‎في مشهد يفتقر إلى الديمقراطية ويعزز ثقافة التبعية، تحول قطاع الصحافة من نظام انتخابي يعكس إرادة المهنيين إلى تعيين فوقي يجسد هيمنة السلطة التنفيذية. قبول البعض بهذا التحول والتمديد لهيئات معينة دون مشاورة القاعدة المهنية يكشف عن ضعف الإيمان الحقيقي بمبادئ الحرية والتمثيلية الديمقراطية.

‎التمديد الفج، الذي أصبح قاعدة بدلًا من استثناء، هو إعلان صريح بإطالة أمد أزمة الصحافة، وتثبيت وضع يخدم من يقبلون الخضوع على حساب مصلحة القطاع.

هؤلاء، وإن حاولوا تبرير مواقفهم، لا يمكن اعتبارهم مؤمنين بالديمقراطية، بل مساهمين في تفكيك أسسها داخل المهنة.

‎من المؤكد أن اللجنة المعيّنة والمشكّلة من الأغلبية التي أوصلت المجلس إلى الفشل والعطب، بل والسكتة القلبية، تحاول استغلال التعيين للتماهي مع الحكومة. لكن في الوقت الذي نجد خطاب الحكومة، من خلال قطاع الاتصال، يؤكد أهمية العودة السريعة إلى الشرعية من خلال مجلس بصيغته التمثيلية الديمقراطية، نجد اللجنة المؤقتة تحاول العمل كحلقة وصل بين الحكومة وقطاع الصحافة، والعمل بشكل منهجي على إقصاء ممثلي المهنيين، مما يعني أن الصحافة ستتحول إلى أداة بيد السلطة التنفيذية تُستخدم لخدمة أجنداتها بدلًا من أن تظل مهنة حرة ومستقلة.

‎بهذا المعنى، تكون هذه الهيئة المعيّنة لا تمثل الصحفيين، بل تستجيب لمصالح الحكومة، مما يؤدي إلى تراجع مفهوم التدبير الذاتي، الذي كان يُعتبر حجر الزاوية في استقلالية المهنة.

‎إن المحاولات الجارية لاستهداف أعضاء النقابة، بل وتغييب النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن عدد من الحوارات والمشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالمهام التنظيمية للقطاع، يعني إضعاف التمثيلية الديمقراطية. النقابة، التي يجب أن تكون صوت الصحفيين في الدفاع عن حقوقهم، تُستبعد بشكل متعمد في هذا المسار الذي يهدف إلى تحويل الصحافة إلى أداة طيّعة في يد السلطة التنفيذية.

‎إن الأمر ليس دفاعًا عن النقابة، بل إحقاقًا لحق مشروع، حيث إنه في انتخابات حرة ونزيهة، نالت لائحة “حرية عدالة كرامة”، التي دعمتها النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مئة في المئة من الأصوات المخصصة للجسم الصحفي. وظلت النقابة تراقب ممثليها هناك قدر المستطاع.

‎وكان المؤتمر الأخير للنقابة ببوزنيقة إشارة مكثفة لتقييم النقابة لكل تجربة المجلس والسقوط في أحضان المؤقت، حيث انبثقت قيادة جديدة يمكن تفكيكها من طرف المتتبع لفهم السياقات والدلالات. ولعل أجواء المجلس الفيدرالي الأخير كثّفت المعنى والدلالة، حيث ظهرت قيادة جديدة بتوجهات قطعت مع تدبير مضى، وتوجهت نحو المستقبل، رغم محاولات البقاء والخلود بسبب النفس الأمارة بالسوء.

‎الاستقواء بالتعيين والتماهي مع الحكومة تحت شعار “البقاء” هو في جوهره محاولة للهيمنة على القطاع الصحفي وتعطيل استقلاليته. الصحافة تحتاج إلى أن تظل مهنية وديمقراطية، ويجب على الصحفيين والنقابة والشركاء الاستراتيجيين في جمعية الناشرين أن يقاوموا هذا التوجه ويطالبوا بعودة الديمقراطية الحقيقية إلى القطاع عبر انتخابات شفافة تُعيد للصحافة قوتها وشرعيتها.

المصدر: مملكة بريس

كلمات دلالية: استقلالية السلطة التنفيذية انتخابات شفافة تمثيل ديمقراطية صحافة

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: التسامح الممنهج

ما نعيشه اليوم وما يحمله المستقبل في طياته، يؤكد علينا ضرورة أن نتبنى منهجية تتضمن سيناريوهات وظيفية؛ كي يتم تعضيد قيم التسامح لدى فلذات أكبادنا؛ فقد أضحت غمامة الظلم تحلق في أرجاء السماء، وكادت تغطي جوانب المعمورة، وباتت الأجيال تتبنى فلسفة الكراهية المصبوغة بالانتقام لدى أجيال اليوم، وأصبحت المادية والنفعية شعارًا مرفوعًا تحمله دول ومؤسسات دون استحياء، وأصبحت دعوى الكراهية سريعة الانتشار عبر سماوات مفتوحة توقد لهيب الصدور.

يصعب أن أحصي الأسباب، والمسببات، والدواعي، والأهمية، التي تقف وراء ضرورة إكساب الإنسان قيم التسامح بصورة مقصودة، عبر منهج يتضمن في طياته أنشطة تحض على ممارسة أداءات من شأنها تجعل الفرد واعيًا بماهية وأهمية تلك القيمة النبيلة، وتداعياتها الإيجابية على كافة المستويات الإنسانية منها والمجتمعية؛ فالمستقبل المشرق مرهون بتعضيد التسامح بكل صوره، وزوال الوجود للبشرية قيد استعار كل ما يضاد هذه القيمة النبيلة من انتقام وكراهية وغير ذلك مما هو معلوم لدينا.

هناك من يكرث لفكرة الأيدولوجيا المتطرفة، التي من شأنها أن تنزع فتيل الأمان، وتشعل فتيل اللهيب؛ حيث النزاعات المسلحة التي تقضي على الأخضر واليابس، بل تهلك البشر والحجر، ولا أجد من منجى، ولا منأى لهذا المنعطف الخطير، الذي يمثل جحيمًا للبشرية على المعمورة، غير تبني إكساب، وتنمية، وتعظيم، قيم التسامح؛ لنحدث انفراجه، تساعد في إطفاء النار المشتعلة في ربوع الأرض، لأسباب غير منطقية في مجملها.

وأرى أن قيم التسامح الممنهج، تعمل عليه باحترافية مؤسسات بناء الإنسان، بداية من الأسرة، والمؤسسة التعليمية، ومرورًا بكافة المؤسسات المجتمعية، والدعوية، والإعلامية؛ فلا مناص عن تكامل للجهود؛ كي يحدث التأثير الفعال، ونضمن غرس قيم التسامح لدى النشء المخول به خوض غمار الاندماج المجتمعي، بمستوياته الصغيرة والكبيرة، الداخلية منها والخارجية؛ فقد بات العالم قرية صغيرة، يدرك الفرد أحداثه المتواترة بشتى الطرائق التقنية.

ومنهجية التسامح تعتمد على ما نقدمه من معارف صحيحة نكسبها للفرد، وممارسات سوية ندربه على أدائها، وتهيئة الوجدان؛ لاستحسانها وتقبلها، بل والوصول به لمستويات متقدمة، تعرف لدينا بالاتصاف القيمي؛ حيث لا تنفك عن عاداته اليومية، وتعاملاته المتنوعة والمتعددة، في شتى مجالات، وميادين التفاعل الإنساني؛ فيصبح الإنسان قادرًا على العطاء، راغبًا في التعايش السلمي، متواصلًا مع الآخرين؛ من أجل إحداث التكامل البشري المحمود، الذي يستهدف تحقيق الغايات الكبرى المشروعة للمجتمعات.

إن التسامح الممنهج يرتبط بصورة وثيقة بماهية الاستثمار البشري؛ حيث البناء المتكامل، الذي يمكن الفرد من أن يكتسب الخبرات النوعية، التي تجعله متمكنًا في مجاله؛ ومن ثم يستطيع أن يحدث الفارق، ويضيف لرفوف المعرفة، أو يضع لبنات تقدم، يعتمد على فلسفة الابتكار، أو يضع فكرًا مستنيرًا، يغذي الوجدان بمشرب طيب، يملئ القلوب سعادة وبهجة، ويزيد من شغف الحب، والأمل، والتطلع، والطموح، بصورة مستدامة.

اعتقد أن هنالك ضرورة وحاجة ماسة لمراجعة لغة الخطاب؛ إذ يتوجب أن نتبنى لغة خطاب يحض على معاني التسامح، وصور ممارساته بين المجتمع وأفراده، في شتى المواضع والأماكن؛ ليرى شبابنا الواعد أن فكرة التسامح، لها مساحة كبيرة داخل إطار التعامل، وأنه يغير من مناخ التسلط والخروج عن المألوف، إلى فكرة التفاهم، الذي يقضي على كثير من الخلافات في مهدها.

إذا ما أردنا أن نحصن أركان المجتمعات، وندعم الأمن القومي للبلاد في أبعاده المختلفة؛ فلا نفارق منهجية تعضيد التسامح، لدى أبنائنا منذ نعومة أظافرهم؛ حيث إن قوة المجتمع تنبع من قوة منتسبيه الفكرية في صورتها القويمة؛ فتماسك الجبهة الداخلية للمجتمع تقوم على قيم تفرزها وتصقلها فلسفة التسامح دون مواربة؛ فلا حوار، ولا قبول لتنوع، ولا اعتراف بتعددية، ولا سعي لتحقيق التعايش السلمي، ولا مجال لعدالة، أو حرية، أو ديمقراطية، أو تحمل مسئولية، أو اعتراف بحقوق، أو بلين في التعامل، ومرونة في التداول، بعيدًا عن ماهية التسامح.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

مقالات مشابهة

  • الرابطة المغربية للصحافة المهنية تُطالب بإصلاحات جذرية في قطاع الإعلام وتُدين تدخلات اللجنة المؤقتة
  • نقيب الصحفيين المغربي يؤكد عمق التعاون الإعلامي مع مصر
  • ندوة الضوابط المهنية للصحافة الرقمية .. القصاص: يجب مراعاة المصداقية وعدم التشهير
  • القصيفي التقى مستشار منظمة اندي آكت البيئية
  • محمد السيد الشاذلي المرشح بانتخابات «الصحفيين» يعلن برنامجه الانتخابي للزملاء في الوطن والدستور اليوم السابع
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: التسامح الممنهج
  • ثقافة الشيوخ تناقش إنشاء متحف للصحافة المصرية
  • توقيع اتفاقية شراكة بين الجمعية المغربية للإنترنت والنقابة الوطنية للصحافة المغربية
  • القوات: انتهى الزمن الذي كانت إيران تعتبر فيه بيروت إحدى العواصم التي تسيطر عليها
  • محمد حسنين هيكل.. محطات في حياة «الجورنالجي» صانع تاريخ الصحافة العربية