حكاية قانون غير شرعي| أمريكا تعاقب الجنائية الدولية لأجل إسرائيل.. وخبير: تقويض للعدالة
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
أقر مجلس النواب الأمريكي، الخميس، قانونًا يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ردًا على إصدارها مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.
وجاءت هذه الخطوة وسط تصاعد التوترات بشأن الحملة الإسرائيلية في قطاع غزة، مما يعكس دعمًا أمريكيًا قويًا لإسرائيل ومعارضة لأي محاولات دولية لمحاسبة قادتها.
حصل مشروع قانون "مكافحة المحكمة غير الشرعية" على تأييد كبير في مجلس النواب، حيث صوت لصالحه 243 نائبًا مقابل 140.
- الداعمون: 198 نائبًا جمهوريًا و45 ديمقراطيًا.
- المعارضون: لم يسجل أي معارضة من الجمهوريين.
ويهدف القانون إلى معاقبة أي جهة أو شخص أجنبي يحقق أو يعتقل مواطنين أمريكيين أو من دول حليفة غير أعضاء في المحكمة، مثل إسرائيل.
ووصف النائب الجمهوري برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، المحكمة الجنائية الدولية بأنها "صورية"، معتبرًا أنها تسعى لاستهداف قادة دولة حليفة للولايات المتحدة.
ويعكس هذا التصويت استمرار الدعم الكبير للحكومة الإسرائيلية في الكونغرس، خاصة بين الجمهوريين الذين استعادوا السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ.
وأكد جون ثون، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، عزمه تسريع دراسة القانون ليتمكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب من توقيعه فور توليه منصبه في 20 يناير.
ومن جانبه، استنكر الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب الأمريكي لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية. وأكد أن هذا القانون يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، معتبراً أنه يمثل خطوة خطيرة تهدد العدالة الدولية.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ “صدى البلد”، أوضح الدكتور مهران أن هذا التشريع يأتي في وقت تتزايد فيه الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة، خاصة مع انضمام المزيد من الدول لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، والتي تتهمها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وأشار إلى أن محاولة عرقلة عمل المحكمة الجنائية الدولية تعتبر جريمة بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي، التي تحظر أي أفعال تعيق تحقيقات المحكمة أو إجراءاتها القضائية. كما أن هذه المحاولات تتناقض مع المادة 18 من اتفاقية فيينا، التي تلزم الدول بعدم إفراغ المعاهدات الدولية من موضوعها وغرضها.
وأوضح الدكتور مهران أن توقيت هذا القانون يبدو كأنه محاولة واضحة لحماية المسؤولين الإسرائيليين من الملاحقة القانونية على جرائم الحرب المرتكبة في غزة. وأكد أن المادة 5 من نظام روما الأساسي تمنح المحكمة الجنائية الدولية اختصاصًا للنظر في جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة الجماعية، مما يجعل هذه الضغوط الأمريكية خطوة تهدف إلى تقويض العدالة الدولية.
وأضاف أن تزايد الدول المنضمة لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل يعتمد على المادة 63 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، والتي تتيح للدول التدخل في القضايا المتعلقة بتفسير المعاهدات الدولية.
تعارض مع الاتفاقيات الدوليةوأشار الدكتور مهران إلى أن منع قضاة ومسؤولي المحكمة من دخول الأراضي الأمريكية يتعارض مع المادة 48 من نظام روما الأساسي، التي تضمن للموظفين الدوليين الحصانات اللازمة لأداء مهامهم. كما أن التهديد بإلغاء تمويل المحكمة يشكل انتهاكًا للمادة 119 من نظام روما الأساسي، التي تنظم آليات حل النزاعات المتعلقة بوظائف المحكمة القضائية، ويقوض استقلالية المحكمة بشكل خطير.
وشدد الدكتور مهران على أن الضغط الأمريكي على المحكمة يمثل شكلًا من أشكال التهديد المحظور بموجب القانون الدولي، مؤكدًا أن استمرار إسرائيل في تجاهل قرارات مجلس الأمن وأوامر محكمة العدل الدولية يمثل انتهاكًا واضحًا للمادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تلزم الدول بتنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية.
وفي ختام تصريحاته، دعا الدكتور مهران المجتمع الدولي إلى التصدي لهذه المحاولات لتقويض العدالة الدولية، مؤكدًا أن المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة تجعل تحقيق العدالة أحد الأهداف الرئيسية للمنظمة الدولية. وحذر من أن استمرار مثل هذه الضغوط يهدد النظام القانوني الدولي بأكمله، ويؤكد ضرورة تعزيز دعم المحكمة الجنائية الدولية لضمان استقلاليتها وحماية دورها في تحقيق العدالة العالمية.
ردود أفعال المحكمة الجنائية الدوليةمن جهتها، دافعت المحكمة الجنائية الدولية، التي أُنشئت لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، عن قراراتها، مؤكدة أنها تستند إلى أدلة قوية ومؤكدة لمنع استمرار الجرائم.
في المقابل، هاجم الجمهوريون في الكونغرس المحكمة بشدة منذ إصدار مذكرتي الاعتقال، متهمين إياها بالتحيز، وهو ما رفضته إسرائيل ووصفت الاتهامات الموجهة إليها بأنها باطلة وغير شرعية.
وتعد هذه الخطوة أحد أبرز الإجراءات التشريعية التي اتخذها الكونغرس الجديد بعد بدء مهامه الأسبوع الماضي.
- سبق لمجلس النواب أن أقر مشروع القانون في يونيو الماضي، لكنه لم يُطرح للتصويت في مجلس الشيوخ بسبب سيطرة الديمقراطيين حينها.
- يعكس القانون تحالفًا قويًا بين الجمهوريين وإسرائيل، في ظل سيطرة الجمهوريين الحالية على الكونغرس.
تأتي هذه الخطوة كجزء من الجهود الأمريكية المستمرة لحماية حلفائها، وعلى رأسهم إسرائيل، من أي محاسبة دولية. ومع استمرار المحكمة الجنائية الدولية في تأكيد التزامها بمعايير العدالة الدولية، يبقى الجدل قائمًا حول دور الولايات المتحدة في تعطيل هذه الجهود، وتأثير ذلك على مستقبل العدالة الدولية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إسرائيل الجنائية الدولية الجنائية المحكمة الجنائية الإبادة الجماعية المزيد المحکمة الجنائیة الدولیة من نظام روما الأساسی العدالة الدولیة العدل الدولیة الدکتور مهران مجلس النواب
إقرأ أيضاً:
محاكم بلا نفوذ: كيف تُفشل واشنطن العدالة الدولية؟
لطالما كانت محكمة الجنايات الدولية (ICC) محل جدل في الأوساط السياسية، خصوصا بين الدول الكبرى التي تخشى أن تُستهدف قياداتها أو جيشها بتهم جرائم الحرب، بالنسبة لدولة الاحتلال الاسرائيلي فإن المحكمة تمثل تهديدا محتملا بسبب تحقيقاتها في الانتهاكات التي يتم ارتكابها في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما الولايات المتحدة الأمريكية فلطالما كانت علاقتها بمحكمة الجنايات معقدة، حيث لم تصادق بالأساس على ميثاق روما المؤسس لها، أحيانا تدعمها في قضايا معينة كما حصل مع روسيا، بينما تهاجمها في قضايا أخرى تمس مصالحها أو حلفاءها كما يحصل مع إسرائيل.
في الآونة الأخيرة أصبح هنالك تطور مثير للجدل على الساحة الدولية، عندما أعلنت إسرائيل والولايات المتحدة عن خطوات تصعيدية ضد مؤسسات حقوق الإنسان، خصوصا فيما يتعلق بمحكمة الجنايات الدولية، هذه الخطوات تشمل تهديدات بفرض عقوبات على المحكمة وعرقلة إجراءاتها، وحتى انسحابات من مؤسسات حقوقية، هذه التحركات تثير العديد من التساؤلات حول تأثيرها على العدالة الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان، وعلاقات القوى العالمية خاصة بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب عن سلسة إجراءات وعقوبات ستفرض على محكمة الجنايات الدولية لأنها استمرت في تحقيقاتها وادانتها لإسرائيل. ومن بين هذه العقوبات قيود مالية، وقيود على التأشيرات، وحتى ملاحقة قضائية ضد المسؤولين في المحكمة، هذه الخطوة جاءت بعد أن وسّعت المحكمة تحقيقاتها لتشمل جرائم حرب في ابادتها للفلسطينيين في غزة، وهو ما أثار غضب تل أبيب وواشنطن.
من جهة أخرى، سبق للولايات المتحدة أن انسحبت من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2018، متهمة المجلس بالتحيز ضد إسرائيل. واليوم، تتزايد الدعوات داخل إسرائيل لاتخاذ خطوة مماثلة، ووقف التعاون مع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، هذه السياسات تعكس اتجاها عالميا متزايدا من بعض الدول نحو تقليل التزاماتها تجاه المؤسسات الحقوقية، مما قد يؤدي إلى إضعاف النظام الدولي لحقوق الإنسان وعدم فاعليتها.
التداعيات المحتملة
محكمة الجنايات الدولية تمثل واحدة من الأدوات القليلة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الكبرى، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكن في حال استمرت الضغوط والعقوبات ضدها، فقد تخسر المحكمة قوتها وتصبح غير قادرة على تنفيذ ولايتها، مما يفتح الباب أمام الإفلات من العقاب ويصبح العالم يحكمه قانون الغاب، فإن تم انسحاب الدول الكبرى على غرار قرار الولايات المتحدة وإسرائيل من المؤسسات الحقوقية، فإن ذلك يرسل رسالة إلى بقية العالم بأن هذه الهيئات مهمتها إدانة الدول الضعيفة فحسب، مما يشجع الدول الاستبدادية على ارتكاب المزيد من الانتهاكات دون خوف من العواقب.
تراجع الثقة في النظام الدولي
القوانين والمؤسسات الدولية تهدف إلى تحقيق العدالة وحفظ الأمن والاستقرار، لكن عندما تتحدى دول كبرى هذه المؤسسات، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقويض ثقة الشعوب والمجتمعات بها، مما قد يشجع على مزيد من الفوضى الدولية، بالرغم من الضغوط التي تمارسها واشنطن وتل أبيب، إلا أن العديد من الدول والمنظمات الحقوقية الدولية تعارض هذه التحركات على استحياء، وتدعو إلى تعزيز دور محكمة الجنايات الدولية بدلا من معاقبتها (الاتحاد الأوروبي مثلا)، عبّرت عن دعمها للمحكمة، مؤكدة أنها مؤسسة مستقلة يجب أن تعمل دون ضغوط سياسية وهي تعلم أن الأساس في مهاجمتها نابع من المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
اليوم تدرك العديد من الدول أن التصعيد ضد محكمة الجنايات الدولية قد يؤدي إلى مزيد من التوترات، مع ذلك لم تتخذ إجراءات عملية لمعاقبة من يقوّض عمل المحكمة لأن الطرف الآخر هي الولايات المتحدة وإسرائيل وتدعمها دول أخرى، خصوصا الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وإسرائيل، وتفضل الصمت أو حتى دعم هذه التحركات، بحجة أن المحكمة قد تتجاوز صلاحياتها أو تتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، لذا لا داعي للمؤسسات الدولية لعدم وجود أي آلية دولية تضمن محاسبة إسرائيل على الانتهاكات وجرائم الإبادة الحاصلة في فلسطين.
تحديات النظام العالمي؟
التهديدات والانسحابات من المؤسسات الحقوقية الدولية تعكس تحديات كبيرة تواجه النظام العالمي القائم على القانون الدولي، فبعض الدول ترفض التعاون في إنفاذ القانون بحجة انتهاك مصالحها وسيادتها وهو ما يعطّل التحقيقات الدولية. الإصلاحات قد تكون ضرورية لضمان استقلالية محكمة الجنايات الدولية من الضغوط السياسية، لكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك التزام دولي بدعم هذه المؤسسات، وليس معاقبتها عند اتخاذ قرارات غير مرغوبة من بعض القوى الكبرى كما هو حاصل الآن.
خاتمة
تنفيذ إسرائيل وأمريكا بمعاقبة محكمة الجنايات الدولية والانسحاب من مؤسسات حقوق الإنسان تمثل تهديدا خطيرا لمبدأ العدالة الدولية، هذا التصعيد أدى إلى إضعاف النظام الحقوقي العالمي، وعمل على تشجيع الانتهاكات وزيادة التوترات الدولية، لذا فإن لم يتكاتف المجتمع الدولي لحماية هذه المؤسسات وضمان استمرارها في أداء دورها الأساسي في تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم الكبرى، فإن العالم سيكون مقبل على ارتكاب العديد من المجازر دون حسيب أو رقيب.