الحراثة وجنونها وضعف النساء والخوف لم يسمح بذلك.
أفقت على الحراثة وهي متجهة نحوي بكل جنون، رأيت الأطفال بين أيدي النساء التي تحاول إنقاذهم، رأيت (محمدًا) ابن عمي وهو يعجز عن الاستمساك بحديدة الحراثة فسقط قريبًا مني، أما أنا فقد استسلمت للموت، لأن الحراثة لم تترك لي مهربًا، لا أدري لماذا تمددت أرضًا؟ هل هو الوجل أم الاستسلام أم هي عناية الله؟
وجدت نفسي تحت عجلة الحراثة الخلفية، لكن لم يمسسني منها شيء فقد توسطت بين العجلتين الخلفيتين الكبيرتين في معجزة ربانية وعناية إلهية.
لكن...
في هذه اللحظة بالذات وأنا تحت الحراثة سقط محمد تحت العجلة الخلفية التي عن يميني، كنت ممددًا على الأرض فسمعت العجلة تكسر أضلاعه وتدوس على بطنه في لحظات مرت كمرور البرق، ثم تأتي العجلات الأمامية فينجيني الله منهما، ويمران عن يميني وشمالي وأنا مستلق بينهما وبالسرعة والقوة والقسوة نفسها يمران على جسد محمد، فتسيل الدماء وتصيب ثيابي.
وبعدها تتعثر الحراثة في بعض الأحجار لتنتزع النسوة من تبقى من الأطفال على ظهرها، ثم تنطلق بعيدًا ليس عليها أحد تلاحقها اللعنات حتى وقعت في حفرة منعتها من الحركة، فمازالت تحفر حتى وقفت.
كانت بعض النساء تظن أن الدماء تسيل من جسدي، ولكن بمجرد خروجي السريع من تحت صدر الحراثة وقفت خائفًا أنظر إلى ابن عمي وهو بين يدي عجوز أدخلته إلى بيت العم أحمد العولقي ليفارق الحياة بعد بضع دقائق.
علا الصراخ القرية، وتجمع الناس، وحضرت الشرطة بعد ساعة من الحدث، كان الحزن والوجوم والخوف يتغشى قريتنا الصغيرة، وكانت الشمس تزحف نحو الغروب ببطيء، وخرج كل من في القرية إلى الشارع، وجاء رجال ونساء من القرى المجاورة.
وكما هي العادة تجمع عدد كبير من النساء في بيتنا الكبير، نسي الناس مع ألم الموت والحزن وهول الواقعة نسوا أن هناك طفلًا خائفًا مذعورًا نجا من الموت بأعجوبة، ولأنه لم يصب بأذى لم يلتفتوا إليه.
حتى أمه لم تكن تظن أنه يحتاج عناية فقد ابتلعتها أكوام النساء، مع أعمال استقبال المعزيات وصراخ الباكيات.
لم أرَ أمّي، ولم أنم في غرفتنا المعتادة بين أمي وإخوتي لمدة أسبوع. 
كانت أيام حزن وخوف وأحلام مزعجة، كنت آوى إلى فراشي بين عدد كبير من أبناء أعمامي والأطفال الذين قدموا مع أمهاتهم للعزاء، ما أن أضع رأسي على الفراش ويبدأ النوم يداعب أجفاني حتى أسمع صوت العجلة وهي تدوس جسد محمد فأجلس فزعًا، ألتفت يمينًا وشمالًا وكأني أرى الحراثة تركض داخل الغرفة، ومحمد يصرخ بأعلى صوته طلبًا للمساعدة، وربما أستيقظ أحيانًا منتصف الليل على صوت العجلة وهي تدوس جسد الطفل المسكين، وكنت ربما أحتاج شربة ماء فيمنعني الخوف من البحث عنها في الليل المظلم.
مرت الأيام وتلاشت الحادثة رويدًا رويدًا، لكن ظلال ذلك اليوم لايزال يزورني الفينة بعد الأخرى.
العجيب في الأمر أن أعمامي مصرون على أن العجلات لم تدس جسد محمد، وأنه مات بسبب ضربة من حديدة عند أذنه، أما أنا فلازلت مستمسكا بروايتي، فقد كنت أقرب شخص إليه، ورأيت العجلتين تعتلي جسده الصغير وسمعت صوت هشهشت عظامه بأذنيَّ الصغيرتين.

*من كتابي كريستيانا الفاتنة* 
.

المصدر: عدن الغد

إقرأ أيضاً:

كوريا الشمالية تُطلق صواريخ باليستية قصيرة المدى في تجربة جديدة

أعلنت كوريا الجنوبية، اليوم، أن جارتها كوريا الشمالية قامت بإطلاق عدة صواريخ باليستية قصيرة المدى، وذلك في ثاني تجربة من نوعها خلال أسبوع واحد، وفقًا لوكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب". 

تأتي هذه العملية في وقت حساس، مما يزيد من التوترات في المنطقة.

تفاصيل إطلاق الصواريخ

في صباح الأربعاء، رصدت رئاسة الأركان المشتركة الكورية الجنوبية عدة صواريخ باليستية قصيرة المدى تم إطلاقها نحو الشمال الشرقي في نحو الساعة 06:50.

وأوضحت رئاسة الأركان أنه تم تحليل بيانات الصواريخ بدقة، مع التأكيد على ضرورة تعزيز اليقظة لمراقبة أي عمليات إطلاق مستقبلية محتملة.

وأكدت رئاسة الأركان أن القوات المسلحة الكورية الجنوبية قد اتخذت تدابير مشددة لتعزيز قدراتها الدفاعية ورفع مستوى التنبيه، وذلك في إطار إجراءات الاحتراز لمواجهة أي تهديدات إضافية قد تنجم عن تصعيد كوريا الشمالية. 

وأشارت إلى أنها تعمل بشكل وثيق مع حلفائها اليابانيين والأمريكيين لتبادل المعلومات وتعزيز التنسيق لمواجهة الوضع.

ردود الفعل الدولية

من جانبها، أفادت طوكيو بأنها قد رصدت أيضًا عمليات إطلاق الصواريخ، وذكرت أنها تتابع التطورات عن كثب وتنسق مع شركائها الدوليين. 

وقال خفر السواحل اليابانيون إنهم رصدوا سقوط أحد الصواريخ في البحر.

ولفت خفر السواحل إلى أنه تم توجيه تحذيرات للسفن في المنطقة بضرورة إبلاغهم عن أي مقذوفات تُلاحظ في البحر وعدم الاقتراب منها، وذلك لتجنب أي حوادث محتملة.

تجارب صاروخية سابقة

يُذكر أن كوريا الشمالية قد أجرت في 12 سبتمبر الماضي تجربة لراجمة صواريخ جديدة من عيار 600 ملم. 

هذه التجربة كانت من بين سلسلة من الاختبارات الصاروخية التي أجرتها كوريا الشمالية، والتي أثارت قلقًا كبيرًا في المنطقة ودفعت الدول المجاورة إلى اتخاذ تدابير إضافية للتعامل مع التهديدات المحتملة.

التأثيرات الإقليمية والدولية

تعد هذه التجارب الصاروخية من كوريا الشمالية بمثابة استعراض للقوة وتعزيز لقدراتها العسكرية في منطقة ذات أهمية استراتيجية.

التوترات المتزايدة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، فضلًا عن تأثيرها على الاستقرار الإقليمي، تتطلب استجابة دولية منسقة لمواجهة أي تصعيد محتمل.

في ظل هذه التطورات، تبقى المنطقة في حالة تأهب، بينما تستمر الدول الكبرى في تعزيز جهودها للتوصل إلى حلول دبلوماسية للحفاظ على الاستقرار والسلام في شبه الجزيرة الكورية.

البحث عن حلول دبلوماسية

تستمر الجهود الدولية في البحث عن طرق دبلوماسية للتعامل مع التحديات التي تطرحها التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية. 

يتطلب الوضع الحالي مزيدًا من التعاون بين الدول الكبرى والحلفاء الإقليميين لضمان عدم تفاقم الأوضاع وإيجاد طرق فعالة للتعامل مع التهديدات الأمنية في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • تعذيب الأطفال واسترقاق النساء: جرائم تلاحق قادة الدعم السريع
  • «الوطني الفلسطيني» يدعو المجتمع الدولي للتعامل بشكل عملي مع القرارات الأممية التي تدعم القضية الفلسطينية
  • "استثمر في الإمارات" تطلق سلسلة أفلام قصيرة حول البيئة الاستثمارية في الدولة
  • أفلام قصيرة وأركان توعوية في فعاليات اليوم العالمي لسلامة المرضى بالقطيف
  • كوريا الشمالية تُطلق صواريخ باليستية قصيرة المدى في تجربة جديدة
  • المؤلف محمد حسني: منفتحون على الموسيقى العالمية.. المسئوول عن مركز تنمية المواهب بأوبرا الإسكندرية: ندرب الأطفال على الغناء التراثي القديم بالإضافة للحديث.. ونستهدف تنمية قدراتهم الصوتية
  • 5 أفلام قصيرة تنافس على جوائز مهرجان طرابلس للأفلام بلبنان
  • أطفال المحافظات الحدودية يواصلون إبداعاتهم بمطروح ضمن أسبوع "أهل مصر"
  • أسعار تذاكر وشروط دخول حفل محمد العلايلي في الساقية
  • الرئيس السيسي يكرم عددا من النماذج التي أثرت الفكر الإسلامي من مصر