كيف يُصنع الفستان الرخيص من Shein؟
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
إن عمال المصانع الذين يصنعون الملابس لشركة الأزياء السريعة العملاقة Shein يعملون 75 ساعة في الأسبوع ويكسبون أقل من 1 بنس لكل ثوب، وفق تقرير أخير.
وعلى الرغم من أن الصفقات التي تقدمها شركة الأزياء العملاقة، مثل الفساتين بأسعار رخيصة، غالباً ما تكون لا تقاوم للمتسوقين الغربيين، فقد يفكرون مرتين بعد رؤية ظروف العمل للعمال في قوانغتشو، وفق “دايلي ميل”.
وتضم المدينة الواقعة في جنوب الصين أكثر من 5000 مصنع، والعديد منها يزود بائع التجزئة للأزياء السريعة، حيث يتقاضى العمال أقل من 12 ينًا في الساعة، أي ما يعادل 6 بنسات.
ووفقا لتقرير لبي بي سي، يعمل الموظفون بشكل روتيني لأكثر من 12 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، في انتهاك لقوانين العمل، ويغادرون مراكز النسيج الساعة 10 مساءً وما بعد ذلك.
وقالت إحدى السيدات اللاتي تمت مقابلتهن إن نحو 80% من العمال في المنطقة يعملون لدى شركة شين، التي حددت العام الماضي حالتين من عمالة الأطفال في سلسلة التوريد الخاصة بها، و لقد تزايد التدقيق على الشركة مع اقترابها من أول ظهور لها في سوق لندن للأوراق المالية بقيمة 50 مليار جنيه إسترليني.
ولقد حققت الشركة ربحًا بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني العام الماضي، لكن أسعارها الرخيصة للغاية – بما في ذلك الفساتين التي يبلغ سعرها 5 جنيهات إسترلينية – أثارت الدهشة، و بعد الانتقادات السابقة لإساءة معاملة العمال، أصرت SHEIN على زيادة عمليات التفتيش على المصانع وأنها تتخذ إجراءات ضد الموردين المشكوك فيهم.
و قال أحد العمال لهيئة الإذاعة البريطانية إن أخلاقيات العمل هي “تضحية” متوقعة يقدمونها من أجل تنمية الصين”.
وكشف أحد العمال أنه يتقاضى أجراً يبلغ حوالي 2 ين – أقل من بنس واحد – لكل ثوب، ةكانت إحدى النساء اللاتي تحدثت إليهن هيئة الإذاعة البريطانية تعمل لدى SHEIN منذ أن بدأت ، وتقول إنها ستصبح “أقوى وأفضل”.
وأوضحت قائلة: “يعتمد الأمر على مدى صعوبة القطعة، شيء بسيط مثل القميص يكلف من ين إلى ينين للقطعة ويمكنني صنع حوالي اثنتي عشرة قطعة في الساعة، نحن نكسب القليل جداً، كيف يكفي هذا؟ تكلفة المعيشة مرتفعة للغاية الآن”.
القرية
و يتنقل آلاف العمال إلى مركز النسيج في المدينة – الملقب بـ “قرية SHEIN” – حيث يمكنهم الحصول على وظائف معلنة على لوحة إعلانات، إلى جانب قطعة ملابس تعرض الخياطة المتوقعة منهم.
والمدينة الواقعة في جنوب الصين تضم أكثر من 5000 مصنع ، كثير منها يورد إلى بائع التجزئة للأزياء السريعة، وترى العمال يتحدون 75 ساعة في الأسبوع، وكل ذلك للحصول على 12 ين فقط، ويمكن رؤية العمال وهم مشغولون في المحطات، وعشرات الطرود مكدسة بجانبهم.
وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو لعمال مشغولين بآلات الخياطة قبل تعبئة عنصر في كيس بلاستيكي مميز من Shein، يحمل العلامة التجارية للشعار، ويمكن رؤية عمال النسيج على وسائل التواصل الاجتماعي وهم منهمكون في العمل.
وتواصلت دايلي ميل مع الشركة للتعليق، لكنها قالت إنها “ملتزمة بضمان المعاملة العادلة والكريمة لجميع العمال داخل سلسلة التوريد الخاصة بها”.
ومن الواضح أن العديد من العاملين في المدينة اعتادوا على جدول العمل المزدحم، حيث قال أحد العمال: “هذا ما نحتاج نحن الصينيون للتضحية به من أجل تنمية بلدنا”.
وأضاف آخر مشيرا إلى ثقافة ساعات العمل الطويلة وأيام الإجازة القليلة: “إذا كان هناك 31 يوماً في الشهر، فسأعمل 31 يوماً”.
غامضة
إن أخلاقيات العمل الدؤوبة أمر روتيني في قوانغتشو، ولكن في حديثه، قال ديفيد هاتشفيلد من مجموعة المستهلكين Public Eye إن شركة SHEIN غامضة عندما يتعلق الأمر بشفافية ظروف العمل في سلسلة التوريد الخاصة بها.
وقال عن ساعات العمل الطويلة: “إنه ليس أمراً غير معتاد ولكن من الواضح أنه غير قانوني وينتهك حقوق الإنسان الأساسية”.
في حديثه إلى ITV العام الماضي، تحدث بينغ يوغي، مدير ورشة العمل، عن الفرص التي قدمتها شركات مثل SHEIN لمراكز صناعة الملابس المحلية في الصين: “سمعت من أصدقائي وزملائي في بلدان أخرى أن تكاليف معيشتهم مرتفعة للغاية، لكن ما صنع في الصين، يمكن أن يساعد في خفض التكاليف، أعتقد أنه شرف لنا، نحن نوفر الراحة للناس من خلال ذلك”.
تجنب الضرائب
ولقد تعرضت شركة SHEIN، التي تأسست في الصين ومقرها الرئيسي الآن في سنغافورة، لانتقادات لاستخدامها الموردين الذين يستغلون العمال ذوي الأجور المنخفضة في الصين لبيع ملابسها بأسعار مخفضة.
ومن خلال الشحن مباشرة من آسيا إلى المتسوقين عبر الإنترنت، تتجنب الضرائب الجمركية.
و سيكون ظهورها الأول في السوق البريطاني، أحد أكبر ظهور لها في تاريخ المدينة، لكن مجلس الأزياء البريطاني أعرب عن مخاوفه بشأن الخطط وسط مخاوف من استخدام SHEIN لممارسات غير أخلاقية لتقويض تجار التجزئة الآخرين.
وقد حصلت عريضة الناشطة في مجال الموضة فينيتيا لا مانا، والكاتبة غريس بلاكلي، “قولوا لا”، لإدراج الشركة على أكثر من 43000 توقيع.
وتزعم العريضة أن صفقات SHEIN تأتي من استغلال عمالها وتجنب الضرائب، وتعد خبيرة التجزئة و”ملكة المتاجر” ماري بورتاس، من بين الأسماء الكبيرة التي دعمت الحملة، لكن قالت إنه في العام الماضي تم إجراء 3990 فحصاً تدقيقياً على الموردين والمقاولين من الباطن الصينيين، معظمهم من قبل وكالات خارجية.
وتخطط الشركة لزيادة كمية الملابس المصنعة في تركيا، وهي الخطوة التي تأمل أن تقلل من الانتقادات.
و كان رد الفعل العنيف في الولايات المتحدة، بما في ذلك من مجموعة الصناعة اتحاد التجزئة الوطني، أحد الأسباب التي دفعت SHEIN إلى التخلي عن خططها الأصلية للطرح في نيويورك.
كما واجهت الشركة معارضة من السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، ويرجع ذلك جزئياً إلى مزاعم بأنها استخدمت القطن من العمالة القسرية في منطقة شينغيانغ الصينية، وأصرت شركة SHEINعلى أنها تتبنى سياسة عدم التسامح مطلقاً مع العمالة القسرية.
وكشف تقرير صادر في مايو عن مجموعة المناصرة Public Eye أن بعض العمال يتحملون 75 ساعة في الأسبوع.
وفي المملكة المتحدة، استأجرت شركة SHEIN شركات علاقات عامة كبرى، وانضمت إلى اتحاد التجزئة البريطاني في محاولة لكسب مجتمع الأعمال، و أجرى دونالد تانغ، الرئيس التنفيذي للشركة، محادثات مع بورصة لندن ومسؤولي حزب العمال.
ومن الجدير بالذكر أن شركة SHEIN تأسست في عام 2012، وحظيت بشعبية كبيرة بفضل المتسوقين الأصغر سناً الذين يهتمون بالميزانية.
المصدر: جريدة الحقيقة
كلمات دلالية: العام الماضی فی الأسبوع فی الصین ساعة فی
إقرأ أيضاً:
عيد العمال في السودان: حين يُحاصر العمل بين الحرب والضياع
طلال نادر
كاتب وصحافي من السودان
في الأول من مايو، الذي اعتادت فيه الحركة العمالية حول العالم أن تجدد عهدها مع قضايا العمل والعدالة الاجتماعية، يمر عيد العمال في السودان هذا العام وسط واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي عرفها تاريخ البلاد الحديث.
لم تكتفِ الحرب التي اندلعت في نيسان/أبريل 2023 بتدمير مؤسسات الدولة وهدم البنية الإنتاجية، بل أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين والعاملين، وتسببت في إصابة مئات الآلاف، وسجلت تقارير أممية موثقة جرائم اغتصاب وانتهاكات ممنهجة بحق النساء والرجال على السواء، في ظل نزوح داخلي تجاوز 8 ملايين، مع لجوء مئات الآلاف إلى الدول المجاورة.
أُغلقت المصانع، وشُلّت الأسواق، وتوقفت المزارع عن الإنتاج، وتحولت مساحات واسعة من البلاد إلى ساحات قتال فارغة من العمل ومن الكرامة
أُغلقت المصانع، وشُلّت الأسواق، وتوقفت المزارع عن الإنتاج، وتحولت مساحات واسعة من البلاد إلى ساحات قتال فارغة من العمل ومن الكرامة. في هذا المشهد، لا يمر عيد العمال كتقليد روتيني، بل كلحظة مؤلمة تستدعي كامل ذاكرة النضال العمالي في السودان، وتقيس حجم المأساة الجارية بمقاييس التجربة التاريخية الطويلة التي عاشها العمال السودانيون.
لم تولد الحركة العمالية في السودان مصادفة ولا امتيازًا، بل جاءت نتاج معاناة طويلة. فمنذ إضراب عمال مناشير الغابات عام 1908، ثم تأسيس أندية العمال في الخرطوم عام 1934، تبلورت نواة الحركة المنظمة التي انتزعت حقها عام 1947 بإنشاء هيئة شؤون العمال في السكة الحديد، بعد إضراب عمالي ملحمي أجبر الاستعمار البريطاني على الاعتراف بأول تنظيم نقابي سوداني مستقل.
لم تقتصر معارك العمال على المطالبة بتحسين الأجور وشروط العمل، بل ارتبطت جذريًا بالنضال الوطني من أجل الاستقلال والحرية، ما جعل النقابات، لاحقًا، جزءًا لا يتجزأ من ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، في قيادة الإضرابات العامة وإدارة الفعل الجماهيري.
ومع انقلاب 30 يونيو 1989، بدأت مرحلة التجريف المنظم للعمل النقابي. سنّت السلطة قوانين تجرّم العمل النقابي الحر، وأقامت نقابات خاضعة بالكامل، وألغت الانتخابات، وطردت آلاف النقابيين المستقلين، محولة العمل النقابي من قوة مجتمعية فاعلة إلى واجهة شكلية خالية من الروح. ورغم القمع الممنهج، ظل بعض النبض حاضرًا، حتى تشكل "تجمع المهنيين السودانيين"، قبيل ثورة ديسمبر 2018، من أطياف متعددة شملت المعلمين، والأطباء، والمهندسين، وغيرهم من المهنيين الذين لعبوا دورًا حاسمًا في إطاحة نظام الإنقاذ كما نشطت بذات القدر الكيانات العمالية.
"ليست هذه الحرب أول كارثة تواجه الحركة العمالية السودانية، لكنها بلا شك الأخطر والأكثر قسوة"
ثم جاءت الحرب في نيسان/أبريل 2023، لتعيد تشكيل المأساة بأكثر وجوهها قسوة. توقفت المصانع والمزارع والمرافق الإنتاجية، وتدهورت الخدمات الصحية والتعليمية. ووفق تقارير أممية، نزح أكثر من 8 ملايين سوداني منذ اندلاع القتال، كثير منهم من الطبقة العاملة التي فقدت موارد رزقها بين ليلة وضحاها. تحول عشرات الآلاف إلى الاقتصاد غير المنظم، دون عقود عمل، ولا حماية قانونية، ولا نقابات تدافع عنهم بفعالية في ظل هذا الانهيار.
لم تقتصر الخسائر على قطاع بعينه، بل طالت جميع القطاعات المهنية والعمالية دون استثناء. الصحة، التعليم، الخدمات، الهندسة، الإعلام، المحاماة، النقل، والمرافق العامة، كلها تعرضت لانهيار شبه كامل، وتوقفت المؤسسات الإنتاجية والخدمية عن العمل في العديد من المدن والمراكز الحضرية الكبرى في السودان. أما القطاع غير المنظم، الذي كان يشكل ما يزيد عن 65% من حجم الاقتصاد السوداني، فقد تعرض لدمار مضاعف، حيث خسر الملايين من العمال البسطاء مصادر رزقهم دون حماية قانونية أو اجتماعية. وكان العمال، لا سيما العاملون في الاقتصاد غير المنظم، هم الأكثر تضررًا من الانهيار، مع تراجع مستويات الدخل إلى أدنى معدلاتها، واستشرى الاستغلال والابتزاز الاقتصادي ضد أضعف الفئات العاملة في ظل غياب أي آفاق عمل مستقر في ظل استمرار الفوضى المسلحة،
رغم هذا الخراب الشامل، لم تختفِ الحركة العمالية والنقابية كليًا. ظهرت محاولات مقاومة ولو محدودة: الحركة النقابية٫ رغم الانقسامات والضغوط، واصلت إصدار البيانات والدعوات للدفاع عن الحقوق ولم تتخلَّ عن الدعوة لتنظيم العاملين وتوحيد صفوفهم وحماية المؤسسات. تظهر هذه المحاولات، وإن كانت مبعثرة، أن إرث النضال النقابي في السودان لم يُمحَ، وأن فكرة التنظيم لا تزال تتنفس حتى تحت الركام.
في لحظة عيد العمال هذا العام، تصبح الأسئلة أكثر إلحاحًا: كيف يمكن إعادة بناء حركة نقابية حقيقية في ظل غياب شبه كامل للدولة؟ كيف يمكن الدفاع عن حقوق العاملات والعمال في واقع تهيمن عليه الميليشيات والسلاح؟ كيف يمكن أن يسهم العمل النقابي المستقل في إعادة بناء السودان السياسي والاجتماعي والاقتصادي؟
"لم تقتصر معارك العمال على المطالبة بتحسين الأجور وشروط العمل، بل ارتبطت جذريًا بالنضال الوطني من أجل الاستقلال والحرية"
ليست هذه الحرب أول كارثة تواجه الحركة العمالية السودانية، لكنها بلا شك الأخطر والأكثر قسوة. وفي المقابل، ليست النقابات والقوى العمالية مجرد هياكل تنظيمية، بل هي جزء أصيل من معركة بناء مجتمع عادل وإنساني. وكما انتُزعت الحقوق يومًا تحت ظل الاستعمار، فإن انتزاعها اليوم من قلب الحرب والفوضى يبقى ممكنًا، إذا توافرت الإرادة والوعي والتنظيم. ففي كل عيد عمال جديد، يتجدد السؤال الأبدي: من الذي يصون الكرامة عندما تنهار الدولة؟ وجواب السودان القديم والجديد معًا، يظل واحدًا: إن الذين ينظمون أنفسهم، مهما بلغ الخراب.
نقلا عن "ألترا صوت"