أثير – عبدالرزّاق الربيعي

للشوكولاتة مذاق لذيذ، تستهوي الصغار والكبار على حدٍّ سواء، وهي من الأطعمة الأكثر شعبية في العالم، لدرجة تخصيص يوم عالمي للاحتفال بها هو السابع من يوليو من كلّ عام، ويرجّح المهتمّون أن سبب اختيار هذا اليوم لأنه اليوم الذي أدخلت فيه الشوكولاتة إلى أوروبا عام 1550م التي تفنّنت وأبدعت في صناعتها، حتى أن المسافرين إلى أوروبا صاروا يعودون محمّلين بالشوكولاتة التي يقدّمونها هدايا لذيذة الطعم.

وفي خريف ظفار، حيث تُقام أعراس الطبيعة، وسط تساقط الرذاذ على المروج الخضر، فتنتعش رئة الأرض، وتشرق الأرواح، وتمتلئ العيون بالمياه الرقراقة، وحين يجتمع الرذاذ مع الشوكولاتة، والنسائم الباردة التي أفلتت من قبضة الصيف، الذي ظلّ مقيما خارج حدود محافظة ظفار، فاللذة ستكون مضاعفة، وهذا ما وجدته في مهرجان صلالة العالمي للشوكولاتة “شوكو رذاذ” الذي أقامته بلدية ظفار ضمن فعاليات خريف ظفار 2023م، ومن سمع ليس كمن رأى، كما يقال، فعندما دخلت مجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بصلالة، كان كلّ شيء بطعم الشوكولاتة، التي من ميزاتها أنها تحسّن المزاج، حتّى أنّ الفنانة وكاتبة الأطفال الأمريكية ساندرا كيث بوينتون بسب حبّها الشديد للشوكولاتة تربط كتابة الإغريق للتراجيديات بعدم معرفتهم للشوكولاتة، وهو الأمر الذي يجعل الكاتب جورج برناردشو يعزو حسّه المرح بالكتابة إلى أنه يحمل معه دائما” الشوكولاتة بدلا من الرصاص”!

شاهدتُ في بوّابة القاعة التي احتضنت المعرض، مجسّما كبيرا لبذرة من بذور شجر الكاكاو المنتشرة في قارة أمريكا الجنوبيّة، العنصر الرئيس في صناعة الشوكولاتة، وإلى جوارها لوحة كتب عليها “شوكو رذاذ”، كان المكان مليئا بالأطفال الذين قدموا بصحبة أهاليهم، شققتُ طريقي بين زحام الزوار الذين احتشدوا في القاعة ليشاهدوا تجارب عالمية في تصنيع الشوكولاتة ولكلّ تجربة، ميزاتها، وطعمها، في مهرجان هو الأول من نوعه في السلطنة.

كان كلُّ شيء في تلك القاعة، يدلّ على أن مهرجانا للفرح يُقام في هذا المكان، حيث الموسيقى الاحتفالية، والرقصات، وكلمات الترحيب القادمة من جهة المسرح التفاعلي الذي كان يقدّم عروضا حية تختصُّ في صناعة الشوكولاتة، بمشاركة الأطفال في تلك المسابقات التي تبدأ بمعلومات عامة، وأسئلة تتعلق بالشوكولاتة، وكلما توغلتُ رأيت مجسّمات كبيرة لقطع الشوكولاتة، ودمى بشرية تقدّم عروضا عن الشوكولاتة، ومنصّات تعرض للبيع مختلف أنواع شوكولاتة من إنتاج مصانع عالميّة متخصّصة في صنعها، كما أنّ إدارة المهرجان استعانت بمتخصصين ليقيموا دورات تدريبية في كيفيّة صناعتها.

وعلى بعد خطوات، يرى الزائر متحف الشوكولاتة الذي يعرض مجسّمات لأماكن أثرية معروفة صُنعت بقوالب الشوكولاتة، للتعريف بهذه الأماكن والمعالم التراثية، تُعرض بطريقة تبهج العيون، وتفتح شهيّة البطون، وحين تتحوّل الشوكولاتة إلى ثقافة، وفن يكون الهدف من المهرجان قد تحقّق هذا الهدف يتركّز في “تعزيز صناعة الشوكولاتة كفن منزليّ والاستثمار في هذه المشروعات وتشغيلها” كما يقول القائمون على مهرجان الشوكولاتة الذي جاء مبلّلا بالرذاذ.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات

منذ البداية لم يجعل الشاعر محمد أبو زيد عنوان كتابه هذا لغزاً مؤرّقاً للقرّاء، فأجاب بأن كل ما فهمناه كان بعد «فوات الأوان»، غير أن حالة الفهم هذه جاءت بعد عِراك مع أسئلة طرحها الشاعر في فصل من ديوانه عنوانه «بعد» فيقول: لا أفهم لماذا يكتب الشعراء قصائدهم.. بهذه الطريقة العروضية المتكلّفة، فالتفاصيل التي لا تتوقف عن اللجلجة لا يمكن سبكها في المقاطع العروضية ومحسناتها البديعية، لذلك جاءت كتابته مُنداحة لا تقف عند أي إطار تقييدي صلب بما في ذلك الأيديولوجيا، التي تكلّف الشاعر -أي شاعر- الكثير من أجل حراسة المبدأ بالشعر، فالتفاصيل شائكة، والحل عنده جاء في تَضخيمها بمِجهَر الشعر، فتجدها تطفو في كل الحيوات والطبقات، التي يشغلها فكر شاعر سؤاله الوجودي مازال متاحاً.
 يقول الشاعر: «فالنيزك سيضرب الأرض بعد قليل»، وهنا من الجنون أن نطلب من شاعر أن يبرهن ما يقوله، فهو قادر على منح حتى الملاعق والسكاكين والحشرات والحيوانات حيزاً للتحدّث في نصوصه عن البشر الذين لم يُطِق الشاعر الحديثَ معهم قبلاً، في هذا الديوان عودة لترميم العلاقة بين الشاعر وفضاء المقهى، فالشعراء يجدون في المقهى معبراً جديداً لمحاورة الإنسانية عبر اعتزال قيمتها المادية، لذا جاءت المواضيع غير تقليدية في الديوان، وهي مفارقات يجب ألّا يتألم القارئ لها: كالموت والحياة، وشأو الكتابة وجديتها، والحديث مع الجمادات حولنا، ومواجهة الحداثة غير المجدية.

أخبار ذات صلة د. نزار قبيلات يكتب: هل الفكاهة مهارة أم فلسفة؟ د. نزار قبيلات يكتب: تأثيل الرّمسة الإماراتية وعام المجتمع

سوريالية المضمون الشعري هنا فَرضت شكلاً كتابياً عند أبي زيد، فمزجَه بالقليل من السخرية والكثير من الفلسفة الميتافيزيقية والعجيبة، كل ذلك جاء بشكل جَبري، فالشاعر يكشف بأنه لم يكن يحب الكلام كما أحبّ الصمت، لكن ثمة لجلجة قوية تحاصره بالكثير من الماورائيات المُتعِبة التي يمكن أن تكشف عنها في نصوص متعددة الأشكال لكنّها مؤرقة، فالنّص ذاته هائم بين أشكال القصيدة المعهودة وبين مضمونها غير المتعقل، يقول: «أستيقظ كل يوم على مجانين يمرون أمام السرير، على صاعقة تضرب رأسي لتضيء الطريق لأعدائي»، في الديوان تكثر الإشارات التي تحيل إلى خارج النص لكنها تلتقي مجدداً حين تعود لنقطة البدء في العنوان دون تشبيه أو مجاز تزويقي، لكن ما مصير الشعراء بعد فوات الأوان، كل هذا لا يقلق النصوص في هذا الديوان الشعري، إذ المقلق هو من سيجمع البَعثرة التي نظّمها هؤلاء الشعراء في فوضى العالم.
أبو زيد شاعر مسؤول، يحاول في هذا الديوان المتسع بالرؤى المديدة أن يُخيط دوائره بالمكاشفة تارةً وتارةً في اللّهاث مع الشهب التي تتقافز من حوله. يقول: «لأفهم نفسي، لأعرف ماذا تغيّر فيّ مع السنين التي ترتفع كجدران بئر حولي» هذه الحيرة ظلّت تحاصره حتى وصلت إلى نهاية غير متوقعة لهذا الديوان حين طغت الأسئلة في العناوين التي التهمت كل محاولات الإجابة في نص يعترف بأن الأوان فاته، وأن الأسئلة لم تنقذ الإجابات بعد، لأنها كما قال في قفلة ديوانه: «وأنا بلا يدين أمدهما إليك كي تنقذني».. هذا تحليق شاهق، يُنجزه أبو زيد ببصيرة مختلفة ولغة تجيد المناورة لكنها لا تخاف المصير.
*أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

مقالات مشابهة

  • د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات
  • ظفار يكسب بوشر في المرحلة النهائية بدوري الأولى
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: ثمن الكلام
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: قاموس الأفكار
  • اتفاقية لدعم مرضى السرطان بمحافظة ظفار
  • إبراهيم النجار يكتب: اتفاق الشرع قسد.. وماذا بعد؟!
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • استعراض جهود تعزيز ثقافة الوقف في محافظة ظفار
  • جلسة حوارية في صلالة لدعم المشاريع الصغيرة وتعزيز الاستدامة الصناعية
  • حاج ماجد سوار يكتب؛ مراجعات الإسلاميين