صدى البلد:
2025-02-15@18:54:09 GMT

منال الشرقاوي تكتب: بدايات ملهمة من عدسة السينما

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

مع بداية كل عام، نقف أمام صفحة بيضاء، نتأمل فيها ما مضى، ونتساءل عمّا سيأتي. يملؤنا الحماس أحيانًا، والقلق أحيانًا أخرى. لكن هناك شيء غريب يحدث حين تُطفأ الأنوار وتُضاء الشاشة أمامنا؛ فنجد أنفسنا نُمنح فرصة استراق النظر إلى حياة أخرى. فجأة، تتسع العدسة وتضيق، تُشرق الوجوه وتخفت، وتتحول القصة – أيًا كانت – إلى لوحة شفافة، تُسجّل عليها أفكارنا الهاربة وقراراتنا التي تهنا عنها وسط زحام الأيام.


السينما ليست مجرد حكايات تُروى، بل هي لحظات مُعلقة، مكتوبة بحبر من مشاعر لم نجرؤ على الاعتراف بها. في كل مشهد، يتسلل إحساس ما، تتبلور فكرة لم تكتمل، أو تتردد أمنية بين السطور. أحيانًا تأتيك الحكمة من مشهد عابر، من جملة أُلقيت بلا اكتراث، أو من موسيقى تصويرية تختبئ خلف لقطة صامتة. فتغوص في بحر من الحكايات السينمائية، التي لا تقتصر على إبهارك، بل تهمس في أذنك قائلة: “انهض... لا يزال هناك فصل لم يُكتب بعد”. 


من الأفلام التي أعتبرها على قائمة الصدارة من حيث الإلهام والقدرة على لمس القلوب، يأتي فيلم "The Pursuit of Happyness" البحث عن السعادة، إنتاج عام 2006، أخرجه الإيطالي جابرييل موكينو (Gabriele Muccino)، وبطولة النجم ويل سميث (Willard Smith)، الذي قدّم أداءً استثنائيًا يُعد واحدًا من أفضل أدواره السينمائية على الإطلاق.


الفيلم مستوحى من القصة الحقيقية لرجل الأعمال كريس جاردنر (Chris Gardner)، الذي بدأ من نقطة الصفر وواجه أصعب التحديات الاقتصادية والاجتماعية، لكنه لم يفقد الأمل أبدًا. وسط الأزمات المالية والمشاكل العائلية، يظهر كريس كرمز حي للصبر والإصرار؛ فيُجسّد معنى السعي الحقيقي نحو الأحلام.


يعتمد فيلم "The Pursuit of Happyness" على واقعية مُباشرة تجعله قريبًا من المتلقي. تبدأ القصة من أدنى نقطة ممكنة في حياة كريس جاردنر، وهو اختيار ذكي من كاتب السيناريو "ستيفن كونراد"، حيث يضع الجمهور في مواجهة مع الواقع منذ اللحظة الأولى. يتبع الفيلم المنحنى الكلاسيكي للقصة (المقدمة، الصراع، الحل)، لكنه يُبرز الصراع كجزء جوهري من التجربة الإنسانية. يُبرز الفيلم التحولات التدريجية دون الاعتماد على أحداث درامية مفتعلة. فالصراع يتولد من المواقف اليومية، المتمثلة في السعي لإيجاد مأوى، فقدان المال، ومحاولته الموازنة بين دوره كأب وكعامل يكافح للبقاء.


"جابرييل موكينو" مخرج الفيلم، تبنّى منهجية إخراج تُركّز على تلك الواقعية، حيث جعل الكاميرا المحمولة أداة لنقل المشاهدين مباشرة إلى قلب حياة كريس، فاستخدم الكاميرا المحمولة بذكاء في العديد من المشاهد الخارجية، مثل تلك التي يظهر فيها كريس وابنه يتنقلان بين الملاجئ، مما أضاف بُعدًا وثائقيًا عزّز من مصداقية العمل.


ويل سميث استخدم تقنيات أداء تعتمد على الصمت والتعبير البصري، حيث حملت عيناه وحركاته كل مشاعر الألم والانكسار دون صخب أو مبالغة. وجاء وجود ابنه الحقيقي "جادين سميث" ليضيف بُعدًا من الصدق إلى العلاقة بين الشخصيتين، وهو ما انعكس في المشاهد العاطفية القوية التي لم تبدُ مصطنعة أو متكلفة.

 ساعد كل ذلك في إظهار تطور الشخصية بشكل تدريجي، من الانكسار إلى إعادة بناء الذات، وصولًا إلى لحظة التمكين النفسي في المشهد الأخير. 


"The Pursuit of Happyness" هو أكثر من مجرد فيلم ملهم؛ إنه عمل درامي متكامل يُجسد بأدوات سينمائية بارعة رحلة مُرهقة في دهاليز الحياة، حيث يصبح الأمل هو الحبل الوحيد الذي يُمسك به الإنسان كي لا يسقط. يأتي المشهد الأشهر حين يقول كريس لابنه:  "لا تدع أحدًا يخبرك أنك لا تستطيع فعل شيء. حتى أنا." ليقدم وصية إنسانية تُلخّص فلسفة الفيلم. تلك التي تؤكد أن الإيمان بالذات هو مفتاح الصمود أمام تحديات الحياة.


الحياة لا تضمن لنا فرصًا متساوية، لكنها تُعطي لكل منا لحظة اختبار حاسمة؛ لحظة تُقرر فيها إن كنت ستقف من جديد أم ستستسلم لليأس.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ويل سميث المزيد

إقرأ أيضاً:

ماريان جرجس تكتب: ويحكى معبر رفح روايات مصرية فلسطينية

تبرهن الدولة المصرية يومًا بعد يوم أنها اكتسبت خبرة واثُقَلت بما يكفي من مهارات، باتت تجعلها قديرة في التعامل مع الأزمات الإنسانية والتنموية ، وان رواية  التنمية المصرية وحرب الوجود التي خاضتها الدولة المصرية داخليًا جعلت منها دولة مخضرمة في القضايا الوجودية .

بينما يجعجع ترامب بتصريحات هوجاء عن التهجير وعن طمس الهوية الفلسطينية للأبد ، تعتزل الدولة المصرية تلك المهاترات السياسية الخالية من المنطقية والعدل والتي تخالف كل المواثيق الدولية ، تصطف الشاحنات والمعدات الثقيلة إمام معبر رفح من الجهة المصرية ، والمنازل المتنقلة حتي يتسنى لأهل غزة العيش بها حتى إتمام إعادة الاعمار ، وكأن الدولة المصرية تضرب بعرض الحائط كل التصريحات الهوجاء التي تحاول تنفيذ المخطط الآثم الذي كاد الشرق الأوسط يتقسم من أجل إزاحة الفلسطينيين من أرضهم .

فكرة المنازل المتنقلة هي فكرة مصرية عبقرية ، تحل أزمة الوقت الذي يتحجج بها مناصرو التهجير ، فترامب قال أن تلك المنطقة أصبحت منطقة غير آهله للعيش الآدمي ، مدمرة بسبب الحرب وتحتاج إلى سنوات ومليارات الدولارات من أجل إعادة الاعمار .

كما يرسل ذلك الاصطفاف أمام المعبر اليوم العديد من الرسائل الرافضة للتهجير بشكل عملي ورفض بشكل قاطع للحيلولة دون المساس بأمن مصر القومي وبأراضيها وبالقضية الفلسطينية أو بالأحرى الهُوية الفلسطينية .

قد يُخيل للعالم أن الولايات المتحدة تستطيع ممارسة تلك الرعونة دون رادع لها ، ولكن في يد العالم العربي الكثير من كروت الضغط على العالم الغربي والولايات المتحدة الأمريكية كي تتوقف عن الحديث عن مخطط التهجير ، مثل الاستثمارات السعودية التي تداعب أحلام ترامب الاقتصادية الأمريكية ، كما أن لمصر  رصيد كبير في العالم الغربي بفضل كثير من الملفات الناجحة والقضايا التي أدلت مصر بدلوها مثل قضايا الهجرة النظامية والإرهاب وتغير المناخ والمشروعات الخضراء وبذلك الرصيد تستطيع مصر تدويل القضية  وتحصل على حشد دولي غربي رافض للتهجير الذي بات حلم ترامب الأوحد .

أما على الصعيد الدولي ، فلدى مصر حليف وصديق استراتيجي سياسي مهم جدًا ، يمكن إدخاله في تلك المرحلة ؛ إلا وهو الصين ، فالصين تعترف رسميًا بأن غزة هي ملك لأهلها رافضة لسيناريو التهجير كما أنها من رواد إعادة الأعمار والاستثمار في البنية التحتية ، وهنا تتوافق المصالح السياسية مع الاقتصادية ، فما أفضل أن يتم إعادة اعمار غزة بشكل سريع بأياد مصرية عربية وبالشراكة مع الشركات الصينية 

فمصر أثبتت بالتجربة العملية أن التنمية والبناء هما حائط الصد أمام الإرهاب والاحتلال والتهجير والتدخل الغربي ، فكما كانت التنمية في سيناء هي حائط الصد أمام عودة الإرهاب مرة أخرى إلى سيناء ستكون أيضا التنمية هي المانع ضد التهجير .

مقالات مشابهة

  • إلهام أبو الفتح تكتب: كلنا وراءك يا سيسي
  • عدسة سانا توثق الكنوز الأثرية في المتحف الوطني بدمشق.. لوحات فسيفسائية ومنحوتات نادرة تروي قصص الحضارات التي تعاقبت على سوريا
  • إلى حماس.. إسرائيل تكتب رسائل على قمصان الأسرى المفرج عنهم 
  • ماريان جرجس تكتب: ويحكى معبر رفح روايات مصرية فلسطينية
  • هند عصام تكتب: الملكة إست الثانية
  • نشرة الحصاد الأسبوعي لرصد أنشطة التنمية المحلية.. إنفوجراف
  • فصول لم تكتب.. مسيرة كتاب من الإنجليزية إلى العربية عن حماس
  • أتاسي: هذا التفاعل الشعبي الذي يعكس نبض الشارع وتطلعات المواطنين شكل قاعدة صلبة استندت إليها اللجنة التحضيرية في تحديد الأفكار المركزية والمحاور الرئيسية التي يناقشها المؤتمر
  • الدغيم لـ سانا: عندما تنضج عملية التواصل وإعداد الأوراق الأولية للتنفيذ لا شك ستتم الدعوة لمؤتمر الحوار الوطني، الذي سيلاقي فيه السوريون والسوريات الأرضية التي سينطلقون منها في بناء مستقبل بلدهم لأول مرة منذ عام 1950
  • زينب عبد الرزاق تكتب: غزة ملك لـ جدي