الجزيرة:
2025-02-19@06:13:27 GMT

البرد ينهش أجساد 7 أطفال في خيام النزوح

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

البرد ينهش أجساد 7 أطفال في خيام النزوح

غزة- كان يحمل طفلته الصغيرة بين ذراعيه، يضمها إلى صدره بكل ما يملك من قوة، يهرول بخطوات عجولة نحو المستشفى، متشبثًا بأمل أن يطمئنه الأطباء وينفوا له ما يخشاه.

وكانت عائشة التي كان يصفها بـ"فلقة القمر" بين يديه كتمثال خشبي، بعينين مفتوحتين دون حراك، ويركض عدنان القصاص أكثر من كيلومتر متحديًا برودة الفجر وحرقة قلبه، ليصل إلى المستشفى حيث واجهه الطبيب بالكلمات التي أحرقته كالنار "عظّم الله أجرك، قلب طفلتك متوقف منذ أكثر من ساعة".

ويصرخ عدنان "يابا يا عيوش، لسا ما فرحت فيكي، قومي نلعب يا حبيبة قلب أبيك".

 

سيلا الفصيح توفيت نتيجة البرد القارس بخيام النازحين جنوب القطاع (الجزيرة) الطفلة المتيبسة

كانت عائشة فرحته التي انتظرها بعد 4 ذكور، ليجد نفسه الآن يحملها جثمانًا باردًا، كما كان ينقل أجساد الشهداء إلى ثلاجات الموتى في مستشفى ناصر خلال الحرب، يقول للجزيرة نت "لم أكن أتصور يومًا أن يكون جسد طفلتي من بين الجثث الهامدة التي أحملها".

ويروي عدنان تفاصيل تلك "الليلة السوداء" التي قلبت حياته رأسًا على عقب، من خيمته القماشية المنصوبة على شاطئ بحر مواصي خان يونس، حيث يعيش مع أسرته نزوحًا قاسيًا، وتسربت مياه المطر إلى الخيمة.

إعلان

ويحمل أطفاله الأربعة إلى منتصف الخيمة، بينما ضمت زوجته سيلا الصغيرة إلى صدرها "أطراف سيلا باردة جدًا" قالت الأم لزوجها الذي لف طفلته بما تبقى من أغطية جافة، وبعدما هدأت العاصفة خلد الجميع إلى النوم مستندين إلى عمود الخيمة، وعند صلاة الفجر اكتشف عدنان أن طفلته قد تيبست وتبدو عيناها مفتوحتين وكأنها تنظر إليه بلا روح.

وجع مستمر

لم تستطع والدة عائشة تجاوز الصدمة، فتشتم ملابس طفلتها صباح مساء. أما عدنان، فقد صار البرد شبحًا يطارده، وينهشه الخوف على بقية أطفاله، خوف من الموت قصفا وبردا أو نهشا من الكلاب الضالة خاصة بعد أن تكرر هجومها على خيمته في ليال عديدة.

وأمام كل هذا يجتاح عدنان -كآلاف الآباء في قطاع غزة- شعور بالعجز، ويثقل كاهله وجعه على طفلته التي هزمها البرد، بينما لا يزال صدى كلماته يرتجف في ذاكرته "يكفي خسارة، أوقفوا الحرب.. إنها تسرق منا كل شيء".

ولم تكن عائشة الطفلة الوحيدة التي عصف البرد بجسدها الغض، فسيلا الفصيح عاشت بالكاد 3 أسابيع قبل أن يستسلم جسدها الصغير لزمهرير الفقر والقهر.

وفجر أحد الأيام، أيقظت الأم والد سيلا لإشعال الحطب لتدفئة الماء وإعداد رضعة الحليب لطفلتهم، وبينما كان الأب ينتظر الماء ليغلي، ذهب لمداعبة صغيرته، لكنه رأى مشهدًا يزلزل القلب كما يقول "جسد أزرق، وأيادٍ متيبسة كأنها تستغيث بلا صوت، لقد خطفها الموت على حين غفلة، ببرود لم يكن في الحسبان".

ويتحدث والد سيلا، الذي خسر كل شيء في غزة قبل أن يضطر للنزوح إلى مواصي خان يونس "كنا نعيش في منزل دافئ، أطفالي كانوا ينامون في غرف واسعة، وخزائنهم مليئة بالملابس. اليوم، لم يعد لديهم سوى لباسين لكل منهما، رغم حاجتهم لكثير منها خاصة في ظل عيشهم على الرمل".

ويضيف "نتلفح بأقمشة لا تصرف عنا شيئًا، ينخر البرد في عظامنا" ويختم الأب حديثه للجزيرة نت بصرخة ألم وقهر "سئمنا حياة الذل، نحن مشردون بلا مأوى، مرضى ومتسولون، حياتنا أصبحت كابوسًا لا ينتهي! كفى!".

إعلان

جراح فوق الجراح

أما أم علي عزام فلم تنس آلام مخاضها العسير ولم تشف من أوجاع العملية القيصرية التي وضعت فيها ولدها علي الذي لم يمهله الموت العيش لأكثر من أسبوع واحد فقط، فاستيقظت الأم لإرضاعه لتجد خيطًا من الدم متسربًا من أنفه، وحمله الأب إلى المشفى لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه قبل أن يصل.

وكان علي ملفوفًا بكل ما تملك الأسرة من ثياب، وتحت غطاء وحيد، وعندما أغرقت الأمطار الخيمة بفراشها وأغطيتها، اضطر الأب لاستعارة غطاء من جاره لم يحل دون موته متجمدا.

وفي خيمة ضيقة، تتكدس عائلة أبو علي المكونة من 10 أفراد على فرشتين فقط، ولا يملكون سوى غطاءين باليين لا يردان البرد عن عظامهم المرتجفة.

وتطرق الأم قليلا ثم تقول "قلبي يتقطع كل دقيقة، كان علي يتمتع بصحة جيدة، لكنه غاب فجأة وكأنه لم يكن" وتتأمل الثكلى مأساتها ومأساة الناس من حولها ثم تختم حديثها بسؤال تبدو إجابته مفتوحة "كم من الأرواح البريئة يجب أن تُزهق قبل أن يتوقف هذا الألم؟".

وفاة طفل رضيع شمال غزة جراء الجفاف وسوء التغذية وانعدام التدفئة#حرب_غزة #فيديو pic.twitter.com/gagGdeYHr0

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) February 26, 2024

تحذيرات طبية

لم تكن قصص الأطفال الثلاثة -التي رصدتها الجزيرة نت- هي الوحيدة لأطفال قضى عليهم البرد القارس، فلم يكن هؤلاء سوى جزء من مأساة أعمق، حيث سجّل هذا الموسم وفاة 7 أطفال للسبب ذاته، في نسبة غير مسبوقة مقارنة بالمواسم السابقة التي بالكاد شهدت وفاة واحدة بالموسم الواحد.

ويقول الدكتور أحمد الفرا رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر -للجزيرة نت- إنهم يستقبلون خلال 5 أيام فقط حالات وفاة لأطفال حديثي الولادة قد عجزت أجسادهم عن احتمال البرد. وعدد الفرا أسباب ذلك التي تعود إلى عدم توفر مخزون كافٍ من الجليكوجين كمصدر للطاقة، وانعدام الدهون تحت الجلد، إلى جانب قدرة أجسامهم على فقدان الحرارة بشكل سريع.

إعلان

ويوضح أن انخفاض حرارة أجسام الأطفال يتسبب في تقلص الأوعية الدموية واضطراب كهرباء القلب، مما قد ينتهي بتوقفه تماما.

ويؤكد الدكتور الفرا أن المستشفى يستقبل يوميا 4-5 حالات مماثلة، يتم التعامل معها بشكل طارئ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ويحذر من خطورة ترك الأطفال بالخيام، داعيًا الأمهات إلى اتخاذ تدابير لإنقاذ حياة أطفالهن، مثل وضعية "الكنغر" التي تعتمد على التلامس المباشر بين الأم وطفلها لتدفئته، وإحكام إغلاق الثغرات بالخيام، ووضع عازل على الأرض التي ينام عليها الطفل، واستخدام نايلون تغليف الأطعمة للف الأطفال من أخمص قدمهم وحتى أعلى صدرهم في حال عدم توفر الملابس المناسبة.

ويؤكد الفرا أهمية مراقبة الأطفال باستمرار، مشيراً إلى أن فقدان الحياة بسبب البرد قد يحدث خلال فترة تتراوح بين 60 و90 دقيقة.

وفي عراء الخيام تلتهم المأساة أرواح الأبرياء وتزهق البراءة بأشكال موت شتى، ولا تستطيع أقمشة ردعه أو حماية من فيه، ووسط كل هذا يسأل الغزيون: هل اقترب اليوم الذي ينتهي فيه كل هذا الموت؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قبل أن

إقرأ أيضاً:

بعضهم يعيش على الشاي والخبز.. صامدون بمخيمات الضفة رغم الاجتياحات

لليوم الـ21 على التوالي، يمنع الاحتلال الإسرائيلي الشاب محمد سروجي وعائلته من استخدام أجزاء كبيرة من منزله في مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية، ويحتل البنايات المحيطة به ويحولها لثكنات عسكرية لجنوده. لكن الشاب وعائلته يرفضون النزوح رغم ضغوط الاحتلال وتهديداته.

وفي حارة "المقاطعة" بمخيم طولكرم، ظلت عائلة سروجي ومعها العديد من الأسر صامدة أمام التهجير القسري الذي يمارسه الاحتلال ولا يزال على مخيمات شمال الضفة الغربية في جنين وطولكرم وطوباس، قبل وبعد عمليته العسكرية "السور الحديدي" التي أطلقها في 21 يناير/كانون الثاني 2025، وتسبب بنزوح عشرات آلاف الفلسطينيين عنها.

قررت عائلة سروجي البقاء، ورفضت الخروج من منزلها رغم إجراءات الاحتلال العسكرية واقتحام الجنود للبيت والعبث بمحتوياته وتدميرها، واستخدامه كل أساليب التهديد والوعيد لإجبارهم على النزوح، بل عزَّز ثباتهم صمود عائلات أخرى من الأهل والجيران.

ويقول محمد سروجي (33 عاما) للجزيرة نت "فوق حصار المخيم والحي، حوصرنا داخل المنزل، فجيش الاحتلال قيد حركتنا ومنعنا من الاقتراب من الجهة المطلة على البناية المقابلة لنا، والتي اتخذها ثكنة عسكرية، وهددنا بالقصف جراء أي فعل يشتبه به".

إعلان

ويضيف سروجي "من 4 غرف وصالون ومطبخ كبير، بتنا نستخدم غرفة واحدة فقط من البيت، وحماما واحدا، وجانبا من الصالون الذي حولناه لمطبخ".

حظر تجول

ويفرض الاحتلال حظر التجول على عائلة سروجي في فناء المنزل، وترصد طائرات درون المُسيَّرة والمجهزة بالسلاح حركاتهم، إضافة لما يواجهونه من رعب لما يحدثه الجنود من ضجيج وصراخ وإطلاق نار عشوائي خلال اقتحامهم للمنازل وتحركاتهم الراجلة بين أزقة المخيم وحواريه.

ولا يسمح الاحتلال للعائلة المكونة من 9 أفراد بالتنقل للخارج إلا بعد تنسيق اللجنة الدولية للصليب الأحمر معه، وبوقت محدد للخروج والدخول، وتحت أنظار الجنود وإجراءاتهم العسكرية القمعية.

يقول سروجي "كنا نقضي حاجاتنا وخاصة الطعام والدواء من خلال ذهاب والدتي لزيارة أبي المريض في المشفى، إضافة لما تقدمه لهم طواقم الإغاثة والإسعاف".

وبصمودهم ورفضهم الخروج رغم تهديدات الاحتلال المباشرة، أفشلت عائلة سروجي مخطط الاحتلال بتهجيرهم، بل شكلوا حاضنة لأقاربهم الذين نزحوا إليهم من أحياء المخيم، وتقاسموا مع جيرانهم ما كان يصلهم من مساعدات غذائية وصحية.

ويضيف سروجي "وصل عددنا في المنزل إلى 36 نفرا، قبل أن يغادرنا من جديد بعض الأهل والأقارب، حيث طالت مدة الاقتحام وزادت انتهاكاته".

وواجهت عائلته -يقول محمد سروجي- تحديات كبيرة أمام ممارسات الاحتلال وضغوط النزوح، ورفضوا تكرار "غلطة الأجداد" حسب وصفه إبان النكبة عام 1948 ووعود العودة "بعد أيام من هجرتهم منازلهم" كما قيل لهم، ولم يعودوا حتى اليوم. وختم سروجي "أحسن ظروف النزوح لن تكون مثل بيتي بكل المعاناة التي أواجهها".

وتعرض منزل عائلة سروجي لاقتحامات عديدة خلال عمليات الاحتلال السابقة في المخيم، وعاث جنوده به خرابا، كما هُدم محلهم التجاري الذي تقدر قيمته بنحو 25 ألف دولار أميركي.

مسن فلسطيني يجلس أمام منزله رغم تدمير الاحتلال للبنية التحتية في مخيم طولكرم (الجزيرة) صمود وتوثيق

ومثل عائلة سروجي صمدت رانيا جوهر وشقيقتها ووالدهن المسن بمنزلهم في حارة البلاونة وسط مخيم طولكرم، وتحدُّوا ضغوط الاحتلال وتهديداته لهم، وهو الذي حمَّلهم مسؤولية البقاء بمنزلهم خلال عمليته العسكرية.

إعلان

ومنذ 3 أسابيع، تعد جوهر أيام الحصار والاقتحام بالساعات والدقائق، فهي تسكن في الأحياء الداخلية للمخيم، والتي هجَّرها الاحتلال بالكامل، وبقيت هناك "مع 11 امرأة فقط" كما تقول للجزيرة نت.

وقبل بدء العملية العسكرية أعدت رانيا نفسها جيدا، لأنها ترفض فكرة النزوح، وعزَّزت تواجد عائلتها في المنزل بتخزين المواد الغذائية وغيرها من المستلزمات، لأنها اتخذت قرارا مسبقا بالصمود، وحققت ما أرادت في هذه العملية وقبلها أيضا، وكان شعارها "أموت وما بطلع (لن أغادر) من داري".

وفوق الحصار يتخذ الجيش الإسرائيلي من البنايات المحيطة بمنزل عائلة جوهر ثكنات عسكرية له، فالعائلات الباقية تنام وتستيقظ على صوت تفجيرات الاحتلال واقتحاماته، وكل ذلك لم يخف رانيا، بل تحث الأهالي الذين غادروا منازلهم على العودة إليها وعدم تركها ليستبيحها جنود الاحتلال.

وانتشرت مقاطع فيديو لرانيا عبر مواقع التواصل وهي تقوم بجولات تصويرية لبعض أحياء المخيم ومنازل المواطنين لطمأنة أصحابها عنها، وتقول إنها أصبحت حلقة وصل بين النازحين ومنازلهم. وتضيف "كثيرون أخبروني بأنهم سيعودون مهما كلف الأمر، لأنهم لم يعودوا يطيقون النزوح".

الشاي والخبز طعامه

ومثل أهالي مخيم طولكرم يصمد المواطن ماجد حسين لليوم 26 بمنزله في حارة الدمج بمخيم جنين، الذي يشهد اجتياحا إسرائيليا مدمرا، ويصرّ على البقاء تحت كل وسائل الضغط العسكري وغيره التي نفذها ولا يزال جيش الاحتلال ضدهم.

وفي رسالة مصورة له نشرت عبر مواقع التواصل تحت عنوان "أنا صامد هون (هنا)" قال حسين إنه يرفض المغادرة رغم كل الظروف، وإنه يعيش هو وزوجته منذ فترة طويلة على تناول "الشاي والخبز" كطعام وحيد لهم، ويقول "اقتحم الجنود المنزل مرتين ورفضت النزوح، وقمت بطردهم".

ومن الصمود الفردي واجه مخيم الفارعة قرب مدينة طوباس شمال الضفة الغربية خلال اقتحامه قبل أيام عمليات تهجير طالت أكثر من ألفي مواطن، لكنهم سرعان ما عادوا بعد انسحاب جيش الاحتلال. ولا سيما بعد دعوات فردية وجماعية طالبت المواطنين بالصمود وعدم النزوح أو العودة لمنازلهم.

إعلان

وتشير إحصائيات لجان الخدمات في المخيمات (تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية) إلى أن أكثر من 90% من أهالي مخيم جنين ومخيمي طولكرم ونور شمس، نزحوا من منازلهم تحت ضغط اجتياحات الاحتلال وبفعل عمليات الهدم والحرق التي طالت مئات المنازل فيها، وتجريف البنى التحتية وتغيير معالمها.

مقالات مشابهة

  • اختاروا العيش داخل خيام.. الأمم المتحدة: عودة النازحين للمناطق المدمرة في شمال غزة
  • أطباء 2006 يُهدون «أطفال بنها» جهاز موجات صوتية تبرعا من «دفعة الخير»
  • عدنان الروسان يكتب .. عناق يصل الى حد الفاحشة
  • إسرائيل غاضبة.. رئيس كولومبيا يرفع خريطة فلسطين ويتضامن مع أطفال غزة
  • نيويورك تايمز”: النزوح الحالي من الضفة الغربية هو الأعلى منذ عام 1967م
  • الهجرة الدولية تعلن عن نزوح 36 أسرة يمنية خلال أسبوع
  • طبيب فلسطيني لـ«الاتحاد»: أطفال غزة يعانون أزمات نفسية غير مسبوقة
  • بعضهم يعيش على الشاي والخبز.. صامدون بمخيمات الضفة رغم الاجتياحات
  • بين التجنيد والاتجار.. شبكات إجرامية تستهدف أطفال صنعاء وسط تواطؤ حوثي
  • كاريكاتير عمر عدنان العبداللات