رئاسة جوزيف عون ستشعل فتيل إعادة الارتباط العربي مع لبنان بقيادة السعودية
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
خطاب تنصيب الرئيس اللبناني جوزيف عون في البرلمان يوم الخميس حظي بـ 30 جولة تصفيق خلال 19 دقيقة فقط. وكان ذلك جزئيًا بسبب التزامات رئيس الدولة المنتخب بدقة لإحياء مفهوم الدولة اللبنانية. كما قدم خطابه خارطة طريق تعكس وعيه السياسي وعزيمته العملية على بسط سلطة الدولة.
السيد عون ليس رئيسًا جاء بالصدفة ولا مجرد نتاج تسويات بين القادة اللبنانيين المدفوعين بالمساومات المحلية.
مهمته ليست مستحيلة.
انتخابه، لأول مرة منذ استقلال لبنان، تم من خلال عملية ديمقراطية خالية من هيمنة إسرائيل أو سوريا ودون الهيمنة الإيرانية. إن رئاسته تعني عودة لبنان إلى الحضن العربي وإعادة انخراط السعودية مع البلاد.
هذا الانخراط يتجذر مع ثقة العالم العربي في قدرة السيد عون على تنفيذ اتفاق الطائف. الصفقة، التي أنهت الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا في لبنان في أواخر 1989، كانت برعاية السعودية قبل أن يتم تقويضها من قبل إيران وسوريا.
في الحقيقة، لعبت الشراكة الفريدة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترامب في ملف بيروت دورًا أساسيًا في إنقاذ لبنان من حرب إسرائيلية استهدفت البنية التحتية للبلاد.
انتظرت إدارة بايدن حتى تكمل إسرائيل حملتها لتحييد حزب الله، مما يمكنها من تحقيق أهدافها الاستراتيجية ضد إيران وأقوى وكلائها. كانت خطوة بايدن اللاحقة، بمساعدة ترامب، الضغط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار، بهدف تسهيل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بضمانات أمريكية ووضع خارطة طريق لترسيم الحدود البرية اللبنانية الإسرائيلية خلال أشهر.
كان دور رئيس البرلمان نبيه بري، وكذلك رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، حاسمًا في إنقاذ لبنان من التدمير الكامل على يد إسرائيل. لقد فهموا أن الثنائي بايدن-ترامب قدم فرصة نادرة لحماية لبنان وإطلاق فصل جديد في ظل ظروف لم يكن من الممكن تصورها سابقًا.
عندما حان الوقت لانتخاب رئيس تحت الضغط الأمريكي، أدرك السيد بري الخيار الوحيد القابل للتطبيق، متماشيًا مع الرؤية الاستراتيجية لصانعي السياسة الأمريكيين، الذين فهموا أيضًا قيمة عودة القوى العربية النشطة إلى لبنان.
كان السيد بري، وهو مراقب حاذق للتغيرات الاستراتيجية، يرى أيضًا ضرورة عودة لبنان إلى هويته العربية، خاصة من أجل إعادة إعمار الجنوب الذي دمرته إسرائيل.
إن انتهاء هيمنة إيران في لبنان يمثل حدثًا تاريخيًا، وليس مجرد تطور عابر.
إن تراجع قدرة حزب الله في لبنان والمنطقة الأوسع، على الرغم من تحديه اللفظي المستمر، هو أمر واضح. انهيار حكومة بشار الأسد في أسبوعين فقط أنهى بشكل لا رجعة فيه وصاية سوريا على لبنان. هذه التطورات جعلت عودة القوى العربية إلى لبنان، دبلوماسيًا وسياسيًا، أمرًا طبيعيًا وضروريًا، بينما تتماشى مع الديناميكيات الجديدة للقوة الإقليمية.
تسعى دبلوماسية السعودية من أجل “لبنان جديد” إلى إحياء “الهياكل العظمية” التي أصبح عليها اتفاق الطائف برعاية سعودية، كما قال مصدر مطلع. يشمل ذلك استعادة السيادة اللبنانية، واحترام المبادئ الدستورية، وتنفيذ اللامركزية الإدارية وضمان احتكار الدولة للسلاح من خلال نزع سلاح الفاعلين غير الدوليين، مما يترك الأمن بيد الأجهزة الأمنية الرسمية فقط.
تم التعبير عن هذه العناصر الحاسمة في خطاب السيد عون التاريخي، الذي يمثل التزامًا رسميًا بتنفيذ اتفاق الطائف، بما يتماشى مع التنفيذ الكامل للقرار 1701.
يعتزم السيد عون أن يكون حازمًا مع إسرائيل في تنفيذ تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار وحل القضايا العالقة، مما يؤدي إلى انسحاب إسرائيل النهائي من الأراضي اللبنانية يليه ترسيم الحدود. أما قضية مزارع شبعا المحتلة، فتتعلق باعتراف سوريا بملكية المنطقة المتنازع عليها للبنان. إذا أوضح الحكومة الجديدة في دمشق موقفها، فسيكون مطلوبًا من إسرائيل – من حيث المبدأ – الانسحاب من المنطقة.
يهدف السيد عون إلى تطبيع العلاقات الثنائية مع سوريا على قدم المساواة، خالية من الاستعباد، مع ضمان قدرة لبنان على اتخاذ قراراته السيادية. إن ترسيم الحدود بين البلدين هو أيضًا هدف مهم للرئاسة.
تثبت زيارات السيد ميقاتي الأخيرة إلى تركيا وسوريا أن بيروت قد أدركت أهمية هذه القضية والدور التركي المحوري في تحقيقها. من المرجح أن أنقرة ستلعب دورًا كبيرًا في دوائر السلطة في دمشق، وقد تعهدت بدعمها في هذا الصدد.
تبدو الإدارة الانتقالية السورية، الممثلة بأحمد الشرع براغماتية في علاقاتها الإقليمية. بينما تظل تركيا شريكها الأساسي، أكد السيد الشرع على أهمية وجود اتصال عضوي مع السعودية والعالم العربي.
تتولى الرياض قيادة الجهود العربية في لعب دور نشط في بلاد الشام، ساعية لتحقيق الاستقرار في سوريا ولبنان من خلال التعاون مع أصحاب المصلحة الآخرين مثل تركيا، والتنسيق البراغماتي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية المعنية، مع احترام القرارات السيادية.
نوايا السعودية ليست لاستفزاز إيران، بل لتعزيز الاستقرار في بلاد الشام العربية، التي تم تفتيتها بسبب التوجهات التوسعية والإيديولوجية لطهران ووكلائها. دفعت التحولات الجيوسياسية الرياض للعمل على إعادة الدول العربية الضعيفة إلى الحضن العربي من خلال الدبلوماسية والتنمية وإعادة الإعمار.
سيتضمن ذلك نهجًا شاملًا يهدف إلى إصلاح النسيج العربي في بلاد الشام، الذي عانى بشدة تحت الهيمنة الإيرانية.
*نشر أولاً في صحيفة “ذا ناشيونال” الصادرة بالانجليزية
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق كتابات خاصةاشتي اعرف الفرق بين السطور حقكم وأكد المسؤول العراقي في تصري...
أريد دخول الأكاديمية عمري 15 سنة...
انا في محافظة المهرة...
نحن لن نستقل ما دام هناك احتلال داخلي في الشمال وفي الجنوب أ...
شجرة الغريب هي شجرة كبيرة يناهز عمرها الألفي عام، تقع على بع...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: السعودیة 14 ینایر جوزیف عون السید عون فی لبنان من خلال رئیس ا
إقرأ أيضاً:
تقرير: تدفق الأموال من السعودية والإمارات ساهم في إفشال جهود حكومة اليمن للحد من الفساد
يمن مونيتور/ قسم الأخبار
كشف تقرير بحثي حديث أصدره مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، حول نهج الحكومة للحد من الفساد، أن عملية تدفق الأموال من السعودية والسعودية، ساعم التساهل في إجراءات الضبط المالي والإداري وجهود الحكومة اليمنية في مكافحة الفساد، لا سيما أن الدولتين انخرطتا -هما الأخريان- في التنافس مع الحوثيين لجذب الأشخاص والهيئات اليمنية إلى جانب السلطة الشرعية. وتحولت الانحرافات والأخطاء إلى اتجاهات أصيلة في بنية السلطة الشرعية وتوجهاتها.
وقال المركز في تقرير له، إن غياب الإرادة السياسية توارت سياسات مكافحة الفساد تمامًا عن أولويات حكومات السلطة الشرعية، رغم مضي عشر سنوات على إعادة تأسيسها وبناء مؤسساتها. واتسع حضور الفساد بشكل أكبر مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وسجلت المكونات التي يتشكل منها المجلس توافقًا ملفتًا في التشارك في الفساد، رغم اختلافها وتعاركها حول كل شيءٍ تقريبًا.
وأوضح تقرير المركز، أنه مع تراجع الموارد الحكومية، منذ أكتوبر 2022م، بسبب منع تصدير النفط، وتراجع الدعم المالي المقدم من دولتي “التحالف العربي”، وبشكل أكبر انهيار قيمة العملة الوطنية وتآكل قيمتها الشرائية على نحو كبير، وبالتوازي مع ارتفاع الأسعار، تحول الفساد إلى مُهدد جدي للسلطة الشرعية، خاصة مع انسداد مسارات التسوية والعمل العسكري على حد سواء، وبقاء معظم قيادات الدولة خارج البلاد، واستلامهم مدفوعات مالية شهرية كبيرة بالعملة الصعبة، من خلال ما يُعرف بـ”كشف الإعاشة”.
وخلص التقرير، إلى أن المسؤولية، تقع على الأطراف اليمنية، وخصوصًا مجلس القيادة الرئاسي، والأحزاب السياسية، والمكونات الأخرى الداعمة له، كما على الأطراف الخارجية، حشد الدعم السياسي والمالي لمسارات الإصلاح المالي والإداري، ومحاربة الفساد، والتي تتبناها الحكومة الحالية.
وشدد المركز، على سرعة إنفاذ التعديل الحكومي، اعتبارها خطوة عاجلة من اللازم المسارعة بها، إذ أن على مجلس القيادة الرئاسي والمكونات المشاركة فيه والداعمة له تيسير إنفاذ التعديل الوزاري الذي طالب به رئيس مجلس الوزراء، أحمد عوض بن مبارك، على وجه السرعة، بما يُمكن من تشكيل حكومة متجانسة، تعمل بروح الفريق الواحد، وتمضي قدمًا في القيام بالمهام والواجبات المناطة بها، بما فيها مسارات الإصلاحات، ومواجهة الفساد.
كما شدد التقرير على ضرورة إنفاذ التغييرات التي يقتضيها إحالة الفاسدين إلى القضاء، وإبعاد إجراءات الحد من الفساد عن التجاذبات السياسية، وتبني نهج واحد في مواجهة الفساد، وتكثيف دعم المجتمع الدولي.
وتتعدد أشكال وممارسات الفساد الممارس على نحو كبير، ويشمل سطو التشكيلات العسكرية في عدد من المحافظات على جانب غير قليل من موارد الدولة، من خلال الجبايات والتحصيلات التي تتجاوز مئات الملايين من الدولارات، والفساد الفاحش الذي يمارسه بعض محافظي المحافظات التي لديها حصة من عائدات النفط والضرائب، إذ يُتداول سطو محافظ محافظة لديها حصة من عوائد بيع النفط على (40) مليون دولار، وسطو محافظ محافظة مجاورة لها على نحو (27) مليار ريال يمني، تم تجميدها من أرصدته مع استمرار ملاحقته بتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة.
ويبرز الفساد بشكل أكبر في شراء النفط والمحروقات الخاصة بتشغيل الطاقة الكهربائية في عدن، إذ تتجاوز قيمتها مئات الملايين من الدولارات؛ بالإضافة للاختلالات في عقود مصافي عدن، إذ كلف الاختلال في عقد واحد ما قدره (180) مليون دولار، واستمر تنفيذه بشكل غير سليم طوال تسع سنوات؛ ما تسبب في هدر مليارات الدولارات التي كان يمكن أن تستخدم في شراء المشتقات النفطية.
وفي ملف القنصليات والسفارات، استولى موظفون في السفارة اليمنية بمصر على ما يصل إلى (268) ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي، وذلك من خلال التزوير في محررات رسمية، ولم تلتزم القنصلية اليمنية في جدة بتوريد المبالغ المحصلة من رسوم إصدار جوازات السفر والغرامات الخاصة، حيث بلغت الفجوة أكثر من (156) مليون ريال سعودي.
وبالمجمل، انطوت تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التي تم السماح بالنشر حولها مؤخرًا، والتي تمثل عينة بسيطة، عن وجود أكثر من عشرين قضية في عدة مجالات، وبلغ حجم الاختلاسات فيها أكثر من مليار وسبعمائة وعشرين مليون دولار كل هذا، إلى جانب المدفوعات الشهرية بالعملة الصعبة، والتي تقترب من عشرة ملايين دولار شهريا، يتقاضاها المسئولون الحكوميون الذين يقيم أغلبهم خارج البلاد من خلال ما يُسمى “كشف الإعاشة”.
ويؤكد مؤشر مدركات الفساد (IPC) لعام 2024، الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية، أن اليمن تُعد واحدة من بين الدول الأكثر فساداً في العالم، حيث حصلت على درجة 13 من 100 في المؤشر، ويُشير التقرير أن الفساد يشكل تحدياً كبيراً في البلاد، التي تعاني من صراع مستمر منذ 10 سنوات وضعف في المؤسسات العامة.