جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-13@20:18:13 GMT

قلمي طوفان غزة

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

قلمي طوفان غزة

 

سالم البادي (أبو معن)

 

 

يلومني البعض لكثرة كتاباتي عن غزة فأنا ما زلت أكتب منذ 60 أسبوعا ونَيِّف على أحداث غزة...، والبعض الآخر يتساءل عن غياب كتاباتي في الشأن الثقافي والأدبي فضلاً عن القطاع الاقتصادي والعقاري؛ كونه اختصاص عملي، في حين أن البعض يتساءل: لماذا أعكف على الكتابة باستمرار عن طوفان الأقصى منذ انطلاقته؟! وما الفائدة المرجوة من ذلك؟

أقول لهؤلاء.

.. لا تلوموني على الكتابة عن غزة.. وعن طوفان الأقصى، فأنا خُلقت لأمارس حقي في الكتابة، ولأمارس مع العالم الإخلاص في العمل والقول، وتحمل الكاتب مسؤوليته في نقل الأخبار الصحيحة. خلقت لانتزع مداد قلمي من طهر قلبي، ومن دم العفاف ومن روح المُقاومة.

سأبقى أكتب عن غزة هاشم؛ ليس لأنَّ لدي شغف الكتابة، أو وقت فراغ، ولكني أجد في الكتابة واجبًا إنسانيًا لا يُضاهى، إلى جانب واجب عقائدي لا يساومني أحد عليه، وفسحة للروح لا يحُدُّها شيء، ودفاعا مقاوما عن عروبتي، ونضالا مستميتا في سبيل الحرية، فلست ممن يفضلون كلام القيل والقال، ولغو الحديث.

أجد في الكتابة متنفسًا بعيدًا عن نفاق ورياء وخداع وكذب ومؤتمرات البشر، أجد في قلمي الصديق الوفي المخلص الذي لا يتخلى عني حتى ألج بحر الكلمات والعبارات.. أكتب لعلي أغير نظرةً، وأنقل واقعًا، وأوصل فكرة... أكتب لأبعث أملًا في قلبٍ غزاوي يائس، وأربت على كتف وجعهِ، وأريه النور وسط ركام بيته ومدرسته ومسجده.. أكتب لأنَّ الألم والوجع وقود الكتابة، فننقل الإحساس الصادق عبر القلم وعلى القرطاس.

سأكون أكثر وضوحًا.. فأنا أكتب عندما تجاهل العالم أوجاع غزة الجريحة اليتيمة المنسية وتجاهل آثار الجريمة العظمى في حق شعب لا يملك أدنى مقومات الحياة البسيطة، عندئذ يصبح من يملك قلمًا هو سيد الساحة بلا منازع!

نكتب لنقهر اليأس من صدور الشعب الفلسطيني المقاوم المناضل، ونجدد طاقة الأمل في نيل حريته المسلوبة، نكتب لتبقى روح المقاومة على الأرض مشرعة، تشرق عليها الشمس كل صباح، فتعكس أشعتها على أرواح الأحرار، وتجتثُّ من صدورنا الكدر والضيق والألم مما نشاهده ونعيشه يوميا من مجازر وإبادة جماعية.

لا تلوموني على كثرة الكتابة عن غزة لأنَّ أحزاني وآلامي وجراحي كثيرة..

لا تلوموني لكثرة كتاباتي عن حرب غزة لأن غزة قضيتنا الأولى وقضية الشعوب الحرة.

ونعتقد أن الكاتب صاحب رسالة ويجب أن يكون أكثر تميزا حتى يستطع إيصال رسالته بالصورة الصحيحة.

وقلمي لا يحده في الكتابة حدود ولا مسافات ولا يتقيد برؤية أحد وكل ما يخرج هو من القريحة بعد فترة احتضانٍ قد تدوم أيامًا، وهي نتاج فكري ثقافي ذاتي.

قلمي يكسوه الألم والحزن وهو يتابع أحداث غزة ساعة بساعة مسلسل القتل والإجرام والخراب والدمار والحرق والتعذيب والمجازر، دون أي حراك إقليمي وعربي وإسلامي ودولي لأجل إيقاف هذه الإبادة والدمار على شعب أعزل ومحاصر منذ عقود.

أين دور المنظمات الإنسانية؟!

فمن باب الإنسانية أن تشعر دول وشعوب العالم بالخزي والعار لما يحدث في هذه البقعة الجغرافيّة الصغيرة من عالمنا دون أن تحرك المشاعر والضمائر الإنسانية، دون أن تحرك دور المنظمات والجمعيات والهيئات والمؤسسات الأممية والدولية لإغاثة وإنقاذ شعب غزة من تحت الإبادة والمجازر اليومية.

نكتب عن غزة لأجل الروابط الدينية والثقافية المشتركة التي تربط العرب والمسلمين بالشعب الفلسطيني العربي المسلم المقاوم الذي يعيش تحت وطأة الاحتلال الصهيوني منذ 77 عامًا.

أُدرك تمامًا أنَّ قلمي لن يصد قذيفة أو يمنع قصفًا صاروخيًا صهيونيًا، أو يوقف الإبادة والمجازر اليومية، وأعلم أنه لن يستطيع تقديم رشفة ماء لعطشان أو كسرة خبز لجائع، أو دواءً لمريض وعلاجا لجريح غزاوي فلسطيني، أدرك كذلك بأن قلمي لن يستطيع حبس دمعة أم ثكلى أو يدفع إحساسا بالفقد.

لكن المؤكد أن قلمي يستطيع الاستمرار في الكتابة عن غزة فهي السبيل الوحيد لإيصال صوتنا تعبيرا عن الهواجس والآلام، والتضامن والتكافل مع اهلنا واخوتنا في قطاع غزة الأبية الشامخة الصامدة الصابرة المحتسبة، وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لنصرتهم ونحسبه أضعف الإيمان.

قلمي.. صوتي..

شعب غزة العزيز...

يخط قلمي الكلمات والعبارات المرتجفة الموجعة وهو كله ألم وأسى بهول مصابكم، وقوة صبركم ورباطة جأشكم، وعزة أنفسكم، وصلابة مواقفكم وعنفوان أرواحكم الطاهرة، وعظيم صنيعكم....

فغزة هي القلب النابض للأمتين العربية والإسلامية رغم ما تعيشه من أهوال الموت.

قلمي يعتذر إليكم لأننا لم نكن في مستوى المسؤولية..

وندرك أن وقفاتنا التضامنية الشعبية ومقاطعتنا لم ترق للمستوى المطلوب، وندرك تماما أن قضيتكم هي قضيتنا الأمة الخالدة.. فأنتم أشرف وأعز وأكرم شعب مناضل من أجل الحرية في عصرنا الحديث.

يا شعب غزة العزة...

أكتب منكم وإليكم وعنكم ولكم، فقلمي هو أداتي وسلاح مقاومتي الذي يسعى ليثلج صدوركم ويزيل الهم عنكم ويواسي أحزانكم.

قلمي يحاول البحث، والنبش عن دهاليز أفكاري، لعلي أجد سببًا أجبرني على كتابة هذا الكم الهائل من المقالات المنشورة والغير منشورة منذ الوهلة الأولى من انطلاقة طوفان الأقصى صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر على مواصلة الكتابة حتى اللحظة.

الاستمرارية في الكتابة عن غزة تزيدني قوة وهمة وترفع من معنوياتي، وتزيد مستوى الوعي بأهمية المسؤولية تجاه الدفاع عن القضية الفلسطينية، مع يقيني وإدراكي التام أن الكتابة في هذه القضايا هي صورة من صور التواصل الفكري والثقافي والمجتمعي للإنسانية، وزيادة أواصر التضامن والتكافل والتعاضد والتعاون على البر والتقوى، والكتابة بلا شك نوع من أنواع الجهاد والمقاومة. لذا فإني مستمر في الاعتكاف على الكتابة عن غزة بإذن الله تعالى حتى تتوقف الإبادة والمجازر اليومية.

لن يجف قلمي طالما هناك ألم... لن يجف قلمي طالما لم ينطفئ الوجع... لن يجف قلمي طالما نسمع صرخات آهات الامهات وصرخات الأطفال وآنين الجرحى والمرضى، ونحيب الثكلى، وصوت المدافع والصواريخ والقنابل تتساقط كالشهب على رؤوس أحرار غزة.

لن يجف قلمي طالما غزة تغرق في ظلام دامس بلا طعام ولا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا مأوى ولا أمان.

لن يتوقف قلمي عن الكتابة طالما هناك إخوة لنا لا يغمض لهم جفن، وأطفال يصرخون أمام شاشات التلفاز ويقتلون ويحرقون ويتعذبون، من هناك جراح تنزف وأنين ينخنق وألم يوجع..

أننعم بكل انواع الطعام والشراب واهل غزة هناك لا يجدون ما يسد جوعهم وعطشهم، هل نلعب ونمرح وننشغل بدنيانا، وهم يلفهم الحزن والبرد القارس ويعصر قلوبهم ألم وأسى بهول ما يحيط بهم؟ أننعم بالراحة والطمأنينة وهناك شعب بأكمله يباد؟!

ألم يأمرنا ربنا تعالى في محكم كتابه العزيز: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة: 71).

وبينت كذلك السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ حيث أوجبت على المسلم نصرة أخيه حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ:«تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» (أخرجه البخاري).

يقول الشاعر:

أبتاه هذي لوعتي ومصابي

أبتاه روحي في محيط عذابي

أبتاه لا عين ترى آلامنا والأذن تعرض عن أنين صحابي

الطفل في غزة هاشم قد ارتمى في حضن حزن مظلم وغيابي

يشكوا الهوان بدمعة رقراقة تجري بحزن في الحشا من سابي

لا زلت يا أبتاه اشكوا والردى قد مد من حولي سياج عذابي

هذه اليهود تدك بيوتنا والموت يرغبنا وراء ألبابي

القتل والتشريد كل جزائنا ونصيح لكن لم نفز بجوابي

هي أمتي العظمى التي قد أصبحت حيرى بأرض البؤس والأوصابِ

هي أمتي الكبرى الفتية أصبحت من بعد لوعتها بغير شبابي

قلمي ظاهر للعيان وقاهر للكيان.. قلمي طاهر ونقي القلب.. سيواصل قلمي ما بدأه حتى يأتي الله بأمره وينصر عباده المؤمنين...

سأكتب عن غزة حتى لا يبقى عدو صهيوني على أرضها، وحتى يقف نزيف الدم الغزاوي العظيم، وحتى يأذن الله بنصر من عنده.

وكلنا أمل وثقة في وعد الله الذي لا يخلف وعده، أن يندحر الباطل وحزبه، وينتصر الحق وأهله، وما نراه اليوم من حرب على أهل الحق ما هو إلا تهيئة وتَقدِمَة لنصر قريب: "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز" (الحج: 40).

فاعملوا وأبشروا يا اهل غزة أنكم ما دمتم على الحق؛ فالله معكم ولن يتركم أعمالكم، قال تعالى: "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ" (آل عمران: 126).

قلمي لم يكل ولم يمل

طوفان قلمي يمضي رغم كيد الحاقدين...

يا غزة الحرة الأبية ويا شعب غزة المغاوير المقاومين المجاهدين المرابطين آواكم الله، حفظكم الله، نصركم الله، ثبَّتكم الله، أيَّدكم الله، نستودعكم الله.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: طوفان الأقصى نقلة نوعية في المقاومة الفلسطينية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قال الدكتور أحمد يوسف أحمد، استاذ العلوم السياسية، إن عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في أكتوبر 2023، تمثل نقلة نوعية في المقاومة الفلسطينية، مشيرًا إلى أنها كشفت عن ضعف إسرائيل أمام المقاومة المنظمة.
وأضاف، خلال ندوة القضية الفلسطينية التي نظمتها لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، أن العملية أظهرت قدرة المقاومة على إلحاق خسائر موجعة بإسرائيل، رغم محاولات تل أبيب تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

 واعتبر أن هذا العمل البطولي يعكس قوة الإرادة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.

مقالات مشابهة

  • مسير لخريجي الدورات المفتوحة “طوفان الأقصى” في مديرية الزهرة بالحديدة
  • أستاذ علوم سياسية: طوفان الأقصى نقلة نوعية في المقاومة الفلسطينية
  • هل كان طوفان الأقصى كارثيا؟ وهل هُزمنا فعلا وللأبد؟ «1-2»
  • نغم صالح تطرح كليب «طوفان»
  • مسير لـ 150 خريجا من دورات طوفان الأقصى بمديرية اللحية
  • هشام أصلان: الكتابة فعل مقاومة للفقد
  • فيفي عبدة: «مبعرفش أكتب اسمي بس اتعلمت في مدرسة الحياة»
  • في ذكرى ميلاد السيد بدير.. موهبة شاملة بين الكتابة والتمثيل والإخراج
  • طالعة من 3 ابتدائي ومبعرفش أكتب اسمي.. فيفي عبده تكشف أسرارها