على مدار العقود الماضية، برزت جماعة الإخوان الإرهابية كلاعب رئيسي في المشهد السياسي، مستخدمة أساليب متباينة تتراوح بين الدعوة السلمية والتآمر الخفي، لكن عندما يتعلق الأمر بمصر، فإنّ محاولات الجماعة للتمكين عبر تفتيت الجبهة الداخلية باءت بالفشل الذريع، بسبب تماسك الشعب المصري وقوة الجبهة الداخلية.

التمكين عبر الفوضى

ماهر فرغي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، قال إنّه منذ تأسيس الجماعة، كان هدفها الأساسي الوصول إلى السلطة بغض النظر عن الثمن، وتجلت هذه الطموحات بشكل واضح عندما وصلت إلى الحكم في مصر عقب أحداث 25 يناير، مضيفا: «بدلا من العمل على بناء الدولة وتعزيز الوحدة الوطنية، انصب اهتمامهم على تعزيز سلطتهم الخاصة، وتعامل الإخوان مع مؤسسات الدولة كمغانم حرب، يسعون للسيطرة عليها لخدمة أجنداتهم، ما أدى إلى فقدانهم ثقة الشعب سريعًا».

تفتيت الجبهة الداخلية

وقال فرغلي لـ«الوطن»، إنّ تفتيت الجبهة الداخلية من خلال خلق الفتن بين شرائح المجتمع كافة، كان أهم الاستراتيجيات التي استخدمتها الجماعة لتحقيق أهدافها، حيث لجأ الإخوان إلى استخدام اللجان الإلكترونية لنشر الشائعات، وبث الفرقة بين المسلمين والمسيحيين وبين طوائف المجتمع المختلفة، بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، وإظهار الدولة في حالة ضعف، ما يتيح لهم فرصة التدخل والسيطرة.

الدعم الخارجي وأدوار التنظيم الدولي

وتابع أنّه لا يمكن تجاهل دور التنظيم الدولي للإخوان في دعم الاستراتيجية، حيث يتم تخطيط وتمويل العديد من الحملات التي تهدف إلى زعزعة استقرار الدول التي لم تتمكن الجماعة من إحكام السيطرة عليها، والدعم الخارجي هذا يتمثل في تمويل اللجان الإلكترونية، وتوجيه الجماعات المتطرفة لخلق أجواء من الفوضى.

الفشل في تحقيق الأهداف

وأكد أنّه رغم محاولات الجماعة لتفتيت الجبهة الداخلية، إلا أنّها فشلت في النهاية في تحقيق أهدافها، لأن الشعب المصري بوعيه التاريخي أدرك خطورة المخططات الإخوانية، ورفض محاولاتهم للاستحواذ على الحكم، وهو الرفض بلغ ذروته في ثورة 30 يونيو 2013، التي أنهت وجودهم في السلطة بعد عام واحد فقط من حكمهم.

وأتمّ أنّ جماعة الإخوان الإرهابية بفشلهم في مصر، أثبتوا أنّ التفتيت الداخلي لا يمكن أن يكون وسيلة ناجحة للتمكين، وأنّ الوعي الشعبي والتكاتف المجتمعي يظلان دائمًا الحصن المنيع ضد أي محاولات لزعزعة استقرار الدولة، وأنّ دروس التاريخ تؤكد أنّ مصر ستبقى قوية بوحدة شعبها وإيمانهم بقدرتهم على حماية وطنهم من أي مخططات خارجية أو داخلية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: جماعة الإخوان الإرهابية جماعة الإخوان الوحدة الوطنية

إقرأ أيضاً:

تعريف الذات في المرآة

يرشدني باب «الهاء» في معجم «الرائد» لجبران مسعود إلى الفارق الطفيف رسمًا، والبعيد معنىً، ما بين «الهُوية» و«الهَوية». فحين أضمُّ الهاء في الأولى فإنني أمسكُ، لا ريب، بالمصطلح العصري المشتق من ضمير الغائب «هو»، المصطلح الذي يشير إلى حقيقة الإنسان أو الشيء في صورته المطلقة وصفاته الجوهرية (غني عن الذكر أننا لا نجد هذا المعنى العصري في معجم قديم كلسان العرب). بينما لو أخطأتُ النُّطق ففتحتُ الهاء، كما في الثانية، فإن الخطأ اللغوي سيقودني إلى معنى آخر تمامًا ينزلق إلى حدود الطباق مع ما أريد؛ حيث الهَوية هي الهاوية، الحفرة السحيقة أو البئر البعيدة القعر، كما يقول المعجم.

لا أتوقف عند هذا الفارق اللغوي من باب تصحيح الخطأ الشائع، أو لمجرد الإيماء إلى مصادفة طريفة تعثَّرتُ بها داخل المعجم، فالدهشة في هذا الاشتباه المُلغَّم أخطر من أن تكون تفصيلًا عَرَضيًا إن أمعنَّا التدبر. لكنَّ التماس الكهربائي الذي ينشأ عن الخلط بين الكلمتين يدفعني للتأمل أولًا في كون اللغة نظامًا مشحونًا شديد الجهوزية، حصين الضبط والإحكام من الداخل ضد العبث والخطأ، ولذا لا بدَّ من التعامل معه بمنتهى الحذر والدقة، فأيُّ انحرافة في اللفظ قد تودي بالمتلفظ إلى ما لا تحمد عقباه. هكذا تدافع اللغة عن نفسها وتحمي نظامها من الاستهتار، فربَّ خطأ لغوي قد يتسبب في حادث سير على الطريق العام، أو يحيل متهمًا بريئًا إلى ساحة الإعدام.

المدهشُ ثانيًا هو التباين الرهيب بين المعنيين المتجانسين لفظًا رغم تنافر الدلالة. إنها -إن صحَّ التعبير- مفارقة الفارق، تلك التي تقفز إلى الوعي بمجرد أن يحاول الشاعر اللعب بالكلمات فتسحبه الكلمات إلى مزاح ثقيل مع أعضائها: هو، هُوِية، هُوَّة، هَوِية هاوية؟ بين الهُوية والهَوية يكتشف الشاعر دربًا جديدًا للمعنى، صوتًا ثالثًا يصدر عن تقاطع الصدى بين مفردتين ، كانتا منذ قليل فقط متنافرتين إلى حدود الطِباق الوشيك. تتحاور المفردتان في الجناس فتصير الهُوِية هَوِيةً سحيقة يصرخ فيها السائل: من أنا؟ من أنا في الجماعة؟ وما هو شكل الجماعة وصفاتها لكي أنحت منها تعريفي لنفسي وأبحث عن حدود ليديَّ داخلها؟

كيف السبيل لأشرح أكثر أنني لا أحاول ليَّ أعناق الكلمات أو ضغط معانيها لصالحي حتى توافق هوىً مضمرًا في النفس؟ قطعًا لا، وما من داعٍ لتبريرٍ كهذا، فالكلمتان تتحاوران في جناس شديد الإغراء حتى بالنسبة لأضعف القُراء حساسية في التعاطي مع اللغة، ولأكثر الكتَّاب نزاهةً وعِفة في توظيف الكلمات، ممن يدَّعون مقاومة الانجرار خلف أحابيل البلاغة ومكائدها.

ماذا لو كان التعريف هو أول صور الإلغاء؟ أليست محاولات تأطير الذات هي في ذاتها بداية محوها؟ في قصيدة «طباق» إلى إدوَرد سعيد قال محمود درويش: «لا أُعرِّف نفسي لئلا أضيعها»... تمامًا! وكأن ضبط المرء لهُويته في تعريف مؤطر، رغم ما يحاصرها من تهديد وجودي، هو بدايةُ الفقدان والاستلام إلى يقين نصفِ واقعي ونصفِ متخيَّل، يقينٍ يعيق الولادات الجديدة للذات ويقيد حرية عبورها بين الحواجز. بيد أن الهُوية الحقيقية هي ورشة مستمرة في مختبر التجارب، إنها «بنتُ الولادة، لكنها في النهاية إبداعُ صاحبها لا وراثةَ ماضٍ» كما يهتف الشاعر في رثائه للمفكر.

إلا أن السجال على حدود التعريف ومساحته سيظل قائمًا بين الفرد والجماعة، غالبًا في إطار تحديد المشتركات من أجل التمييز بين ما هو شخصي من جهة، وما هو عام من جهة أخرى، ولترسيم الحدود بين «أنا» و«نحن». وضمن هذا السجال ستظل الهُوية منطقة صراع وتجاذبات، وحركةً للارتدادات ما بين الحرية والتدجين. فالنزعة الشخصية نحو الامتلاء بهُوية فردانية مختارة قد تشكل تهديدًا للهُوية الجماعية المتخيلة، قومية كانت أم وطنية أم دينية أو ما سواها. فقد يفتح الانفراد بالذات عن صورة الجماعة مخرجًا للتملُّص من الشعور العام بالهُوية الجماعية التي لا تنفك تفرض شروطها ومتطلباتها على منتسبيها. وعلى هذا النحو، يصبح من المرجح أن يتطرف هذا الانفراد، كما حدث مع حالات فردية أو «هُويات فرعية» في البلاد العربية، نحو حالة من الانعزال السياسي والاجتماعي، التي سرعان ما تُوصم بالخيانة. تهمةُ الخيانة هنا، مهما بدت تعسفية، إلا أنها تعكس حقيقةً لا يمكن إغفالها، حقيقة مفادها أن الانحياز للهُوية الخاصة، المُختارة والمطورة بجهد شخصي، تتطلب في كثير من الأحيان «خيانات» ضرورية لمعتقد الجماعة عن نفسها.

الهُويات الجماعية الموروثة والمتخيَّلة هي في المقابل لا تُقصِّر في طمس الهويات الفردية المكتسبة ومحوها بالعنف الناعم، في سعي دؤوب لخلق نسخ متشابهة من الأشخاص، عبر مناهج التربية الوطنية في المدارس الموجهة للناشئة وصولاً إلى الإعلام والقانون، وإلى مختلف وسائل التأثير والتدجين المتاحة بيد الدولة، الطوعي منها والقسري، في دورة متكاملة من التحكم بموصفات الهُوية المطلوبة وخصائصها. تضرب تجارب الأنظمة الشمولية والثيوقراطية أمثلة بليغة على هذا النوع من الممارسة للتربية الجماعية (القطيعية)، الممارسة ذاتها التي تنتهجها البيئات الأصولية المتشددة في مجتمعات ضمن الدولة، وإن بسياسات سلطوية ما دون الدولة.

اليوم، في حياتنا المعاصرة والمرقمنة في خزائن البيانات، تأخذ الهُوية معنى أكثر قسوة وصرامة حين تصبح رقمًا متسلسلًا في وثيقة السفر، رقمًا مدرجًا في أنظمة التعقب وشبكات الرصد والجمارك الدولية. هويتي وهويتك بطاقة دخول وخروج بين الحواجز ومعابر الحدود. وفي أفظع الأحوال تغدو الهُوية إجابة محفوفة بالحتف على حاجز التفتيش، في سنوات القتل على الهُوية بالسكين أو بالرصاص في أنحاءٍ متفرقة من البلاد العربية. لذا يصبح تعريف الذات في المرآة دخولًا في الثقب الأسود الذي يبتلع ملامحنا ويجرفنا بقوة ناحية الجهة المتخيلة التي يحلو لنا أن نتخيل أنفسنا فيها ومنها، بوصفنا نحن من نحن.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • عاجل| الجبهة الداخلية الإسرائيلية: صفارات الإنذار تدوي في القدس وضواحيها وأكثر من 200 بلدة ومدينة وسط إسرائيل
  • د. عمرو عبد المنعم يكتب: عقل الإخوان فى زنزانة 65 بعنبر قناة مكملين.. استحضار العمل لتاريخ تنظيم سيد قطب.. ومساحات المظلومية ما زالت تعكس واقعًا مأزومًا لدى الجماعة
  • محلل سياسي: أردوغان نجح خلال السنوات الماضية في تفتيت المعارضة التركية
  • عاجل | الجبهة الداخلية الإسرائيلية: إزالة القيود الأخيرة المفروضة على تجمهر الإسرائيليين في غلاف غزة
  • خواطر رمضانية
  • وزير الخارجية: يجب التركيز على الحلول التي تضمن بقاء السودان موحدا ومستقرا
  • المصريين: كلمة الرئيس السيسي باحتفالية المرأة يؤكد محورية دورها في بناء الدولة
  • خالد أبو بكر: جماعة الإخوان اتبعت سياسة فرق تسد للوصول إلى كرسي السلطة
  • «حزب المصريين»: كلمة الرئيس السيسي في احتفالية المرأة المصرية يؤكد محورية دورها في بناء الدولة وتنميتها
  • تعريف الذات في المرآة