فعاليات "ليالي مسقط" تعزز نمو المؤسسات الصغيرة وسط إقبال تجاوز نصف مليون زائر
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
الرؤية- ريم الحامدية
شهدت الأيام الأخيرة من فعاليات ليالي مسقط 2025، حضورا استثنائيا للاستمتاع بالأنشطة والبرامج الترفيهية والفنية والتثقيفية. كما زار صاحب السمو محافظ ظفار وعدد من كبار الشخصيات البارزة من بينهم معالي السيد محافظ مسقط وسعادة رئيس بلدية مسقط، عددا من مواقع الفعاليات، مؤكدين دعمهم لهذا الحدث الذي يجسد التنوع الثقافي والسياحي لعُمان.
وشملت الجولة زيارة مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، حيث تفقدوا "قرية الطفل" والتي لاقت إعجاب الحضور بما تقدمه من أنشطة ترفيهية وتعليمية للأطفال، وأيضا زيارة حديقة القرم الطبيعية، التي احتضنت فعاليات مبهرة كعروض الدرون بمشاركة أكثر من 1000 طائرة أضاءت السماء، بالإضافة إلى جلسة ثقافية مميزة قدمها الدكتور جاسم المطوع، تناولت مواضيع الإرشاد الزواجي والحوار الأسري.
وتجاوز عدد زوار الفعاليات حاجز نصف مليون زائر، وعبّر المشاركون عن سعادتهم بهذه الفعاليات، كما أشاد أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المشاركة في هذا المهرجان بالتنظيم وإتاحة الفرصة لتعزيز نمو هذه المؤسسات.
وقال أحد ممثلي شركات الأطعمة المحلية: "مشاركتنا في ليالي مسقط كانت تجربة ناجحة بكل المقاييس، حيث استطعنا التعريف بمنتجاتنا لجمهور واسع، وسط أجواء تنظيمية رائعة".
وأوضح أحد أصحاب المؤسسات الحرفية العمانية: "هذا الحدث يمثل منصة حقيقية لدعم الأعمال المحلية، وتقديم الحرف اليدوية بشكل مميز يساهم في تعزيز ثقافة وتقاليد عمان أمام الزوار".
وفي متنزه العامرات، جذبت الأمسية الشعرية اهتمام الجمهور، بمشاركة نخبة من الشعراء الذين أضفوا أجواء ثقافية مميزة، كما شهد متنزه النسيم عقد جلسات حوارية وعروض مسرحية متنوعة نالت استحسان الحضور.
وتثبت ليالي مسقط، بحضور صاحب السمو والدعم الكبير من مختلف الجهات، أنها ليست مجرد فعالية ترفيهية، بل هي مهرجان ثقافي واقتصادي وسياحي يرسخ مكانة السلطنة على خارطة الفعاليات الإقليمية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الدكتورة أمل جمال تكتب: سحر الواقع وشخصيات من لحم ودم.. قراءة في حكايات ياسر الغبيرى "ليالي الطين"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق أن تعرف ياسر الغبيري إنسانيا، هو أن تتعرف على ماسة متعددة الوجوه تشع جمالا حين تتأملها من أية زاوية. فهو الأكاديمي باحث الدكتوراه، وهو الصحفي النابه أوسطي الصحافة الثقافية وفارسها، وهو الإنسان الذي تفتخر بمعرفته وتتحدث معه وعنه بنفس أريحية الحديث عن ابن خالتك أو ابن عمك أو جارك الخلوق الذي تربى معك في نفس الشارع، وهو ابن الصعيد الذي ربما لم تزره طوال عمرك. ولا تعرف عنه سوى الصورة النمطية المتلفزة. وجه جديد نتعرفه لياسر الغبيري اليوم حين يفاجئنا كأديب ويقدم لنا مجموعته القصصية (ليالي الطين) من قلب الجنوب، وواقعه الأرض التي تحتفظ بأسرارها، والناس الذين يعيشون على فطرةٍ ممزوجة بالحكمة وتقاليد تشعر بها معاشة لا مكتوب عنها. تنبثق هذه القصص من واقعٍ حقيقي عايشه الناس وسكن الذاكرة الجمعية لأهالي الصعيد.الدكتورة أمل جمالعشر قصص تتكون منها المجموعة وتحمل عناوين مختلفة هي (سعيكم مشكور - غواية - ليالي الطين - محرقة- نوفل الخط- الخروج الأخير- قُبلة مفقودة - ثأر صفية - سيدنا الولي- بضاعة الله) لتأخذنا في رحلة لا تسعى إلى الحكي فقط؛ بل إلى ما هو أبعد: فهي تلتقط التفاصيل الصغيرة التي تصنع المصائر، وتُعلي من قيمة الحق والخير في وجه القسوة والخطأ. ولأنها قصص من لحم الناس ودمهم فلا شك أننا، ستجد بين ثنايا السطور نبض الأرض، وصدى الصدق، وحكمة الأجداد.
روح الواقع/ سحر المكان
يقول الروائي الكبير بهاء طاهر: "لا تستطيع الكتابة عن شخص دون أن تكتب عن المكان الذي نشأ فيه، فالمكان في الصعيد، تحديدًا، ليس حيّزًا جغرافيًا، بل قدر يُكتب مع الميلاد"، والمكان ليس مُجرّد موقع للأحداث فقط وإنما مشاركًا وفاعلًا ومحددًا لعلاقة الإنسان بجذوره، يُضيء داخل النص أيضًا وليس إطارًا للأحدا. يتعامل ياسر مع المكان من مستويين. المستوى الأول لا يصف المكان جغرافيًا معتمدًا على المطبوع في الذهن عنه فيقدمه مجردًا، يُشبه أي مكان وكل مكان مثل مكتب البريد والمباني الحكومية التي يقومون بترميمها وتجديدها كما في قصة سعيكم مشكور- ومقر الجريدة ومكب النفايات كما في قصة محرقة. البيوت والشقق العادية كما في قصة غواية وقصة قبلة مفقودة. حتى الكمين وقوة الحراسة والجبل الذي عاش فيه نوفل الخط والأماكن بالقاهرة. المستوى الثاني يعتني به ويعمد أن يقدمه لنا حين يشتبك المكان مع الشخصيات في الحدث. لأن المكان يُسهم في تشكيل السرد من خلال ما يخفيه أيضًا لا ما يظهره فقط لنا كقراء، كما جاء في وصف غرفة الجدة سمرة في قصة (الخروج الأخير) أشار إلى أنها غرفة لا تخرج منها الجدة العجوز التي ترفض أن يتذكرها الأهل فقط في الأعياد. ترفض علاقة الآخرين بها من قبل الواجب وترفض أن يدخل غرفتها إلا من يحبها بشكل حقيقي وكأن هذه الغرفة هي مملكتها أو درعها في مواجهة زيف العلاقات، وحينما قررت أن تخرج كان خروجها الأخير إلى المقابر.
المكان الآخر الذي اختصه (ياسر) بعنايته في الوصف جاء في قصة (ثأر صفية) وصف بيت صابر الحارس الليلي لمصنع الجلود، وزوج صفية وأبو الشاب حسين الذي قتل غدرا رغم تضحيات الأم وتربيتها له يتيمًا. كان من الضروري أن يرسم مكان الأحداث لنرى جيدا من أين جاءت الرصاصة وأين اختبأ الغادر ببندقيته وأين كان ينام. والمكان الذي فرت منه صفية بابنها واعتزالها العائلة بعد ما حدث لتنجو بابنها من قدر القتل وتنجو بنفسها من نار الثأر التي أبت إلا أن تطالها بعد قتل ابنها. هنا نجد المكان قد تحول إلى شاهد على الجريمة ومشاركًا فيها حين احتوى القتلة والضحايا. وهنا نذكر قول فلاديمير نابوكوف "وصف المكان هو ما يثبت القصة في الذاكرة. يمكننا أن ننسى الحبكة، لكننا لا ننسى الغرفة التي دارت فيها المواجهة".
غلاف المجموعة القصصية "ليالي الطين"الأحداثتتنوع الأحداث وتتسارع في "ليالي الطين" بلغة صحفية سريعة ودالة تضرب تقصد قلب الهدف كطلقة، ولا تستهلك وقت القارئ في سرد مترهل وهو ما أعتقد أنه تأثير الكتابة الصحفية التي استشعرتها في مشروع قتل جارة للكاتب الكبير صبري موسي. في هذه المجموعة لا نروي خيالًا جامحًا ولا أحداث تنبع من فراغ بل من واقع حقيقي، نسجت ونضجت تحت شمس الصعيد. أحداث تحمل في طياتها الأمل والإحباط والتقاليد والهروب منها والغدر المحبة باختصار تقدم القسوة والعادلة في آنٍ معًا. في قصة "سعيكم مشكور" نرى انتظار بطلها خمسة عشر عامل لنشر إبداعه في مجلة زهرة الخليج ونرى أمله الذي لم يمت لأنه مؤمن بالكتابة وبأهمية ما يكتبه وقيمته. لنفاجأ في النهاية بالرسائل التي أرسلها بعلم الوصول إلي المجلة مُلقاة في أجولة مكتب البريد في النفايات حينما كانوا بصدد تجديده هو وشباب العائلة. فيسخرون مما حدث له وما فعله ليقدموا له العزاء في حلم عمره خمسة عشر عاما. نرى مجنون القرية أو بركتها الذي يُضحكنا ويحيرنا ويبكينا في تنقله من حال الي حال وبكتابة واقعية تحمل تراثنا من الإيمان ببركة هؤلاء وخوفنا من كراماتهم وعطفنا عليهم وإن شتمونا أو دعوا لنا بالخير أو شاركونا أحداثا وفق مزاجهم وأهوائهم.
أما أهم ما يميز الصعيد من عادات قديمة وهو الثأر فيقدمه في قصة ثأر صفية لنرى كيف تهرب صفية بولدها من قدر الثأر وتبتعد به ليكون ملاكا طيب القلب لا يحمل غلا ويربي الحمام فتقنتصه رصاصة الغدر من عائلته التي فرت منها أمه به (أعمامه وأخواله) لتنفجر بعدها وتنطلق كذئبة مجروحة تقتل قاتل ابنها وتعود للعائلة التي قتلت زوجها وابنها وتتحدى. نرى في قصة الغواية، الخيبة والغوص في النفوس البشرية وقتل الاب لابنه في نهاية غير متوقعة. الإحباط في وقت كورونا وتصوير الحياة في القرى وقتها وهروبهم من المدينة ثم العودة لأعمالهم لنجد البطل قد فقد جميع أوراقه الرسمية وأوراق عائلته. أما "ليالي الطين" القصة التي يحمل عنوانها الكتاب فأهمهم على مستوى السرد لأنها حكاية دائرية تبدأ بالنهاية ثم ندخل لتفسير الأحدان لنصل إلى نفس النقطة. في مشهدية أشبه بالأحداث اليونانية القديمة حينما ضربتها على وجهها ليلي العجوز وهي تضع الطين على رأسها ووجهها لموت ابنها لإهمالها فيه وسلوكها المشين. وكان ما حدث كان عقابًا إلهيًا مُدويًا أمام القرية كلها.
في تفاصيل كل قصة، يقدم ياسر رؤيته للأحداث بحيادية وفي نهاية كل قصة، يأتي الجواب، صارخًا، مؤلمًا، لكنه دائمًا مُستحق. لا تهدف القصص إلى وعظٍ مباشر، بل تُمسك القارئ من يده وتُريه اختيارات البشر، وكيف تأتي العدالة – ولو بعد حين إلى مواضعها المستحقة.
ياسر الغبيريالشخصياتالشخصيات في هذه القصص من نساء ورجال، من شيوخ وشباب، من أغنياء وفقراء يسيرون في طرق المعرفة جيدًا يشعرون بما نشعر به يحلمون مثلنا ويخطئون مثلنا ولديهم آمال مثلنا وفي النهاية يجدون ما يستحقونه لأن الأبواب في القصص كما في الحياة لا تغلق دون حساب. الشخصيات في "ليالي الطين" ليسوا مجرد أدوات لتحريك الأحداث، بل هي جوهر روح العمل، النبض الذي يحرّك الأحداث، والصراع الذي يمنح النصّ حيويته.
تتشكل الشخصيات هنا بشكل واقعٍي ملموس، يحمل الملامح الحقيقية دونما تجميل: الطيبة الصافية التي لا تتزيّن بالكلمات مثل شخصية حسين في ثأر صفية. وعلاقة الجارتين الأمهات في "ليالي الطين"، والشرّ الذي لا يصرخ، بل يتسلل كالحيات بمكرها وغدرها في قاتل حسين ونوفل الخط وأخيه تاجر السلاح وكيف أضمروا الغدر بأخيهم بتسليمه للشرطة بعدا أن صار متوحشًا دمويًا هاربًا من أحكام بالإعدام ولا يهاب أحدا، نرى الحلم الجميل البسيط للبنات العاملات في جمع البصل وقصة الحب العفيفة في "ليالي الطين" ونرى عكسها في نفس القصة ونرى كيف تفاعلت كل شخصية مع الأخرى، سواء بالغواية أم الطهر أو عذاب الضمير.
تتفاعل هذه الشخصيات مع الأحداث لا كمتفرجين؛ بل كمشاركين في صناعة الحدث، وكاشفين لما تحجبه الحياة اليومية من صراعات كامنة. الطيّب في القصص يُقدَّم كإنسان له وجعه وأمله، وانكساره، وانتصاره، وصبره مثل على في "سعيكم مشكور" وياسمين في "غواية". أما الشرير فلا يقدم كشرير فقط؛ بل كشخصية لديها أسبابها الخفية؛ مثل “صبري” الذي قتل ابنه ودفنه في بيته وسافر وشخصية “قمر” بحقدها وجمالها وسلوكها المشين تثري. وحتى نوفل الخط الدموي. ناهيك عن الطيبة التي تتحول إلى وحشية نتيجة الألم القاسي الذي صنع منها ما هي عليه مثل "صفية" بعد قتل ولدها وزوجها من قبله في قصة "ثأر صفية".
تفاعل هذه الشخصيات بتعقيداتها النفسية، لا تثري القصص فقط؛ بل تمنحها بعدًا إنسانيًا، يجعل القارئ متورطًا، لا يُدين بسهولة ولا يتعاطف بسهولة؛ بل يُفجّر أسئلة: من المسؤول؟ هل يكفي أن تكون طيبًا دائمًا؟ هل الطيبة هي المنقذ؟ وهل يستحق الشر دائمًا العقاب حين نتذكر صفية؟
هذه الأسئلة هي ما تجعل هذه القصص مرآة للواقع، لا للخيال، وتجعل القارئ شريكًا في الحكم، لا مشاهدًا للأحدث فقط.
هذه المجموعة بشكل عام لا تهدف إلى الإدانة ولا تتعالى على الواقع؛ بل تغوص فيه لتستخرج الدروس وتقدمها ببساطة الصدق وتبتعد عن العظة.عند لحظة الكشف، أو العقاب، أو الجزاء، لترسّخ في ذهن القارئ فكرة واحدة: أن للحق صوتًا وأن للخطأ ثمنًا، وإن طال الانتظار وكأنها تقول لنا في الصعيد لا تموت الحكاية إلا بعد أن تأخذ العدالة مجراها.