بعد سنوات من طول الانتظار وتوالي مطالب الحركة الأمازيغية ونداءات حقوقيين وفعاليات ثقافية بإقرار رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية يحتفل المغاربة هذا العام للمرة الثانية بهذه المناسبة في هذه الحلة الشعبية الجديدة بعدما كان هذا الاحتفاء يقتصر على العائلات والنشطاء وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن الأمازيغي.


ويأتي احتفاء المغاربة على غرار مناطق أخرى من شمال افريقيا في ال 14 يناير برأس السنة الأمازيغية 2975 ، بعد سلسلة من الخطوات والقرارات التي اتخذتها الدولة المغربية منذ ربع قرن في ما يتعلق بالنهوض بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية غير أن التلكؤ في أجرأة عدد من مقتضيات القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في قطاعات بعينها يطرح أكثر من علامة استفهام ويفتح النقاش حول أبعاد هذا التباطوء الذي قد يؤدي إلى الموت البطيء لهذه اللغة .
فخطاب أجدير في 17 أكتوبر 2001 الذي شكل نقطة مضيئة في مسار مصالحة المغرب مع تاريخه، واعتماد دستور جديد للمملكة عشر سنوات بعد ذلك ، ولاحقا صدور القانون التنظيمي المذكور ، كلها مؤشرات تدل على وجود إرادة للنهوض بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية ، غير أن التنزيل الأمثل لهذا الورش على أرض الواقع يصطدم بعراقيل إدارية و مؤسساتية وذاتية ولوجستية لاسيما في قطاعي التعليم والإعلام ومجالات أخرى لا تقل أهمية.
لا شك أن الحكومات التي تعاقبت على المغرب منذ الاستقلال ولاسيما التي جاءت بعد دستور 2011 الذي نص في فصله الخامس على أن اللغة الأمازيغية تعد لغة رسمية للدولة إلى جانب العربية ، تتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية في ما وصل إليه وضع الأمازيغية سواء بالسلب أو الإيجاب وأن أي تماطل في رد الاعتبار لهذه اللغة قد يؤدي إلى بقائها في  » دائرة الإنقراض » وهو ما لا يتمناه أي غيور على مستقبل المغرب، البلد الذي وصفه جلالة الملك محمد السادس في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لعام 2021 ب  » دولة عريقة تمتد لأكثر من اثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل ».
ويرى الباحث في الشأن الأمازيغي عبد الله حيتوس أن « موت اللغة الأمازيغية، إن حصل لا قدر الله، لن يكون طبيعيا ولا بسبب تطور لغوي كما هوالحال بالنسبة للغة اللاتينية ولا بسبب انقراض أصحابها الأمازيغ، لكنه سيكون انقراضا بالاستبدال ويفيد الاستبدال كما يشرحه اللغوي “لويس جان كالفي” انقراض لغة أو عدة لغات بعد هيمنة لغة/لغات غالبة عليها ».
واعتبر حيتوس في مقال بعنوان « أوقفوا النزيف وأنقذوا الأمازيغية من الاندثار « أن « انقراض الأمازيغية ستكون له نتائج كارثية على أمننا اللغوي والهوياتي والقيمي، كما سيخسر المغرب ما لا يمكن أن يجده في أسواق السلع والخدمات، سيخسر ثراتا لا ماديا غنيا يميز خصوصيته وفرادته ».
وارتباطا بذلك ، فقد تجد أناسا يفتخرون بما حققه المغرب في القرون الماضية لاسيما في عهد دول المرابطين والموحدين والمرينيين وامتدادها الى شبه الجزيرة الإيبرية ومناطق في افريقيا جنوب الصحراء ودورها في إسناد المسلمين في الأندلس وإطالة عمر الإسلام فيها لقرون، لكنهم يجهلون بأن مؤسسي هذه الامبراطوريات هم أمازيغ بدءا بعبدالله بن ياسين الأب الروحي للمرابطين ابن بلدة تمنارات بسوس بتخوم الصحراء مرورا بالمهدي بن تومرت الذي جعل من رباط تنمل الواقع في الأطلس الكبير الغربي قاعدة للدعوة الموحدية .كل هذا وذاك يجعل من الأمازيغية مكونا ثقافيا وتراثيا متجذرا لا يمكن فصله عن التاريخ المتنوع للمغرب .

ولتفادي سيناريو الانقراض ، يقع على عاتق القطاعات الحكومية لاسيما في التعليم والإعلام بذل مجهودات إضافية وسن سياسة لغوية تعتمد على التمييز الإيجابي لفائدة الأمازيغية وتعزيز حضورها في البرامج التلفزية والإذاعية بالنظر إلى الإقصاء الممنهج الذي طالها لعقود من الزمن لأسباب اديوليوجية وسياسية .
إذا كانت الأمهات قد حافظن على اللغة الأمازيغية على مدى القرون الماضية من خلال نقلها إلى الأبناء من جيل إلى آخر ومعهن النسيج القبلي و المجتمع المدني والنشطاء ، فإن دور الدولة يعتبر في الوقت الراهن والمستقبل مفصليا لاستمرار هذه اللغة من خلال النهوض بالتعليم والرفع من أعداد مدرسي اللغة الأمازيغية في المؤسسات التعليمية العمومية والخاصة لاسيما وأنها أضحت لغة رسمية وقد دخلت مع حرف تيفيناغ إلى محراب اللغات المكتوبة وتسعى إلى الخروج من قائمة اليونسكو للغات المهددة بالاندثار في العالم.

وبالعودة إلى الاحتفال بالسنة الأمازيغية ، لا شك أن بلاغ الديوان الملكي الصادر في الثالث من ماي 2023 الذي تم خلاله إقرار هذه السنة رسميا ، قد شكل محطة فارقة جديدة في التعامل مع الأمازيغية باعتبارها « مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، و رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية ».
وفي سياق تنزيل هذا القرار على أرض الواقع صادق مجلس الحكومة يوم 23 نونبر من نفس السنة على مشروعي مرسومين يتعلقان بتحديد يوم 14 يناير عيدا وطنيا مؤدى عنه الأجر في القطاعين العام والخاص.

بالإضافة إلى ذلك، يمثل 14 يناير في مسار الأمازيغية في العهد الجديد بالمغرب يوما تاريخيا إذ عين جلالة الملك في 14 يناير 2002 الأستاذ محمد شفيق أول عميد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي تم إحداثه بهدف الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها.

ورغم اختلافهم حول تسمية وطرق الاحتفال بقدوم السنة الأمازيغية الجديدة، بين من يسميها « ئض ن ئناير »، أو « ايخف ن أوسكاس « ، أو « حاكوزا »، فإن المغاربة، على غرار مناطق أخرى من شمال إفريقيا، يتفقون على أهمية الاحتفاء بهذه المناسبة من أجل الحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، وبالتالي ضمان نقله من جيل إلى آخر .

ويكتسي هذا الاحتفال دلالات رمزية عميقة تكشف البعد الفلسفي لنظرة الأمازيغ إلى الأرض، فهذا الاحتفال هو احتفاء بالأرض وما تنتجه من خيرات، ولذلك تسمى بالسنة الفلاحية، مما يعني أن الأمازيغ لهم ارتباط خاص بالطبيعة والأرض ويدركون تمام الإدراك أهمية الحفاظ على الأنظمة البيئية لاسيما وأن هذا الاحتفال يأتي في سياق توالي سنوات الجفاف التي اتسمت بقلة التساقطات المطرية وشح المياه جراء التغيرات المناخية التي تضررت منها البلاد في العقد الأخير .
ومن هذا المنطلق يكون المغرب قد التحق بنادي الشعوب التي تضيف لأعيادها الدينية والوطنية احتفالا بيئيا نظرا لما تشكله قضايا البيئة من أهمية حاضرا ومستقبلا .

إن من شأن قرارا ترسيم رأس السنة الأمازيغية وغيره من الخطوات والمبادرات ذات الصلة وكذا التجربة التي راكمها المغرب في مجال النهوض بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية المساهمة في رد الاعتبار للأمازيغية لغة وثقافة وهوية وبالتالي تأهيل المملكة ،كما قال رائد الحركة الأمازيغية الأستاذ إبراهيم أخياط رحمه الله، لتصبح « منارة تنهل من نورها بلدان شمال افريقيا في هذا المجال ».

أسكاس أمازيغ إغودان
سنة أمازيغية سعيدة لكل المغاربة ولأمازيغ العالم

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: اللغة الأمازیغیة السنة الأمازیغیة

إقرأ أيضاً:

اخنوش يحتفل بحلول رأس السنة الأمازيغية ويتناول "العصيدة" رفقة امزازي بأكادير اوفلا (فيديو)

شارك عزيز اخنوش رفقة الوفد المرافق، مساء الأحد، في احتفالية « ايض ن يناير »  السنة الأمازيغية 2975 التي تنظمها جماعة اكادير بساحة قصبة اكادير اوفلا إلى جانب عدد من المسؤولين والمنتخبين وعشرات الزوار والمواطنين من ساكنة اكادير.

وظهر اخنوش وهو يتقاسم أطراف الحديث مع سعيد امزازي والي جهة سوس وعامل عمالة اكادير ادوتنان، وهو يتناول وجبة « العصيدة » الى جانب كل من لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني ورئيس جهة سوس ماسة، وعدد من القيادات التجمعية المحلية وأعضاء مجلس جماعة اكادير.

وقال اخنوش بانه « جد فرح للمشاركة في هذا الحفل، إسوة بباقي مناطق المغرب التي تشهد مثل هاته الاحتفالات بحلول السنة الامازيغية الجديدة، وهو في نفس الوقت مناسبة لشكر الملك محمد السادس نصره الله، واعطاءه التقدير الكامل على المجهودات الكبيرة التي قام بها في سبيل ترسيم اللغة الأمازيغية واعتماد يوم 14 يناير عيدا وطنيا ويوم عطلة مؤدى عنه ».

وأضاف اخنوش،  » أن الحكومة تقوم بمجهود كبير في تنزيل الأمازيغية سواء داخل الإدارة علاقة بما يقدم من خدمات للمتحدثين حصرا بالامازيغية أو في قطاع التعليم، حيث يتم تدريس اللغة الامازيغية واعتمادها بشكل متدرج في المستويات » .

ويندرج النشاط الدي شارك فيه اخنوش، ضمن برنامج  احتفالي متنوع أعدته جماعة أكادير للاحتفال برأس السنة الأمازيغية (إيض إيناير 2975)، إلى غاية 17 يناير الجاري، موزع على 12 موقعًا بالمدينة، بما في ذلك الساحات العامة، الحدائق، وكورنيش أنزا وأكادير، بهدف منح ساكنة عاصمة سوس وزوارها فرصة استثنائية للاستمتاع بأنشطة وفعاليات في أجواء احتفالية.

ويأتي هذا الاحتفال في سياق القرار الملكي الذي أعلنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بتخصيص يوم 14 يناير كعطلة رسمية بالمغرب.

كلمات دلالية اخنوش رئيس جماعة اكادير اكادير اكادير اوفلا ترسيم رأس السنة الامازيغية عادات وتقاليد عزيز اخنوش

مقالات مشابهة

  • تكوين أكثر من 3000 أستاذ لتدريس اللغة الأمازيغية في التعليم الابتدائي
  • طقوس الاحتفال بـ رأس السنة الأمازيغية.. كرنفالات راقصة وتقاليد متوارثة
  • الحكومة ترفع عدد المناصب المخصصة لأساتذة تدريس اللغة الأمازيغية وتعد بتكوين 3 آلاف أستاذ
  • الفنانة لطيفة أحرار تهنئ المغاربة وأمازيغ العالم بالسنة الأمازيغية 2975
  • رأس السنة الأمازيغية في المغرب.. عادات عابرة للأجيال تنتقل من القرى إلى المدن
  • اخنوش يحتفل بحلول رأس السنة الأمازيغية ويتناول "العصيدة" رفقة امزازي بأكادير اوفلا (فيديو)
  • الأمازيغ يحتفلون برأس السنة الأمازيغية
  • رئيس الجمهورية يُهنئ الجزائريين بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة
  • قوجيل يهنئ أعضاء مجلس الأمة بحلول السنة الأمازيغية الجديدة