رجل مختلف فيلم الجنون والقبح والجمال
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
تحتاج بعض الأفلام إلى أكثر من مشاهدة واحدة لنتمكن من تكوين رأي أو رؤية خاصة بها. وهذه النوعية من الأعمال الفنية تحمل متعة استثنائية، حيث يكتشف المتفرج شيئا جديدا مع كل مشاهدة، ليس فقط فيما يتعلق بالفيلم نفسه، ولكن ربما بما يلامس أعماقه الشخصية ورغباته وحياته.
فيلم "رجل مختلف" (A Different Man) من إخراج آرون شيمبرغ وبطولة آدم بيرسون وسيباستيان ستان، ويعد من هذه الأعمال التي تثير تساؤلات عميقة لدى المشاهد حول الوحدة والعلاقات الاجتماعية والعزلة والجمال -بمعانيه المختلفة- سواء المتداول أو المثالي.
وتتناول الأحداث هذه القضايا في سياق عالمنا الحديث، الذي يدفع الأفراد للبحث المستمر عن الكمال الشكلي، بعد أن فرضت الصور المثالية التي يقدمها الفنانون والمؤثرون ضغوطًا هائلة على الإنسان العادي. ولقد أدخلت هذه المعايير المتغيرة بشكل مستمر الناس في سباق لا ينتهي للوصول إلى جمال مثالي، مما حول وجوه البشر إلى ساحات تجارب لا تهدأ.
فيلم الجنون والتقلباتيدور الفيلم حول إدوارد "ستان" الذي يلعب دور ممثل مغمور يعاني من مرض الورم العصبي الليفي، وتقتصر أدواره على مقاطع فيديو تعريفية بمرضه في مكان عمله. ويظهر ستان بوجه مليء بالأورام الليفية التي تؤثر على شكله بالإضافة إلى تأثيرها على طريقة نطقه التي تبدو متقطعة وغير طبيعية إلى حد كبير. ويعيش وحيدا بشقة صغيرة في نيويورك الصاخبة، بلا أصدقاء ولا علاقات اجتماعية.
"رجل مختلف" رحلة للبحث عن الذات في عالم يعشق الكمال (آي إم دي بي)ويسلط المخرج الضوء على تفاصيل صغيرة تعزز عزلته ووحدته، مثل ثقب السقف الذي يسرب المياه إلى أرضية شقته، لكنه لا يكترث لأمره ولا يهتم لإصلاحه، ويضع طبقا صغيرا أسفل نقاط الماء، كأن الأمر لا يعنيه كما لو كانت حياته مجرد محطة مؤقتة لا تخصه ولا يقيم بها.
إعلانويفرض الوجه المشوه على إدوارد عزلة لا يستطيع تجاوزها، رغم أنه يعمل في تصوير فيديوهات تعريفية بمرضه تساعد على قبول ودمج الذين يعانون من تشوهات الوجه بالمجتمع، لكن واقعه أكثر تعقيدا وصعوبة من مقاطع الفيديو التي يؤديها. ويجد البطل فرصة طبية يتطوع فيها لتجريب علاج يخفي تشوهاته، ولا يتردد في المشاركة بها، وتنجح التجربة بالفعل ويظهر بوجه جميل وباسم جديد "جاي" ليعيش حياة جديدة مليئة بالثراء والمتعة، لكنه لا يشعر بالسعادة ويبقى سجين عزلته الداخلية.
الجمال ليس كافيامنتصف الفيلم، وبينما يترقب الجمهور اللحظة التي يصل فيها "جاي" إلى الرضا والسعادة، يظهر "آدم بيرسون" في دور "أوزوالد" الذي يعاني من تشوه في الوجه يشبه تمامًا وجه "جاي" القديم. لكنه يعيش حياة طبيعية مليئة بالحيوية والانفتاح، فهو شخصية ساخرة ومحبوبة وموهوبة في العديد من المجالات. وفي هذه اللحظة، يدرك المشاهد أن العزلة والانفصال عن العالم غالبًا ما تنبع من أعماق الإنسان نفسه، لا من مظهره الخارجي. فالمقارنة المستمرة بحياة الآخرين، سواء من حيث الجمال أو المال، تزرع شعورًا دائمًا بعدم الرضا، وتغرق الإنسان في دوامة من المعاناة.
ويرى "جاي" سنواته السابقة قبل أن يصبح وسيماً، وكأنها فترة ضائعة تمامًا من حياته. لكن حين يلاحظ انفتاح "أوزوالد" على العالم رغم اختلافه، يبدأ في استيعاب قيمة قبول الذات. ومن خلال أحداث الفيلم، يواصل المخرج إبراز أهمية التصالح مع الاختلاف، مسلطًا الضوء على العلاقة بين الطريقة التي يرى بها الإنسان نفسه والطريقة التي يراه بها العالم. وتؤكد الحبكة تؤكد أن العالم يعكس نظرتنا لأنفسنا، وأن قبول الذات مفتاح الانفتاح على الحياة.
الإضاءة والتصوير والديكور نجحت في تأكيد صراعات البطل الداخلية (آي إم دي بي) التشوه بين الواقع والسينمافي حوار له مع مجلة "جي كيو" أشار الممثل آدم بيرسون -الذي يعاني بالفعل من الورم العصبي الليفي إلى أنه أجرى حوارات مطولة مع ستان لمساعدته للدخول إلى الحالة الذهنية الملائمة للشخصية، حيث أجاب عن أسئلة ستان المتعلقة بكيفية الحياة الحقيقية مع التشوه والإعاقة.
إعلانويقول بيرسون "إن أسهل طريقتين لفقدان هويتك في هذا العالم هما أن تكون مشوهًا أو مشهورًا، لأنك تصبح ملكية عامة، ويظن الجميع أنك مدين لهم بشيء. ويحدقون بك، ويشيرون إليك، ويتحدثون عنك بأمور غير صحيحة." وهذا المفهوم كان ما حاول بيرسون نقله إلى "ستان" ليبني عليه أداءه بالجزء الأول من الفيلم، حيث لعب دور "إدوارد".
وفي الجزء الثاني، يظهر "إدوارد" كنقيض كامل للشخصية التي جسدها ستان. ورغم حصوله على وجه واسم جديدين، لم يتمكن من التحرر من مخاوفه العميقة، وظل عالقًا في ماضيه، وغير قادر على المضي قدمًا حتى بعد التخلص من تشوهه. ووصلت تلك المخاوف إلى حد منعه من الاعتراف بحقيقته لحبيبته الكاتبة المسرحية التي استوحت عملاً مسرحيًا كاملاً من حياته السابقة معتقدةً أنه شخص ميت.
الرؤية البصرية للمخرجاختار شيمبرغ تصوير الفيلم بكاميرا 16 مليمترا، ليضفي تأثير القدم على الشقق المتهالكة والقديمة بنيويورك، مع كل الأحداث غير المتناقضة التي تحدث بها، والتأكيد على العزلة التي يعيش فيها بطل الفيلم، حيث إن اختيار الكاميرا يجب أن يعكس دائما جماليات القصة، وينقل قدرات الممثل ويتماشى مع الحوار الحاد والفعال واللحظات الحاسمة في الفيلم ليضع الجمهور بالكامل داخل الحكاية.
وقد نجح التصوير بالفعل في مهمته، بالإضافة إلى الديكور المقتضب والإضاءات الخافتة التي تعكس صراعات البطل الداخلية، والانتقال إلى الأماكن الصاخبة التي تعج بالفوضى وتعكس لحظات الفرح العابرة والتي تساهم في إظهار التناقضات والعزلة التي عاشها البطل في كل مراحل حياته بصور مختلفة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أستاذ مغربي يفوز بجائزة المعلم العالمية 2024 في الهند
في إنجاز مهم يعكس التميز في مجال التعليم، توج الأستاذ المغربي مسعود عريبة بجائزة “المعلم العالمية” لعام 2024، وذلك في حفل أقيم في العاصمة الهندية نيودلهي.
وتعد هذه الجائزة واحدة من أرفع الجوائز العالمية التي تحتفي بالمعلمين المبدعين الذين لهم تأثير كبير في تحسين تجربة التعليم على مستوى العالم.
الأستاذ عريبة، الذي يدرس في مجموعة مدارس ابن عاشر التابعة للمديرية الإقليمية لتارودانت، حصل على هذا التقدير المرموق بعد أن تأهل كمرشح وحيد من العالم العربي وشمال إفريقيا للمرحلة النهائية.
ويُعرف عريبة بتفانيه في تدريس مادة الرياضيات وإبداعه في استخدام أساليب تعليمية حديثة تساهم في تحفيز الطلاب على التفكير النقدي وتنمية مهاراتهم العقلية.
وقد تم الإعلان عن فوز عريبة خلال حفل كبير شهد حضور عدد من الشخصيات البارزة في مجال التعليم من مختلف أنحاء العالم. وتعتبر جائزة المعلم العالمية، التي تأسست في عام 2014، بمثابة تقدير عالمي للجهود التي يبذلها المعلمون في مختلف دول العالم لتحقيق التغيير الإيجابي في قطاع التعليم.
وفي تعليق له بعد فوزه بالجائزة، عبّر الأستاذ مسعود عريبة عن سعادته وفخره بهذا التتويج، مشيرًا إلى أن هذا الإنجاز ليس فقط له بل هو فخر للمغرب وللعالم العربي بشكل عام.
وأضاف أن هذا التقدير يشجع المعلمين على الاستمرار في الابتكار والإبداع، وتقديم أفضل ما لديهم من أجل تطوير التعليم.
كما شهد الحفل تسليط الضوء على تقنيات تعليمية جديدة ومبادرات مبتكرة تبنتها بعض المدارس حول العالم، مما يعكس أهمية التعليم في بناء المستقبل وتحقيق التنمية المستدامة.