القبيلة اليمنية.. الحضور والفاعلية
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
يمانيون/ كتابات/ عبدالفتاح البنوس
شكلت القبيلة اليمنية أحد أهم القلاع الحصينة المساندة للقوات المسلحة اليمنية في مواجهة العدوان والحصار الأمريكي السعودي الإماراتي على بلادنا، وقدمت في سبيل ذلك الكثير من التضحيات، وسطرت أروع الملاحم البطولية التي تشرئب لها الأعناق منذ بداية العدوان على بلدنا وحتى اليوم، وتواصل القبيلة اليمنية حضورها اللافت في المشهد اليمني من خلال وقوفها جنبا إلى جنب مع القوات المسلحة والأمن في مختلف جبهات العزة والكرامة، وظلت وما تزال حاضرة بكل قوة في دعم وإسناد القيادة الثورية والسياسية ممثلة بالسيد المجاهد العلم عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله، وتفويضها في اتخاذ الخيارات المناسبة في سياق الرد على العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الذي أوشك على انقضاء عامه العاشر ودخوله العام الحادي عشر، حيث كانت سباقة في البذل والعطاء والمدد بالمقاتلين وقوافل الدعم والإسناد التي كانت وما تزال تسيرها إلى المجاهدين المرابطين في الثغور دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة والسيادة الوطنية .المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
14 يناير خلال 9 أعوام.. استشهاد وجرح 5 أطفال بغارات العدوان السعودي الأمريكي ومخلفاته العنقودية على اليمن
يمانيون../
واصل العدوانُ السعوديّ الأمريكي، في يوم الرابع عشر من يناير خلالَ عامي: 2016م، و2018م، ارتكابَ جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، بغاراتِه الوحشيةِ، وقنابله العنقودية، المستهدفة للأطفال والمنازل وآبار المياه والمزارع، بمحافظتي تعز وصعدة.
ما أسفر عن استشهاد 3 أطفال وجريحين، وتدمير منزل وبئر مياه، وتضرر المنازل والمزارع المجاورة، ومضاعفة المعاناة، وحرمان العديد من الأسر من مآويها والحصول على شربة ماء نقية، والاستفادة من مزارعها، وتهديد الحياة واغتيال الطفولة في مهدها، ومشاهد مأساوية يندى لها جبين الإنسانية.
وفيما يلي أبرز التفاصيل:
14 يناير 2016.. استشهاد 3 أطفال وجرح رابع بغارات عدوانية تبيد طفولتهم فوق بئر ماء بتعز:
في يوم الرابع عشر من يناير المشمس، عام 2016، كان الأطفال يتسابقون بفرحٍ طفولي حول بئر ماء صغيرة في الطريق الفرعي للمطار القديم بمدينة تعز، ضحكاتهم الرنانة كانت تملأ المكان، وهم يتشاجرون بلطف على الدور لشرب الماء العذب، لم يشعروا بأي خطر يلوح في الأفق، فحياتهم البسيطة كانت تدور حول هذه اللحظات البريئة.
لم يمض وقت طويل حتى سمعوا صوت طائرات العدوان السعودي الأمريكي، تحلق في السماء، في البداية لم يهتموا، اعتقدوا أنها طائرات عادية، لكن سرعان ما تحول هذا الصوت إلى زئير مدو، وأضاءت السماء بأضواء خاطفة، قبل أن يفهموا ما يحدث، هز انفجار عنيف الأرض من تحت أقدامهم، وارتفعت سحابة من الدخان والأتربة إلى السماء، واختلط تراب الأرض وأحجارها بالشظايا المتفجرة، ورائحة البارود والأجساد البريئة، والدماء الطاهرة، وتغير لون ماء البئر، إلى الحمرة والغبرة والسواد.
في لحظة، تحولت الفرحة إلى صراخ وعويل، كانت الأمهات يبحثن عن أطفالهن وسط الدمار، والأبناء يصرخون بأسماء إخوتهم، لم يجدوا سوى أشلاء ممزقة وأجساد صغيرة متفحمة، ثلاثة أطفال بريئون قضوا نحبهم، وطفل آخر أصيب بجروح بالغة.
وصل الأهالي والجيران إلى مكان الحادث، حاملين معهم مشاعر الحزن والغضب، كانت مشاهد مأساوية، نساء يصرخن ويضربن وجوههن، ورجال يمسحون دموعهم وهم يحاولون تهدئة الأوضاع، تم نقل الجثث إلى المشفى، حيث أقيمت مراسم التشييع، وودعت أسرة حسن علي ثابت، أحبائها الثلاثة بدموع حارة، فيما تقاوم شقيقتهم الرابعة الموت على سرير المشفى”.
يقول والد الأطفال: “هؤلاء أطفالي استشهدوا، يشتونا نستسلم والله ما نستسلم، لآل سعود لو ما بقا منا من يخبر، كانوا عيالي يلعبون جوار البئر ويجلبون الماء للبيت، ويجي العدوان يقول إنه استهدف اجتماع إيرانيين، بالله عليكم يا علم أطفالي إيرانيين؟ أطفال بعمر الزهور ما ذنبهم”.
لم تكن هذه الجريمة مجرد خسارة لأرواح بريئة، بل كانت جريمة حرب، استهدفت المدنيين الأبرياء، وخاصة الأطفال، فالبئر التي كانت مصدر حياة، تحولت إلى مقبرة جماعية، وقد تسببت هذه الجريمة في أزمة مائية حادة في المنطقة، حيث أصبح الحصول على المياه النظيفة أمراً صعباً للغاية، وأحلام وطموحات الأطفال الأربعة وأحلام والديهم، وأدتها غارات العدوان إلى الأبد.
لم تقتصر تداعيات الجريمة عند هذا الحد بل امتدت إلى أضرار واسعة في منازل ومحلات الأهالي في الحي المكتظ بالسكان، مخلفة هلعاً وخوفاً، معبرة عن وحشية العدوان، ومساعيه لقتل الشعب اليمني بلا استثناء.
هذه القصة هي واحدة من آلاف القصص التي تحكي عن معاناة الشعب اليمني جراء العدوان، إنها قصة عن براءة ضائعة، وحياة دمرت، وأمل تلاشى، وهي تذكير دائم بأن الحرب لا تعرف رحمة، وأن المدنيين هم دائماً الضحايا الأبرز.
ختاماً، هذه القصة هي دعوة إلى السلام، وإلى وقف كل أشكال العدوان، وهي دعوة إلى المجتمع الدولي للضغط على الدول المعتدية والممولة والمشاركة في إبادة الشعب اليمني واحتلال أرضه، ووأد الطفولة فيه، وسرعة إنهاء هذه المأساة وإيجاد الحلول العادلة والدائمة، ومحاسبة مجرمي الحرب وتقديمهم للعدالة.
14 يناير 2016.. غارات سعودية أمريكية تستهدف منزل أحد المواطنين بآل الصيفي بصعدة:
وفي اليوم والعام ذاته، سجل العدوان السعودي الأمريكي، جريمة حرب جديدة، تضاف إلى سجل جرائمه بحق الشعب اليمني، مستهدفاً بغاراته الوحشية المباشرة، منزلاً في منطقة آل الصيفي بمديرية سحار محافظة صعدة، أسفرت عن دمار المنزل بالكامل وتضرر عدد من المنازل والمزارع المجاورة، وخسائر مادية فادحة وخلق حالة من الخوف والرعب بين الأهالي ودفع أعداد كبيرة منهم إلى النزوح عن منازلهم.
تداعيات وخيمة على المدنيين: خلفت الغارة الدامية دماراً هائلاً في المنزل المستهدف، وتحولت حياة الأسرة التي كانت تسكنه إلى جحيم، فقد فقدوا مأواهم وجميع ممتلكاتهم في لحظة، ما زاد من معاناتهم الإنسانية، وامتدت الأضرار لتشمل المنازل والمزارع المجاورة، ما تسبب في خسائر فادحة للمزارعين الذين يعتمدون على هذه المزارع في تأمين قوتهم اليومي، وسادت حالة من الخوف والرعب بين أهالي المنطقة، الذين يعيشون في ظل تهديد مستمر من قصف طيران العدوان، ما دفع العديد من الأهالي إلى النزوح عن منازلهم بحثاً عن الأمان، تاركين وراءهم كل ما يملكون.
يقول أحد الأهالي: “هذا منزل المواطن محمد بيضان كان نازح هو أطفاله، تم استهدافه بغارات العدوان السعودي الأمريكي، قبل فجر اليوم، وحولته إلى ركام، ولا يزال الأثاث يحترق إلى ظهر اليوم، صاحب البيت أفنى عمره وهو يبنيه ويجهزه، وكل ما عمله عياله، ورجعوا نزحوا وتركوه، وما كسبوا أي شيء غيره، كما هي منازل المواطنين المجاورة”.
إنجاز عمر مديد دمرته غارات العدوان في لحظات وحولته إلى دمار وخراب لا يغني أهله عن شيء، وباتوا مشردين نازحين لا مأوى لهم، وخسروا أعمارهم التي سخروها لبنائه وتوسعته ليحتوي كل أفراد وعوائل الأسرة.
كما هي المحميات والمزارع المجاورة، دمرتها الغارات، وصار كل الثمر والشجر حطاماً، ومعه جهود المزارعين، وأموالهم وما تدينوه، فكانت الخسارة كبيرة، وتحولوا إلى فقراء لا يعرفون من أين يقضون الدائنين ويصرفون على عوائلهم وعوائل عمالهم.
إن هذا الاستهداف المتعمد للمدنيين والأعيان المدنية يعد جريمة حرب بكل المقاييس، وتتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي لإدانة هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها.
14 يناير 2018.. جرح الطفلة نوال بقنبلة عنقودية من مخلفات العدوان على صعدة:
في قرية الموقر الأزقول بمديرية سحار في صعدة، حيث تعانق الجبال الساحرة وتهمس الرياح حكايات الأجداد، كانت تعيش نوال مسعد علي، طفلة صغيرة تتلألأ عيناها براءةً وحياةً، كانت نوال كالنسمة العليلة تهب على أسرتها دفئاً وحباً، فكانت أمها تحنو عليها كالحمامة على فراخها، وكان إخوتها يشترون لها الهدايا واللعب المختلفة لتلهوا بها، وكانوا كثيري الضحك معها.
في يوم الرابع عشر من يناير عام 2018م، خرجت نوال مسعد علي ذات الـ 13 عاماً، لترعى الأغنام في الأراضي القريبة من منزلهم، وكعادتها كانت تبحث عن كل ما هو جديد ومثير للاهتمام، فجأة، لفت انتباهها شيء لامع ملون يلمع تحت أشعة الشمس، ظنته لعبة جميلة، فهرعت نحوه بفرح طفولي، ومدت يدها الصغيرة لتلتقطه، ولكن ما كان يظنه قلبها الطاهر إلا مصيدة خبيثة، فما كان ذلك الشيء اللامع إلا قنبلة عنقودية متخفية في ثوب اللعبة.
بمجرد أن أمسكت نوال بالقنبلة، انفجرت في يدها الصغيرة، متناثرة شظاياها في كل مكان، ودمائها الطاهرة تسيل على الأرض، صرخة نوال الممزوجة بالألم مزقت هدوء القرية، هرعت الأمهات والأبناء إلى مكان الانفجار، ليجدوا نوال مضرجة في الدماء، وعيونها تتوسل النجدة.
حمل الأب ابنته المصابة وهرع بها إلى المستشفى، تاركاً خلفه زوجته تبكي بحرقة على فلذة كبدها، التي تقاوم الموت، وحالتها بين اليأس والأمل، في المستشفى، حاول الأطباء جاهدين إنقاذ حياة نوال، وتقديم كل ما يمكن لإنقاذها، فكان لهم ذلك بعناء وبعد أيام من الخسارة والجهد والوقت، فعادت نوال ولكنها تحمل على جسدها الصغير أثر الجريمة، التي أثرت على حياتها ونشاطها وظلت عالقة في وجدانها، مدى الحياة.
جروح العنقودية ظلت على وجه نوال ودمرت فمها وأسنانها، وشوهت جمالها البريء، وحسن وجهها، وكانت الجروح متفرقة على قدميها التي تقطعت، وذارعيها، وأصابعها التي قل عددها، وبطنها التي نفذت الشظايا على جوفها، واخترقت جلدها وقطعت بعض أمعائها، فحولتها العنقودية إلى معاقة، تحتاج إلى معالجات طبية ، وخسائر مالية كبيرة.
حياة نوال الحاملة للجرح الملتئم، مليئة بالكوابيس والرعب أثناء خلودها إلى النوم، المعيدة لمشهديه ذلك اليوم الذي غير حياتها، ونزع صحتها وبرأتها، وتحتاج إلى عملية تجميل لا يمكن عملها إلا بالسفر إلى الخارج، لكن العدوان كان يفرض حصاره المشدد على مطار صنعاء، وهو اليوم مستمر وما اتيح من الرحلات غير كافية، وقليلة جدًّا، تكون أولوياتها للحالات الأكثر خطورة.
لم تكن نوال الضحية الوحيدة للقنابل العنقودية في اليمن، فآلاف الأطفال والنساء والشيوخ قد سقطوا ضحايا لهذه الأسلحة المحرمة دولياً، فالقنابل العنقودية لا تقتل في لحظة الانفجار فقط، بل تستمر في تهديد حياة المدنيين لسنوات طويلة، حيث تتحول إلى ألغام أرضية قاتلة.
يقول والد الطفلة نوال بعيون مقهورة وصوت حزين: “ابنتي كانت ترعى الأغنام، تفجرت بها قنبلة عنقودية، وكسرت أقدامها، وأذرعها وتوزعت الجراحات في كل جسدها، ما ذنبها طفلة، وين هي حقوق المرأة والطفل الذي يتحدث العالم عنها”.
إن استهداف المدنيين بالأسلحة المحرمة دولياً هو جريمة حرب لا تسقط بالتقادم، وسيظل العالم يشهد على هذه الجرائم البشعة، ويبقى سؤال واحد يطرح نفسه: إلى متى ستستمر هذه المعاناة؟ وإلى متى ستبقى دماء الأبرياء تسيل؟
نوال ليست مجرد رقم في قائمة الضحايا، بل هي طفلة بريئة حرمت من حقها في اللعب وحلمها بحياة سعيدة، وقصتها هي قصة كل الأطفال الذين يعيشون تحت وطأة العدوان، وهي دعوة إلى العالم أجمع للوقوف إلى جانب الشعب اليمني، وإنهاء هذا العدوان الذي لا يرحم، ومحاسبة قياداته على جرائم الحرب التي أرتكبها بحق الشعب اليمني.