روسيا بوتين لن تقبل بحدودها بسبب نزعتها الإمبريالية المتجذرة

ليس لدى الزعماء الروس على الإطلاق أي شيء يقلقون عليه إذا عادوا إلى حدود 1991 لبلادهم المعترف بها دوليا.

تشتكي روسيا والمدافعون عنها من أن الاحتواء يتجاهل مخاوف روسيا الأمنية المشروعة. وهذا كذب لأن مخاوف روسيا الأمنية تتزايد باستمرار.

مازالت روسيا إمبراطورية لا تعتبر نفسها قوة عظمى ما لم تسيطر على جاراتها وستواصل تهديد جاراتها واستيعابهم حتى يتحرك الغرب جماعيا لاحتوائها.

الغرب يحترم حدود 1991، لكن روسيا هي التي لم تحترمها، ومن غير المحتمل أن يتغير ذلك، قبل أن تتجاوز روسيا الحديثة هويتها الإمبريالية المتجذرة بعمق فيها.

"بدءا من حكم إيفان الرهيب في القرن 16، توسعت روسيا 50 ميلا مربعا يوميا على مدار مئات السنين، مما يغطي في نهاية المطاف سدس مساحة كوكب الأرض".

* * *

واشنطن: يرى المحللان الأمريكيان غلين شافيتز وجون سيفر أنه لكي نفهم هوس روسيا الحالي بأوكرانيا، من المهم أن ندرك أن روسيا لم تكن أبدا دولة بالاستخدام الشائع للمصطلح.

فبعكس الدولة التركية الحديثة التي خرجت من رحم الإمبراطورية العثمانية أو بريطانيا العظمى التي امتلكت إمبراطورية وفقدتها، فإن روسيا لم يكن لديها هوية منفصلة عن إمبراطورية. وكما أوضح المؤرخ البريطاني جيفري هوسكنغ "بريطانيا امتلكت إمبراطورية، ولكن روسيا كانت إمبراطورية".

وقال سيفر، الذي عمل في الخدمة السرية لوكالة المخابرات المركزية لمدة 28 عاما. وهو الآن زميل رفيع المستوى غير مقيم في المجلس الأطلسي ومؤسس مشارك لشركة سباي كرافت انترتاينمنت، وشافيتز، الذي يتمتع بأكثر من 30 عامًا من الخبرة في الحكومة والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص، إن الرواية المفضلة للكرملين عن روسيا تصعد من أوكرانيا الحالية (دولة كييفان روس)، هي رواية خيالية من نسج موسكو.

وأضافا، في تقرير نشرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن تاريخ روسيا على مدار ألف عام والمصدق عليه رسميا أسطورة تم نسجها وإدامتها ذاتيا، وروج لها أجيال من الديكتاتوريين الروس لتبرير توسعهم في الخارج وقمعهم في الداخل.

وبدلا من ذلك، فإن ما نفكر فيه اليوم كروسيا بدأت كمجموعة فضفاضة من دول مدن مستقلة شملت نوفجورود وبسكوف وسمولينسك وتفر وموسكو، واكتسبت الأخيرة أهمية خاصة نهاية حكم المغول قبل أكثر قليلا من 500 عام.

ولم تكن كييف جزءا من روسيا عندئذ مثلما هي الآن. ولم تكن هناك لغة مشتركة أو إدارة مشتركة أو هوية مشتركة. وفي حقيقة الأمر، مرت قرون قبل أن يحاول حكام إمارة موسكوفي (الاسم القديم لروسيا) تأكيد سيطرتهم على كييف وأراضي أوكرانيا الحالية.

وكانت حقبة حكم المغول، وليس إرث دولة كييفان روس، هي التي مهدت الطريق أمام صعود الإمبراطورية الروسية. وإبان حكم إيفان الثالث (الأكبر)، رسخت إمارة موسكو وضعها كأقوى الدول المدن تنبثق عن العصر المغولي.

وأطلق إيفان على نفسه "قيصر كل الروس"، ولكنه كان في الواقع أشبه كثيرا بعمدة موسكو الكبرى.

وكان إيفان هو الذي بدأ في توسيع رقعة موسكوفي، حيث شرع فيما أطلق عليه "تجميع الأراضي الروسية". وتبنى رؤيته التوسعية بالفعل كل حاكم جاء بعده لموسكوفي والإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي والاتحاد الفيدرالي الروسي.

ويستمر مسعى إيفان الثالث للاستيلاء على أراض جديدة، غالبا تحت ستار “إعادة توحيد أراضي روس القديمة” حتى هذا اليوم، وأن ذلك له تأثير عميق على تاريخ العالم.

وقال المؤرخ ستيفين كوتكين "بدءا من حكم إيفان الرهيب في القرن السادس عشر، استطاعت روسيا أن تتوسع بمعدل خمسين ميلا مربعا في المتوسط في اليوم على مدار مئات السنين، مما يغطي في نهاية المطاف سدس مساحة كوكب الأرض".

واعتبر عدد قليل من الشعوب، التي كانت تسكن على الأراضي التي زعم ملكيتها إيفان الثالث وأسلافه، أنفسهم روسا، على الأقل ليس قبل أن يتم "تجميعهم سويا".

وفي وقت وفاة إيفان الثالث، كانت إمارة موسكوفي تغطي أقل من خمس منطقة روسيا الحالية: وخصوصا أنها لم تشمل أراضي أوكرانيا الحديثة وبيلاروسيا والقوقاز أو كل صربيا.

ولم تكن شبه جزيرة القرم، التي يتحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحماس، جزءا من الإمبراطورية الروسية حتى استولت عليها الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية من خانات القرم في عام 1783.

وإذا كان بوتين معنيا بتصحيح الأخطاء التاريخية، فإنه يتعين عليه أن يعيد القرم إلى تتار القرم، وأنه لن يفعل ذلك، بالطبع لأن ديناميكيات الغزو الإمبريالي وعملية الروسنة عنصر رئيسي للشرعية لبوتين مثلما كانت بالنسبة لكل حكام روسيا تقريبا (باستثناء بوريس يلتسين وميخائيل جورباتشوف جزئيا).

وتتوسع روسيا لأن حكامها يحتاجون لتهديد خارجي لتبرير استبدادهم. وكان هذا الأمر صحيحا بالنسبة لإيفان الرهيب وبطرس الأكبر وكاترين الثانية العظيمة.

وتتحسر روسيا تحت قيادة بوتين على خسارة المجد الإمبريالي، ولم تتصالح أبدا مع ماضيها القمعي. ومفارقة التوسع – والأمن، التي تعد القوة الدافعة للسياسات الخارجية والداخلية الروسية، حلقة مفرغة يدور فيها كل الأباطرة بدرجة أو بأخرى.

ويخلق الاستحواذ تهديدات داخل الأراضي التي تم الاستيلاء عليها حديثا وعند الحدود التي تتمدد للإمبراطورية الآخذة في النمو. ويتطلب التوسع عملية الروسنة والقمع الداخلي، والمزيد من التوسع الخارجي.

وقالت الإمبراطورة كاترين الثانية العظيمة "ليس لدى أي وسيلة للدفاع عن حدودي سوى توسيع نطاقها".

ويمكن أن تنتهي هذه الديناميكية بطريقتين، إما من خلال الاحتواء الخارجي أو تطبيق الديمقراطية في الداخل. وأثبتت الأخيرة أنها تمثل مشكلة للشعب الروسي ولا تعد شيئا يجب أن تعول جارات روسيا على حدوثه في أي وقت قريب. ونجح الاحتواء الخارجي من قبل، خلال الحرب الباردة.

ومازالت روسيا الحديثة إمبراطورية لا تعتبر نفسها قوة عظمى ما لم تسيطر على جاراتها. وبالتالي، فإن روسيا سوف تواصل تهديد جاراتها ومهاجمتهم واستيعابهم حتى يتحرك الغرب بشكل جماعي لاحتوائها.

وسوف تشتكي روسيا والمدافعون عنها من أن الاحتواء يتجاهل مخاوف روسيا الأمنية المشروعة. وهذا كذب لأن مخاوف روسيا الأمنية تتزايد باستمرار.

وفي الحقيقة، ليس لدى الزعماء الروس على الإطلاق أي شيء يقلقون عليه إذا عادوا إلى حدود 1991 لبلادهم المعترف بها دوليا.

واختتم المحللان تقريرهما بالقول إن الغرب يحترم دائما هذه الحدود، وأن روسيا هي التي لم تحترمها، ومن غير المحتمل أن يتغير ذلك، قبل أن تتجاوز روسيا الحديثة هويتها الإمبريالية المتجذرة بعمق فيها.

المصدر | (د ب ا)

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إمبريالية روسيا بوتين أوكرانيا توسع حدود 1991 الغرب قبل أن لم تکن

إقرأ أيضاً:

مطالبات وزارة العدل الأمريكية بتفكيك إمبراطورية جوجل تثير جدلاً واسعًا

أعادت وزارة العدل الأمريكية هذا الأسبوع مطالبها المتعلقة بجوجل إلى الأضواء، حيث تريد الوزارة من جوجل بيع متصفحها الشهير Chrome كجزء من محاولاتها لكسر احتكار الشركة لسوق البحث.

وتشمل هذه المطالب منع جوجل من إطلاق متصفح جديد لمدة خمس سنوات على الأقل، ما يمنح المستخدمين وقتًا للتكيف مع إدارة Chrome الجديدة بدلًا من التوجه إلى إصدار آخر قد تطلقه جوجل تحت مسمى مختلف.

جوجل تتفوق على آبل.. تكلفة هاتف Pixel 9 Pro أرخص من آيفون 16 برو لتعزيز الأمان في متصفح كروم.. جوجل توظف تلك التقنية تقييد الدفع مقابل التعيين كخيار افتراضي

كما تريد الوزارة من جوجل التوقف عن الدفع لأطراف خارجية لجعل محرك بحثها الخيار الافتراضي على متصفحاتهم، وذلك للحد من سيطرة الشركة على سوق البحث، وصفت جوجل هذه الإجراءات بـ"المتطرفة"، محذرة من أنها قد تهدد خصوصية المستخدمين الأمريكيين.

خفض حدة المطالب 

بيع Chrome بدلاً من Android كانت المطالب الأصلية للوزارة أكثر صرامة، إذ تضمنت بيع نظام التشغيل Android بالكامل. 

ولكن بعد مفاوضات، وافقت الوزارة على الاكتفاء ببيع Chrome، مع فرض قيود أخرى تمنع جوجل من ربط Android بخدماتها الرئيسية مثل محرك البحث ومتجر Google Play.

توقعات المحاكمة وردود الفعل المتباينة

 ستعقد جلسة الاستماع في أبريل القادم برئاسة القاضي أميت ميهتا، الذي سبق أن أصدر أحكامًا ضد جوجل بشأن احتكارها للسوق.

 وقد أثارت هذه القضية آراء متباينة، حيث يرى البعض أن هذه الخطوات ضرورية للحد من احتكار جوجل، فيما يعتبر آخرون أن تفكيك جوجل قد يمنح الشركات غير الأمريكية ميزة غير عادلة.

شفافية أكبر مع المعلنين وحقوق المستخدمين 

كما طالبت الوزارة جوجل بزيادة الشفافية مع المعلنين على منصاتها، وتقديم خيار لهؤلاء المعلنين لمنع استخدام بياناتهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التابعة للشركة.

مقالات مشابهة

  • روسيا تطرد دبلوماسي بريطاني بسبب مزاعم تجسس بحسب تقارير إعلامية
  • إمبراطورية "زوكربيرغ" تحت مقصلة القضاء الأميركي
  • السفارة الروسية في لندن: بريطانيا كثفت حملتها المناهضة لروسيا بسبب قرب انهيار نظام كييف
  • إيفان توني يتحدث العربية خلال تهنئته لجماهير الأهلي بالفوز على العين
  • إيفان توني ينفجر في ليلة فوز الأهلي السعودي على العين الإماراتي
  • روسيا تحذر أوروبا من "آثار ساحقة" بسبب صواريخ "أوريشنيك"
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • إنخفاض الطلب على المعدات العسكرية الروسية .. لسوء الأداء أم تقييد لعمليات التصدير؟
  • بوتين يعلن عزم روسيا مواصلة برنامج صواريخ «أوريشنيك» فرط الصوتية في مواجهة تهديدات أوكرانيا
  • مطالبات وزارة العدل الأمريكية بتفكيك إمبراطورية جوجل تثير جدلاً واسعًا