المعارك تحتدم في السودان.. ماذا بعد حديث “القتال 21 عاما”؟
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
"سنقاتلهم 21 عاما"، هكذا توعد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الجيش السوداني، بعد اعترافه بخسارة مدينة ود مدني الاستراتيجية في ولاية الجزيرة.
لكن هذه الكلمات "لا تعبر سوى عن حجم الهزائم التي تتلقاها قوات دقلو خلال الأسابيع الأخيرة أمام الجيش"، وخصوصا في ولاية الجزيرة وسط البلاد، وفي الخرطوم أيضًا.
وكان الجيش السوداني قد أعلن، السبت، السيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، بعد نحو عام من إحكام قوات الدعم السريع قبضتها عليها.
وتأكيدا على حديث دقلو الذي جاء في تسجيل صوتي بثته وسائل إعلام محلية، كتب مستشار قائد الدعم السريع، الباشا طبيق، في تغريدة على منصة إكس: "انسحاب قوات الدعم السريع من مدني لا يعني الهزيمة ولا خسارة المعركة.. مسيرة النضال مستمرة ولو استمرت الحرب لمدة ألف عام".
الجيش السوداني يتحدث عن دخول الخرطوم "في أية لحظة"
قال الجيش السوداني، الأحد، إن قواته تستعد لدخول العاصمة، الخرطوم، في أي لحظة.
ومنذ أبريل 2023 تدور حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق دقلو. وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون سوداني.
ماذا يعني تصريح دقلو؟
قال المحلل السياسي السوداني، محمد تورشين، في تصريحات لموقع "الحرة"، إن حديث قائد قوات الدعم السريع "تتكرر بعد الهزائم المتكررة، وتعكس حجم الانهيار والتراجع في قواته".
ويتقدم الجيش السوداني في مناطق مختلفة، حيث أعلن في بيان، الأحد، أن قواته تستعد لدخول العاصمة الخرطوم، "في أية لحظة".
وسيطر الجيش في وقت سابق الأحد، على مجمع الرواد السكني، جنوبي العاصمة، كما سيطر على مدينة تمبول شرق ولاية الجزيرة.
وقال تورشين للحرة، إن ود مدني "لها أهميتها الجيوستراتيجية، فالجيش أعاد السيطرة على منطقة تعد حلقة وصل بين شرقي وجنوبي وغربي السودان. هذا إنجاز مهم".
الباحث المختص بشؤون حل النزاعات، بابكر فيصل، أوضح من جانبه للحرة، أن السيطرة على ود مدني "يمثل تحوّلا كبيرا لصالح الجيش، وكان واضحا أنه منذ مفاوضات جنيف كان يعمل على تعديل موازين القوى على الأرض، قبل الدخول في أي مفاوضات".
وتابع: "كان يركز على مدني والخرطوم".
وكانت مباحثات قد أجريت في سويسرا بأغسطس الماضي، دعت إليها الولايات المتحدة، سعيا لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وحضر ممثلو قوات الدعم السريع المفاوضات في جنيف، في حين غاب عنها ممثلو الجيش.
ورغم عدم مشاركة الجيش بشكل في المفاوضات في جنيف، فإن المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو، حينها رأى أن المحادثات "حققت بعض النجاح، من خلال التركيز الدولي على السودان، في وقت كان فيه العالم يحوّل انتباهه بعيدا".
وتعدُّ ود مدني، الواقعة على ضفاف النيل الأزرق، بوابة تمكنت قوات الدعم السريع من خلالها من توسيع سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والقرى في وسط السودان، بما في ذلك ولايتي الجزيرة وسنار.
وتتمتع منطقة الجزيرة بأهمية، كونها واحدة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في البلاد.
سنوات أخرى من القتال؟
الحرب المأساوية في البلاد، تسببت في حاجة نحو 30 مليون شخص في السودان، أكثر من نصفهم أطفال، إلى المساعدة، وفق بيان للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي.
وأسفرت الحرب عن مقتل الآلاف، وسط تقديرات تتراوح بين 20 ألفا و150 ألف شخص، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 11 مليون نازح.
"سلة السودان الغذائية".. ماذا تعني سيطرة الجيش على ود مدني؟
تمكنت قوات الجيش السوداني من دخول مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان والتي كانت خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام.
وتعتبر الأمم المتحدة أن الأزمة الناتجة عن الحرب في السودان، هي إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث.
ويأمل فيصل في أن يكون تقدم الجيش "توجها نحو التفاوض ولا يقود إلى استمرار الحرب لفترة طوية"، مضيفا في حديثه للحرة: "تجاربنا في السودان تقول إن الحروب تنتهي عبر التفاوض، واستمرار الحرب سيقود إلى تفكيك وتفتيت البلاد".
السودان- مجاعة
الأمم المتحدة تحذر من "أزمة" إنسانية "مأساوية" في السودان
دق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ناقوس الخطر حول الوضع في السودان.
لكن في الوقت نفسه، أعرب عن اعتقاده بأن "المعارك ستحتدم خلال الفترة المقبلة في الخرطوم ومناطق أخرى، في محاولة من الجيش للتمدد، وسعي الدعم السريع للتمسك بالأرض قبل أي مفاوضات".
من جانبه، قال تورشين إنه لا يعتقد بأن التقدم العسكري سيقود إلى مفاوضات، حيث يرى أن "أي حل سياسي سيتطلب دمج الفصائل المسلحة في الجيش، وتقديم من ارتكبوا جرائم إلى العدالة"، مضيفا: "لا أعتقد أن دقلو أو الجهات الداعمة له ستقبل بمثل هذه الأمور".
وتابع: "قوات الدعم السريع لا يمكنها تقديم تنازلات أو تفاهمات من شأنها إيقاف الحرب وتوحيد المؤسسة العسكرية، لأن ذلك يعني نهاية آل دقلو والمجموعة المتحكمة في الدعم السريع".
وعاد توشين وأشار إلى تصريح دقلو بأنه سيحارب "21 عاما"، منوها بتوعده السودانيين بالقتال لفترة طويلة.
دور للعقوبات؟
قالت الولايات المتحدة إن عناصر القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ارتكبوا "جرائم ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا".
وزير الخارجية أنتوني بلينكن، قال أيضا في بيان، الثلاثاء، إنه "بناءً على هذه المعلومات، توصّلتُ الآن إلى أن أفراد قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، ارتكبوا عمليات إبادة جماعية في السودان".
وفرضت واشنطن، الأسبوع الماضي، عقوبات على دقلو، بالإضافة إلى 7 شركات وفرد واحد مرتبطين بهذه القوات.
ويرى فيصل أنه "لابد من ملاحقة مرتكبي الجرائم وعدم إفلاتهم من العقاب، لكن عبر لجان تقصي حقائق وآلية دولية مستقلة للتحققيق والمحاكمة".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ودول أوروبية أصدرت عقوبات سابقة على قيادات لدى طرفي الصراع في السودان، بسبب اتهامهم بارتكاب جرائم حرب، "لكن العقوبات الأخيرة شملت الإبادة الجماعية".
خاص- مئات جرائم الاغتصاب في السودان وفيديوهات توثق "الفخر القبيح"
مع بداية الحرب في السودان، ترصد وحدة مكافحة العنف ضد المرأة الانتهاكات التي تمارس ضد النساء، وبشكل خاص من طرف قوات الدعم السريع.
ومع قرار الولايات المتحدة، الثلاثاء، فرض عقوبات على قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لارتكاب جرائم من بينها اغتصاب النساء، قالت رئيسة الوحدة، سليمة إسحق، إن عدد حالات الاغتصاب التي تم رصدها تجاوزت 550 حالة.
وقال: "نتمنى أن يمثل ذلك ضغطا على الأطراف لوقف القتال، والتوجه إلى التفاوض والحوار".
وأفاد تقرير أممي في ديسمبر، بأن المجاعة تتفشى "في 5 مناطق على الأقل" في السودان، وتطال على وجه الخصوص مخيمات اللاجئين والنازحين من الحرب التي تشهدها البلاد.
وتوقع تقرير لجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن تعاني 5 مناطق إضافية من المجاعة بين الشهر الجاري ومايو 2025.
تورشين قال عن العقوبات إنها "لن توقف دعم دول بعينها مثل الإمارات لقوات الدعم السريع"، وأضاف أن "الإسلاميين هم الدافع الأساسي لتدخل الإمارات، فهي بحاجة إلى تطمينات، وعدا ذلك أعتقد بأنها ستواصل دعمها لقوات الدعم السريع".
يذكر أن الجيش السوداني اتهم الإمارات مرارا بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه الدولة الخليجية تماما.
أما فيصل فرأى أن العقوبات وحدها "لن تكون السبيل للوصول إلى الحقائق على الأرض"، معتبرا أنه "يمكن حدوث ذلك عبر آلية مستقلة دولية تقدم فيها كل البلدان المعلومات التي لديها، لملاحقة الجناة ومرتكبي الجرائم".
الحرة: محمد الصباغ
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الولایات المتحدة الجیش السودانی ولایة الجزیرة فی السودان ود مدنی
إقرأ أيضاً:
ما خيارات قوات الدعم السريع بعد خسارتها وسط السودان؟
الخرطوم- منذ تحوله من الدفاع إلى الهجوم قبل 6 أشهر، استمر الجيش السوداني في تقدم ميداني على حساب قوات الدعم السريع واستعاد السيطرة على وسط البلاد وجنوبها الشرقي واقترب من تحرير الخرطوم.
ويتوقع مراقبون تركيز قيادة الدعم السريع على إقليمي دارفور وكردفان لضمان وجودها العسكري والسياسي في أي تسوية محتملة، واستمرار الدعم من قوى إقليمية وتجنب الانهيار.
ومنذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب، في منتصف أبريل/نيسان 2023، ظلت قوات الدعم السريع تسيطر على غالب ولاية الخرطوم، قبل أن تتمدد في 4 من ولايات دارفور الخمس، وولايتي الجزيرة وسنار ومواقع في ولاية النيل الأزرق وشمال ولاية النيل الأبيض.
هجوم شاملوظل الجيش، نحو 17 شهرا، في حالة دفاع عن مواقعه العسكرية الرئيسية، وتدريب قوات جديدة واستنفار المتطوعين والحصول على أسلحة نوعية بعد تعزير علاقاته مع قوى إقليمية ودولية، مما مكنه من إعادة بناء قدراته العسكرية.
ومند 26 سبتمبر/أيلول الماضي، تحول الجيش من الدفاع إلى الهجوم الشامل، وأطلق عملية الجسور بعبوره جسور النيل الأبيض والفتيحاب والحلفاية التي تربط أم درمان مع الخرطوم والخرطوم بحري، واستعاد السيطرة على مواقع إستراتيجية في العاصمة.
إعلانوكانت معركة جبل موية في ولاية سنار، التي حولته قوات الدعم السريع إلى قاعدة لوجيستية، نقطة تحول للجيش وفتحت الباب أمام إعادة السيطرة على ولايتي الجزيرة وسنار، وأطراف ولاية النيل الأزرق، ثم شمال النيل الأبيض.
وفي ولاية الخرطوم خسرت الدعم السريع مصفاة الجيلي لتكرير النفط التي تحيط بها مقار عسكرية مهمة، وتبع ذلك تقهقرها من محليتي الخرطوم بحري وشرق النيل وغالب جسور العاصمة العشرة، وقبلها محلية أم درمان ومعظم محلية أم بدة.
ونقل الجيش عملياته مؤخرا من الشرق إلى غرب النيل ونزع قوات الدعم السريع من القصر الجمهوري ومجمع الوزارات والمؤسسات والمصارف، والسوق العربي أكبر أسواق العاصمة وأعرقها، ومنطقة الخرطوم المركزية بوسط العاصمة ومنطقة مقرن النيلين وجزيرة توتي.
وفي غرب وسط البلاد، استعاد الجيش السيطرة على مدينتي أم روابة والرهد بولاية شمال كردفان، وفك الحصار عن الأبيض حاضرة الولاية، ويزحف لتحرير شمالها الذي لا تزال تنتشر فيه قوات الدعم السريع.
خسائر فادحةوبإقليم دارفور صمد الجيش، والقوات المشتركة للحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانبه، أمام أكثر من 180 هجوما لقوات الدعم السريع على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وكبدها خسائر فادحة في محور الصحراء ودمر قاعدة الزرق الإستراتيجية، وضيق الخناق على الإمداد العسكري الذي يعبر عبر الأراضي الليبية.
وكشفت مصادر عسكرية للجزيرة نت أن هذه القوات باتت على قناعة بأنها فقدت ولاية الخرطوم ولم يعد لديها ما تدافع عنه، لكنها تحاول تأخير سيطرة الجيش على ما تبقى من العاصمة لتقديرها أن القوات الكبيرة في وسط البلاد والخرطوم ستتفرغ للزحف غربا نحو إقليمي كردفان ودارفور لطردها من المواقع التي تنتشر فيها.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الإفصاح عن هويتها، إن قوات الدعم السريع كانت تخطط لإعلان الحكومة الموازية من داخل القصر الجمهوري، وبعث قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" أحد مستشاريه مع مجموعة أخرى لهذا الغرض وظل يحرض قواته على القتال عن القصر ومنطقة المقرن بغرب الخرطوم في خطابه الأخير قبل 5 أيام من خسارته القصر.
إعلانوحسب المصادر ذاتها، فإن قيادة الدعم السريع تسعى إلى الدفاع عن مناطق سيطرتها في ولايات دارفور من خارج الإقليم عبر تعزيز وجودها العسكري في ولايتي غرب كردفان وشمالها، وتفعيل تحالفها مع قائد الحركة الشعبية -شمال عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، والسعي لإحداث فرقعة إعلامية عبر هجمات انتحارية في شمال البلاد انطلاقا من شمال دارفور.
من جانبه، قال فولكر بيرتس، المبعوث الأممي السابق إلى السودان، إن النجاحات العسكرية الأخيرة التي حققها الجيش السوداني سوف "ترغم قوات الدعم السريع على الانسحاب إلى معقلها في إقليم دارفور غرب البلاد". وأوضح في تصريح لوكالة أسوشيتد برس "لقد حقق الجيش نصرا مهما وكبيرا في الخرطوم، عسكريا وسياسيا، وسيقوم قريبا بتطهير العاصمة والمناطق المحيطة بها من الدعم السريع".
ولكن التقدم لا يعني نهاية الحرب حيث تسيطر هذه القوات على أراض في منطقة دارفور الغربية وأماكن أخرى.
وأضاف بيرتس "ستقتصر قوات الدعم السريع إلى حد كبير على دارفور. سنعود إلى أوائل العقد الأول من القرن الـ21″، في إشارة إلى الصراع بين الجماعات المتمردة وحكومة الخرطوم، في عهد الرئيس السابق عمر البشير.
كرّ وفرّبدوره، يرجح الباحث والخبير العسكري سالم عبد الله أن فقدان قوات الدعم السريع وسط السودان، سيدفعها إلى الاستماتة في الدفاع عن مواقعها في ولايات كردفان ودارفور لضمان بقائها في المشهد السياسي والعسكري، وخلق استقرار في مناطق سيطرتها لتشكيل حكومة موازية مع حلفائها الجدد يتيح لها تقديم نفسها في صورة جديدة بعد ما ارتكبته من انتهاكات في ولايات وسط البلاد.
ووفقا لحديث الخبير للجزيرة نت، فإن معلومات تفيد بأن هذه القوات "استقدمت خلال الأسابيع الماضية مقاتلين تابعين لها كانوا في اليمن وليبيا ومرتزقة جددا للزج بهم في الحرب للسيطرة على الفاشر".
إعلانوبرأيه، فإن الدعم السريع تسعى بهذه الخطوة إلى ضخ روح جديدة بعد تدمير قوتها الصلبة خلال معارك ولاية الخرطوم، وضمان استمرار الدعم العسكري الخارجي، وتجنيب قيادتها تحميلها مسؤولية أخطاء الفترة السابقة، و"دائما يدفع القادة ثمنا غاليا وربما يفقدون حياتهم في حال خسروا الحروب".
من جهته، يقول مسؤول في المكتب الإعلامي لقوات الدعم السريع للجزيرة نت إن "الحرب كر وفر، وإنهم خسروا معارك ولم يخسروا الحرب".
ويوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنهم لا يزالون يحتفظون بمكاسب عسكرية في وسط السودان وغربه وستكون هناك مفاجآت خلال الفترة المقبلة.