هل حان وقت التحالف بين مصر وإيران؟
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
ظلت مصر وإيران غالبا في حالة عداء، تجلى هذا في عدد من المواقف، من أشهرها تكفير ابن تيمية لحاكم الدولة الإلخانية في إيران محمود غازان، وتحالف المماليك والعثمانيين ضد الفرس في معركة قلديران، وحديثا تسمية أحد أكبر شوارع طهران باسم خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات، ومنذ عقود لا يوجد تمثيل دبلوماسي مباشر بين مصر وإيران.
لكن هل يتغير هذا الوضع مع التطورات الأخيرة؟ لنحاول النظر للموقف العسكري من زاوية مختلفة.
منذ إعلان تأسيس الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 اعتبرت مصر أن الجيش السوري هو جيش مصر الأول، أما الجيشان المصريان فسُميا بالجيش الثاني والجيش الثالث، ولا زالت هذه الأسماء تستعمل حتى الآن رغم تفكك الجمهورية العربية المتحدة. ولعل هذا ما يفسر موقف الجيش المصري العنيف من الرئيس د. محمد مرسي حين أعلن تأييده للثورة على بشار، فمثل هذا في المفهوم الاستراتيجي المصري ينظر له كحرب داخلية، فجيوش مصر وسوريا لا يُسمح لها أن تقاتل ضد بعضها، ثقافة الشعبين والعقيدة العسكرية للجيشين لا تسمح بهذا.
بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، أعلنت الحكومة المصرية عدم الاعتراف بالوضع الراهن في سوريا، ولم تتعامل مع النظام الجديد، وهو تصرف طبيعي لارتباط الجيشين ببعضهما، ولكراهية النظام المصري الشديدة للتوجهات الإسلامية في مجال السياسة عموما، خاصة إن كانت مسلحة كما هو حال هيئة تحرير الشام.
لكن الوضع صار أكثر تعقيدا، الرئيس الأمريكي أعلن في حملته الانتخابية تأييده لتوسعة حدود الكيان، وهو ما يعني بالضرورة ضم الضفة الغربية وقطاع غزة لأراضي الكيان وعدم اعتبارها أراض محتلة، مما سينعكس على السكان الموجودين هناك ويسمح للكيان بطردهم، أهل غزة لمصر وأهل الضفة للأردن.
وبالطبع، هذه الخطوة مرفوضة تماما في كل من مصر والأردن، اللذان لا تقبل شعوبهما أو حكوماتهما تكرار نكبة عام 1948 مرة أخرى، خاصة بعد كل الدم الفلسطيني الذي سال في معركة طوفان الأقصى.
لكن هناك عاملا أهم يمنع حدوث هذا الإجراء الإجرامي، وهو محور المقاومة.
لقد تعرض المحور لضربة شديدة بسقوط نظام بشار الأسد، وانقطع لأول مرة منذ عقدين خط الإمداد بين إيران وحزب الله، والذي يتم منه بصورة ما تهريب السلاح الإيراني لحركة حماس، كما هو متداول. لكن مع هذا، فوجود قيادة إيرانية قوية ممثلة في المرشد آية الله الخامنئي، يمنع الكيان من اتخاذ الإجراءات المطلوبة لتحقيق حلم نتنياهو الكبير في فرض سيطرته على كامل أراضي الضفة وغزة. لا بد إذن من التخلص من إيران أولا.
في نفس الوقت، تنظر مصر والأردن لما يحدث برعب، فلأول مرة منذ عقود تجد مصر نفسها في مواجهة عسكرية مع الكيان، صحيح أن الكيان لم يهاجم الأراضي المصرية (بعد)، لكن طرد الفلسطينيين من غزة بعد كل ما حدث لهم من مذابح وجرائم إجراء لن يقف له المصريون مكتوفي الأيدي، فمصر لا تريد وجود حركات مسلحة في سيناء، وبالطبع لا تريد سيطرة عسكرية للكيان على سيناء، والحكومة العسكرية في مصر شرعيتها الأساسية في انتصار حرب رمضان على الكيان، هذا الميزان الدقيق لا يمكن أن تغامر الحكومة المصرية باللعب فيه وإلا فإن الثمن سيكون فادحا.
من الواضح الآن أن الكيان قد استنفد حاجته من حكم الرئيس السيسي الذي أدت سياساته لإضعاف مصر اقتصاديا بشكل كبير، ورغم أن وجود حكم إسلامي في سوريا ليس في صالح الكيان، إلا أن حالة الفوضى التي وقعت بعد سقوط نظام بشار الأسد قد أخرجت سوريا من المواجهة لسنوات قادمة، ولعل الكيان يريد ثورة كهذه ضد نظام السيسي، يسقط بعدها ويفقد الجيش السيطرة، وحينها لن يكون هناك أي حاجز يقف أمام طرد الفلسطينيين من غزة لسيناء وتكرار النكبة.
وفي ظل ضيق الخيارات المتاحة، فإن تصاعد حالة العداء بين مصر والكيان يدفع مصر بوضوح في اتجاه إيران، والحلف الروسي الصيني. السبب؟ طالما بقيت إيران قوية، فطرد الفلسطينيين من غزة من الصعب حدوثه.
لكن كيف يمكن لمصر مساعدة إيران دون استفزاز ولي الأمر الأمريكي؟ هذا هو سؤال المليون الذي لا يعرف أحد إجابته حتى الآن، لكن لو وجد الجيش المصري أن الحماية الأمريكية عنه قد تمت التضحية بها لإرضاء اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة، وهو أمر وارد جدا في ظل سيطرة الجناح الصهيوني المتشدد في الحزب الجمهوري على الإدارة القادمة بعد أيام، فإن تصاعد النبرة العدائية تجاه مصر على لسان عدد من المسؤولين الصهاينة مؤخرا في ظل استمرار الاحتكاك بسبب وجود قوات صهيونية في محور فيلادلفيا، قد يدفع بمصر للمعسكر الإيراني، فلن يوجد حينها حليف سواه.
ولو حدث هذا، وهو أمر ذو احتمالية غير قليلة، فإن الخريطة السياسية للشرق الأوسط قد تشهد زلزالا عنيفا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات مصر إيران غزة الفلسطيني الصهيوني إيران مصر فلسطين غزة صهيوني مدونات مدونات سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
لماذا.. معظم العالم الغربى يساند الكيان الصهيونى
عندما نشاهد الدعم المطلق من أمريكا ومعظم الدول الغربية لدولة الكيان الصهيوني، يجب أن نتساءل، ما هى طبيعة العلاقة بين العالم الغربى والكيان الصهيونى؟.
فى البداية سنسرد تاريخ نشأة هذه العلاقة، من مقتطفات من مقالة الكاتب الصحفى «وائل الهرش»، «لماذا تدعم الدول الغربية إسرائيل ؟» فى بوابة الأخبار لشبكة الميادين، فى ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣: كانت قمة الصراع المسيحى اليهودى فى أوروبا فى عام ١٢٩٠، اذ أصدر ملك إنجلترا «إدوارد الأول»، مرسوماً يفرض بموجبه على يهود إنجلترا، الدخول فى الدين المسيحى أو الرحيل النهائى عن أراضى المملكة، وتبعه فى ذلك ملك فرنسا «فيليب الأول» فى عام ١٣٠٦، وهذا يعكس كره الأوروبيين المسيحيين لليهود، مما أدى باليهود إلى اعتناق المسيحية ظاهرياً والبقاء على يهوديتهم باطنياً، واستمر هذا الوضع إلى أن تمكن اليهود من تأسيس حركة دينية، ظاهرها مسيحى وباطنها يهودى، تطالب بإصلاح الكنيسة والحد من سيطرتها على مفاصل المجتمع، وعرفت هذه الحركة بطائفة «البروتستانت» وتعنى المحتجين باللاتينية، لم يجد البروتستانت مجالاً حيوياً لهم فى أوروبا بسبب قلة عددهم ورفض الكاثوليك لهم، فوجدوا مهرباً لهم الى الأرض المكتشفة حديثاً والتى سميت أمريكا، والتى اكتشفت عام ١٤٩٢، فبدأوا بالهجرة اليها. ويشكل البروتستانت الآن الغالبية من مسيحيى أمريكا، ولذلك يطلق على الأمريكى التقليدى كلمة «واسب»، اختصارا لـ«وايت أنجلو ساكسون بروتستانت»، أبيض البشرة إنجليزى من أصل جرمانى وبروتستانتى الديانة، ويظهر البروتستانت التصالح اليهودى المسيحى، والآن فى الكنائس يدعون لإسرائيل، ويجمعون التبرعات لدولة الكيان، ويفرضون على الحكومة الأمريكية مساندة إسرائيل، وهذا التيار فى أمريكا يسمى باليمين المتطرف وكذلك بالصهيونية المسيحية، ويشكل أكثر من ١٥٠ مليون أمريكى منخرطون فى هذا التيار، والمعبر السياسى عنهم هو «الحزب الجمهوري» كمكون سياسى أول، أما المكون الثانى وهو «الحزب الديمقراطى»، والذى انشق عام ١٨٢٨ عن الحزب الجمهورى الديمقراطي، الذى أنشأ بعد الاستقلال فى عام ١٧٧٦، وبهذا انفصل الماسونيون عن المسيحيين الصهاينة. ويعتبر الحزب الديمقراطى أحد إفرازات الحركة الماسونية والتى تشكلت فى أوروبا عام ١٦١٦، وهذه الحركة تعتبر نفسها قائدة للعالم، وتدعو إلى إعادة ترسيم العالم على قياساتها، وتتخذ شعاراً لها المنقلة والزاوية وكلمة ماسونية، التى تعنى «البناؤون»، أى إعادة بناء العالم وقيادته وتطويعه لمصالحهم. هذه الحركة علمانية لا تؤمن بدين وذات عقيدة استعمارية، قاد المسيحيون الصهاينة «البروتستانت» مع الحركة الماسونية، مخاض الاستقلال الأمريكى عن بريطانيا عام ١٧٧٦، وتم تأسيس دستور علماني، ينتهج مبدأ التوسع الاستعمارى، فبدأ بخمسة عشر ولاية وانتهى بخمسين.
يجب أن يدرك العالم الإسلامى والعربى أن «الحزب الجمهورى» يرى وجود إسرائيل ودعمها وتفوقها وبقائها، شرطاً دينياً لعودة المسيح، وأن «الحزب الديمقراطى» يرى وجود إسرائيل ودعمها وتفوقها وبقائها، شرطاً إستعمارياً للتمدد والهيمنة الأمريكية، وفرض العولمة على شعوب العالم، والسيطرة على منابع النفط، وثروات المنطقة وطرق التجارة الدولية، فضلا أن هذين الحزبين بالرغم من الخلاف الظاهر بينهما، كل منهما عدو للأمة العربية، وداعم رئيسى للمشروع الصهيونى، وهو وجود دولة إسرائيل فى الوطن العربي، لأنه قائم على تبادل المنافع فى حماية المصالح الغربية، والاعتماد عليها للقيام بحروب الوكالة فى بعض الأحيان، ضد من يهددون مصالح الغرب فى الوطن العربى والشرق الأوسط وأولهم العرب. وأقتبس هنا مقولة د. مصطفى الفقى، المفكر الكبير والسياسى البارز، «من الوهم أن نتصور أن يأتى رئيس أمريكى ينحاز إلى العرب أو يكون عادلاً وداعما لهم».
وفى النهاية، ما أسباب هذا القدر من القوة التى تمتلكها دولة إسرائيل، على العالم الغربى وخصوصاً أمريكا ؟، وإجابة هذا السؤال فى تقرير نشره الإعلامى الأمريكى «ريان داوسون»، فى إحدى منصات التواصل الاجتماعى فى ٣٠ يناير ٢٠٢٤، نقلا عن مدونته «ليبرتي»، ذكر الأسباب الأتية:
أولا: الرشوة.. تقوم لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (ايباك)، برشوة أعضاء الكونجرس لتنفيذ أوامر إسرائيل، ومطلبهم الأول ودائما إرسال المزيد من الأموال والسلاح، وإذا خرج أحد أعضاء الكونجرس عن الخط، فسوف يتم تمويل خصمه فى الانتخابات المقبلة، نسبة ٩٥ % من المرشحين المعتمدين من قبل «ايباك» مؤكد فوزهم.
ثانياً: الابتزاز.. تعمل شبكة من اليهود الأثرياء، بمثابة العمود الفقرى المالى لبناء عمليات ابتزاز ضخمة، وكلهم من اليهود الصهاينة وعلى صلة وثيقة بمسئولى الدولة الإسرائيلية، وبمجرد أن يتم اختراق شخص ما، وهو لا يوافق على الرشوة، فيتم التعامل معه من خلال الابتزاز.
ثالثاً: وسائل الإعلام.. اليهود الصهاينة هم الطبقة المالكة لوسائل الإعلام فى العالم، وهم يقومون بتشويه الأصوات المعارضة، أو تدمير سمعتهم، أو إدخالهم السجون، فهم لا يقومون فقط بتصفية الأخبار التى يسمعها الجميع، بل يقومون علنا بتشويه ومراقبة أى شخص لا يتفق معهم، لم يكن من الممكن أن تكون هناك حرب فى العراق أو سوريا، أو اليمن، أو التطهير العرقى والإبادة الجماعية فى فلسطين، دون السيطرة الكاملة على السرد فى وسائل الإعلام الأمريكية.
وأخيراً، أود أن أقتبس مقولة الرئيس الأمريكى «جو بايدن»: «لو لم تكن هناك إسرائيل فى الوجود، لعملنا على إقامتها».
محافظ المنوفية الأسبق