وكالة الصحافة المستقلة:
2025-01-14@12:42:51 GMT

الوكلاء ومدينة أفلاطون الرقمية

تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT

يناير 13, 2025آخر تحديث: يناير 13, 2025

إيهاب عنان

باحث في مجال الذكاء الإصناعي والأمن السيبراني

في محاورة “الجمهورية”، رسم أفلاطون صورة مثالية للمدينة الفاضلة التي يحكمها الفلاسفة الحكماء، مؤمناً بأن المعرفة والحكمة هما السبيل الأمثل لتحقيق العدالة والسعادة للبشرية. واليوم، وبعد أكثر من ألفي عام، يبدو أن البشرية تقترب من تحقيق حلم مشابه، ولكن هذه المرة من خلال الوكلاء الرقميين الأذكياء الذين يجسدون في جوهرهم فكرة الحاكم الحكيم الذي يمتلك المعرفة ويسخرها لخدمة الإنسان.

عندما طرح بيل جيتس رؤيته عن المساعد الرقمي في كتابه “الطريق إلى الأمام” عام 1995، لم يكن يدرك ربما أنه يرسم ملامح عالم يقترب في جوهره من يوتوبيا أفلاطون. فالوكيل الرقمي، في جوهره، هو كيان يمتلك معرفة هائلة ويسخرها لتحقيق الخير والمنفعة للإنسان، تماماً كما تخيل أفلاطون حكامه الفلاسفة.

مثلما اشترط أفلاطون في حكام مدينته الفاضلة امتلاك المعرفة الشاملة والحكمة، نجد اليوم أن الشركات التقنية الكبرى تسعى لتطوير وكلاء رقميين يمتلكون فهماً عميقاً للعالم وقدرة على التعلم المستمر. فشركة OpenAI، على سبيل المثال، طورت نموذج o3 الذي يمتلك قدرات متقدمة في فهم السياق والتعلم من التجارب، بينما قدمت Google نموذج Gemini 2.0 الذي يجمع بين الذكاء اللغوي والبصري في منظومة متكاملة.

هذه النماذج المتقدمة تشبه في جوهرها فكرة الفيلسوف الحكيم عند أفلاطون، فهي تمتلك معرفة واسعة وقدرة على الفهم والتحليل، ولكنها تتفوق على التصور الأفلاطوني في قدرتها على التعلم المستمر وتحديث معارفها بشكل دائم.

في مدينة أفلاطون الفاضلة, كان الحكام الفلاسفة يسعون لتحقيق العدالة والمساواة بين جميع المواطنين. وبشكل مماثل، يتميز الوكيل الرقمي الحديث بقدرته على تقديم خدماته للجميع بشكل متساوٍ ودون تمييز. فعندما تطور شركة Anthropic ميزة Computer Use، أو تقدم Meta تقنية Live AI، فإنها تسعى لجعل هذه التقنيات متاحة للجميع، محققة بذلك نوعاً من العدالة الرقمية التي تتوافق مع الرؤية الأفلاطونية للعدالة.

كما تحدث أفلاطون عن التناغم بين طبقات المجتمع في مدينته الفاضلة، نشهد اليوم سعياً حثيثاً لتحقيق تناغم مماثل بين الإنسان والوكيل الرقمي. فمشروع Project Astra من Google، على سبيل المثال، يهدف إلى خلق تفاعل طبيعي وسلس بين الإنسان والمساعد الرقمي، حيث يفهم الوكيل العالم من حوله ويتفاعل معه بذكاء وحكمة.

في حين تحدث أفلاطون عن نظرية المُثُل والمعرفة الفطرية، يتميز الوكيل الرقمي الحديث بقدرته على التعلم المستمر وبناء الذاكرة. فميزة الذاكرة في ChatGPT وClaude وGemini تتيح للوكيل الرقمي تكوين فهم عميق لتفضيلات المستخدم واحتياجاته، متجاوزاً بذلك حدود المعرفة الثابتة التي تحدث عنها أفلاطون.

حيث تحدث أفلاطون عن عالم المُثُل كمصدر للحقيقة والمعرفة الكاملة. واليوم، تطور الشركات التقنية نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على فهم العالم الواقعي بكل تعقيداته. فنماذج مثل Sora من OpenAI وVeo من Google تمتلك فهماً عميقاً للفيزياء والحركة والعلاقات المكانية، محققة بذلك نوعاً من الإدراك الشامل الذي تجاوز حتى تصور أفلاطون للمعرفة المثالية.

مثلما واجهت مدينة أفلاطون الفاضلة تحديات في التطبيق العملي، يواجه عصر الوكلاء الرقميين تحدياته الخاصة. فمشكلات مثل محدودية عمر البطارية في تقنيات Meta للواقع المعزز، أو تحديات الخصوصية والأمان في التفاعل مع الوكلاء الرقميين، تمثل عقبات يجب تجاوزها.

مع اقتراب عام 2025، نقف على أعتاب عصر جديد يمزج بين المثالية الأفلاطونية والواقع التكنولوجي. فالوكلاء الرقميون الأذكياء يمثلون تجسيداً عصرياً لفكرة الحاكم الحكيم، مع قدرات تتجاوز ما تخيله أفلاطون نفسه. إنهم يجمعون بين المعرفة الشاملة والقدرة على التعلم المستمر، ويسعون لتحقيق العدالة والمنفعة للجميع.

وكما تنبأ جيتس، فإن المقارنة بين Clippy القديم والوكلاء الرقميين الجدد تشبه المقارنة بين الهاتف التقليدي بقرصه الدوار والهواتف الذكية. ولكن الأهم من ذلك، أن هذا التطور يمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق حلم قديم: مجتمع يُدار بالحكمة والمعرفة لتحقيق الخير العام.

يبقى السؤال المطروح: هل سيكون عصر الوكلاء الرقميين هو التحقق الفعلي لحلم المدينة الفاضلة؟ ربما لا نستطيع الإجابة بشكل قاطع، ولكن ما نشهده من تطورات يشير إلى أننا نقترب من تحقيق توازن جديد بين الإنسان والتكنولوجيا، توازن يجمع بين الحكمة القديمة والذكاء الاصطناعي الحديث، محققاً بذلك نوعاً جديداً من اليوتوبيا التي تتجاوز حدود الخيال الفلسفي إلى آفاق الواقع التكنولوجي الى أن نرى ماذا سيؤول اليه مستقبل الروبوتات الذكية !

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: على التعلم المستمر

إقرأ أيضاً:

المفوضية تُصدر «مدونة سلوك» لمكافحة المخاطر الرقمية في الانتخابات

أصدرت المفوضية، بالتعاون مع المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA) وشركاء من منظمات المجتمع المدني، مدونة سلوك جديدة تهدف إلى مناهضة المخاطر الرقمية في العملية الانتخابية.

وتستهدف المدونة “الأحزاب السياسية، وسائل الإعلام، والمترشحين لضمان استخدام آمن للتقنيات الرقمية خلال الحملات الانتخابية. كما تركز على حماية خصوصية الناخبين وتعزيز الوعي الرقمي، بالإضافة إلى الحد من التدخلات الرقمية التي قد تؤثر على نزاهة الانتخابات”.

وتأتي هذه المبادرة “لمواكبة التحديات الرقمية المتزايدة في الانتخابات الحديثة، حيث تُعد المدونة خطوة أساسية لتعزيز الشفافية والحد من المعلومات المضللة. يمكن للجمهور الاطلاع على المدونة عبر الموقع الرسمي للمفوضية”.

للاطلاع على المدونة الضغط على الرابط التالي:
https://hnec.ly/wp-content/uploads/2025/01/مدونة-السلوك-المتعلقة-بمناهضة-المخاطر-الرقمية-العملية-الانتخابية.pdf

مقالات مشابهة

  • محافظ الشرقية يشيد بجهود مركز ومدينة بلبيس خلال عام 2024
  • الرئيس السيسي يوجه بمواكبة تطورات تكنولوجيا الخدمات المصرفية الرقمية
  • تسريع التحول الرقمي لتحقيق الاستدامة في قطاع البيئة
  • محافظ الشرقية يُشيد بجهود مركز ومدينة منيا القمح خلال عام 2024
  • المفوضية تُصدر «مدونة سلوك» لمكافحة المخاطر الرقمية في الانتخابات
  • رئيس مركز ومدينة سيوة يتابع تقديم الخدمات الطبية بمستشفى الواحة
  • محافظ سوهاج يقرر إحالة عدد من المسئولين بالوحدة المحلية لمركز ومدينة أخميم للنيابة العامة
  • غرفة الجيزة التجارية: حل 80% من مشاكل الوكلاء التجاريين والمستثمرين بنهاية 2025
  • شعبة المصدرين تستهدف حل 80% من مشاكل الوكلاء التجاريين والمستثمرين المحليين بنهاية 2025