البحث عن زمن القيم العليا في رواية (زمن الأرجوان)
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
يناير 13, 2025آخر تحديث: يناير 13, 2025
رنا صباح خليل
في بلدنا العراق منذ زمن ليس بالقليل لم يكن من الصعب تحسس الهوة السحيقة ما بين الواقع والصبوات، ولا يمكن للوجدان الفردي أن يتفتح إلا من خلال وعي المأساة الجماعية، ذلك الوعي الجمعي هو ما كرست مضامينه رواية (زمن الأرجوان) للروائي أمجد توفيق.
وبما أن الرواية هي أطوع الأنواع الأدبية للسرد بضمير الأنا، حتى وإن كانت تُروى بضمير الغائب؛ ذلك إن القانون المتحكم بها هو قانون الأنويّة، فإننا بالنتيجة ندرك أن شخصيات الرواية لا يمكن أن تدب فيها الروح ولا تكتسي حبرًا كلاميًا مقنعًا ولا تغدو مماثلةً للشخصيات الواقعية إلا إذا تفردت، وصارت كل واحدة منها أنا أو ذاتا.
بقعة ضوء على فكرة الرواية
تتلخص الفكرة العامة للرواية في إعطاء صورة عن جانب غير معلن تضافر لوأد ثورة تشرين التي قام بها الشباب العراقي في ساحة التحرير على مدى شهور من النضال والمقاومة طلباً لحقوقهم المسلوبة التي اختصروها بجملة (نريد وطن) وقد تبنّى الحراك الفعلي في تنشئة الأحداث وتغذية الروي بالوقائع أحد الشخصيات الرئيسة في الرواية وهو الصحفي والكاتب المعروف باسم آدم. بعد ان رفض كتابة مذكرات أحد الرؤوس السياسية الملوثة بإجهاض ثورة تشرين والملطخة بدماء الابرياء، فيتصاعد الصراع ويتبلور الحدث إلى ذروته؛ ليصلَ بنا إلى نتيجة حتمية محتكمة إلى زوال الطواغيت والساسة الفاسدين ولو على المستوى الفردي.
البعد النفسي وثنائية القلق والهدوء
إن الشخصيات التي تضمنتها الرواية (آدم، ميادة، سيف، حيدر) أسس لهم الروائي أبعاداً نفسيةً واجتماعيةً واضحة، تكاد تكون نتاج ثقافة مجتمع وبيئة سائدة، تتطلب وعيًا وتعبئةً فكريةً تغوصُ في عمقِ الجذور لدواخلِ كل شخصيةٍ بما يتفاعلُ وحجم المعاناة التي عاشها كلُ فردٍ في هذا البلد، كما أن أفعالها ارتبطت بموروثها القيمي المؤثَّر عليه بتلك السلوكيات القلقة التي كانت تستحوذ على الفعل السياسي المتحكم بهم والراسم لطريقه (مسعود الارجوان) بميلشياه وأعوانه، فكانت نتيجته واضحة من قبل آدم في مناهضته لها بغض النظر عمّا هو صحيح أو خاطئ في مجابهة أخطاره. ذلك أن الرد المجابه للأرجوان بوصفه عنصرًا مسببا لوأد الثورة، وعدم قبول آدم عرض كتابة المذكرات له كان واضحًا منه أنَّه يمتلك حسًا وطنيًّا ناقما على تزييف الحقائق وإلباسها ثوب الطهر بعد أن تسربلت بأثواب الرذيلة والمنافع الشخصية. وقد قدم الروائي موقفه من دون المبالغة في وصف الأحاسيس والآلام وتداعياتها بل قدمها بما يعطي الأثر المباشر للقارئ بضرورة أن يقول كلمته، بوصفه مثقفًا يمثل شريحة مجتمعية عليا، لا أن يظل صامتًا.
شكلت الأحداث بتعددها وتنوعها مع تعدد الشخصيات، ثنائية (القلق- الهدوء) وكانت تسير بصورة متوازية مع سير الأحداث، أن دفة القلق والاضطهاد وسلب الحقوق وإراقة الدماء وتكميم أفواه الأبرياء كان يمثلها مسعود الأرجوان بوصفه السياسي الذي قام بقتل الشاب سيف ذلك الثائر الذي لم يتقبل أن يبيع قضيته وقضية أقرانه له، والذي كشف جريمته الصحفي آدم عن طريق قرص سي دي وجده صدفةً بين أقراص تسلمها من الارجوان بغية الكتابة عن سيرته عندما أقنع نفسه عنوةً بالكتابة في بادئ الأمر، إذ وعده الارجوان بما يغير حياته ماديًا للأفضل ومن ثم انقلاب قناعته تلك إلى المجابهة والتحدي ورفض عروض الارجوان واتفاقاته معه، وهنا علينا إلفات الأذهان إلى ما قام به الروائي من تأسيس دقيق تناول فيه أصل الأرجوان ونشأته ومن هم أجداده وما هي بداياته التي تثبت دواخله الهجينة نحو اللصوصية وسلب الآخر، وتلك الأصول في حقيقة الأمر هي ما دعته ليقوم بتلميع صورتها في محاولة لأقناع الناس وإقناع عقله الباطن بجدارته لأن يكون سياسيًا وفي يديه زمام بلدٍ بأكمله عن طريق كتابة المذكرات حتى وإن كانت بالكذب والخداع، ولترسيخ ذلك قدم الروائي صورة لزاوج أب عراقي من أم فلسطينية وخلق مصاهرة نتجت عنها هذه الشخصية، وهو هنا لم يأت بأماكن افتراضية بل بتسميات عربية لبلدين عربيين أي كان تأسيسه لمكانين واقعيين لهما المكانة المتميزة في الفكر الجمعي العربي وكان نتاجهما الارجوان ويبدو لي أن خياره ذلك كان يرمز في طياته لحالة ليست بالغريبة على أذهاننا عندما يكون الأب فاشلا وعاقًا لوالده فيهرب إلى بلدٍ آخر حاملا معه سلبياته واخفاقاته خاصة أن هذا البلد الآخر لم يكن وضعه يوما ما بحال افضل من بلده الأصيل فيتزوج بامرأة منه، وهذا لا يعني أن أي ارتباط من هذا النوع تكون نتائجه على هذه الشاكلة، وإنما أراد بث رسالة مفادها أن التنشئة الطيبة والبيئة الصحيحة تنتج ثمارًا طيبةً. والتنشئة الخاطئة والبيئة السيئة لا تطرح سوى السيء إنْ لم تمتلك إرادة حقيقية وأصيلة في توجهها، والتساؤل الذي يتجلى للوهلة الأولى هو لماذا هذا التأسيس لهكذا جذور وبهذه الصورة؟ والإجابة تقول: أن تؤسس هوية شخصية يعني أنك خالق، وفي عملية الخلق لابد أن تكون مبدعًا لا أن تكون تقليديًا، فالروائي استثمر قضية المصاهرة لرسم معالم معينة تخدم النص، ولم يذهب بعيدا بعمق التاريخ لبلدي الاب والام ولم يطرح حوادثهما الحقيقية بل اعتمد تاريخًا لعائلة كان قريباً وحديثاً يكاد لا يتجاوز عقود من الزمن ربما لم تبلغ القرن بعد.
أن الهيمنة المؤدلجة داخل المتن السردي ببنائها الواقعي ساعدت على فهم القارئ لما كان يشكل عامل شد وجذب لإخماد الثورة بروحها وبسريرتها ونزوعها الوجداني الذي لا يمثله سوى جمع من الشباب لا يتجاوز عقده الثاني كله كان يترنم بحب الوطن.
أما دفة الهدوء التي تستكمن ثنائية (القلق ـ الهدوء) كما قلنا فقد مثلته الشخصيات التي حاولت الحفاظ على نفسها من القلق والتشتت المحيط بها بالاستمتاع بحياتها حينا، وتمثل وجودها الطبيعي وذلك تبرزه طبيعة علاقة الحب بين آدم وميادة وخط سيرها الرومانسي حينا، وخطها الشائك حينا آخر، بسبب ما يتعرضان له من خطف وتلاعب بالأقدار من قبل الأرجوان وصولا إلى الخطبة والزواج، وقصة الحب تلك قام بناؤها الروائي على حدث تمثل برفض آدم إجراء لقاء متلفز مع الاعلامية ميادة التي تعمل في قناة تابعة للارجوان، الأمر الذي يتسبب بطردها من القناة غير أن ذلك الحدث تطور تصاعدياً بحيث كنا نرنو إليه، وهو ينمو لحظة بعد لحظة، وساعة بعد ساعة أمام أعيننا. لتكون الشخصيتان تتحدثان وتتحابان بينما الأمكنة والأزمنة، تتقاطع، وتتوازى، وتتواقف ما بين مكان حميمي وأجواء مشتهاة لكليهما في كفة، ونزوع اجباري لأماكن أخرى يتخللها التنكيل والقسوة والموت في كفة أخرى. وفي ذلك يتضح لنا أن الروائي يخلق شخصياته نتيجة ملاحظاته الدقيقة لنفسيات وأنماط سلوك الشخصيات الحية التي يراها، ويتعامل معها في حياته العادية، وهو قادر على أن يخلق شخصيات ذات ملامح فنية، خاصة تجعل الشخصية خالدة في ساحة الأدب العظيم؛ لأن شخصيات روايته يستطيع المتلقي معها أن يجاوز صفحات الروي، ويمكن له أن يتحدث عنها، كأنما هي كائنات بشرية عاشت معه، أن رحلة آدم الهادفة إلى النقاء (الانطلاق من الخيانة) التي كاد يوقع نفسه بها فيما اذا كتب المذكرات للأرجوان هي رمز لدرس كبير يقدمه لنا الروائي كتوضيح أو كشف لمكنونات الشخصية أو كمصارحة للذات التي كانت تعمل عملاً دقيقاً في محاسبة الشخصيات لأفعالها ومراجعة نفسها بين الحين والآخر وهي أشبه بمحاولة لبلوغ الطهر العراقي الاصيل الذي لا بد له من العبور بالبلد نحو السمو الذي يستحقه، وذلك نستشفه في الرواية بعدما نستشعر الفعل الكبير عندما يوقع آدم بمساعدة ميادة بالأرجوان وتفتضح جرائمه .
رمزية الكلب الاعمى في الرواية
إن الكاتب المبدع دائما ما يفتش في الطبيعة المحيطة به؛ ليجدَ ما يساعده على التعبير، فيكتشف رموزًا فاعلةً لم يفطن لها أحدٌ من ذي قبل، وذلك بحسب فطنته وقدرته الفنية. وتجدر الاشارة إلى أن التفتيش عن هذه الرموز لا يعني خواء لغته السردية أو نضوب أفكاره الروائية إنما هذه الرموز تنقل الروي من المباشرية والسطحية إلى فضاءات جديدة مفعمة بإيحاءات خصبة، ورؤى فلسفية جديرة بالتأمل. لذلك عمل الروائي أمجد توفيق على خلق علاقة صداقة روحية ما بين الثائر سيف وكلب أعمى استطاع إنقاذه من أيدي الاطفال وجلبه إلى المخيم الذي ضم شباب ثورة تشرين، وما قام به الروائي هنا هو نقل الكلب برمزيته من دون تجريده من صفته الحسية حين جعله رمزًا للوطن، أي أنه حوله من مستواه الحسي المعروف إلى مستوى آخر، ولابد من الاشارة إلى أن الحسية في الرمز لا تتنافى مع الإيحائية فيه (1). ولذلك فإن إيحائية استنطاق فعل الكلب في خدمة ثيمة الوطن جاءت مجازًا ينتج عنه حقيقة الأثر الجمالي الذي يمكن أن يصنعه مخلوقٌ هو في الأساس من مكونات الطبيعة، لكنه استطاع أن يحرك الذات المبدعة للروائي ليجعله الجليس الأهم لشخصية سيف والمتحدث معه بأدق التفاصيل وحيثيات الحراك النضالي لرفاقه وهذا ما نقله الشاعر حيدر صديق سيف إلى آدم بعد مقتله، بل جعله على قدر من الشعور والاحساس حتى أنه أحس بالخطر ولحق خاطفي سيف وظل في نباحه المستمر ورائهم إلى أن تحول النباح إلى أنين ووصل ذروته عندما بكى ومن ثم مات الكلب بعدما مات صاحبه سيف. فالوطن يموت بموت أبنائه، خاصة أن الوطن بحالته تلك كان جريحا ومنتهكا وقد مثل العمى للكلب ذلك الجرح والانتهاك، وفي ذلك اثبات بأن التخييل الذي يرافق الرمز لا ينبغي له أن يكون سائباً من الكينونة الواقعية وهذا ما يؤكده “أدورنو” حيث يرى أن الانفلات المطلق من الكينونة الواقعية لن يؤدي إلا إلى تذييل مجاني رخيص ومحدود القيمة(2) .
إن استثمار الرمز جاء بمستويات عدة، منها أن الروائي فطن إلى ما يوحيه الجانب الديني من إرث تلقيني في اذهان الناس من دون الرجوع إلى إحكام العقل وإدراك دستورية الحلال والحرام فيه عندما استهجن سيف دخول أحد الأشخاص إلى المخيم الذي فيه سيف والكلب ورفض أن يصلي في مكان فيه هذا المخلوق استصغارا له وتطيرا من نظافته، وبذلك نجح الروائي بابتداع الآلية اللازمة الفاعلة لاختراق شعور المُتلقي، والتَّغلغل في أفكاره، فلم يكن سيف ينظر إلى الكلب بصفته الحيوانية، بل كان يمنحه مكانة تعلو على مكانة الاشخاص الثائرين معه، ذلك أن ثورتهم كانت لأجل استرداد الحقوق في وطن مسلوب بينما مثل الكلب في قلب سيف ووجدانه الوطن برمته ولذلك لم يكن يبتعد عنه ولا ينشغل بالحديث مع غيره، وبذلك عمل الرمز على جلب ادوات فنية ذات أهمية كبرى في صياغة الصور الجديدة والمعاني المُتجددة، وهي في الوقت نفسه نمط أسلوبي بارز، من خلاله يفهم المُتلقي ما يُراد، وبتحليلها وتأويلها تتكشف دلالات لم تكن بيّنة أو ضمنية، ولهذا المقصد كان اعتماد الروائي على الرمز ليقدِّم مفاتيح الحلِّ لمقاصده.
الهوامش:
1 ـ ينظر: سعد الدين كليب، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق، سوريا، ط2، 1997، ص36 .
2 ـ ينظر المرجع نفسه 36 .
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
المقيمون في سلطنة عمان: سلطنة عمان تحفظ القيم الاجتماعية وتعزز التنمية المستدامة
يمتد تاريخ عمان وعلاقاتها الدولية إلى عصور قديمة صنعت خلالها نموذجًا يحتذى به من خلال التعاون الدولي، واحتضان الثقافات المتنوعة. ويقطن سلطنة عمان مقيمون من دول العالم يتعايشون في سعادة وحب مع الشعب العماني الذي استطاع أن يحبب الشعوب بتراثه وثقافته، وتماسك مجتمعه، فضلا عن اعتزازه بتقاليده العريقة، محققًا التوازن بين التقدم والتراث، بالالتزام بالقيم الاجتماعية التي تعكس عمق الروابط العمانية، وتعزز من قوة النسيج الاجتماعي بين المواطن العماني والوافد المقيم، ناهيك عن العلاقة الإيجابية بين العمانيين والمقيمين، المبنية على الاحترام المتبادل، التي تعزز من روح التعاون وتسهم في خلق بيئة آمنة ومستقرة.
وتتميز الطبيعة العمانية بمناخ متنوع، بسواحلها الخلابة وجبالها الشامخة كمعالم طبيعية تجذب الزوار والمقيمين على حد سواء. فكان التنوع الجغرافي مرآة تعكس جمال الطبيعة العمانية ويعزز من مكانتها كوجهة يفضلها الناس للاستقرار. ومن هذا المنطلق تسعى الحكومة العمانية لتحقيق التنمية المستدامة بالتقدم الاقتصادي، دون المساس بالموارد الطبيعية، مما يعكس رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق رفاهية المجتمع بكافة شرائحه.
في هذا الاستطلاع تتوقف (عمان) لتستمع إلى مشاعر الود التي يحملها المقيمون في سلطنة عمان، ليسردوا حكاية وجودهم، وما لمسوه أثناء إقامتهم إلى جانب الشعب العماني...
يرى سعادة بييرلويجي ديليا، سفير إيطاليا المعتمد لدى سلطنة عُمان أن سلطنة عمان خلال الأعوام الخمسة الماضية، حظيت بإنجازات تقدمية ومتواصلة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد قاد جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- سلطنة عُمان إلى نهضة متجددة بأداء رفيع المستوى في قطاعات رئيسة مثل الاقتصاد وتنويعه والتعليم والرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية. كما لعبت قيادته الثاقبة دورًا فعالاً في وضع الإطار الاستراتيجي لـ«رؤية عُمان 2040»، وهي خريطة طريق مصممة لضمان التنمية المستدامة والمرونة الاقتصادية والرفاهة الاجتماعية للأجيال القادمة.
خلال هذه الأوقات، كانت هناك العديد من التحديات التي تعاملت معها الحكومة العمانية بإجراءات حازمة وإصلاحات وأظهرت التدابير الحاسمة التي اتخذها جلالته خلال الفترات الحرجة، مثل جائحة كوفيد-19، والتزامه بحماية الصحة العامة مع ضمان الاستقرار الاقتصادي. وقد عززت الدروس المستفادة خلال أصعب اللحظات الماضية من عزم سلطنة عُمان على تحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040» مما مهّد الطريق لمشاريع تحويلية في مجال الطاقة المتجددة والبنية الأساسية الرقمية ومشاركة القطاع الخاص.
وأضاف السفير الإيطالي بأن الأجندة المحلية رافقها استقرار اجتماعي ونمو اقتصادي، وسياسة خارجية حكيمة من أجل جلب السلام والاستقرار إلى منطقة مزقتها الصراعات، كما عزز نهج جلالته المتوازن دور عُمان كوسيط إقليمي، واكتسب احترامًا عالميًا وعزز سمعة سلطنة عمان كمنارة للسلام والدبلوماسية. وفي هذا الإطار، تم تنمية علاقة متنامية بين عُمان وإيطاليا من قبل الطرفين. وقد قوبل تقدير الشعب العماني للثقافة والطعام وأسلوب الحياة الإيطالي بالمثل من قبل الإيطاليين الذين أصبحوا يزورون سلطنة عمان وأماكنها الجميلة كل عام بأعداد متزايدة، بفضل التطورات الأخيرة المتميزة في قطاع السياحة، وكانت عُمان وإيطاليا شريكين موثوقين في العديد من القطاعات بالتعاون الدولي، والاقتصادي والتجارة، والآثار والثقافة، وسيظل تعاوننا دائمًا مصدرًا لمواصلة السعي لتحقيق الأهداف الطموحة للنمو والمزيد من التنمية لأمتينا.
«محظوظ لأني شاهدت التحول»
يقول «كلايف جراسي» مصور فوتوغرافي إيرلندي ويعمل في «بيت مزنة» عن خطوته في الأولى عمان: «منذ أكثر من 35 عامًا، رأيت إعلانًا في صحيفة بريطانية يطلب معلمين للغة الإنجليزية للعمل في المدارس مابعد الأساسي الحكومية في سلطنة عُمان. كان سؤالي الأول: أين تقع عُمان؟ قمت ببعض الأبحاث في المكتبة (لم يكن الإنترنت موجودًا في ذلك الوقت)، وأعجبت بما اكتشفته عن عُمان، وقدمت طلبًا للحصول على الوظيفة. تم قبولي وعرض عليّ عقد لمدة عامين، وبعد شهر استقللت طائرة إلى عُمان. ومنذ 35 عامًا، ما زلت هنا!»
وحول أكثر ما أثار انتباهه في عُمان قال: «كان أكثر ما أثار انتباهي في حياتي في عُمان هو الاحترام والتسامح الذي يظهره العمانيون لي ولغيري من الأجانب. نادرًا ما يتم دعوتك إلى منزل شخص غريب من أول لقاء في بلدان أخرى، بينما في عُمان يتم الترحيب بك بالطعام والمشروبات». وأضاف: «عندما جئت إلى عُمان لأول مرة، كانت السيارات قليلة والطرق أقل ازدحامًا، ولم يكن هناك مقاهٍ إلا في الفنادق الفاخرة. لكنني أعتبر نفسي محظوظًا لأنني شاهدت التحول من عُمان التقليدية إلى عُمان الحديثة. وتابع: «كيف يعامل العمانيون الأجانب؟ سأقدم مثالًا: في عامي الثاني في عُمان، واجهت مشكلة في إطارات سيارتي الثلاثة، فساعدني رجل عماني وأبناؤه بإصلاحها في وقت قياسي. أصبحت صديقًا مقربًا لتلك الأسرة منذ ذلك اليوم. خلال 35 عامًا من العيش هنا، لم أشعر أبدًا بالتهديد أو عدم الأمان، باستثناء مرة واحدة عندما تسلقت جبلًا في مسقط القديمة وحدي وواجهت مجموعة من الكلاب الضالة». وتابع: «نشأت في ريف أيرلندا محاطًا بالمباني القديمة، لذا كان توثيق الهندسة المعمارية التقليدية في عُمان بمثابة عودة إلى جذوري. أثق أن عُمان ستواصل التعامل مع التحديات العالمية والإقليمية بنفس الطريقة الحكيمة التي عهدناها. وأعتقد أنه مع استمرار تحديث البنية الأساسية، سيزداد الوعي بأهمية الحفاظ على التراث العماني الفريد.
تجربة غنية
وصف الباكستاني حافظ محمد شعيب نواز محاضر بكلية البيان العيش قائلا: «كانت تجربة غنية. جمالها الطبيعي، من سواحلها الخلابة إلى جبالها الشامخة، هو ما جذبني في البداية». وأضاف: «يتميز المجتمع العماني بتقاليده العريقة وروح المجتمع القوية. كما أن القيم العائلية واحترام كبار السن بارزة جدًا، وهذا ما يمكنه من تحقيق توازن رائع بين الحداثة والتراث». وتابع: «ما يعجبني أيضا هو التزام الحكومة بالتنمية المستدامة وحماية البيئة أثناء تحقيق التقدم الاقتصادي». وأشار إلى أن العلاقة بين العمانيين والمقيمين إيجابية جدا، مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون.
وقال: «عُمان واحدة من أكثر الدول أمانًا التي عشت فيها. معدل الجريمة فيها منخفض جدًا، مما يجعل الحياة اليومية مريحة وآمنة. أحب حسن الضيافة العمانية، مثل تقديم القهوة والتمر للضيوف. المهرجانات السنوية مثل «ليالي مسقط» و«مهرجان خريف صلالة» تقدم لمحات رائعة عن الثقافة العمانية. و«رؤية عُمان 2040» تعكس قدرة سلطنة عمان على التكيف مع التغيرات العالمية والتحديات الإقليمية. وأضاف: «أتوقع استمرار عُمان في مسار التنمية المستدامة والتنوع الاقتصادي، مع التركيز على مجالات مثل: الطاقة المتجددة والسياحة والتكنولوجيا».
اختيار عمان كان الأنسب
عبر الدكتور نعيم ثرايل من جمهورية الهند طبيب بمجمع الديوان الصحي عن حياته في عمان قائلا: «الحمد لله، أعتبر نفسي محظوظًا لفرصة العمل في عُمان. بعد 9 سنوات هنا، أؤكد أن اختياري لعُمان كان الأنسب». وأضاف: «ما يميز المجتمع العماني هو أخلاقه العالية وود أفراده، سواء كانوا كبارًا أم صغارًا. وأعتبر مستوى المعيشة ممتازا في عُمان، من حيث النظافة والأمان والتعليم والرعاية الصحية، وهذا يجعلها تتفوق على العديد من الدول المتقدمة. كما أن العمانيين يتميزون بالضيافة وقبول الثقافات الأخرى دون تحيز. حتى الطعام العماني يعكس التأثيرات الثقافية المتنوعة».
وتابع: «بعد السفر لعدة دول، أستطيع القول بفخر إن عُمان واحدة من أكثر الدول أمانًا في العالم. أحب الطريقة التي يحيّي بها العمانيون الغرباء في الأماكن العامة، وأسلوب حياتهم الذي يعكس الاحترام المتبادل. ويسعدني رؤية عُمان تستثمر في قطاعات جديدة مثل السياحة واللوجستيات، مما يعزز التحول الاقتصادي». وقال: «أرجو أن تستمر عُمان في جذب المواهب واستثمار المزيد في السياحة والصناعة، مما يجعلها وجهة رئيسية للأعمال والسياحة».
حياة يومية آمنة
تحدثت الدكتورة أمل زمزم من جمهورية مصر العربية طبيبة أولى لطب الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى عمان الدولي عن تجربة العيش في سلطنة عمان قائلة: «تجربتي في العيش في سلطنة عمان كانت ناجحة وجميلة، وما جذبني فيها منذ البداية المحيط والهدوء والناس المتواضعة، فالمجتمع العماني يختلف عن المجتمعات الأخرى في تقاليده وعاداته، وسياسة حكومته المتوازنة والحكمية في كل ما يخص التحديات الخارجية والإقليمية، إلى جانب التطور الهائل في التكنولوجيا وسرعة تقديم الخدمات العامة والحكومية.
وأضافت: «خلال اختلاطي بالمجتمع العماني لم أشعر بالغربة؛ لأن تعامل المواطنين العمانيين مع الجنسيات الأخرى يفرض الود والاحترام إلى جانب الأمان، الذي لا يفارق الإنسان وهو يمارس حياته اليومية، فلم أشهد أي مضايقات حتى عند مزاولتي الرياضة في الأماكن العامة».
وتابعت: «تأسرني من العادات العمانية الجميلة واللهجة العمانية والملابس التقليدية. أما المستقبل، أعتقد أن سلطنة عمان ستحقق تقدمًا ملحوظًا في مختلف الأصعدة».
عادات متقاربة
وقال الدكتور العراقي سعد سلمان محاضر بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية - فرع مسقط: «تجربتي في العيش في سلطنة عمان تجربة ناجحة وموفقة، حيث إن عادات الشعب العماني قريبة جدا من عادات الشعب العراقي لذلك لم ألاقِ أي صعوبة في التكيف في العيش هنا، إضافة إلى ذلك يتميز الشعب العماني بحبه للأمن والسلام ولم ألاحظ أي فروقات ثقافية أو اجتماعية كما ذكرت سابقا فالعادات متقاربة جدا.
وأضاف: «خلال فترة إقامتي لاحظت التطور السريع والتغيرات الكثيرة في البنية الأساسية من جسور وشوارع وأسواق كبيرة إضافة إلى تطور المرافق السياحية على مستوى سلطنة عمان».
وتابع: «جميل هو التلاحم والعلاقة بين العمانيين والمغتربين ولا توجد فوارق اجتماعية كبيرة بين طبقات المجتمع، كما تعتبر سلطنة عمان من أكثر البلدان التي تتمتع بالأمن ونادرًا ما نلاحظ أي تصرفات تتنافى مع الأخلاق العامة، حيث يتمتع الشعب العماني بأخلاق حميدة ونحن نشعر بالأمن والراحة في هذا البلد. وما أود قوله: إن سلطنة عمان مقبلة على تطورات سريعة في المجالات الصحية والاقتصادية والعلمية والتجارية والسياحية وأعتقد أن للسياحة مستقبلًا زاهرًا في سلطنة عمان.
تحولات صحية لافتة
وعدّدت ديث شيلا هيبايا ممرضة فلبينية تعمل بمجمع الديوان الصحي الأسباب التي جعلتها تفكر بالانتقال إلى عمان قائلة: «بالنسبة لي، العيش في عمان موصى به للعديد من الأسباب مثل أن الناس طيبون، والأمان موجود، وهي مليئة بالأماكن والمناظر الخلابة التي ستستمتع بها. بالإضافة إلى أن توقيتها الزمني ليس مختلفًا كثيرًا عن الفلبين، وهو ما أستمتع به كثيرًا».
وأضافت: «من وجهة نظري، المجتمع العماني يوصف الآن بأنه مجتمع حديث، وهو محاط بتاريخ الماضي ولكنه قادر على احتضان الأجيال القادمة».
وفي إجابتها عن سؤال التحول الذي لاحظته، قالت: «أعيش في عمان مدة تقارب العقد، وعمان تحولت في البنية الأساسية تحولًا كبيرًا خاصة في مجال الرعاية الصحية والنقل، مما يضمن مستوى عاليًا من الراحة والرفاهية».
وحول علاقة المواطنين بالوافدين أشارت إلى أن العلاقة بين العمانيين والمقيمين علاقة دافئة وأن التعامل مع العمانيين سهل. وأكدت على وجود تكامل ثقافي بين كل الجنسيات.
وقالت: «أشعر بالأمان هنا حتى في الليل أو عندما أخرج من المنزل، فأنت تعلم أنه لا أحد سيختطفك أو يؤذيك لأنك تعرف أن عمان لا تفعل ذلك مقارنةً ببعض دول الشرق الأوسط الأخرى». وأضافت: «العيش في عمان مذهل، إنها دولة ساحرة، الناس طيبون جدًا، والضيافة دافئة، وكذلك النسيج الثقافي المتنوع والممارسات الثقافية العريقة. تقاليدهم متجذرة في الدين الإسلامي والاحترام الذي يعكس قيمهم».
تجربة حياة
وصف الدكتور عبد الحميد الموافي كاتب صحفي متخصص بالشؤون العربية، تجربته قائلا: «تجربة العيش في عمان لم تكن مجرد تجربة عادية أو عابرة، بل كانت تجربة حياة بمعنى الكلمة. فهي ليست تجربة جزئية، بل تجربة متكاملة. جئت إلى عمان في وقت مبكر ولم أشعر بأنني غريب، بل اعتبرت أن عملي مهمة قومية تتجاوز الإطارين الوطنيين العماني والمصري. ساعد في ذلك نمط المسؤولين الذين شجعونا على تجاوز المسافات بيننا، فلم نشعر بالغربة بل شعرنا وكأننا بين أصدقاء وإخوة طيبين. ولا تزال هذه العلاقة مستمرة مع كثيرين منهم. كان العمل كثيرًا وجذابًا، وكلمة السر كانت الإخلاص والعمل فيما يخدم المجتمع. كان حماس الشباب العماني وتجاوبهم مشجعًا لنا ولهم. كانت هناك رغبة في الاستفادة وحرص على العطاء، وكان المجتمع قابلاً للاستفادة».
وأضاف: «كانت تجربة حية لم تحكمنا فيها ساعات العمل بل كان أداؤنا هو المقياس حتى ننجز عملنا. كنا مجموعة من الأصدقاء المصريين، ثم اتسعت لتشمل الأصدقاء العمانيين أيضًا. العمانيون يتصفون بالطيبة والود والإخلاص، ولم تنشأ أي خلافات أو مشكلات مع أي منهم. هناك عادات تعلمناها سريعًا زادت من التقارب والتفاهم بيننا. الاختلافات الثقافية موجودة داخل المجتمعات العربية نفسها، ولا توجد مشكلة في ذلك».
وأشار إلى أن ما يميز المجتمع العماني أنه مجتمع صغير يعرف بعضهم البعض، ويتقاربون، ويقدرون التعليم ويحرصون عليه. وتابع: «من المعروف أن نسبة كبيرة كانت تكمل تعليمها بعد الثانوية، وبعد العمل. كما أن النسبة الأكبر في معهد الدراسات العربية بالقصر العيني كانت من عمان في العديد من السنوات، كما ذكر صديقي عميد المعهد الدكتور أحمد يوسف، متعه الله بالصحة. وبالتالي، كان حجم الاستفادة سريعًا وملموسًا. لقد حدثت تغيرات كثيرة وبسرعة؛ لأن البنية كانت محدودة في البداية، لكن الأهم هو أن إنجاز الأعمال كان جادًا وجيدًا، وكان يتم تصميمه ليعيش لسنوات طويلة، ويحتمل التوسع والإضافة بعد ذلك. لم تكن هناك فرصة للعمل المظهري أو غير الجاد، بل كان المجتمع بمثابة ورشة عمل كبيرة، وكان الإنجاز ملموسًا. القيادة كانت تشجع بطرق متعددة، وكان الشباب متجاوبًا وراضيًا».
وقال: «مستوى المعيشة كان متواضعًا في البداية، ثم تطور سريعًا جدًا. ظهرت أحياء ومناطق كاملة، وتم التوسع العمراني والحضاري بشكل سريع، مع تجاوب مع الجديد، وفي الوقت نفسه الحفاظ على التقاليد. الصراحة والوضوح هما سمتان ميزتا الشخصية العمانية، وهم يتحملون الخلافات، يؤجلونها ويتصالحون سريعًا دون أي رواسب. إنها شخصية مميزة تحافظ على الود طالما حافظ الآخر عليها. لا يبدأون بالغلط أو الإساءة، ويتسامحون في النهاية».