هل حانت ساعة أوروبا مرة أخرى؟
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
في عام 1991، أَكَّـدَ وزير خارجية لوكسمبورج آنذاك، جاك بوس: «إذا كان بوسع الأوروبيين حلّ مشكلة واحدة فهي المشكلة اليوغوسلافية». كان الاتحاد السوفييتي تفكك رسميا وبشكل سلمي إلى حد كبير في نهاية ذلك العام، لكن التوترات العرقية في البلقان كانت في تصاعد، وكان بوس يصر بشدة على أن أوروبا، وليس الولايات المتحدة، هي التي يجب أن تدير الأزمة المتصاعدة في يوغوسلافيا، بما أنها دولة أوروبية.
اليوم، يجري تمزيق دولة أوروبية أخرى: أوكرانيا. لذا، وحسب منطق بوس، فإن الأمر متروك لأوروبا «لإنقاذها». فهل ستثبت أوروبا كونها أكثر فعالية هذه المرة؟ يبدو أن اتهامات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب الفجة بأن أوروبا لا تعتمد على نفسها بالقدر الكافي عندما يتعلق الأمر بالأمن لا تخلو من ذرة من الحقيقة. الواقع أن لا أحد في أوروبا يتوهم أن أوروبا قادرة وحدها على حل «المشكلة» الأوكرانية؛ إذ كان من المتوقع دائما أن تضطلع الولايات المتحدة بدور قيادي. لكن هذا الواقع لا ينبغي أن يحجب مساهمات أوروبا في أوكرانيا. وفقا لمتتبع الدعم المقدم لأوكرانيا التابع لمعهد كيل، فإن أوروبا ــ بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء والنرويج والمملكة المتحدة ــ تجاوزت الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للمساعدات المقدمة لأوكرانيا، مع تخصيص نحو 125 مليار يورو (128 مليار دولار أمريكي) حتى أواخر العام الماضي، مقارنة بـنحو 88 مليار دولار من الولايات المتحدة. وشمل هذا المبلغ كل المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة (حوالي 60 مليار يورو). علاوة على ذلك، التزمت أوروبا بالفعل بتقديم 120 مليار يورو أخرى، على أن يتم صرفها في السنوات القليلة المقبلة، في حين أصبحت المساعدات الأمريكية في المستقبل موضع شك. عندما نضع في الاعتبار حجم اقتصادات المانحين وميزانياتهم العسكرية، نجد أن أياً من المساهمات لا يعتبر مثيرا للإعجاب. بالنسبة للولايات المتحدة - حيث يبلغ الناتج 27 تريليون دولار سنويا - لا تمثل 88 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات تقريبا سوى خطأ تقريبي، وتمثل 60 مليار دولار 7.5% من إجمالي الإنفاق العسكري الأمريكي الذي يبلغ الآن أكثر من 800 مليار دولار سنويا. ورغم أن اقتصاد أوروبا أصغر بعض الشيء، فإن إجمالي مساعداتها لأوكرانيا (بما في ذلك المساعدات المقدمة من النرويج والمملكة المتحدة) لا تزال تكلفتها تشكل أقل من 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي. المعنى الضمني واضح: الاعتبارات المالية ليست عائقا لا يمكن التغلب عليه يحول دون «إنقاذ» أوكرانيا. من الناحية السياسية أيضا، تبدو الأمور جيدة إلى حد معقول بالنسبة لأوكرانيا. فحتى مع استمرار الحرب لأكثر من ثلاث سنوات، صَـمَـد الدعم الشعبي للبلاد بدرجة كبيرة. وفي حين تضاءل حماس الأوروبيين لإرسال المساعدات لأوكرانيا، حيث فقدت رواية «ديفيد ضد جالوت»، التي أثبتت قدرتها على إثارة الحماس في أيام الحرب الأولى، تأثيرها، فإن الأغلبية الشعبية في كل بلد أوروبي تقريبا لا تزال تفضل استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا.
يرى صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي أن انتصار روسيا من البديهي أن يهدد وجود الاتحاد الأوروبي ذاته. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، واضحة بشكل خاص في هذا الصدد، وقد أخذت على عاتقها قيادة ودعم مجموعة غير مسبوقة من العقوبات وغيرها من التدابير التي تهدف إلى إجبار روسيا على تغيير مسارها.
الأمر الأكثر أهمية أن معظم صناع السياسة الأوروبيين على المستوى الوطني يتشاركون القناعة بأن دعم أوكرانيا يصب في مصلحة بلدانهم. ذلك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، الذي أعلن بوضوح ازدراءه للقيم والمعايير التي يمثلها الاتحاد الأوروبي، يخوض بالفعل حربا في الظل مع الغرب. وإذا سُمح له بالمطالبة بالأراضي الأوكرانية بالقوة، فما الذي قد يمنعه من المضي قدما في طموحه لإعادة رسم خريطة أوروبا؟ هذا الخطر لا يشغل بال جيران أوكرانيا الأقربين فحسب، بل وأيضا أولئك الذين يعتبرون أوكرانيا، مع بعض التعديل للعبارة السيئة السمعة التي جاءت على لسان نيفيل تشامبرلين، بلدا بعيدا لا يعرف الناس عنه إلا القليل. هذا التصور المشترك للتهديدات يفسر السبب وراء حرص 26 حكومة في الاتحاد الأوروبي في أواخر عام 2023 على الدفع بقرار فتح مفاوضات الانضمام مع أوكرانيا. مثل هذه الخطوة ليست في حكم الممكن، إلا بالموافقة بالإجماع، لكن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان رفض دعمها، لذلك طلب منه قادة الاتحاد الأوروبي مغادرة القاعة أثناء إجراء التصويت. سلطت هذه الحادثة الضوء على الكيفية التي قد تتسبب بها قواعد الاتحاد الأوروبي، التي تتطلب الإجماع غالبا، في إعاقة الاستجابات الفعّالة وفي الوقت المناسب للتحديات الداخلية والتهديدات الخارجية. لكنها أظهرت أيضا أن الأغلبية الساحقة، إذا كانت عاقدة العزم بالقدر الكافي، قادرة على تجنب إعاقتها من قبل منشقين من دول صغيرة. في الواقع، يدرس ائتلاف كبير من دول الاتحاد الأوروبي الآن إنشاء صندوق مشترك بقيمة 500 مليار يورو لمشاريع الدفاع خارج معاهدات الاتحاد الأوروبي، بحيث لا يخضع لحق النقض. لن يتسنى لأي قدر من الدعم الأوروبي أن يعمل كبديل كامل للثقل السياسي والعسكري الذي تتمتع به الولايات المتحدة. ولكن عندما يحاول ترامب التفاوض على «صفقة سلام» تعود بالنفع على بوتن على حساب أوكرانيا ــ يجب أن تكون أوروبا مستعدة للارتقاء إلى مستوى «ساعتها» فتعمل على تزويد أوكرانيا بالدعم السياسي والمالي الذي تحتاج إليه للحفاظ على قدرتها على المقاومة. ورغم أن أوروبا لا تستطيع أن تقرر نتيجة الحرب، فإنها قادرة على تحسين فرص أوكرانيا بدرجة كبيرة. وسوف تؤثر عزيمتها على حسابات كل من ترامب وبوتن.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی ملیار یورو أن أوروبا
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأوروبي "قلق" بشأن القيود الأمريكية على صادرات شرائح الذكاء الاصطناعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعربت سلطات الاتحاد الأوروبي عن قلقها إزاء القيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكي، على صادرات الرقائق الإلكترونية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
وقالت المفوضية الأوروبية، في بيان صحفي: "نعتقد أنه من المصلحة الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة أيضا أن يشتري الاتحاد الأوروبي شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة من الولايات المتحدة دون أي قيود".
وكانت إدارة جو بايدن قد قدمت أمس الاثنين قواعد جديدة بشأن تصدير الرقائق المتخصصة في الذكاء الاصطناعي لمنع خصومها من الوصول إلى أحدث الابتكارات.
وقالت وزيرة التجارة جينا رايموندو: "أصبحت الولايات المتحدة الآن رائدة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، سواء تعلق الأمر بتطوير الذكاء الاصطناعي أو تصميم شرائح خاصة بالذكاء الاصطناعي، ومن الأهمية بمكان أن يتشارك بقية العالم في هذا المجال".
وفي أكتوبر 2023، كشفت الولايات المتحدة عن قيود على تصدير الرقائق الأكثر كفاءة إلى الصين، بما في ذلك المكونات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي، لمنع بكين من استخدامها لأغراض عسكرية.
وتريد واشنطن فرض الحصول على تصاريح جديدة لتصدير ونقل الرقائق الحاسوبية المتطورة إلى قائمة موسعة من البلدان، وتعزيز الضوابط على نشر معايير نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدما.