موقع النيلين:
2025-01-14@22:44:00 GMT

أحداث ود مدني وفقه تصانيف الحرب

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

بصورة عامة ، في خضم هذه الحرب نلاحظ انقسام الشعب السوداني إلي معسكرات:
ألف: معسكر الحلف الجنجويدي بشقيه السري والعلني.

باء: معسكر المحايدون وهم قوم يرون أن الجيش والجنجويد علي نفس الدرجة من السوء.
جيم: المعسكر الرافض بحزم للمشروع الجنجويدي وبه شقين، أحدهما إسلامي واخر لا علاقة له بالإسلاميين ولكنه حريص علي بقاء مؤسسات الدولة وايقاف العنف الجنجويدي المفرط الذي لا يمكن مقارنته بأي إنتهاكات تحدث من جيش لا يتمتع بكمال ولكنه يظل مؤسسة دولة واجبة الإصلاح أما الجنجويد فلا مكان لهم في مجتمع سياسي صحي.

وهذا يتسق مع شعار الثورة الذي قال العسكر للثكانات والجنجويد ينحل. وهكذا ميز شعار الثورة بوضوح وقال بان الجيش والجنجويد لا يتساويان أحدهما لحل واحدهما للثكانات من أجل حماية الوطن والدولة والتصدي للغزاة الأجانب.

المعسكران ألف و جيم ردود فعلهما لتحرير مدينة ود مدني متوقعة تماما ما بين فرحة وعويل وخلبصات. لكن السؤال لمعسكر باء الذي لا يري فرق بين جيش وجنويد هو كيف يفسرون الفرحة العارمة التي عبر عنها ملايين السودانيين في مدنه المختلفة بل في مدن الشتات مثل القاهرة والإسكندرية ومدن الخليج؟

هذه الفرحة المليونية الموثقة تقول بالصوت الواضح أن الشعب غير محايد ويري وجود فرق مهول بين الجيش والجنجويد، وحتي لو كان فرق مقدار، ففي بعض الأوضاع المقدار هو كل شيء. وفي حد ما، يتحول فرق المقدار إلي فرق نوع ولكن هذا لا يهم، فرق المقدار أحيانا يكفي للإختيار كما فعل الشعب المحتفل.
إذا أصر معسكر باء بان لا فرق بين جيش وجنجويد، فلا مفر له من الإستنتاج بان الملايين الذين احتفلوا بتحرير مدني هم كيزان – وفي هذا أعظم هدية مجانية للكيزان تاتيه برعاية العسكر باء.

أما لو رفض المعسكر كوزنة الملايين المحتفلين فان الخيار الوحيد المتبقي هو اتهامهم بانهم أغبياء لا يفهمون ألا فرق بين جيش وكيزان. وهذا التطابق بينهما يفرض عليهم اللا مبالاة بتحرير مدني وعدم الإحتفال لان خروج الجنجويد ودخول الجيش لا يغير شيئا في حياتهم. ويترتب علي هؤلاء الأغبياء الذين يفضلون وجود الجيش علي الجنجويد أن يسلموا زمام أمرهم لحكماء وحكيمات معسكر باء حتي يفكروا نيابة عنهم لانهم لا يعرفون مصلحتهم حتي في قضية أساسية تتعلق بغريزة البقاء علي قيد الحياة أمنين من أن تحبل نسائهم من جنود الجنجا ما قد يدفعهن للإنتحار.

أما أن ملايين الفرحين بتحرير أغبياء معلوفين يستحقونCلوصاية الفكرية من أعلام المعسكر باء أو أن قادة راي المعسكر أخطاوا التقدير. من ناحيتي، لا أستطيع أن أتعامل مع شعب مليوني بهذا التعالي وروح الوصاية في قضايا بسيطة دع عنك في قضايا البقاء علي قيد الحياة التي تعرفها كل بهيمة علي أكمل وجه. ولا أستطيع أن أكيل إتهامات بالجملة لمعسكر باء بمناصرة الجنجويد ولا أجروء أن أطعن في وطنيتهم ولا أبخس إسهامهم الوطني الباسق عبر التاريخ رغم وجود أصوات بابوية في أوساطهم مدججة بالأختام الثورية تكوزن المخالف وتطرده من كنيسة اليسار لو انحرف عن صراطهم المستقيم.

لذلك أعتقد أن المعسكر باء أخطأ التقدير، غالبا بحسن نية وطنية. أخطأ المعسكر حين اختزل هذه الحرب بين معسكري جيش/كيزان وجنجويد. حتي لو قبلنا هذه الفرضية فانها تظل إختزال يذهل عن بعد آخر من أبعاد الحرب لا يقل أهمية وهو إنها حرب الجنجويد ضد الدولة في تاريخها وذاكرتها ومتاحفها وبنيتها التحتية وهي أيضا حرب الجنجويد ضد المواطن في ماله وعرضه وحياته وكرامته.

ولو جاز الحياد في حرب بين جيش/كيزان وجنجويد فانه لا يجوز في حرب الجنجويد ضد المواطن وضد الدولة كما لا يجوز الحياد في حرب هي في حقيقة أحد أبعادها غزوا أجنبيا ممولا ومسلحا بسخاء حاتمي من الخارج بما يجعل الحياد فيها تساهلا مع الإستعمار لن ينساه التاريخ وسيشنق به اليمين الديني خصومه في مستقبل طويل.

إن الصف الوطني المعادي للجنجويد ممتلئ بافراد وجماعات لا علاقة لهم بإسلاميين من بعيد أو قريب ولا يستطيع أحد المزايدة علي تاريخهم ومواقفهم المناصرة للديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذه المجموعات اختارت ألا تحايد لانها رات بعدي الحرب المتمثلين في أنها حرب الجنجويد ضد بقاء الدولة وحربهم ضد حياة المواطن وجسد نساءه وماله. كما راوا إنها غزوا أجنبيا لا يمكن التسامح معه.

القول بان ملايين من الذين تصدوا للغزو الجنجويدي كل حسب طاقته لا علاقة لهم بالكيزان لا يغمط الكيزان واليمين الديني حقه ولا ينكر مساهمتهم الكبيرة في التصدي لهمجية الجنجويد. النقطة هي أن دحر المشروع الجنجويدى لحظة وطنية تؤجل الخلافات المذهبية بين أبناء وبنات الوطن لتساهم جميع ألوان الطيف في تحرير وطنها. وهذا هو منطق اللحظة الوطنية الذي جعل الجبهة الشعبية الفلسطينية وهي تنظيم ماركسي شيوعي وكذلك الجبهة الديمقراطية اليسارية تخوضان إنتخابات الجامعات البلسطينية وغيرها من الإنتخابات في لستة موحدة مع أخوان حرماس بل ويقاتلون معهم ويقتسمون المال والسلاح والطعام. وهو من جنس المنطق الذي حدا بالاتحاد السوفيتي الشيوعي للتحالف مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا لدحر النازية الهتلرية.

ولكن التصدي الحازم لهمجية الجنجويد لا يستدعي بالضرورة التعاون أو التنسيق مع جيش أو كيزان إذ يستطيع كل فرد أو جماعة أن يقدم اسهامه في حماية الوطن من جرمهم من منصته المستقلة تماما عن جيش أو كيزان وهذا ما يفعله كثيرون يقاومون الجنجويد مع الشعب ومن عمق صفوفه ولا يختلطون بكيزان أو جيش . وهذا خيار ا كان متاحا منذ الطلقة الأولي وما زال متاحا.

أعتقد أن خلق إطار فكري ونفسي يصور هذه الحرب علي إنها فقط بين جنرالين أو بين جيش كيزان وجنجويد سوف يقدم إنتصار المجتمع السوداني وتحرره من الجنجويد قربانا وهدية رائعة تنسب النصر حصريا للكيزان والتيار الإسلامي العريض، وهذا هدف آخر تحرزه الحركة العلمانية السودانية في مرماها بتحويل صمود الملايين الذين لا علاقة لهم بالكيزان إلي رصيد وإنجاز كيزاني.

ولا شك أن بني كوز سيقبلون الهدية شاكرون ويعتبرونها في أفاءه الله لهم من غير تعب. وكما يقول أهل السودان، الشعب الذي أسقط نظام البشير يجقلب والشكر للكيزان. للتيار الديني السوداني حقه المستحق بتضحياته في التصدي للغزو الأجنبي الجنجويدي ولكن لا يملك الأصدقاء في المعسكر باء حق أن يهدوا إسهام الآخرين لليمين الديني لان في ذلك عطية من لا يملك لمن لا يستحق.

معتصم اقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: لا علاقة بین جیش

إقرأ أيضاً:

إبراهيم الصديق: تحرير مدني: دلالات القيمة العسكرية

(1) نحاول فى هذه العجالة ان نلقي الضوء على القيمة العسكرية لتحرير مدينة ود مدني حاضرة ولاية ..

• وأولها إلتقاء المحاور ، بإمكانك ان تقول المتحركات ، ومثلما كانت خطة المليشيا تستند على تقطيع الخطوط وتفكيك ترابط الفرق العسكرية ، فان خطة الجيش ، فيما يبدو استندت إلى إعادة ترابط الفرق العسكرية والمتحركات لتعزيز قوة الاندفاع وتوظيف القدرات العسكرية ، وهذا منهج الجيش فى وثبته الأولي والثانية ، إلتقاء قوات المهندسين بكررى ، والتقاء كرري ببحرى وحطاب والكدرو والحلفايا والمهندسين بالخرطوم ، والفرقة فى كوستي مع سنار فى جبل مويه ، وجيش سنار مع محور الفاو والنيل الأزرق ، وهكذا تم استعادة (بناء) الصف العسكري ، وكلما تعزز هذا الصف كلما تآكل إنتشار مليشيا الدعم السريع وارتبكت مخططاتها.. ويمكن التوسع فى تبيان ذلك..

• وثانياً ، للهزيمة تأثير نفسي كبير على عناصر المليشيا ، وغالبهم من جاءوا بفرضية (النصر) ، وليس فى مخيلتهم تعقيدات مسرح العمليات أو شد الأطراف أو إستنزاف القدرات.. ولذلك الخسارة بالنسبة لهم تعني نهاية المطاف ، لا شيء فى ذهن المليشيا تحت لافتة (كر وفر) ، وإنما فزع وهرج ، فإن انقطع الفزع فلا خبرة لهم فى مواجهة تكتيكية تمتص موجات هيجانهم ثم تثخن فيهم ، وليس فى حساباتهم التخندق لمقابلة موجة هجوم ، ولذلك خسارة موقع تعني فقدان الأمل..

• ثالثا: تم فى هذه المعركة توظيف أمثل للمقاومة الشعبية والإستفادة من النفير الوطني فى تعزيز صف القوات المقاتلة وتوسيع دائرة إنتشارها للتقدم والالتفاف أو التأمين والتمشيط مع القدرة على الاستبدال.. وكانت قوات درع السودان ذات تآثير ملحوظ ، احدثت تحولاً فى مسرح العمليات وقاتلوا دون هوادة وفتتوا تماسك نخبة مليشيا آل دقلو الارهابية.. تلك واحدة من الادوار المهمة لقوات غالبها من المستنفرين..

• ورابعا: استعادة القيمة المعنوية للإنتصار ، لقد حاولت المليشيا وداعميها وخاضنتها بعد سقوط مدني فى ديسمبر 2023م أحداث (ضوضاء) عن فاعلية المليشيا عسكرياً ، وتقدمها السريع وكانت تهدف إلى إحداث شرخ ، وهو أمر للمدركين للوقائع لم يكن سهلاً ، ونترك تفاصيله إلى حينه ، واليوم تستعيد دورة الاعلام مسارها وقد تصاعد الحس الوطنى وارتفعت الروح المعنوية ، بينما انهارت فاعلية المليشيا وتراجعت قيمة خطابها وفقد حتى قائد المليشيا أعصابه ، بعد أن طاشت أحلامه وتساقطت (تهريجاته) ، وسيكون لذلك تأثير فى مظاهر التعاطي الاعلامي محلياً وإقليمياً ودولياً..

• وخامساً : ومن أهم تأثيرات تحرير مدني هو تعبئة قوات جديدة ، استوعبت بسرعة مقتضيات الحرب وظروفها ، وزادت من فاعلية (مشاة الجيش) ، اصبحت قوة مشاة الجيش فى تزايد وانفتاح والمليشيا فى تراجع وانكماش ، وكسب الجيش فى صفوفه كتائب من الدندر وقوات صالح من الدمازين ودرع السودان من البطانة وعموم شرق السودان وسوف تتحرك قوى أخرى ظلت مرابطة داخل قرى الجزيرة فى جنوبها وحول المناقل.. والمعادلة واضحة ازدياد قوة الجيش بمشاركة المستنفرين كما إنها اضافية نوعية تقاتل من اجل قضية ، بينما فقدت المليشيا نخبة قواتها والأكثر تأهيلاً ، وآخر كسبها من مجندين ومرتزقة بلا هدف ولا طاقة للقتال..

• وسادسا: فإن هزيمة المليشيا فى ولاية الجزيرة وقبلها فى سنار وشمال دارفور وفى الخرطوم ، كلها تؤدي إلى تراجع فائدة المليشيا لدى الضامنين والمراهنين عليها مع زيادة كلفة الحرب عسكريا ومالياً وسياسياً.. لقد كانت هناك رهانات كثيرة على تآثير عمليات المليشيا العسكرية على فرض شروط تفاوض أو تحقيق مكاسب بالضغط على الحكومة ، وكلها تساقطت الآن..

• وسابعاً : وبقدر ، حركة وانفتاح الجيش ، زادت التعقيدات على المليشيا ، حركتها محدودة وقادتها تم اصطيادهم والحواضن الإجتماعية الكبري انتهت ، وتعاني فى حركة الإمداد وفى التجنيد أو التعبئة وفشلت كل المحاولات، وحتى التعزيزات العسكرية فى التسليح أو المسيرات لم تعد ذات قيمة مع توسع مسرح العمليات والضغط المستمر على مواقع المليشيا..

• وثامناً: سقوط وهم السيطرة والانتشار على مساحة 70% ، وهو أمر على بشاعة كذبه كان مدخلاً للحديث عن دور للمليشيا فى التفاوض والشأن السياسي ، وقد اسقطت العمليات العسكرية الخاطفة للجيش السودانى والقوات المشتركة والمستنفرين هذه الفرضية ، ليس لدى المليشيا الآن أى بقعة سيطرة أو الانتشار الآن إلا فى ثلاث ولايات بدارفور (غربها ووسطها وجنوبها)..
تلك اشارات خاطفة ، لها ما بعدها.. كما كان لها ما قبلها..

(2)
إن ظن البعض أن تحرير مدني هو نقطة فاصلة فى مسار الحرب ، فإن النقطة الفاصلة فى – رأى – هى تحرير الجيش جبل موية فى سنار وإلتقاء جيش سنار والنيل الأبيض ، لقد افقدت تلك المعركة المليشيا حاضنة اجتماعية كبيرة ومخزون سلاح وعتاد ، والأهم من ذلك تأكيد قوة الجيش الباطشة ، كانت خطة ذكية وحاسمة فى مسار الحرب ، فهى اللحظة المفصلية ، حيث
تم تجفيف مصادر الرجال والعتاد ، وازالة مدد الفزع للقوة فى الجزيرة ، وبعد ذلك استسلمت مدينة سنجة وقبلها الدندر والسوكي ، ومن هنا بدأ مسار الحرب يتغير.. وبدأت التجفيف ونزع مصادر القوة والفاعلية..

(3)
واول مظاهر التجفيف هو نزعة القيمة الأخلاقية لحرب المليشيا على أهل السودان ، ابتداءاً من الإدعاءات الكذوب والرهانات الزأئفة ، ونهاية بالتجاوزات والإنتهاكات الواسعة فى حق المواطن وفى حق الوطن وهو أمر وثقته مؤسسات ومنظمات دولية ذات ثقل وتقارير ذات موثوقية ، مع أن الشواهد بلا حصر..

وتم تجفيف ومحاصرة محاولات تأسيس حواضن اجتماعية وأستغلوا بعض المجتمعات ، وهى خطط تساقطت ، وفقدت المليشيا المناصرين وجفت القدرة على توفير المرتزقة..
وتم محاصرة الداعمين فى كل المنابر الدولية والاقليمية ، من خلال خطاب رسمي وشعبي وما زلنا بحاجة لدور أكبر للنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية..
وعلى ذلك قس..

لقد فقدت مليشيا آل دقلو الارهابية الدافعية للاستمرار من كل ناحية.. وفقدت الأرض.. وانهارت قوتها الصلبة.. ومع بعض المواقف الدولية والاقليمية ستنهار القوى الداعمة لها..
تلك قيمة الإنفتاح العسكري ، هو أكبر من مجرد دخول مدينة.. وإنما عودة حياة وترتيب أجندة..
حفظ الله البلاد والعباد..

إبراهيم الصديق

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • القتل خارج نطاق القانون في حرب السودان «أحداث ولاية الجزيرة»
  • رصد آثار الحرب في ود مدني بعد تحريرها
  • WP: ما هو الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه غزة بعد تهديدات ترامب؟
  • WP: كم هو الثمن الباهظ الذي يمكن أن تدفعه غزة بعد تهديدات ترامب؟
  • إبراهيم الصديق: تحرير مدني: دلالات القيمة العسكرية
  • في ود مدني.. الجيش يدق نهار الجنجويد وأغنيات الخليل تهلّ فرحا بالتحرير
  • شاهد بالصورة والفيديو.. رغم دخله البسيط.. “بائع” سوداني بأحد الأسواق يقوم بتوزيع “البسكويت” الذي يبيعه مجاناً عند سماعه بتحرير مدني والتبرعات تنهال عليه بالمليارات من رجال الأعمال
  • تقارير موثوقة من ود مدني تفيد بأن الجيش والقوات المشتركة أظهروا التزاماً بأخلاقيات الحرب
  • الجنجويد ليسوا حركة نضالية بدأت من الصفر بمجهود ذاتي، لقد كانوا أبناء السلطة والغنيمة