صحيفة التغيير السودانية:
2025-03-24@08:52:39 GMT

هل من مشروع سياسي للدعم السريع؟

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

هل من مشروع سياسي للدعم السريع؟

خالد فضل

لا يمكن الزعم بوجود مشروع سياسي لقوات الدعم السريع، فطبيعة تكوينها حامية لمشروع الاستبداد الإسلامي طبعة المؤتمر الوطني، تجعل منه امتداداً طبيعياً لذلك المشروع. في الواقع فطن حميدتي إلى وضعية استغلاله كحارس لمشروع لم ينتم إليه فكريا، وطوّر إمكانات قواته حتى صارت قوة ضاربة؛ لأنّه اكتشف طبيعة المشروع الذي استخدمه كخفير عند بواباته، يفزع ضد مساكنيه من قبائل الزرقة في دارفور تحديدا مستغلين دوافع ومبررات الدفاع عن النفس والقوافل التجارية والاستهداف العرقي للعناصر العربية من جانب بعض منسوبي حركات الكفاح المسلح؛ ومعظمها من مجموعات الزرقة.

عرف حميدتي أنّ من يستخدمونه يريدونه هكذا، يحمي ويحرس سطوتهم وثروتهم، ولا يهم ما يحدث، لذلك أطلق له العنان، وتمّ تقريبه من البشير تحديدا ليخدم الأغراض الشخصية والمطامع الذاتية لذاك الرئيس المخلوع،

ثم إن حميدتي عرف تهافت وضحالة وفراغ ما تنطوي عليه ما يعرف بمؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية، وخبر جوهرها فوجدها تنطوي على نقائص فادحة، إذ تسود فيها العنصرية والجهوية والعرقية والقرائبية والحزبية الإسلاموية بصورة لا يمكن مداراتها والتستر عليها، فجاء سعيه لتمكين قواته على مستوى القيادات تحديدا على نفس المنوال، ولذلك ليس غريبا أن يكون معظم مستشاريه من كوادر المؤتمر الوطني عبر بوابات القرابات القبلية والجهوية، فتلك هي السنّة الماضية في كل أجهزة الدولة. وعندما طرح فكرة القضاء على دولة 56 في أتون هذه الحرب، كان لديه ما يسعفه من الشواهد والخبرة وسط دهاليز تلك الدولة العقيمة، لكن يبقى عنصر الجدية والمصداقية هو ما يحول بين اقتناع الناس بحديثه، ضف لذلك الممارسات الوحشية والهمجية المنسوبة لقواته؛ مما شكّل عنصرا إضافيا في بناء حاجز نفسي موجود أساسا في المشاعر العنصرية والجهوية وبنية وعي وتفكير معظم سكان الوسط والشمال ضد (الغرّابة) عموما، ولدرجة لا تسمح لهذه العقلية المغلّفة بالعواطف أن ترى غلبة العناصر العربية في جل مكونات الدعم السريع، عرقيا نلحظ أنّ عرب الماهرية مثلا لا يكاد تمييزهم من عرب الشكرية أو الدباسين في مناطق الجزيرة، لكن غلبة روح العنصرية وداء الجهوية المستحكم في النفوس يحول دون رؤية مثل هذه المشتركات العرقية.

المهم أنّ ادعاء قيادات الدعم السريع بأنها تخوض حرب تحرير ضد دولة 56 لا تجد آذانا صاغية لدى الأوساط التي نشأت وتمتّعت بامتيازات تلك الدولة المختلة فعلا، كما أنّ الدعم السريع كقوة عسكرية لا يمتلك التأهيل الفكري والنظري والسياسي الملائم لطرح مشاريع كبيرة كهذه، فإعادة بناء السودان على أسس جديدة وجد حظّه بصورة معمّقة في أطروحات الحركة الشعبية لتحرير السودان وقائدها الفذ الراحل د. جون قرنق، وهي الأدبيات التي وجدت طريقها إلى أدبيات معظم القوى المدنية الديمقراطية والتكوينات الشبابية والمدنية الأخرى، فليس هناك جديد قدّمه الدعم السريع سوى مضمضمة شفاه لا تسمن ولا تغني عن تحميله وزر ما ارتكب من فظائع وانتهاكات ضد المدنيين، وفيهم من ينادي فعلا ببناء السودان الجديد على أنقاض دولة 56 البالية.

في المقابل، لن يجتهد المرء كثيرا ليرى بأم عينيه أنّ الجيش يحمل مشروعا سياسيا واضح المعالم، فحواه بصورة لا تحتمل التأويل، هو إعادة تشغيل وتفعيل مشروع دولة الإسلام السياسي ماركة المؤتمر الوطني. ولن تستطيع بعض قيادات الجيش الفكاك من أسر هذا المشروع وإنْ سعت لذلك، السبب بسيط هو أنّ معظم القيادات العليا في مؤسسة الجيش والأمن والشرطة هي جزء أصيل من ذلك النظام والتنظيم، هذه هي الحقيقة في تقديري، ولذلك فإنّ السطوة البارزة لعناصر التنظيم خلال هذه الحرب لم تنبع من فراغ أو شطارة أو رجاله _كما زعم زاعمهم من قبل_ بل نجمت من طول عمر وعمق الدولة البائسة المنهارة الفاسدة، نعم كثير من الديكتاتوريات؛ على بؤسها، جثمت على صدور الشعوب لمئات السنين؛ لأنها أنهكت القوى الحية وسط الشعوب، واستهلكت طاقاتها المبدعة وقدراتها على البناء في مقارعة تلك الأنظمة لشق الطريق إلى النور، وهو ما حدث في السودان الآن بشكل لا يخفى إلا على عمي البصيرة، فالحرب أشعلت أساسا ضد طريق الحرية والعدالة والسلام الذي اختطه ثوار ديسمبر.

وبحسب التقديرات الميدانية تم تحليل الوضع بأنّ وجود قائد الدعم السريع بقوته الضاربة، وطموحه الزائد بأن يكون له موطئ قدم في مستقبل إعادة بناء السودان سيشكل عقبة كؤود أمام استئناف مسيرة عصابات التمكين عبر استعادة دولة المؤتمر الوطني على نسق الدولة العقيمة بامتيازاتها الحصرية، ولربما استقوت القوى المدنية في خطتها لتفكيك التمكين بالدعم السريع باعتباره قوة مكافئة لجبروت وعنجهية مؤسسات الإسلاميين العسكرية والأمنية.

وقد تمت عدة تمارين في هذا الاتجاه، مثل حل هيئة العمليات ذات الطبيعة التنظيمية القحة، وكشف عدد من التحركات الانقلابية لضباط الجيش من الإسلاميين، وغيرها من شواهد، ويبدو أن محاولات إستئلاف حميدتي وترويضه قد فشلت لذلك كان لا بد من إشعال الحريق على فرضية عليّ وعلى أعدائي كأقل تقدير، واستغلال ما بدا وكأنه تمرد على سطوة من أنجبوه ليخدم أهدافا محددة، وتوافق ما بدأ يطرحه مع معظم الأطروحات السائدة وسط القوى المدنية الديمقراطية من ضرورة تفكيك نظام التمكين، وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، وبناء جيش قومي مهني موحد، وحظر المؤتمر الوطني عن المشاركة خلال الفترة الانتقالية، وخروج العسكر من السياسة والاقتصاد وغيرها من أدبيات ظلت موجودة في سرديات القوى المدنية الديمقراطية من قبل أن يتحدث عنها حميدتي، لكن هذه الحقائق يجب طمرها مباشرة، والحديث عن القوى السياسية المدنية الديمقراطية كحاضنة سياسية وذراع سياسي للدعم السريع، وبقدرة التضليل الهائلة تمّ إقناع كثيرين بهذا الزعم، لأنّ مجرد التفكير في كيف لقوة عسكرية عمرها بالكاد عشر سنوات أن يكون ذراعها السياسي تنظيمات سياسية مدنية عمرها حوالي ثمانين عاما!! هذا استعباط للناس وتجهيل فوق جهالة، فلو قالت الدعاية والتضليل إنّ الدعم السريع استلف أدبيات هذه القوى ليبرر بها حربه مثلا لقلنا هذا تحليل موضوعي، فهل المطلوب في هذه الحالة أن تتخلى هذه القوى عن أطروحاتها؛ لأن الدعم السريع قد استغلها؟ هل يترك الناس الإسلام؛ لأنّ إسلامي السودان _ بصورة خاصة_ قد أسأنا استخدامه أيما إساءة!!

الوسومخالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: خالد فضل المدنیة الدیمقراطیة المؤتمر الوطنی القوى المدنیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

استعادة القصر الجمهوري- بين شرعية القوة وسؤال الدولة المأزومة

استعادة القصر الجمهوري من سيطرة قوات الدعم السريع يمثل لحظة فارقة في مسار الحرب السودانية، لكنه يفتح الباب أمام أسئلة أعمق تتجاوز مجرد السيطرة العسكرية على مبنى، لتغوص في جوهر أزمة الدولة السودانية ذاتها.
فهل يمثل هذا التحرير خطوة نحو الاستقرار، أم أنه مجرد مرحلة جديدة من الدوران في حلقة مفرغة من الصراع المسلح؟

كرمز للأزمة السودانية
القصر الجمهوري ليس مجرد مبنى، بل هو رمز لمعضلة أعمق تتعلق بشرعية السلطة في السودان. فمنذ تشييده في عهد غوردون باشا، ظل القصر يعبر عن استمرارية الحكم العسكري والاستبدادي، سواء بأيدي المستعمرين أو عبر الأنظمة الوطنية التي تولت السلطة بعد الاستقلال. في كل مرة يُرفع شعار "تحرير القصر"، لم يكن ذلك تعبيرًا عن سيادة شعبية بقدر ما كان إحلال قوة مسلحة محل أخرى.
القصر الجمهوري كان وما زال مقرًا تتصارع عليه القوى العسكرية، في حين ظل الشعب خارج معادلة السلطة الفعلية. واليوم، بينما يُحتفى بتحرير القصر، يبقى السؤال الحقيقي: متى يتم تحرير الدولة السودانية نفسها من قبضة العسكر والمليشيات، ومن عقلية الاستحواذ على الحكم بالقوة؟

إرث البندقية ومأزق الحكم
لا يمكن فهم الحرب الحالية بمعزل عن تاريخ عسكرة السياسة في السودان. فمنذ أن نشأ الجيش كأداة لحماية الاستعمار، ثم تحوّل لاحقًا إلى الحاكم الفعلي بعد الاستقلال، ظل السودان أسيرًا لدورات متكررة من الانقلابات العسكرية والصراعات المسلحة. الجيش والمليشيات المتناحرة اليوم يعيدون إنتاج هذا الإرث، في معركة لا يبدو أن لها نهاية قريبة.
المفارقة أن الدعم السريع، الذي تأسس أساسًا كقوة موازية للجيش، انتهى إلى مواجهة شاملة معه، في إعادة إنتاج مأساوية لمعضلة الشرعية المسلوبة من الشعب. وبالتالي، فإن الحديث عن تحرير القصر يظل ناقصًا ما لم يترافق مع نقاش أوسع حول تحرير السياسة السودانية من هيمنة العسكر.
ما بعد التحرير هو السؤال الواقعي هل نحن أمام استعادة الدولة أم إعادة تدوير الأزمة؟
تحرير القصر قد يمثل انتصارًا عسكريًا للجيش، لكنه لا يجيب على السؤال الأهم: هل يقود ذلك إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية، أم أنه مجرد إعادة تموضع للقوى العسكرية نفسها؟
الوقائع على الأرض تشير إلى أن الأزمة لم تحل، بل قد تأخذ أشكالًا جديدة من الصراع، خاصة في ظل استمرار تعدد الجيوش والمليشيات، وغياب رؤية واضحة لمشروع سياسي يضع السودان على طريق الاستقرار. إن خطاب "تحرير السيادة الوطنية" يظل فارغًا ما لم يترافق مع إصلاح حقيقي للدولة، عبر إعادة تعريف دور الجيش، وتفكيك المليشيات، وإنهاء سيطرة العسكريين على الحكم.

الصمت المريب للقوى المدنية
جاء تحرير القصر الجمهوري في سياق سياسي وعسكري معقد، وكان من المتوقع أن يكون لهذا الحدث صدى واسع لدى القوى المدنية التي لطالما رفعت شعارات استعادة الدولة والانتقال الديمقراطي. لكن المفاجئ أن هذه القوى التزمت الصمت، أو اكتفت بمواقف ضبابية، مما أثار تساؤلات حول مدى صدق التزامها بمواقفها المعلنة.
لقد ظل القصر الجمهوري رمزًا للسلطة، وكان استعادته لحظة فارقة في مسار الأحداث. ورغم ذلك، لم يصدر عن القوى المدنية أي موقف واضح، بل اختارت موقف المتفرج. هذا التجاهل قد يعكس حالة من التردد والانقسام، بين من يرى أن استعادة القصر خطوة نحو استعادة الدولة، ومن يخشى أن يُحسب موقفه انحيازًا لطرف دون آخر.
بعض الفاعلين المدنيين بدوا وكأنهم يراهنون على استمرار حالة السيولة السياسية لتحقيق مكاسب طويلة الأمد، حتى لو كان ذلك على حساب موقف وطني واضح. وهذا ما يضعف مصداقيتهم أمام الرأي العام، ويجعل موقفهم أشبه بمحاولة التكيف مع الواقع بدلًا من التأثير فيه.

نحو مقاربة مختلفة للمستقبل
إذا كان هناك درس يمكن استخلاصه من تحرير القصر، فهو أن السودان لن يجد استقراره عبر الانتصارات العسكرية وحدها، بل من خلال إعادة بناء شرعية سياسية على أسس ديمقراطية، حيث تكون الدولة ممثلة للجميع، وليس مجرد غنيمة تتنازعها البنادق.
إن القصر الجمهوري لن يتحرر فعلاً إلا عندما يصبح مؤسسة مدنية تعبّر عن إرادة الشعب، بدلاً من أن يكون ساحة للمعارك بين الفرقاء المسلحين. وإلى أن يتحقق ذلك، فإن السودان سيظل عالقًا في دوامة من العنف والاستقطاب، مهما تغيرت القوى المسيطرة على القصر.
* استعادة القصر الجمهوري تظل حدثًا رمزيًا، لكنه لا يحمل في طياته حلًا جذريًا لأزمة الدولة السودانية.
صمت القوى المدنية تجاه هذا الحدث يعكس حالة من التردد والانقسام، مما يضعف مصداقيتها ويفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول مدى استعدادها لتحمل المسؤولية في المرحلة المقبلة. المستقبل السوداني لن يُبنى بالانتصارات العسكرية وحدها، بل بإعادة بناء شرعية سياسية تعتمد على إرادة الشعب، وتفكيك إرث البندقية الذي ظل يهيمن على الدولة منذ عقود.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • عبد القيوم: طرابلس ستكون لفترة طويلة خارج مشروع الدولة المدنية
  • مصر تدعم وحدة الدولة السودانية ومؤسساتها .. «الدعم السريع» يستولي على قاعدة «جبل عيسى» قرب الحدود الليبية
  • سقوط ثلاثة مدنيين في قصف للدعم السريع على أم درمان
  • مقتل 3 في قصف للدعم السريع على أم درمان بعد تقدم الجيش في الخرطوم وجزيرة توتي  
  • تحرير القصر.. كيف نفهم تقدم الجيش السوداني وفرار كتائب حميدتي؟
  • فولكر بيرتس .. “القوى المدنية الصغيرة” التي شكلت مؤخرًا تحالفًا سياسيًا مع قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة فقدت كل شرعيتها
  • بعد استسلامه للجيش.. جندي بـ”الدعم السريع” يكشف عن نقص حاد في الإمداد ويحمل حميدتي المسؤولية
  • استعادة القصر الجمهوري- بين شرعية القوة وسؤال الدولة المأزومة
  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم للدعم السريع في المالحة قرب الفاشر
  • مقتل «4» من طاقم تلفزيون السودان ومراسلين حربيين بمسيرة للدعم السريع استهدفت القصر الجمهوري