تعاظُـمُ مأزِق أمريكا في اليمن.. عامٌ من الإخفاق والفشل
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
يمانيون/ تقارير هل تشعر الولايات المتحدة الأمريكية أنها في مأزق حقيقي في اليمن؟ وهل من مؤشرات على ذلك؟
هل كان هذا المأزق موجودًا منذ إعلان اليمن إسناد غزة نهاية أُكتوبر 2023م؟ وهل كان يشعر قادة الكيان الإسرائيلي أنهم مع الأمريكيين في مأزق رغم أن اليمن وقتها لم يكن قد أشهر ورقة الردع في مواجهتهم؟ أم أن هناك مؤشرات كانت قبل تؤكّـد أن صنعاء وقواتها المسلحة بمقدورها فعل الكثير لتضع أمريكا وتحالفها في مأزق وموقف محرج؟ وفي النهاية ما علاقة هذا بتراجع النفوذ الأمريكي العالمي؟
مع بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة واستهداف اليمن لعمق الكيان الإسرائيلي في أم الرشراش المحتلّة التي يسميها العدوّ الإسرائيلي “إيلات” غربي فلسطين المحتلّة، وبدء فرض حصار بحري على موانئ كيان العدوّ، كانت “تل أبيب” تدرك أن مشكلة اليمن معقدة، وأن التعامل معها بالغ التعقيد؛ لذا كانت تصريحات قادتها تذهب باتّجاه واشنطن، حَيثُ تعتبرها المسؤولة عن الدفاع عنها أمام ضربات اليمن الصاروخية في العمق واستمرار حصار موانئها.
أمام تكرار مطالبات قادة الكيان للبيت الأبيض، والضغط للتعامل مع الموقف اليمن ومواجهته في البحار، خرجت أمريكا لتعلن عن تشكيل تحالف بحري باسم “تحالف الازدهار”، وقد أدركت الدول التي كانت واشنطن ترغب في انضمامها، أنه لن يقدم ولن يؤخر؛ فأمريكا التي تمتلك القوة الكبرى، وأحدث تكنولوجيا السلاح لن تكون في الأصل بحاجة لسلاح المتحالفين، لكن مؤشرات الخيبة كانت ظاهرة قبل تشكيل التحالف، حَيثُ كانت صنعاء قد فرضت قواعد اشتباك ومعادلات جديدة في المنطقة عبر قوة الردع؛ لهذا نأت كثيرٌ من الدول بنفسها عن ذلك التحالف واعتبرته لا يصب إلَّا في مصلحة الأمريكيين والإسرائيليين؛ ولذلك خرجت التصريحاتُ العربية والغربية للتأكيد أنها بعيدة عن تحالف أمريكا البحري، وخطب وُدِّ صنعاء، وإن كان هناك تحالفٌ أُورُوبي “أسبيدس” أكثر هزالة من تحالف أمريكا كان حاضرًا في البحار اليمنية لبعض الوقت.
لم تكتفِ بتسجيل إنجاز، أَو نصر تاريخي على كيان العدوّ بالسيطرة على إحدى سفنه التجارية، بل استمر الأمر بحصار موانئ العدوّ، واستهداف السفن المتجه إلى تلك الموانئ على نحو متصاعد وقوي.
أمام ذلك الإصرار والموقف الصُّلب لليمن وقواتها المسلحة لم يكن من خيار للأمريكيين سوى المواجهة فيما خيار الانسحاب سيترك آثارًا كبيرة على الوجود الأمريكي في المنطقة، وتأثير ذلك على حرب غزة من وجهة نظرها.
المؤكَّـدُ عن الأمريكيين أنهم كانوا يحاولون إخفاءَ جوانب ضعفهم على الأقل فيما يخصُّ اعتمادَ دول حليفة لها ومنها دول عربية على ترسانة ومنظومات الدفاع الأمريكية؛ فمع تصاعد مواجهات اليمن مع الأمريكيين في بحار اليمن وفي الجو بالنسبة للصواريخ والمسيرات التي كانت تعبُرُ الأجواء لاستهداف العمق الإسرائيلي، أَو استهداف القطع الحربية أَو السفن المعادية، بدأت تتكشف عورة الأمريكان أكثر خَاصَّة أمام الحلفاء والأتباع من العرب تحديدا. أمريكا التي كانت تساوم دولًا عربية ثرية على أنظمة الدفاع الأكثر تقدمًا مثل ثاد” قد سقطت في التجربة مع كُـلّ محاولاتها تجنب المواجهة والاختفاء وراء تحالف بحري لم يتشكل كما أرادت، حَيثُ كان العجز الأمريكي ومن بعده الغربي يظهر مع حضور مواجهات جديدة مع اليمن.
يمكن تذكر خطابات السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حَيثُ كان يعد أمريكا وتحالفها بمفاجآت لم تخطر لهم على بال، وهو ما ظهر بالفعل في مستوى القدرات والإمْكَانات اليمنية في مواجهات تعقيدات التصنيع والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية بل وقهرها في أكثر من مناسبة.
لقد وُضعت القدرات الحربية الأمريكية في اختبار صعب مع اليمن وصواريخها المجنحة والبالستية والطائرات المسيَّرة وإمْكَاناتها التكنولوجية والتقنية العالية وتجاوزها منظومات الدفاع بمستوياتها المتعددة للأمريكان والأُورُوبيين و”إسرائيل” دفعة واحدة، وكان ذلك ضربة موجعة جِـدًّا بل ومحرجة لتلك الدول المعادية التي تبيع السلاح للعالم، يضاف إليها أنها عمَّقت مأزِق أمريكا وحضورها في البحار، رغم قوة التدمير التي صنعتها القنابل الأمريكية في غزة، واستخباراتها التي قفزت بهزيمة “إسرائيل” مع حزب الله إلى نصر تكتيكي جزئي باغتيال غالبية قادة الصف الأول والثاني بحزب الله، فيما الواقع الميداني يؤكّـد عمقَ هزيمة “إسرائيل” وأمريكا.
والحقيقةُ التي يؤكّـدها واقع المواجهات العسكرية اليمنية مع الترسانة البحرية الأمريكية أن اليمن قد وضع تلك الترسانة بمجملها باستثناء طائرات إف16 وإف35 التي وعدت اليمن أنها ستصلُ إلى إسقاطها قريبًا بعد أن أسقطت طائرات إم كيو9 رغم إجراء الشركة الأمريكية المصنعة تحديثات عليها، وإسقاط طائرة الـ “إف 18 “مؤخّرًا، والأبرز أن اليمن عمّق فجوة “اللاثقة” بسلاح أمريكا اليوم باعتياده استهداف حاملات الطائرات التي يضع اعتبارات عدم إغراقها، حَيثُ حسابات السياسة تترك هامش الانسحاب الهادئ للعدو، دون إحداث جلبة، كما عمّق اللاثقة بمنظومات دفعاتها بما فيها منظمة الـ”ثاد” التي كانت تساوم بها إلى وقت قريب، واللاثقة بقدرة واشنطن على حماية حلفائها المستهدفين لليمن، حَيثُ تظهر الأخيرة القوة الصُّلبة في المنطقة وفقَ اعتبارات جيوسياسية عسكرية.
في النهاية وبحسب إس إم نيوز الروسية عن الخبير فيودور لوكيانوف، مدير العمل العلمي في نادي فالداي الدولي للمناقشة فَإنَّ الولايات المتحدة تعيد النظر تدريجيًّا في دورها على الساحة الدولية، وتتخلى عن مفهوم الحوكمة العالمية لصالح تعزيز نفوذها الإقليمي؛ فعدم القدرة على التنفيذ الفعال لتلك الحوكمة، والتي يبرز فيها تراجع الهيمنة الأمريكية البحرية وعقيدة ماهان، حَيثُ تُجبَر القيادة الأمريكية على إعادة توجيه نفسها نحو تعزيز مواقفها في منطقتها، واستعادة النهج السياسي للقرن التاسع عشر.
ويتأكّـد هذا الاتّجاه من خلال مبادرة دونالد ترامب لإعادة تسمية خليجِ المكسيك بالخليج الأمريكي والحديث عن فكرة ضَمِّ كندا إلى الولايات المتحدة، حَيثُ إن عصرَ العولمة الشاملة الأمريكية يقتربُ من نهايته؛ إذ ستحظى العلاقات مع الدول القريبة جغرافيا بالأولوية، وهو ما يتوافقُ تمامًا مع النظام العالمي الجديد الناشئ.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: التی کانت
إقرأ أيضاً:
اليمن يفرض معادلات جديدة لتفكيك هيمنة أمريكا في البحر الأحمر
صنعاء: تفرض سيطرتها على البحر الأحمر
دفاع الولايات المتحدة المستميت عن الكيان المحتل في الشرق الأوسط لم يكن مجرد التزام تحالف، بل هو جزء من مشروع جيوسياسي لإعادة رسم خارطة المنطقة، وترسيخ الكيان الصهيوني المحتل كقوة إقليمية مهيمنة. وقد شكلت عمليات الجيش اليمني في البحر الأحمر وباب المندب ضربة قاصمة لهذا المخطط، حيث استطاعت صنعاء فرض سيطرة فعلية على أهم الممرات البحرية في العالم، مما جعل واشنطن تتخبط في ردود فعلها العسكرية، وتتكبد خسائر لم تعلن عنها بشكل رسمي.
لقد أثبتت الحرب الدائرة أن حاملات الطائرات الأمريكية لم تعد محصنة كما كانت في السابق. فالتطور اللافت في تطور قدرات الجيش اليمني، وخاصة في مجال الصواريخ المجنحة، والطائرات المسيّرة، والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، جعل القواعد الأمريكية، وحاملات الطائرات، وحتى العمق الإسرائيلي، تحت مرمى النيران. هذه المعادلة الجديدة أظهرت أن التفوق العسكري التقليدي لم يعد كافيًا لضمان السيطرة على مناطق الصراع، وأن التكتيكات غير التقليدية التي تعتمد على الحرب السيبرانية والطائرات المسيّرة باتت تشكل تهديدًا وجوديًا لحاملات الطائرات الضخمة.
الصواريخ الباليستية اليمنية فرط الصوتية، التي وصلت إلى أهدافها بدقة في عمق الكيان الصهيوني، أثبتت أن القوة العسكرية الأمريكية ليست بمنأى عن التهديد، وأن الدفاعات الجوية الصهيونية والأمريكية ليست فعالة كما تروج وسائل الإعلام الغربية. هذا التهديد المباشر أجبر القطع البحرية الأمريكية على الفرار إلى مناطق بعيدة في أقصى شرق البحر الأحمر، في محاولة لتجنب تدميرها، بينما تعرضت العديد منها لأضرار جسيمة، مما اضطرها إلى مغادرة مواقعها بعيدًا عن مدى الصواريخ اليمنية.
وفي خضم الصراع الدائر في البحر الأحمر، برز الجيش اليمني كقوة استراتيجية ضاربة، لم تعد فقط قادرة على حماية مياهها الإقليمية، بل فرضت واقعًا عسكريًا جديدًا أربك الولايات المتحدة وحلفاءها. فمنذ بدء عمليات "حارس الازدهار" التي قادتها واشنطن لحماية سفن المحتل الصهيوني والتجارية المرتبطة به ومهاجمة اليمن، تحولت المعركة البحرية إلى اختبار حقيقي للقوة، حيث استطاعت القوة الصاروخية والجوية اليمنية تحييد البحريات الدولية المعادية، وإفشال أهدافها بقدرات عسكرية نوعية غير مسبوقة.
جاءت عملية "حارس الازدهار" في محاولة أمريكية يائسة لحماية السفن المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة من الاستهداف اليمني، إلا أن هذه الحملة العسكرية لم تحقق أيًا من أهدافها. فالهجمات اليمنية لم تتوقف، واستمرت السفن الحربية الأمريكية في الهروب، بعد تلقيها ضربات موجعة، سواء بالصواريخ المجنحة أو الطائرات المسيّرة، التي اخترقت الدفاعات المتقدمة لحاملات الطائرات والسفن المرافقة لها.
القيادة العسكرية الأمريكية، التي لطالما تباهت بتفوقها البحري، وجدت نفسها في موقف لم تعتد عليه؛ حيث أصبحت قواعد الاشتباك لا تُحدد في البنتاغون، بل في صنعاء، والقرارات العسكرية اليمنية باتت تحرك المعركة وفقًا لظروفها وليس وفقًا للإملاءات الأمريكية. هذا الفشل الأمريكي كشف عن ضعف استخباري وعجز تكتيكي، خاصة وأن الجيش اليمني تمكن من تنفيذ هجمات دقيقة ضد القطع البحرية المعادية، وأجبرها على الفرار بعيدًا عن خطوط المواجهة.
حاملة الطائرات ترومان
مع استمرار فشل "حارس الازدهار"، اضطرت الولايات المتحدة إلى تصعيد عملياتها عبر استهداف المدن اليمنية، مستخدمة مقاتلاتها الحربية المنطلقة من حاملة الطائرات "ترومان". لكن المفارقة تكمن في أن هذه الهجمات لم تحقق أي أهداف استراتيجية تُذكر، بل كشفت عن ارتباك استخباري كبير، حيث استهدفت مواقع سبق قصفها سابقًا، أو مناطق لا تحتوي على أي أهداف عسكرية حقيقية. وعندما لم تجد شيئًا عادت لاستهداف الأحياء السكنية والمنشآت الاقتصادية في المدن اليمنية الواقعة تحت سلطة صنعاء، موقعة عددًا من الضحايا المدنيين.
هذا الإخفاق الاستخباري الأمريكي يعكس عدم قدرة واشنطن على التعامل مع حرب غير تقليدية، حيث تعتمد صنعاء على تكتيكات التمويه، والحرب السيبرانية، ومنصات الإطلاق المتنقلة، التي تجعل تحديد مواقع الأهداف أمرًا بالغ التعقيد.
ولم يعد بإمكان الأمريكيين تحقيق تفوق استخباري يتيح لهم ضربات دقيقة، وهو ما يفسر استهدافهم لمواقع غير ذات جدوى، في محاولة لتبرير حملتهم العسكرية العدوانية المتعثرة، ووقف الصواريخ الباليستية التي تطلق من اليمن وتضرب عمق الكيان المحتل ومنشآته الحيوية.
الجيش اليمني يفرض قواعد اشتباك جديدة
اليمن لم يعد مجرد لاعب إقليمي صغير، بل بات قوة مؤثرة في المنطقة والإقليم يمتلك ترسانة صاروخية متطورة، تشمل:
الصواريخ المجنحة التي تستطيع استهداف القطع البحرية الأمريكية والإسرائيلية بدقة عالية.
الطائرات المسيّرة التي تمتلك قدرة عالية على المناورة والتخفي، مستهدفة السفن العسكرية والتجارية المعادية.
الصواريخ الباليستية فرط الصوتية التي تمكنت من اختراق الدفاعات الإسرائيلية، وإلحاق خسائر مباشرة بالعمق الإسرائيلي ومراكزه الحيوية.
هذه الأسلحة وغيرها غيرت معادلة القوة في البحر الأحمر، حيث أصبح الجيش اليمني القوة المهيمنة فعليًا على مضيق باب المندب الاستراتيجي، مما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة حساباتها، خاصة مع الانسحاب المتكرر للقطع البحرية الأمريكية من مناطق المواجهة.
استمرار الهجمات اليمنية، وعدم قدرة الولايات المتحدة على تحقيق أي مكاسب عسكرية حقيقية، يضع واشنطن أمام أزمة استراتيجية عميقة. فالقوة الأمريكية التي كانت تعتمد على فرض الهيمنة العسكرية المطلقة، باتت اليوم تواجه خصمًا يمتلك من المرونة والتكتيكات ما يجعله قادرًا على تحييد هذه القوة، وحرمانها من تحقيق أهدافها.
الرهان الأمريكي على كسر الإرادة اليمنية من خلال الضربات الجوية فشل فشلًا ذريعًا، بل إن التصعيد الأمريكي لم يؤدِ إلا إلى مزيد من التحدي والتصعيد المضاد، حيث باتت الرسائل القادمة من صنعاء واضحة: كلما استمرت واشنطن في عدوانها، كلما توسعت دائرة الاستهداف، ووصلت الضربات إلى عمق أكبر وأخطر.
المشهد القادم
في ظل الخسائر المتزايدة، والتحولات الجيوسياسية العالمية، يبدو أن الولايات المتحدة أمام خيارين لا ثالث لهما:
التراجع عن التصعيد والقبول بمعادلة الردع الجديدة التي فرضها اليمنيون، وهو ما يعني اعترافًا ضمنيًا بانتهاء الهيمنة الأمريكية المطلقة على البحر الأحمر.
استمرار التصعيد مع إدراك أن الحرب لن تكون سهلة، وأن أي تصعيد جديد سيُقابل بتصعيد أقوى، قد يشمل استهداف مباشر لحاملات الطائرات والقواعد الأمريكية في المنطقة، وكل الخيارات مفتوحة لاستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة.
في الحالتين، لم تعد واشنطن تملك اليد العليا، بل باتت في موقف الدفاع، تحاول تجنب مزيد من الخسائر دون أن تجد مخرجًا استراتيجيًا يُنقذ ماء وجهها. ما يحدث اليوم ليس مجرد معركة بحرية، بل هو تحول في معادلات القوة، يُشير إلى عالم لم تعد فيه الولايات المتحدة قادرة على فرض إرادتها دون مقاومة شرسة، تقلب طاولات الهيمنة رأسًا على عقب.
الهروب الأمريكي
مع تصاعد الهجمات اليمنية ودقة استهدافاتها، وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف دفاعي غير مسبوق، حيث اضطرت إلى تمديد بقاء حاملة الطائرات "ترومان" حتى نهاية مارس بحسب تصريح وزير الدفاع الأمريكي، وأرسلت تعزيزات بحرية جديدة على أمل استعادة السيطرة. لكن هذه التحركات العسكرية لا تعكس قوة، بقدر ما تعكس ارتباكًا في استراتيجية واشنطن، التي باتت تدرك أن الحرب في البحر الأحمر لن تكون سهلة، وأنها تخوض معركة استنزاف غير محسوبة العواقب.
رسائل صنعاء
القيادة اليمنية أرسلت رسائل واضحة بأن أي تصعيد أمريكي سيُقابل بتصعيد أكبر، وأن استهداف القطع البحرية الأمريكية وحاملات الطائرات لن يكون مجرد رد فعل مؤقت، بل استراتيجية ثابتة حتى يتم فك الحصار عن قطاع غزة. هذا الموقف وضع واشنطن أمام خيارين كلاهما مُكلف: إما التصعيد والمخاطرة بخسائر جسيمة في البحر الأحمر، أو التراجع والقبول بالواقع الجديد الذي فرضته صنعاء.
ما يحدث اليوم في البحر الأحمر يمثل لحظة فارقة في تاريخ المواجهات العسكرية. فالقوة اليمنية، رغم محدودية مواردها مقارنة بالإمبراطورية العسكرية الأمريكية، استطاعت تغيير المعادلة، وإجبار واشنطن على مراجعة حساباتها. لقد أصبح من الواضح أن حقبة التفوق الأمريكي المطلق قد انتهت، وأن القوى الإقليمية الصاعدة قادرة على فرض توازنات جديدة، حتى في وجه أعتى الجيوش العالمية.
المشهد القادم سيشهد مزيدًا من التصعيد، فصنعاء لا تزال تمتلك أوراقًا قوية، وقوية جدًا لم تكشفها بعد. والولايات المتحدة تجد نفسها في معركة خاسرة. ومع تزايد الضربات الدقيقة التي تستهدف عمق كيان المحتل الصهيوني، وتصاعد الضغوط الداخلية والخارجية على واشنطن، يبدو أن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط باتت في مأزق حقيقي، قد يكون بداية لانحسار النفوذ الأمريكي في المنطقة، لصالح قوى إقليمية ودولية جديدة.
- عرب جورنال / توفيق سلاّم -