بتوقيته ورسالته لم يكن أوبنهايمر، مجرد شريط سينمائي متقن فنياً حاز إقبالاً جماهيرياً حيثما عرض.
إنه رسالة من الماضي المروع بقنبلتي «هيروشيما» و«نجازاكي» الذريتين إلى الحاضر المهدد بحرب نووية مدمرة.
موسكو تصرح من وقت لآخر: «لا تنسوا أننا دولة نووية وأن استخدام الأسلحة النووية وارد كخيار أخير».. وواشنطن ترد بمناورات بحرية تستخدم فيها أسلحة نوعية وتصريحات مقاربة.
بين الماضي بإرثه المرير والحاضر بتساؤلاته المخيفة يسرد الشريط السينمائي سيرة عالم الفيزياء النظرية الأمريكي روبرت أوبنهايمر الذي يطلق عليه «أبو القنبلة الذرية».
يستند السيناريو إلى جهد توثيقي فائق الأهمية ضمه كتاب نشر عام 2005 حاز جائزة «بوليتزر» يحمل عنواناً لافتاً: «بروميثيوس الأمريكي- إنجازه ومأساته» للكاتبين «كاي بيرد» و«مارتن شيروين».
في الأسطورة الإغريقية «بروميثيوس» هو «سارق النار»، الذي تحدى الإله «زيوس» وعلم البشر أسرار النار وقدرتها على تطوير حياتهم.
هذا هو دور العلم على وجهه الصحيح، لكن النار التي أشعلها أوبنهايمر قتلت ودمرت وأحرقت آلاف اليابانيين في الحرب العالمية الثانية.
لم تكن هناك ضرورة عسكرية لاستخدام السلاح الذري.
هذه الحقيقة أقلقت ضمير العالم الأمريكي، الذي ظن أن قنبلته سوف توقف كل الحروب، فإذا بها تشعل صراعاً ضارياً يتمدد في الزمن.
تنازعته مشاعر متناقضة بين التطور العلمي الذي أحدثه والاستخدام العسكري للوحش الذي أطلقه.
لم يكن متحمساً لاستخدام القنبلة الذرية، التي سابق الزمن أثناء الحرب العالمية الثانية للحصول عليها قبل الألمان.
لم يندم على اختراعه باعتباره كشفاً علمياً، لكنه بعد محنة «هيروشيما» و«نجازاكي» استشعر مسؤولية أخلاقية عما لحق بهما من تقتيل جماعي.
بتعبيره: «الآن أصبحت أنا الموت».. «مدمر العالم».
تحت وطأة أزمة ضميره دعا مبكراً بعدما بات مؤكداً أن السوفييت أوشكوا على صناعة القنبلة الذرية إلى الحوار والتفاوض لوقف سباق التسلح المرعب، الذي يوشك العالم أن ينجرف إليه.
لم يستمع إليه أحد في أوساط صناعة القرار، ولا جرت أدنى استجابة من الرئيس الأمريكي هاري ترومان.
في لقاء وحيد وعاصف مع ترومان تناقضت الخيارات الرئيسية بين الرئيس و«أبو القنبلة الذرية».
الأول، يستشعر القوة المدمرة الهائلة التي تمتلكها بلاده وما تضفيه عليها من عظمة عسكرية وسياسية.
والثاني، لا يخفي قلقه وتبرمه من الاستخدام السياسي والعسكري لاختراعه.
«أتظن أن اليابانيين يعرفون اسمك، إنهم يعرفون اسمي أنا»- هكذا خاطبه الرئيس عندما ضاق ذرعاً بتذمره.. وقد خرج شبه مطرود من البيت الأبيض. كانت تلك لحظة فراق بين تصورين متناقضين لإدارة السلاح الجديد.
ترومان أراده ترهيباً للأعداء والحلفاء معاً تفرض به الولايات المتحدة كلمتها على العالم دون أدنى قيود أخلاقية.
وأوبنهايمر أراده إنجازاً علمياً ينبغي أن توضع قيود صارمة على استخدامه بالتفاوض مع السوفييت لمنع أية حروب مدمرة لاحقة.
بقوة السلطة فرض تصور ترومان نفسه، غير أنه باتضاح حقائق الردع المتبادل بين اللاعبين الدوليين الكبيرين أمريكا والاتحاد السوفييتي تبدت أهمية أطروحة أوبنهايمر، التي وجدت طريقها إلى موائد التفاوض دون أن يتخليا تماماً عن مخزونهما النووي.
جدير بالذكر هنا أن رئيساً أمريكياً آخر هو باراك أوباما، زار موطن الجريمة التاريخية، معتذراً للشعب الياباني، غير أن ذلك لم يكن كافياً لإبراء الذمة.
الاعتذار الحقيقي أن تتأكد البشرية بصورة نهائية أن أسلحة الموت الجماعي لن تستخدم مرة أخرى، وهو ما لم يحدث حتى الآن من الأطراف الدولية المتصارعة في الحلبة الأوكرانية.
على خلفية مواقفه، التي تخالف ما استقرت عليه الإدارة الأمريكية، دفع «أوبنهايمر» ثمناً باهظاً من سمعته وسلامته النفسية. حاصرته شبهات أنه هو الذي سرب أسرار القنبلة الذرية إلى السوفييت.
تحول من بطل قومي صورته تتصدر مجلة «التايم» والهتاف باسمه يدوي في التجمعات العلمية والعامة، إلى متهم في ذمته الوطنية، ومشتبه في أن يكون قد خان بلاده.
تبددت قداسته العلمية كعالم يضاهي «البرت أينشتاين»، الذي التقاه وشجعه على المضي قدماً في أبحاثه العلمية.
بدا «بورميثيوس الأمريكي» معذباً بإنجازه ومتعباً في ضميره.
حاول صناع الشريط السينمائي سد ثغرات الذاكرة الإنسانية، حتى لا تتكرر مأساة «هيروشيما» و«نجازاكي» بصورة أخطر وأفدح.
أرادوا أن يقولوا: «لا تنسوا».
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني القنبلة الذریة
إقرأ أيضاً:
الطاقة الذرية تستضيف الاجتماع الوطني لمنسقي مشروعات التعاون الفني
افتتح اليوم بمقر هيئة الطاقة الذرية بالقاهرة الاجتماع الوطني لمنسقي مشروعات التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومشروعات الأفرا ، حيث افتتح الاجتماع الاستاذ الدكتور عمرو الحاج رئيس هيئة الطاقة الذرية والمنسق الوطني لمصر (NLO) مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبحضور الاستاذ الدكتور هداية أحمد كامل نائب رئيس الهيئة للتدريب والتعاون الدولي وبحضور جميع منسقي مشروعات التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنسقي مشروعات الأفرا وكذلك منسقي التعاون غير الأقليمي من الهيئة والهيئات النووية والجهات والوزارات الأخرى.
ويجدر الإشارة إلى أن رئيس هيئة الطاقة الذرية بصفته المنسق الوطني لمصر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يلعب دوراً محورياً وهاماً سواءً على المستوى الوطني من ناحية التنسيق والمتابعة مع جميع أجهزة ووزارات الدولة بشأن المشروعات الخاصة بالدعم الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شتى المجالات ذات الصلة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وعلى المستوى الدولي حيث يقوم بدور هام في التنسيق مع جميع أقسام وإدارات الدعم الفني بالوكالة الدولية للطاقة الذرية لتوضيح المشروعات المقدمة من مصر ومتابعة تنفيذها وتذليل أية معوقات من النواحي الفنية أو اللوجستية.
وقد أفتتح الاجتماع بتقديم من الدكتور/ عمرو الحاج رئيس هيئة الطاقة الذرية والمنسق الوطني للتعاون الفني حيث أوضح بأن مصر قد وقعت إطار البرنامج الوطني للتعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للفترة من عام 2022 الي عام 2027 في 21 سبتمبر 2024 حيث يشمل إطار الشراكة الإستراتيجية مع الوكالة المجالات ذات الأولوية حيث سيتم توجيه المشروعات خلال تلك الفترة على نقل التكنولوجيا النووية وموارد التعاون التقني لدعم أهداف التنمية الوطنية لمصر. ويحدد إطار الشراكة سبعة مجالات ذات أولوية وتشمل: السلامة النووية والإشعاعية والأمن النووي، تخطيط الطاقة والطاقة النووية، التطبيقات الصناعية و تكنولوجيا الإشعاع، المياه والبيئة، الغذاء والزراعة، صحة الإنسان، واخيراً تطوير وإدارة المعرفة النووية.
كما أضاف بأن الهدف من هذا الاجتماع الهام هو استعراض مجالات التعاون الفني على المستوى الوطني في المجالات السابقة وكذلك استعراض موقف المشروعات الجارية والمستقبلية لجميع الجهات والوزارات في مصر . حيث تشمل مشروعات التعاون الفني المشروعات الوطنية أو الإقليمية أو على مستوى الأقاليم.
حيث تشمل مشروعات التعاون الفني لمصر الجارية خلال الدورة الحالية 2024 -2025 ثلاثة مشروعات ، كما تشمل الدورة القادمة 2026 -2027 ثلاثة مشروعات، أما بالنسبة للمشروعات على مستوى الأفرا فيوجد عشرة مشروعات للتعاون، وختاماً مشروعات التعاون غير الأقليمية وعددها عشرة مشروعات.
ويعتبر الهدف الاساسي من الاجتماع تنسيق جهود الجهات والهيئات والوزارات المصرية لتحقيق أقصى استفادة من إطار التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لخدمة خطة الدولة للتنمية، وكذلك أستعراض اهم التحديات ونتائج المشروعات وتبادل الخبرات بين الجهات الوطنية.
وقد صرح الاستاذ الدكتور/ هداية أحمد كامل نائب رئيس الهيئة للتدريب والتعاون الدولي بأن هذا الاجتماع يحضره منسقي مشروعات التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بجميع أنواعها على مستوى مصر وتشمل الجهات المشاركة هيئة الطاقة الذرية ، وهيئة المحطات النووية وهيئة المواد النووية وهيئة الرقابة النووية والإشعاعية ومعهد الأورام القومي ومعهد علوم البحار والمصايد وجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ووزارة البيئة. كما شارك بالاجتماع الاستشاريين لمشروعات التعاون الفني ومنسق مصر لدى الشبكة الأفريقية لتعليم العلوم والتكنولوجيا النووية.
وقد بدأ الإجتماع بقيام المنسقين من جميع الجهات والهيئات والوزارات باستعراض كل مشروع من ناحية الاهداف، الموقف التنفيذي، النتائج التي تم تحقيقها، أهم التحديات أو المعوقات، البرنامج الزمني للتنفيذ.
وقد صرح الأستاذ الدكتور عمرو الحاج رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية والمنسق الوطني في ختام الإجتماع بأن المناقشات قد خلصت لمجموعة من التوصيات الهامة لجميع منسقي جميع المشروعات لتحقيق أقصى إستفادة لجميع الجهات وكذلك استعراض ألية التعاون بين الجهات المختلفة من خلال المشروعات الجارية، وكذلك توجيه الجهود لجميع الهيئات والوزارات للبدء في الإعداد لخطة العمل المستقبلية لمشروعات التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتعزيز التعاون في مجالات الاستخدامات السلمية للعلوم والتكنولوجيا النووية، كما تم تحديد أليات التوثيق للمشروعات وكذلك تحديد أهم الدروس المستفادة .
من ناحيته، قال الدكتور شريف الجوهري المتحدث الرسمي لهيئة الطاقة الذرية إن استضافة الهيئة لهذا الاجتماع التنسيقي الهام تأتي تعزيزاً لدور الهيئة المحوري على المستوى الوطني والدولي من ناحية تنسيق وإدارة ومتابعة مشروعات التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المستوى الوطني في مجالات الإستخدامات السلمية للطاقة الذرية منذ إشتراك مصر في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1957 وحتى الآن.