شَابٌ على مشارف الأربعين لا يُريد من الحياة إلّا (السلام عليكم)، يصرف على أسرته في الجزيرة، أعظم همّه أن يكمل شقيقه دراسة الجامعة، إذ تعهّد هو بالصرف عليه بعد أن ضحّى بدراسة جامعة الخرطوم في مرحلة متقدمة – “عبود” يعمل غسّالاً للسيارات، كعادة أهل المهنة، قميصٌ مُهترئٌ مُبلّلٌ بمياه عكرة مخلوطة بعرق أبيض صافٍ، وبنطال مكفوف منتصف الساقين مثقوب بشكل دائري يظهر الركبتين كبطاطة محصودة من جرف نيلي، فوطة على الكتف وجركانة بلاستيك بيضاء منزوعة الرأس، عليها كريستال صابون تيري وفرشاة صغيرة، حلمه أن يتحرّك في منطقة بها ماسورة عليها حارس مقر كريم أو متعاون، غير ذاك النوع الصّارم الذي يُختار بعناية لحراسة بوابات المستشفيات العامة وعنابرها سابقاً، عرفته بعد أيام قلائل من انتقالي إلى صحيفة جديدة، إذ كان يعمل أمام مقرها ويقيم كذلك – عادةً أحب مُؤانسة أصحاب المهن الصغيرة، أنتزع منهم ضحكة كفاح خالية من بعض زيف ضحكات المكاتب والأفندية، أصافحهم فرداً فرداً كل صباح (الخبر شنو يا عمك)، فيردون (زيت وزيتون) وعلى خدودهم شامات من رغوة صابون بيضاء.
كنت أنزوي في كورنر تسده شجرة تتطوّع بأغصانها للأرض، رأيته لأوّل مرّة يتحرّك في سرعةٍ شديدةٍ عبر مسارات قصيرة مثل نملة فارقت سربها المُنتظم، العرق ينزل بغزارة من منتصف رأسه الأصلع إلى أسفل جسده مثل تائه في صحراء لوط الإيرانية أكثر مناطق العالم حرارة، عيناه الصغيرتان تكاد تخرج من أجفانهما أو يصيبهما عطبٌ من شدة استخدامهما للبحث عن شئ ما، شئ عجز حارس مقر الصحيفة في تفسيره، رغم أنه رجل مباحث سابق مغرمٌ بفتح مغاليق الأحداث وتفكيك متشابكات الجرائم، قبل دخولي علمت من بائعة الشاي أن “عبود” يحتاجني بشدة، ثُمّ كرّر الحارس ذات الأمر، جلست في مكتبي، أخرجت رزمة أوراق من جيوبي وضعتها على المنضدة مثل مشعوذ يصنع بخرات جلب العريس ورد المُطلقة، بدأت أفكك مخطوطات على الورق لمعلومات كتبتها في عُجالة فتحوّلت إلى شئٍ أشبه بروشتة طبيب فوق السبعين من ذاك النوع الذي تجد على لافتته (حاصل على الزمالة البريطانية في الطب النفسي)، قبل أن أصيغ خبراً اقتحمني “عبود” – لأوّل مرّة أرى شخصاً مُرتعباً بهذا الشكل، حاول أن يظهر هادئاً مع خوف وقلق شديدين، طلب مني الخروج معه، ابتعدنا عن مقر الصحيفة، سألته (خير يا زول)، تلعثم وهو يُردِّد يا أستاذ أنا واقع في مصيبة كبيرة، الله يستر بس – أحكي – قال إنه عمل مع طبيب لنظافة وحراسة مقر شركة أدوية لزيادة دخله، منذ أيام قليلة، وأثناء دخوله لنظافة المقر بعد نهاية الدوام وخروج الموظفين، تفاجأ بالطبيب ميِّتاً على أرضية الحمام…
نواصل ..
محمد أزهري
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
البيئة: خطة حكومية لتقليل الانبعاثات لمستوى الصفر وتحقيق التحول البيئي بحلول 2030
الاقتصاد نيوز - بغداد
أكدت وزارة البيئة، اليوم الأحد، وجود أولوية حكومية لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة ومكافحة التلوث والتغير المناخي، لافتةً إلى وجود خطة لتقليل الانبعاثات لمستوى الصفر وتحقيق التحول البيئي بحلول 2030.
وقال المستشار الفني لوزارة البيئة ومدير عام الشركة العامة لاقتصاديات الكربون، نظير عبود في تصريح أوردته وكالة الأنباء الرسمية، واطلعت عليه "الاقتصاد نيوز"، إن "الحكومة تعمل بجدية على تعزيز استخدام الطاقة المتجددة ضمن خطة وطنية تنسجم مع التوجهات الدولية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر".
وأشار إلى أن "العراق ينشط في المشاركة بالمبادرات البيئية العالمية، حيث صادق البرلمان على اتفاق باريس للمناخ، وتم إرسال الوثائق ذات الصلة إلى سكرتارية الاتفاقية الدولية".
وأضاف، أنه "رغم التحديات الإقليمية والسياسية، فإن الحكومة تضع البيئة ضمن أولوياتها"، مؤكدا أن "هناك جهود ملموسة لتعزيز التكامل الإقليمي والتعاون في مواجهة تحديات التغير المناخي".
وكشف عبود عن "استعدادات وزارة البيئة لتحقيق أهداف البرنامج الحكومي لعام 2025"، مؤكداً أن "الوزارة وضعت على رأس أولوياتها تعزيز استخدام الطاقة المتجددة ومكافحة التلوث والتغير المناخي".
وأعلن عن "مبادرة لتحويل البنايات الحكومية لاستخدام الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى خطط للتعاون مع قطاعات النقل والنفط والكهرباء لتحقيق الانبعاثات الصفرية (تقليلها لمستوى الصفر) بحلول عام 2028، والوصول إلى تحول بيئي شامل بحلول عام 2030".
وعن التزام العراق بمخرجات المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر دافوس، أكد عبود أن "العراق يولي اهتمامًا كبيرًا بقضايا التغير المناخي والبيئي"، لافتًا إلى أن "البلاد تسعى للتكامل مع المجتمع الدولي في الحفاظ على كوكب الأرض، وتعزيز سياسات الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة".