سر نجاح الذكاء الصناعي
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
لا شك أن ثورة الذكاء الصناعي أحدثت تغييرات كبيرة في نمط حياتنا واختياراتنا؛ فالكثير مِنَّا يعتمد على خيارات الذكاء الصناعي في أبسط الأشياء وأعقدها، فعندما يختار وجبة طعام في مطعم ما، فانه يسأل الذكاء الصناعي عن أشهر الوجبات في ذلك المطعم وأفضلها فيختار له الذكاء الصناعي، وعندما يتجوَّل في مدينة جديدة، يسأل الذكاء الصناعي عن أجمل الأماكن السياحية وأهمها، وهكذا في مختلف مجالات حياته الأخرى؛ بل البعض يستعين بالذكاء الصناعي لاختيار وظيفة المستقبل، وربما في القريب العاجل سيطلب من الذكاء الصناعي اختيار شريك حياته!
لكن ما سر نجاح الذكاء الصناعي؟
لقد طوَّر الإنسان الذكاء الصناعي من خلال فهمه للذكاء البشري، فما يمتلكه الذكاء الصناعي نملكه أنا وأنت، ولذا فبإمكاننا تحقيق النجاحات الكبيرة في حياتنا اليومية، كما يحققها الذكاء الصناعي، ولكن علينا أن نستغل إمكاناتنا بصورتها الصحيحة، وأن نستفيد من قدراتنا العقلية وطرق التفكير السليمة، التي يستخدمها الذكاء الصناعي.
الذكاء الصناعي يستخدم آليتين متاحتين لنا جميعًا، الأولى ما يُعرف بالتعلُّم المراقب، وفي هذه الآلية، فإن النتيجة معروفة مسبقًا، فمثلًا أرغب من الذكاء الصناعي أن يُفرِّق بين صورة الرجل والأنثى، فهنا النتيجة معروفة سلفًا، وعليّ أن أجد اللوغاريثم (الخواريزم) الذي يستطيع أن يصل إلى النتيجة المطلوبة.
أما الآلية الأخرى التي يستخدمها الذكاء الصناعي فهو ما يعرف بالتعلُّم غير المراقب، وفي هذه الآلية، فإن النتيجة غير مُحدَّدة سلفًا؛ فالذكاء الصناعي هنا يقوم بتحليل البيانات التي تصله، ومن ثم يقوم باستخلاص النتيجة، والنتيجة ليست محددة مُسبقًا، فعندما نرغب في معرفة أشهر وجبة غذائية في مطعم من المطاعم، فإن الذكاء الصناعي ليست لديه إجابة مسبقة؛ بل يجمع البيانات ومن ثم يقوم بتحليلها ويصل الى النتيجة المطلوبة بناء على البيانات التي تكونت لديه. ولذا ففي كلتا الآليتين فإن توفُّر الكم الواسع من البيانات والمعلومات أمر في غاية الأهمية ويزيد من دقة النتائج التي يتوصل اليها الذكاء الصناعي.
إنَّ الآليتين المذكورتين متاحتان لنا جميعًا، ولكل منهما فوائد جمة اذا تم استخدامها في المكان والوضع الصحيح، لكن الذي يحدث في كثير من الحالات هو طغيان التعلم المراقب على اختياراتنا وآرائنا وقراراتنا، فمساحة التعلم المراقب واسعة لدينا بشكل كبير جدًا بحيث يكاد يكون الوسيلة الوحيدة لدى الكثيرين، فمثلًا نلاحظ في الحضارة الغربية، الدفاع المُستميت عن فوائد شرب الكحول، مع أن الدراسات العلمية، تُشير وبوضوح اليوم عن خطورة شرب الكحول وأثره على الصحة العامة، والسبب في ذلك أن التعلم المراقب يطغى على عقولهم؛ فالنتيجة معروفة لديهم سلفًا، وهي أن الكحول لا بُد وأن تكون له فوائد لأنهم لا يستطيعون الاستغناء عنه!
وهكذا نجد وبالمقابل الدفاع المُستميت لدى البعض منا عن فوائد التمر مثلًا والتغاضي عن أضراره، ومرّة أخرى نجد أن البحث العلمي يوضح لنا أن تناول التمر مفيد بكميات بسيطة وأن الاكثار من تناوله له أثر سلبي على صحة الفرد، كما يمكن لنا الحصول على جميع فوائده باستخدام أطعمة بديلة والتي تُجنِّبنا بعض السلبيات التي تنتج من تناوله؛ بل إن بعض أهل الاختصاص في التغذية يصفه بأنه أقرب الى الحلوى منه إلى الفاكهة، والسر في دفاعنا المُستميت عن التمر ارتباطنا العاطفي به؛ فالنخلة والرطب والتمر لهم ارتباط وثيق جدًا بثقافتنا وهويتنا العربية، ولذا فمهما كشفت البحوث العلمية عن سلبياته، فإننا نغض الطرف عنها ونركز على فوائده لأننا نستخدم التعلم المراقب ونرفض استخدام آلية التعلم الغير مراقب.
إنَّ السر في اتساع دائرة التعلم المراقب في حياتنا اليومية، هو اتساع دائرة القناعات الراسخة والتي تربى عليها الفرد، فكلما اتسعت هذه القناعات كلما زادت دائرة التعلم المراقب، وكلما ضاقت يصبح الإنسان في حل ويسهل عليه استخدام التعلم غير المراقب.
والنجاح الكبير الذي يحققه الذكاء الصناعي في مختلف جوانب الحياة إنما هو نتيجة اتساع دائرة التعلم غير المراقب لديه، فإذا أردت أن تُحرز نجاحات كبيرة في حياتك وتحقق قفزات نوعية، فلا بُد من أن تستخدم التعلم غير المراقب في أغلب شؤون حياتك، أما القناعات الراسخة فدائرتها في غاية الضيق، ولذا فإن مساحة التعلم المراقب ليست واسعة، والزوايا الحادة في حياتنا العملية وَهْمٌ يُولِّد اطمئنانًا زائفًا في حالات كثيرة، فأغلب زوايا الحياة واسعة تتحمل ألوانًا مختلفة وصورًا شتى.
ولذا فلا بُد من تعويد العقل على ممارسة التعلم غير المراقب في أغلب مناحي الحياة، لكن من المهم أيضًا أن تمتلك مخزونًا علميًا كبيرًا يُغطِّي مختلف جوانب الحياة وتُوسِّع من دائرة اهتماماتك ومطالعاتك، فلا تقتصر على لون معين من المطالعة، كما لا بُد وأن تكون مُطّلعًا على ما يحدث في العالم من تطورات؛ لأن توفر البيانات وكثرتها ستزيد من احتمالية الوصول الى الاستنتاجات الصحيحة والدقيقة، كما هو الحال مع الذكاء الصناعي، فكلما زادت إمكاناته ومعلوماته، اقترب أكثر من صحة الاستنتاجات.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعاون بين «دائرة التمكين الحكومي» و«كالدس»
أبوظبي (وام)
أخبار ذات صلةوقعت دائرة التمكين الحكومي - أبوظبي، مذكرة تفاهم مع مجموعة «كالدس» القابضة، المتخصصة في التصميم والتصنيع الدفاعي المتقدم، بهدف تزويد المواهب الإماراتية بالمهارات والقدرات الأساسية في صناعة الدفاع، بما يتماشى مع جهود إمارة أبوظبي في مجال التوطين وتعزيز التنوع الاقتصادي.
وبموجب مذكرة التفاهم سيتم توفير التدريب العملي للمواطنين في كافة مراحل عمليات التصنيع، وهي التخطيط والتصميم الخاص بتطوير مفاهيم حلول الدفاع المصممة لتلبية احتياجات السوق، بالإضافة إلى التعرف على مراحل الإنتاج عبر التدريب العملي على تجميع الأنظمة الدفاعية المتقدمة، وعمليات التصنيع النهائية للوصول إلى أنظمة عالية الجودة وجاهزة للعمل.
وترتبط هذه الشراكة مع برنامج «نافس» الذي يهدف إلى تعزيز فرص العمل للمواطنين الإماراتيين في القطاع الخاص، مما يوفر للمشاركين مساراً واضحاً للتوظيف في الأدوار المتخصصة في التصنيع.
وقال الدكتور عبدالله محمد الشمري، المدير التنفيذي لقطاع القوى العاملة الوطنية بالإنابة في دائرة التمكين الحكومي: «إن تطوير وإعداد المواهب الحكومية والمهارات المتخصصة يشكل محوراً أساسياً في رؤية دائرة التمكين الحكومي - أبوظبي وأهدافها الاستراتيجية، ونسعى إلى جانب شركائنا في القطاع الخاص مثل شركة كالدس إلى خلق فرص تمكن المواهب والكفاءات الوطنية بالمهارات الفنية والتشغيلية المتخصصة. ويعكس هذا التعاون التزامنا بدعم الصناعات الوطنية وضمان جاهزية الكوادر الإماراتية ليكون لها دور في ازدهار هذه الصناعات».
ومن جانبه، قال الدكتور خليفة مراد البلوشي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمجموعة «كالدس» القابضة: «نفتخر بشركة كالدس في دعم أهداف التنمية الوطنية من خلال تمكين المواطنين من أداء دور رئيسي في قطاع الدفاع، ما يعزز فرص حصول المواهب الإماراتية على العمل، ويواكب الرؤية الاستراتيجية لإمارة أبوظبي بشأن النمو الصناعي. ومن خلال هذه الشراكة مع دائرة التمكين الحكومي وبرنامج نافس، سنعمل على دفع عجلة النمو في قطاع التصنيع الدفاعي وتزويده بالخبرات الوطنية الموهوبة والمؤهلة». وتعد مجموعة «كالدس» القابضة من الشركات الوطنية الرائدة، في توفير أنظمة الدفاع الجوي والبري، وصناعة الأليات العسكرية، والطائرات، والأنظمة العسكرية، المزودة بأحدث التقنيات العسكرية المتقدمة، والمصممة وفقاً لأعلى المعايير العالمية في هذا المجال، بالإضافة إلى محافظة الشركة على مستوى تكنولوجي متطور ومتقدم في خطوط إنتاجها، لتقديم الحلول المتكاملة والمصممة خصيصاً لشبكة عملائها من مرحلة التصميم الهندسي حتى تصنيع المنتجات الدفاعية، ومن خلال هذه الشراكة ستواصل شركة «كالدس» الاستفادة من الخبرات العالمية والشراكات التي تعقدها في القطاع بهدف إعادة توطينها في الصناعة المحلية، وتعزيز صناعة الدفاع في دولة الإمارات.