الثورة نت:
2025-03-16@10:29:35 GMT

الطفولة في غزة تطحنها الحرب وآلام النزوح

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

الطفولة في غزة تطحنها الحرب وآلام النزوح

 

الثورة /

بينما تجلس العائلة في بيتها الدافئ، وفي سكون الليل لا يقطعه سوى صوت التلفاز الذي تتابعه العائلة باستمتاع تشاهد فيلما سينمائيا أو مسلسلاً درامياً عائلياً أو حتى فيلم كرتون، تجد الأب يسارع لوضع يده على عيني طفله إذا مر مشهد عنيف أو لا يناسب طفولة ابنه حماية له ولحالته النفسية وطفولته الثمينة الغالية.


يحدث هذا في كل العالم بينما يعيش أطفال غزة أهوال حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ 15 شهرا ونيف بكل تفاصيلها وآلامها وأحزانها وآثارها المدمرة لطفولتهم التي انتهكت دون شفقة أو رحمة في ظل صمت عالمي مريب.
فأطفال غزة الذين يشكلون ما نسبته 47 % من سكان قطاع غزة، يعيشون ظروفاً قاسية أحالتهم إما إلى شهداء أو جرحى أو مصابين بإعاقات دائمة، وإما أيتام الأم أو الأب أو كليهما، أو إخوة وأقارب شهداء أو شهود على مجزرة كانوا فيها من الناجين، إن صح أن يوصفوا بذلك.
وفي حين يستيقظ الطفل “العاديّ” في عالمنا وجلّ ما يشغله هو إنهاء واجباته المدرسية والاستمتاع باللعب، فإن الطفل في غزة كل ما يؤرقه النجاة من الموت، ومساعدة عائلته لتوفير متطلباتها في ظل حياة الخيمة والنزوح التي لا ترحم.
قتل وتجويع وتجهيل
وفق آخر الإحصائيات الرسمية الفلسطينية، فإن عدد الأطفال دون سن 18 سنة في قطاع غزة يقدر بـ 544,776 طفلاً ذكراً، و523,210 طفلات إناث، منهم حوالي 15% دون سن الخامسة (341,790 طفلاً وطفلة).
ومنذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، فإن الأطفال يشكلون 44% من إجمالي الشهداء، وفق الإحصائيات الرسمية الفلسطينية.
وأظهرت فحوصات التغذية التي أجرتها “يونيسف” أن معدلات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في قطاع غزة تضاعفت تقريباً بالمقارنة مع يناير 2024، حيث ارتفعت من %16 إلى %31 بين الأطفال تحت سن الثانية في شمال غزة، ومن 13% إلى %25 بين الأطفال تحت سن الثانية في جنوبه.
وزاد معدل الهزال الشديد، الذي يعد أكثر أشكال سوء التغذية تهديداً للحياة ويستلزم التغذية العلاجية والعلاج الذي لا يتوفر في غزة، وذلك من %3 إلى %4.5 بين الأطفال في مراكز الإيواء والمراكز الصحية في شمال غزة، وسجل أربعة أضعاف ما كان عليه في جنوب القطاع حيث ارتفع من %1 إلى %4.
ونتيجة للعدوان المتواصل على قطاع غزة تعطلت العملية التعليمية، وحرم حوالي 620 ألف طالب/ة من حقهم بالتعليم المدرسي للعام الدراسي.
ألوان من الألم وأحلام مؤجلة
الطفل يزن (8 سنوات)، مدلل عائلته المكونة من أبيه وأمه وأخته، والذين رحلوا جميعاً في قصف استهدف منزلهم في منتصف يوليو من العام الجاري 2024، وسط قطاع غزة، بينما بقي وحيداً يحمل وصف “الناجي الوحيد” من تلك المجزرة المروعة.
سبق فقدان يزن لعائلته فقدانه لمدرسته التي كان يخطو فيها أولى خطواته ملتحقاً بالصف الأول الابتدائي، ففقد عامه الدراسي الأول بأكمله، وبعدها فقد عائلته كلها، وها هو يفقد اليوم عامه الدراسي الثاني توالياً، دون أن تتوقف الحرب التي سلبت منه حياته قبل أن تبدأ.
“يزن” ورغم ذكائه الملحوظ إلا أنه حتى اللحظة لا يعرف القراءة والكتابة، ويجهل الأعداد والأرقام، منضماً إلى قافلة طويلة من أطفال غزة الذين يعيشون أمية قسرية نتيجة فقدانهم لمدراسهم ومقاعدهم الدراسية نتيجة العدوان الذي لا يتوقف.
“يزن” يؤكد أنه يرغب أن يصبح معلماً مثل والدته الشهيدة التي يحبها كثيراً، والتي يأمل أن يلقاها في الجنة التي ذهبت إليها قريباً، ويقول: “أمي كانت تريدني أن أكون الأول على مدرستي، وأنا أتمنى أن تنتهي الحرب وتتوقف حتى أعود للمدرسة وأحقق أمنيتها”.
أما “محمود” (10 سنوات)، والذي فقد والده في قصف منزلهم، شأنه شأن أكثر من 17 ألف طفل في قطاع غزة فقدوا أحد الأبوين أو كليهما، لم يستطع حتى اللحظة تجاوز ألم الفقد، رغم محاولات المحيطين به تعويضه والاعتناء به.
ووفق عمه أبو ياسر، فإن محمود يعاني آثاراً نفسية قاسية، وعاني لشهور في أعقاب استشهاد والده من التبول اللاإرادي، والاستيقاظ فزعاً ليلاً، علاوة على انطوائه وعدم اختلاطه بأقرانه وهو المعروف عنه اجتماعياته الواسعة وقدرته على نسج العلاقات مع أقرانه بكل سهولة فيما مضى.
محمود، وفق حديثه، لديه أمنية واحدة، يعلم أنه لا يمكن تحقيقها، وهي أن يعود والده إلى الحياة، ويعبر عن شوقه له واحتياجه لتواجده بجوارهم في هذه الحرب التي طالت ولا تتوقف.
شعور الموت وتمنيه وكوارث أخرى
دراسة جديدة أجرتها منظمة غير حكومية مقرها غزة، برعاية تحالف “أطفال الحرب”، في يونيو 2024، كشفت أن 96% من الأطفال في غزة يشعرون بأن موتهم قريب، في حين أن نحو 50% منهم يتمنون الموت نتيجة للآثار النفسية الناتجة عن العدوان الصهيوني الوحشي المتواصل على القطاع للعام الثاني على التوالي.
ووفق الرئيسة التنفيذية لمنظمة “أطفال الحرب” في المملكة المتحدة “هيلين باتنسون” فإن الدراسة تكشف أن غزة تعد واحدة من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة للأطفال، مبينة أن الدمار النفسي الذي يعاني منه الأطفال جرح غير مرئي لكنه مدمر.
وكشفت الدراسة عن مجموعة من الأعراض النفسية الشديدة لدى الأطفال، مثل: الخوف، القلق، اضطرابات النوم، الكوابيس، قضم الأظافر، صعوبة التركيز، والانسحاب الاجتماعي.
والمتتبع لآراء أطباء وخبراء التغذية المتابعين لواقع الأطفال في غزة، يراهم يؤكدون بما لا يدع مجالاً للشك، أن الأطفال الذين ينجون من نقص التغذية والقصف المستمر والأمراض المعدية والصدمات النفسية، محكوم عليهم بمواجهة مشاكل صحية مدى الحياة.
ويرون أن سوء التغذية سيحرم الأطفال من تطوير أدمغتهم وأجسادهم بشكل كامل، ونتيجة لذلك سيكون العديد منهم أقصر وأضعف جسديا.
المنظمة الأممية للطفولة “يونيسف” قالت، إن الحرب على غزة تجعل الأطفال معزولين عن الرعاية النفسية والاجتماعية.
ولفتت إلى أنه قبل الحرب تم تحديد أن أكثر نصف مليون طفل في غزة بحاجة إلى دعم الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي، في حين أن كل طفل يتعرض اليوم لأحداث وصدمات مؤلمة للغاية، وإلى الدمار والتهجير على نطاق واسع، في الوقت نفسه، يتعرض أولياء الأمور والقائمون على الرعاية أنفسهم إلى ضغوط نفسية شديدة.
وترى “يونيسف” أن أطفال غزة عانوا من فظائع لا يمكن تصورها، وهم يستحقون وقفاً فورياً لإطلاق النار وفرصة لمستقبل يعمّه السلام، وفق تعبيرها.
*المركز الفلسطيني للإعلام

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه

???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
( عميد التَنوير ، نِحرِير النبوءاتِ العَتيقة )

في أعمق لحظاتي مع نفسي صدقاً ، لا أراني أعظَمُ مَيلاً للحديث عن الشخصيات، إن تكرَّمَت وأسعفَتني الذاكرة ، فقد كتبتُ قبل عن فيلسوفِ الغناء مصطفى سيد أحمد ، والموسيقار الكابلي ، والمشير البشير ، وشاعر افريقيا الثائر ؛ الفيتوري .

لا أجدُني مضطراً لمدح الرّجال ، ولكنها إحدى لحظات الإنصاف ، ومن حسن أخلاق الرجال أن ينصفوا أعداءهم، دعك من أبناء جلدتهم ونبلائها ، والرجلُ ليس من قومنا فحسب، بل هو شريف قوم وخادمهم ، خطابه الجَسور يهبط حاملاً “خطاب” ابن يعمر الإيادي لقومه ، وخطبة درويش “الهندي الأحمر” ، و”بائية” أبي تمّام ، وتراجيديا الفيتوري في “التراب المقدّس” ..
عبد الرحمن ، لم يكن حالة مثقفٍ عادي ، “عمسيب” مثالٌ للمثقف العضوي قويّ الشَّكِيمَة ، العاملِ علَى المقاومة والتغيير والتحذير ، المحاربِ في ميادين التفاهة والتغييب والتخدير ، المتمرّد على طبقته ، رائد التنوير في قومه ، ظلّ يؤسس معرفياً وبأفقٍ عَالمٍ لنظرية اجتماعية ، نظرية ربما لم تُطرح في السوح الثقافية والاجتماعية من قبل ، أو لربما نوقشت على استحياء في همهمات أحاديث المدينة أو طُرحَت في ظلام الخرطوم عَهداً ثم غابت . هذا الرجل امتلك من الجسارة والثقافة العميقة بتفاصيل الأشياء وخباياها ، ما جعله يُقدم على تحطيم الأصنام السياسية والثوابت الاجتماعية وينفض الغبارَ عن المسكوت عنه في الثقافة والاجتماع والسياسة.

عمسيب قدم نظريةً للتحليل الاجتماعي والسياسي ، يمكن تسميتها بنظرية ( عوامل الاجتماع السياسي) أو نظرية ( النهر والبحر) في الحالة السودانية ، فحواها أن الاجتماع البشري يقوم على أسس راسخة وليس على أحداث عابرة . فالاجتماع البشري ظلّ منذ القدم حول ( القبيلة Tribe ) ثم ( القوم Nation ) ثم ( الوطن Home) ثم ( الدولة country) . هذا التسلسل ليس اجتماعيٌ فحسب، بل تاريخيٌ أيضاً ، أي أن مراحل التحَولات العظيمة في بِنية المجتمعات لا يصح أن تقفز فوق الحقب الاجتماعية ( حرق المراحل).. فالمجتمعات القَبَلية لا يمكنها انتاج (دولة) ما لم تتحول إلى (قومية) ، ثم تُنتج (وطن) الذي يسع عدد من القوميات ، ثم (دولة) التي تخضع لها هذه القوميات على الوطن ، مع تعاقد هذه القوميات اجتماعيا على مبادئَ مشتركة، وقيمٍ مضافة ، كالأمن والتبادل الاقتصادي وادارة الموارد ، والحريات الثقافية ونظام الحكم .

هذه النظرية تشير إلى أن الاجتماع السياسي في السودان ظل في مساره الطبيعي لمراحل التسلسل التاريخي للمجتمعات والكيانات ، إلى أن جاءت لحظة ( الاستعمار) Colonization . ما فعله الاستعمار حقيقة ، أنه وبدون وعي كامل منه ، حرق هذه المراحل – قسراً – وحوّل مجتمعات ما قبل الدولة ( مجتمعات ما قبل رأسمالية) إلى مجتمعات تخضع للدولة.

فالمجتمعات التي كانت في مرحلة ( القبيلة) او تلكَ في مرحلة( القومية) قام بتحطيم بنيتها وتمحوراتها الطبيعيه وتحويلها إلى النموذج الرأسمالي الغربي ، خضوع قسري لمؤسسات الدولة الحديثة، مجتمع ما بعد استعماري ، تفتيت لمفاهيم الولاءات القديمة الراسخة ، بل وتغييرها إلى نظم شبه ديموقراطية، وهذا بالطبع لم يفلح، فبعد أن حطّم المستعمر ممالك الشايقية ودولة سنار ومشيخات العرب بكردفان ومملكة الفور ، وضم كل ذلك النسق الاجتماعي ( القبلي / القومي) إلى نسق الوطن/ الدولة.. أنتج ذلك نخب وجماعات سياسية ( ما بعد كولونيالية ) تعيش داخل الدولة ، لكنها تدير الدولة باللاوعي الجمعي المتشبّع بالأنساق التقليدية ( القبيلة / الطائفة / القومية) ، أي مراحل ماقبل الوطن والدولة.

ما نتج عن كل هذه العواصف السياسية والاجتماعية ، والاضطرابات الثقافية، أن هذه المجتمعات والقوميات التي وجدت نفسها فجأة مع بعضها في نسق جديد غير معتاد يسمى ( الدولة) ، وأقصدة بعبارة ( وجدت نفسها فجأة) أي أن هذا الاجتماعي البشري في الاطار السياسي لم يتأتَ عبر التمرحلات الطبيعيه الانسانية المتدرجة للمجتمعات، لذا برزت العوامل النفسية والتباينات الثقافية الحادة ، الشيئ الذي جعل الحرب تبدأ في السودان بتمرد 1955 حتى قبل اعلان استقلاله . ذات الحرب وعواملها الموضوعيه ومآلاتها هي ذات الحرب التي انطلقت في 2002 ثم الحرب الأعظم في تاريخنا 2023 .

أمر آخر شديد الأهمية، أن دكتور عبد الرحمن ألقى حجرا في بركة ساكنة، وطرق أمراً من المسكوت عنه ، وهو ظاهرة الهجرات الواسعة لقوميات وسط وغرب افريقيا عبر السبعين عاما الماضية ( على الأقل) , فظاهرة اللجوء والهجرات الكبيرة لقبائل كاملة من مواطنها لأسباب التصحر وموجات الجفاف التي ضربت السهل الافريقي، ألقت بملايين البشر داخل جغرافيا السودان، مما يعني بالضرورة المزيد من المنافسة العنيفة على الأرض والموارد وبالتالي اشتداد الحروب والصراعات بالغة العنف، وانتقال هذا التهديد الاستراتيجي إلى مناطق ومجتمعات وسط وشمال السودان ( السودان النّهري)

اذن ، سادتي ، فنظرية (الاجتماع السياسي ، جدلية الهوية والتاريخ ) هذه تؤسس لطرائق موضوعيه ( غير منحازة) لتفسير الظواهر الاجتماعية والثقافية وجدليات الحرب والسلام ، وتوضّح أسباب ظاهرة تعدد الجيوش والميليشيات القبلية والمناطقية والخطابات المؤسسة ديموغرافياً ، وما ينسجم معها من تراكمات تاريخيه وتصدّعات اجتماعية عميقة في وجدان تلك الجماعات العازية .. التوصيات البديهية لهذا الخطاب ، أن الحلّ الجذري لإشكاليات الصراع في السودان هو بحلّ جذور أزمة الهوية، والهوية نفسها لم تكن ( أزمة) قبل لحظة الاستعمار الأولى ، بالتالي تأسيس كيانات جديدة حقيقية تعبّر عن هويات أصحابها والعقد الاجتماعي المنعقد بين مجتمعاتها وقومياتها .

النظرية التي أطلق تأسيسها دكتور عبد الرحمن، لم تطرح فقط الأسئلة الحرجة ، بل قدمت الإجابات الجسورة وطرقت بجراءة الأبواب المرعبة في سوح الثقافة والاجتماع والسياسة في السودان.

Mujtabā Lāzim

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • ???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
  • 3 ركائز مستدامة للتعليم المبكر في الإمارات
  • بيت الحكمة ونهضة مصر يصلان للقائمة الطويلة لجائزة الملتقى لأفضل كتاب للطفل لعام 2025
  • قصة الطفلة وسام.. رمز لأمل يتحدى النزوح ويعيد الحياة إلى مدارس السودان
  • قصة الطفلة وسام – رمز لأمل يتحدى النزوح ويعيد الحياة إلى مدارس السودان
  • برلمانيون: الإمارات نجحت في بناء منظومة نوعية متكاملة لرعاية الطفولة
  • معاناة رعاة الإبل في مأرب اليمنية بين النزوح والموت بالألغام
  • مكتب نتنياهو يتهم حماس بممارسة الحرب النفسية بشأن الرهائن
  • بعد 15 شهرا من الحرب في غزة.. الأطفال الفلسطينيون يعودون إلى المدارس
  • وزير الكهرباء المهندس عمر شقروق لـ سانا: ستؤدي هذه المساهمة إلى توليد 400 ميغاواط إضافية من الكهرباء، ما يؤدي إلى تحسين التغذية الكهربائية وزيادتها بمعدل ساعتين إلى 4 ساعات يومياً، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الحياة اليومية للمواطنين ودعم القطاعات الحيو