البوابة نيوز:
2025-02-21@00:08:56 GMT

بلاغة من عصر الديناصورات

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

بعض الأشخاص يظنون أن استخدام كلمات مهجورة لا تُذكر إلا في المعاجم القديمة أو أمهات الكتب، هو السبيل لإبراز ثقافتهم وإظهار تفوقهم الفكري أمام الآخرين، فيسعون جاهدين لصياغة جملة أو جملتين مليئتين بالمصطلحات الغريبة التي يكاد يفهمها حتى المتخصصون بصعوبة.

لكن في حقيقة الأمر، هذه المحاولات كثيرًا ما تعكس نقصًا داخليًا يسعى صاحبه للتعويض عنه بالتظاهر، بينما يفتقد جوهر الثقافة الحقيقي، وهو القدرة على التواصل الواضح والمفيد.

إن اللغة، في أصلها، وسيلة للتفاهم والتقريب بين البشر، لا وسيلة للتعقيد أو استعراض الذات.

ما يفعله هؤلاء هو أشبه بمن يرتدي زيًا تقليديًا فاخرًا في وسط حفلة عصرية، فتكون النتيجة ليس الإعجاب، بل إثارة الدهشة وربما السخرية الخفية. فما جدوى البلاغة إذا لم تكن أداة للتأثير الإيجابي والفهم العميق؟. إن الثقافة الحقيقية ليست في الكلمات، بل في الفكر والإبداع الذي يحمل رسالة واضحة تصل إلى الجميع.

ولقد أصبحت الثقافة واحدة من أبرز الوسائل التي يُقيّم بها الإنسان، ليس فقط على مستوى تحصيله المعرفي، بل في طريقة تعبيره ولغته المستخدمة.. من هذا المنطلق، فهناك أشخاص يعتمدون على الكلمات المعقدة والنادرة، كأنها وسام يزين صدورهم. لكن خلف هذا البريق اللغوي، تكمن أزمة حقيقية تعكس نقصًا داخليًا، ومحاولة تعويض ضعف في العمق الفكري بأساليب سطحية قد تثير الإعجاب للوهلة الأولى، لكنها في النهاية تفقد تأثيرها، وتصبح مادة للسخرية أو حتى الشفقة.

الثقافة الحقيقية ليست مجرد كلمات رنانة، أو عبارات صعبة الفهم تُقتبس من المعاجم، بل هي امتداد للوعي والفهم العميق للحياة. إنها القدرة على التأثير الإيجابي في المجتمع عبر أفكار بسيطة ولكنها عميقة، تستند إلى فهم حقيقي لقضايا الإنسان. لكن هؤلاء الذين يُعرفون بـ"المتظاهرين بالثقافة" لا يدركون هذا البعد.

يرى البعض منهم أن الثقافة تكمن في إبهار المستمع أو القارئ بكلمات غريبة، معتقدين أن ذلك كافٍ ليثير احترام الآخرين أو حتى انبهارهم. يلجأ هؤلاء إلى استخدام كلمات مثل "شنف أذنيه" أو "دهماء"، أو عبارات مستوحاة من الشعر القديم دون سياق مناسب، وكأنهم يحاولون استحضار أمجاد الماضي دون فهم حقيقي لمعانيها.

اللغة في جوهرها ليست إلا أداة للتواصل بين البشر. عندما تُستخدم كلمات لا يفهمها المتلقي، فإنها تفقد دورها الأساسي وتتحول إلى عائق بدلًا من جسر. إن من يتعمد تعقيد حديثه أو كتابته، فإنه يضع حاجزًا بينه وبين الآخرين، وهذا يُفقده التأثير الذي يسعى إليه.

الثقافة الحقيقية ليست في استخدام كلمات معقدة، بل في اختيار كلمات مناسبة توصل الفكرة بوضوح وفعالية. إنها القدرة على جعل المستمع أو القارئ يفهم الفكرة بعمق دون حاجة إلى ترجمة أو توضيح.

لا يُدرك هؤلاء المتظاهرون أنهم بفعلهم هذا يبعدون الناس عن جوهر الثقافة، ويشوهون قيمتها. فبدلًا من أن تكون الثقافة جسرًا يربط الإنسان بالعالم، تصبح أداة للنرجسية والاستعلاء. عندما يستخدم شخص لغة مبالغًا في صعوبتها، فإنه لا يبحث عن التفاهم، بل عن الإعجاب، وهو ما ينزع عن اللغة دورها الإنساني.

علاوة على ذلك، فإن هذا السلوك يؤدي إلى تشويه صورة المثقف الحقيقي، ذلك الذي يسعى لتقريب المعاني وجعل الثقافة متاحة للجميع. فكلما ازداد التظاهر بالثقافة، ازداد نفور الناس من اللغة العميقة، وارتبطت في أذهانهم بالتعقيد والمبالغة.

والتظاهر بالثقافة ليس سوى محاولة للتعويض عن نقص داخلي. فالشخص الذي يشعر بعدم الثقة في عمق معرفته، قد يلجأ إلى استعراض سطحي يحاول من خلاله إثبات تفوقه. لكنه لا يدرك أن هذا الأسلوب يكشف عن ضعفه أكثر مما يُخفيه.

على الجانب الآخر، قد يكون هذا السلوك انعكاسًا لبيئة اجتماعية تقدس المظاهر على حساب الجوهر. ففي مجتمعاتنا، يُقدَّر الإنسان أحيانًا بناءً على ما يبدو عليه، وليس على حقيقته. وهذا يدفع البعض إلى التركيز على قشور الثقافة بدلًا من جوهرها.

والخلط بين استخدام المعاجم والبلاغة الحقيقية هو أحد أكبر الأخطاء التي يقع فيها هؤلاء. البلاغة ليست في تعقيد الكلام، بل في جمال الصياغة وبساطتها. انظر إلى الكتاب الكبار والأدباء العظماء، مثل نجيب محفوظ وطه حسين، الذين استطاعوا بأبسط الكلمات أن يعبروا عن أعقد الأفكار. لم يكن هدفهم أبدًا إظهار معرفتهم بالكلمات النادرة، بل نقل أفكارهم بأفضل طريقة ممكنة.

الثقافة الحقيقية لا تعني أن تكون معجمًا متحركًا، بل أن تكون شخصًا قادرًا على فهم العالم وتحليله بعمق، وقادرًا على نقل هذا الفهم بأسلوب بسيط ومؤثر. إن من يركز على الكلمات بدلًا من الأفكار، فإنه يضع العربة أمام الحصان، فيضل الطريق إلى التأثير الحقيقي.

الثقافة ليست في عدد الكلمات التي نستخدمها، بل في قدرتنا على إيصال الفكرة الصحيحة، وفي وعينا بقضايا الإنسان والمجتمع. المثقف الحقيقي هو من يستطيع أن يبني جسورًا من التفاهم، لا من يضع الحواجز ويجعل الثقافة حكرًا على فئة صغيرة.

 يجب أن ندرك أن الثقافة ليست استعراضًا، بل مسؤولية. كل شخص يمتلك وعيًا أو معرفة، عليه أن ينقلها للآخرين بأبسط شكل ممكن، وعلينا أن نتوقف عن تقدير الأشخاص بناءً على مظاهرهم اللغوية، وأن نركز بدلًا من ذلك على عمق أفكارهم ومدى فائدتها.

كما يجب أن ننشر وعيًا حول أهمية اللغة البسيطة والواضحة. لا عيب في استخدام كلمات سهلة الفهم، بل العيب في تعقيد الأمور بلا داعٍ.

فالتظاهر بالثقافة ليس سوى قناع هش يحاول بعض الأشخاص ارتداءه لإخفاء نقصهم. لكنه قناع سرعان ما يسقط، ويترك صاحبه مكشوفًا أمام الجميع. إن الثقافة الحقيقية لا تحتاج إلى تعقيد، بل إلى وضوح وصدق. اللغة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لفهم العالم والتواصل مع الآخرين. وكل من يستخدمها لخدمة غروره، فإنه يُفقدها قيمتها الحقيقية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: الثقافة الحقیقیة استخدام کلمات بدل ا من لیست فی

إقرأ أيضاً:

قبل مغادرته لبنان.. دعوة من الحريري إلى هؤلاء!

 ادر الرئيس سعد الحريري، مساء اليوم، بيروت متوجها إلى الإمارات العربية المتحدة.

وكان الرئيس الحريري استقبل وفدا موسعا من جمعية "بيروت للتنمية الاجتماعية"، في حضور رئيسة مؤسسة "الحريري للتنمية البشرية المستدامة" بهية الحريري ورئيس الجمعية أحمد هاشمية.

ودعا الحريري "جميع الأفرقاء في لبنان إلى التواضع والتفكير مليا في مصلحة البلد، لا سيما بعد التطورات الكبيرة التي شهدتها المنطقة"، مشددا على "ضرورة العودة إلى وضع لبنان أولا وفوق كل الاعتبارات في كل شأن يهم المصلحة العامة".

وشدد الحريري أمام الحضور على "مكانة جمعية بيروت للتنمية في قلب الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقلبه شخصيا"، منوها بأن "الجمعية مستمرة على نهج الرئيس الشهيد، وهذا ما جعلها تنشط بقوة خلال فترة الحرب الأخيرة التي عاشها لبنان، وذلك حين عمل أفرادها بقوة على مساندة اخواننا النازحين بكل ما يمكن من دعم"، وقال: "إن بيروت التي احتضنت رفيق الحريري وأعطته الكثير وبكت عليه، هي نفسها التي يجب أن نقوم بكل ما يمكننا من أجل إحلال الاستقرار فيها وفي كل لبنان، وأن نعمل بكل ما أوصانا به رفيق الحريري من أجل الحفاظ على وحدتها الوطنية وروحيتها وتوازنها والمناصفة فيها".

وكان الرئيس الحريري استقبل، بعد ظهر اليوم، وفدا كبيرا من مؤسسة "الحريري للتنمية البشرية المستدامة" في صيدا وبيروت برئاسة رئيسة المؤسسة بهية الحريري، وجرى عرض الأوضاع العامة وشؤون المؤسسة على صعيد مختلف قطاعاتها الصحية والكشفية والرياضية والتربوية وعلى صعيد العمل الاجتماعي والتنمية المستدامة.

واستقبل الرئيس الحريري المطران بولس مطر موفدا من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في حضور رئيسة مؤسسة "الحريري للتنمية البشرية المستدامة" بهية الحريري والمستشارين الدكتور غطاس خوري وهاني حمود.

بعد اللقاء، أوضح المطران مطر أنه نقل إلى "الرئيس الحريري تحيات البطريرك الراعي وعرض معه الأوضاع العامة في البلاد". 

كما استقبل متروبوليت بيروت وتوابعها للسريان الأرثوذكس المطران دانيال كورية، الذي قال على الاثر: "نحن سعداء جدا بلقاء الرئيس الحريري. وبالتأكيد، فإن وجوده بيننا يزرع الفرح في قلوب الكثيرين ويرد الأمل إلى كثير من الناس الذين افتقدوا وجوده وإرث هذه العائلة المباركة في لبنان. ولذلك، أتينا نقول له أهلا وسهلا، وقلنا له: لبنان بحاجة لك ولأمثالك، ربما كانت هناك معوقات في طريقك وطريق عملك في السابق، لكن هذه العقبات بدأت تذلل، وأنا كمطران في بيروت أستطيع أن أقول إن غالبيتنا نحب هذه العائلة عموما، وشخصك أنت خصوصا، لأنك تحافظ على إرث والدك وتحافظ على العيش المشترك وعلى كونك صمام أمان في لبنان ككل، وفي العاصمة بيروت خصوصا".

 

الرهبانية المارونية المريمية

كما التقى الرئيس الحريري الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية الأباتي إدمون رزق، النائب العام في الرهبانية الأباتي بيار نجم والمدبر العام الأب جان مارون الهاشم، الذي قال بعد اللقاء: "تشرفنا اليوم كرهبانية مارونية مريمية بزيارة بيت الوسط لكي نقول للرئيس الحريري إن لبنان بحاجة له، هذا الوطن الذي قال عنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني إنه الوطن الرسالة، ورسالته أن يكون بلد تلاق".
أضاف: "لقد رغبنا في أن نقول للرئيس الحريري إن اللبنانيين اشتاقوا له، وإن وجوده بيننا هو مبعث أمل، وقد أعطى الكثير من اللبنانيين الثقة، فتكاتف الإرادات الطيبة هو ما يخلص لبنان. كما أردنا أن نقول لدولته إن أبواب الرهبانية المارونية المريمية مشرعة لاستقباله في كل مؤسساتها، ونحن ننتظر "اليوم الحلو" الذي يعود فيه الرئيس سعد رفيق الحريري ويستقر في لبنان، لأنها ستكون علامة مضيئة وتأكيدا على أن لبنان هو الوطن النهائي لنا، ولا قوة يمكنها أن تهجرنا من هذه الأرض الطيبة".


"حركة شباب لبنان"

واستقبل الرئيس الحريري، وفدا من "حركة شباب لبنان" برئاسة رئيسها إيلي صليبا، الذي قال على الأثر: "التقينا اليوم كوفد من حركة شباب لبنان وهيئة الطوارئ المدنية واتحاد رجال وسيدات الأعمال في لبنان بالرئيس الحريري، وتطرقنا معه إلى التعاون والتنسيق القائم بيننا وبين تيار المستقبل منذ ما قبل عام 2016، وأكدنا أننا مستمرون على هذا النهج بالتعاون سويا في الاستحقاقات المقبلة، بناء على ما أعلنه دولته في ما خص خوض تيار المستقبل الانتخابات، وهو سيكون ممثلا للشريحة الكبرى من اللبنانيين في الاستحقاقات المقبلة".
أضاف: "كما تطرقنا إلى شؤون الساعة، وتمنينا على دولته البقاء في لبنان نظرا لما يمثله، وللدور الذي يجب أن يلعبه في هذه المرحلة الحساسة القائمة. وأكد الرئيس الحريري من جهته على دعمه لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بجهودهما، فهناك فرصة سانحة لا بد أن يستغلها البلد لتحقيق الإنجازات المطلوبة".

الطلاب الفائزون

وكذلك، استقبل الرئيس الحريري وفدا من الطلاب الذين فازوا في الانتخابات الطالبية في جامعتي "رفيق الحريري" و"اللبنانية الأميركية" في بيروت وجبيل، وأهدى الطلاب الرئيس الحريري الفوز الكبير الذي حققوه. 
من جهته، نوه الرئيس الحريري بـ"الإنجاز الذي تحقق"، داعيا إياهم إلى "التركيز على كل ما يمكن أن ينمي من قدراتهم العلمية ويطور مهاراتهم، بما يخدم مصلحة البلد، لا سيما على صعيد الذكاء الاصطناعي".
 
 الجربا
كذلك، استقبل الرئيس الحريري الرئيس السابق لـ"الائتلاف الوطني السوري" رئيس "تيار الغد" أحمد الجربا وجرى البحث في الوضع في سوريا.

اتصالات
على صعيد آخر، تلقى الرئيس الحريري سلسلة اتصالات من عدد من المسؤولين السياسيين والروحيين والاقتصاديين، لا سيما من شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى وبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي وشخصيات، وتم استعراض آخر التطورات المحلية والإقليمية والأوضاع العامة.

مقالات مشابهة

  • مـا هـي الحضـارة الحقيقيـة؟
  • كلمات عن يوم التأسيس السعودي
  • حصري للنهار.. هؤلاء هم أعضاء لجنة تحكيم “جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب”
  • عالم آثار يكشف معلومات جديدة عن منكاورع والقصة الحقيقية لـ الهرم الثالث |شاهد
  • ما بين التسوّل السياسي الكوردي والقيادة الحقيقية
  • السوريون الآتون من أوروبا.. من سيراقبهم في لبنان؟
  • دراسة: انقراض الديناصورات سمح بظهور وتطور الفواكه
  • صاحبة القصة الحقيقية لفيلم الشيطان والدراجة تكشف كواليس مشهد مستبعد من العمل
  • قبل مغادرته لبنان.. دعوة من الحريري إلى هؤلاء!
  • الدردير يشيد بـ زيزو: ‏القائد والأسطورة الحقيقية لنادي الزمالك