«تحوّل الخارج» لا ينسحب على الداخل: ابن سلمان ثابت على القمع

النظام يلمّع صورته من خلال استقدام أهمّ لاعبي كرة القدم إلى الدوري السعودي.

لكن شيئاً واحداً لم يتغيّر أبداً، هو مستوى القمع لكلّ صوت اعتراض مهما كان بسيطاً، على طريق تثبيت إمساكه بالسلطة.

منذ صعود بن سلمان إلى السلطة قبل 7 سنوات، غيّر كثيرا في سياساته، بل انتقل في حالات معينة من الشيء إلى نقيضه، كما حصل في السياسة الخارجية للمملكة.

تخلّص بن سلمان من كلّ أعدائه المحتملين والظاهرين منذ صعوده قبل 7 سنوات بل تخلّص من مؤيّدين لا يندرج سلوكهم في السياق الذي يريده لمشروعه في الحكم.

جرى اعتقال كثير من الدعاة بسبب انتقادات بسيطة لولي العهد، وبعضهم ما زال في السجن منذ سبع سنوات ويواجهون احتمال الحكم عليهم بالقتل، بسبب تغريدة فقط.

بالقوة والقمع يواصل بن سلمان تغيير هوية المجتمع عبر «هيئة الترفيه» برئاسة تركي آل الشيخ بإقامة الحفلات الموسيقية المختلطة ومظاهر التسيب المجتمعي الأخرى.

خوف وليّ العهد من مراكز القوى في الأسرة الحاكمة المستبعدة حاليا فهذه تظلّ موجودة وإن كانت كامنة ولها ولاءات قبائلية تتحيّن الفرصة للعودة لأنها لا تُبنى وتُهدم بين يوم وليلة.

* * *

لا مُزاح عند وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، عندما يتعلّق الأمر بفرض سلطته في الداخل، على رغم أنه تخلّص، كما يبدو، من كلّ أعدائه المحتملين الظاهرين، منذ ارتقائه منصبه قبل سبع سنوات، وتخلّص حتى من بعض المؤيّدين الذين لا يندرج سلوكهم في السياق الذي يريده لمشروعه في الحكم.

وإذا كان ذلك يدلّ على شيء، فإنّما على أن الرجل ما زال خائفاً على نفسه وعلى حكمه، وهو ما يصيبه بنوع من الهوس الذي يجعله يشكّك حتى في أشقّائه وأخوته.

فبعد الكلام قبل أشهر عن أنه قلّص دور شقيقه خالد، نائب وزير الدفاع، الذي كان أقرب المقرّبين إليه، تحدّث حساب «رجل دولة» المعارض المعروف عن أن ابن سلمان وبّخ أخاه عبد العزيز، وزير النفط، بسبب انخفاض أسعار النفط وعدم نجاعة خفض الإنتاج، وهدّده باستبداله، آخذاً عليه أنه قبل مدّة عندما أراد وليّ العهد التراجع عن سياسة خفض الإنتاج، قال له عبد العزيز: تريّث، فإن سعر البرميل الواحد سيصل إلى 125 دولاراً.

وفي تغريدة أخرى، يكتب «رجل دولة» الذي يضع في «بروفايل» حسابه، صورة وليّ العهد السابق، محمد بن نايف، أن ابن سلمان تسلّم تقريراً يتحدّث عن تململ الشعب بسبب سياسة تكميم الأفواه التي أصبحت سمة بارزة في السياسة الداخلية، وفي التقرير فقرة أيضاً عن وجود غليان داخلي بسبب ارتفاع الأسعار، إلّا أن المغرد يقول إن «وليّ العهد كعادته لم يأخذ التقرير بجدية ووبّخ مَن أعدّه».

سيظلّ حُكم ابن سلمان، طوال عهده، قائماً على ثنائية الخوف والتخويف. فالقمع الشديد الذي يشمل عمليات إعدام جماعية وعقوبات قاسية أخرى على أفعال بسيطة لا تشكّل حتى إساءة في أماكن أخرى، المقصود منه إثارة الرعب في نفوس المعارضين المحتملين.

في حين أن خوف وليّ العهد يأتي بالضبط ممّا يُفترض أن يكون - في الأحوال الطبيعية - ركائز الحكم في الداخل (وحلفاء الخارج)، أي من مراكز القوى الأخرى في الأسرة الحاكمة المستبعدة حالياً. إذ إن هذه الأخيرة ستظلّ موجودة، وإن كانت كامنة، ولها ولاءات بين القبائل، وتتحيّن الفرصة للعودة؛ فتلك وشائج لا تُبنى ولا تُهدم بين يوم وليلة.

التخويف يخدم بن سلمان أيضاً، بفعل الظروف الموضوعية؛ فأيّ عملية تغيير في منطقة كالشرق الأوسط محفوفة بمخاطر كبيرة: قد تؤدي مثلاً إلى تمزّق السعودية، وخسارة الكثيرين مستوى الرفاهية الذي يعيشونه، فضلاً عن أن الحكام المستبدّين لا يتركون فرصة لتبلور بديل حتى من داخل النظام.

وليس جديداً في الخليج تخيير الناس بين الصمت وبين التعرّض لمشكلات سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي. وهذا ما يثني، كما يبدو، حلفاء النظام في الخارج، كالأميركيين، عن المخاطرة بخطوة قد يتبيّن أنها ناقصة وتُفلت المملكة من يدهم، إذا ما حاولوا دعم انقلاب ضدّ ولي العهد المزعج لهم.

في حالة ابن سلمان، يشتدّ القمع أكثر، لأنه ما زال بحاجة إلى تلك الخطوة الأخيرة المتمثّلة في تسنّمه العرش رسمياً، وهذه مناسبة مهما كانت شكلية، فقد جرت العادة على أن تواكبها مبايعات خارجية من مراكز القوى العالمية، وتحديداً واشنطن، فضلاً عن المبايعات الداخلية.

فقبل أسابيع قليلة، لاحظ المغرّد المعروف «مجتهد» غياب الملك سلمان تماماً عن الصورة في الأشهر الأخيرة، وكتب أنه «تأكد قطعياً أن آخر ظهور للملك كان في جلسة مجلس الوزراء في 23 أيار الماضي» أي قبل نحو ثلاثة أشهر من الآن، بالإضافة إلى أن رئيس الفريق الطبي المشرف على صحته في قصر السلام هو الدكتور علي القحطاني، من طرف مستشار ولي العهد، سعود القحطاني.

وكلّما اقتربت لحظة الانتقال، كلّما كان ابن سلمان بحاجة إلى إظهار تشدّد أكبر، وفي هذا السياق جاء اعتقال خبير الصحة العامة، محمد الحاجي، من دون سبب معروف، وهو داعم لولي العهد ولا يتعاطى السياسة. وجاء اعتقاله في أعقاب اختفاء واعتقال مؤثّرين بارزين آخرين بسبب «جرائم» تشمل الانتقاد المُتصَّور لولي العهد، ودعم المرأة وحقوقها.

بالقوة والقمع أيضاً، يواصل ابن سلمان مسعاه لتغيير هوية المجتمع السعودي عبر «الهيئة العامة للترفيه» برئاسة تركي آل الشيخ، من خلال إقامة الحفلات الموسيقية المختلطة وغيرها من مظاهر الانفتاح المجتمعي.

ويبدو رجال الدين في المؤسسة الوهابية وقد أُسقِط في يدهم، بحيث لا يستطيعون إبداء أيّ انتقاد لتلك الاحتفالات ولا لتركي آل الشيخ. وقد جرى اعتقال الكثير من الدعاة بسبب انتقادات بسيطة لولي العهد، وبعضهم ما زال في السجن منذ سبع سنوات ويواجهون احتمال الحكم عليهم بالقتل، بسبب تغريدة فقط.

هكذا، عطّل ابن سلمان عملياً دور الجناح الوهابي في السلطة، إلّا بما يخدم أجندته، حين يريد منهم تشريع أمر ما دينياً.ولعلّ آخر مثال على ما تَقدّم هو فيلم «باربي»، الذي يُتّهم بأنه يروّج للمثلية الجنسية، ويستمرّ عرضه في صالات السينما السعودية، بينما جرى منعه في دول عربية أكثر انفتاحاً بكثير من المملكة.

ومع ذلك، لم يجرؤ أيّ رجل دين، من أصغر داعية، وصولاً إلى مفتي عام المملكة، عبد العزيز آل الشيخ، على الإدلاء بأيّ ملاحظة.

القمع الشديد، يقابله إنفاق باذخ، بل جنوني، على تلميع الصورة من خلال استقدام أهمّ لاعبي كرة القدم إلى الدوري السعودي. وهذه يُدفع ثمنها من المال العام وليس من أموال الأندية التي لا تملك الإمكانية لعقد صفقات بأحجام لا تستطيع حتى الأندية الكبرى في العالم مثل «ريال مدريد» و«بايرن ميونيخ» دفعها.

وتُرافق تلك الصفقات همروجات إعلامية، ولا سيما عند عقدها مع أسماء لامعة جدّاً من مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما وأخيراً نيمار.

*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية القمع بن سلمان تركي آل الشيخ سعود القحطاني الهيئة العامة للترفيه لولی العهد ابن سلمان ولی العهد آل الشیخ بن سلمان ما زال

إقرأ أيضاً:

الاحتلال ينسحب من معبر رفح .. تفاصيل

سرايا - انسحب الجيش الإسرائيلي اليوم الجمعة من معبر رفح، الذي يقع بين مصر وقطاع غزة، وسلمه للقوات الدولية.

وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي فإن الفلسطينيين العاملين في المعبر ليسوا من حماس، مشيرة إلى ان دور السلطة الفلسطينية في المعبر يقتصر فقط على ختم تصاريح العبور، مضيفة "حصل جميع العاملين الأجانب والفلسطينيين والمصريين على تصريح أمني من (الشاباك)".

وأكد الاتحاد الأوروبي انتشار بعثة المساعدة الأوروبية عند معبر رفح.

وبحسب الخارجية الفرنسية فقد تم نشر 3 مراقبين ضمن البعثة الأوروبية إلى معبر رفح.

ووفق إذاعة الجيش، فقد صدّقت إسرائيل على قائمة الفلسطينيين المقرر خروجهم من القطاع يوم غد السبت عبر معبر رفح باتجاه مصر.

وأضافت أنه سيتم السماح لمسلحي حركة حماس المصابين بالعبور إلى مصر، لكنه لن يُسمح لأي من المشاركين في أحداث 7 أكتوبر بعبور المعبر.

ومن المقرر السماح بسفر 50 مصابًا من غزة يوميًا عبر المعبر، بالإضافة إلى 3 مرافقين لكل منهم، أي 200 شخص في اليوم الواحد.

واليوم الجمعة، أعلنت مصر إعادة فتح معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، بعد أن كان من المتوقع فتحه الأحد بموجب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس.





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 2160  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 31-01-2025 07:46 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
بالفيديو .. شاهد لحظة إصطدام الطائرتين في واشنطن تركيا .. شاورما تنقذ حياة مسافر الانتحار القمر ليس ميتًا .. دراسة تكشف عن نشاط جيولوجي حديث بالفيديو .. شاهد أسوأ حادث جوّي لحظة اصطدام طائرة امريكية بمروحية عسكرية في الهواء بالفيديو .. أبو عبيدة يعلن استشهاد محمد الضيف و6... "جريمة مروعة في عمّان" .. 7 فتيات... لماذا لقب محمد المصري بـ"الضيف"؟ بالفيديو .. قاصر تشتكي على والدها بتهمة هتك عرض... ترامب عن قبول الأردن ومصر لفلسطينيين من... "الأونروا": استلمنا ثلثي المساعدات من...بعثة المساعدة التابعة للاتحاد الأوروبي تمركزت عند...إيران: سندعم أي حكومة يؤيدها الشعب السوريمسؤول عن تعذيب أطفال درعا .. اعتقال ابن خالة...الأونروا: حظر إسرائيل أنشطتنا يعرض مستقبل وقف إطلاق...بالفيديو .. صحفي إسرائيلي يتباهى باقتحام جنود...لأول مرة .. عائلة الشهيد محمد الضيف تكشف هويتها...مظاهرة مصرية قرب حدود غزة رفضا لمقترح ترامب تهجير...نادي الأسير: 90 أسيرا فلسطينيا سيطلق سراحهم السبت مهيرة عبد العزيز تكشف تفاصيل طلاقها: استمر عامين عفاف شعيب تكشف تطورات أزمتها مع محمد سامي شاهد جواز سفر ومقتنيات لأم كلثوم "زوجتي" .. أول رد من زوج نانسي عجرم بعد... السجن 3 سنوات للفنانة منى فاروق .. مقاطع بألفاظ... مواجهة نارية بين ريال مدريد ومانشستر سيتي في ملحق دوري أبطال أوروبا رونالدو يكشف حقيقة علاقته "السيئة" مع ميسي محمد صلاح يقتحم كعكة عيد ميلاد أسطورة ليفربول كاراجر الأمير فيصل يستعرض بيانه الانتخابي أمام أعضاء اللجنة الأولمبية الدولية المصري: مخططات الاستاد الجديد ستعكس هوية الأردن بالفيديو .. شاهد لحظة إصطدام الطائرتين في واشنطن تركيا .. شاورما تنقذ حياة مسافر الانتحار القمر ليس ميتًا .. دراسة تكشف عن نشاط جيولوجي حديث بالفيديو .. شاهد أسوأ حادث جوّي لحظة اصطدام طائرة امريكية بمروحية عسكرية في الهواء تعرفوا إلى أبرز حوادث الطيران في أميركا روسيا حزينة .. بطلاها قضيا على متن طائرة أميركا المنكوبة أحرق المصحف ووجد مقتولاً .. من هو العراقي سلوان موميكا؟ آخر ظهور لحارق القرآن .. ماذا قال سلوان موميكا قبل ساعات من مقتله؟ اعتقال ابنة رئيس جنوب إفريقيا السابق زوما بتهم تتعلق بالإرهاب حادث تحطم الطائرتين بواشنطن .. كشف تفاصيل اتصالات اللحظات الأخيرة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية إلى السعودية غدًا
  • الرئيس السوري أحمد الشرع يزور المملكة غداً في أول زيارة رسمية له
  • خبير عسكري: غطرسة نتنياهو في عدوانه على غزة أضرت الداخل الإسرائيلي
  • مفاجئ.. طوابير طويلة من النساء الحوامل لإجراء عملية ولادة قيصرية مبكرة بسبب هذا القرار الذي يدخل حيز التنفيذ 19 فيراير
  • الجيش الإسرائيلي ينسحب من معبر رفح جنوبي غزة
  • الاحتلال ينسحب من معبر رفح .. تفاصيل
  • قانون القمع الإلكتروني: حماية للفاسدين أم خنجر في ظهر النزاهة؟
  • خبير: مصر نجت من التقسيم بسبب الإيمان بالوحدة الداخلية
  • الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد السعودي يهنئان الشرع برئاسة سوريا للمرحلة الانتقالية
  • أول تعليق من العاهل السعودي وولي العهد على تنصيب أحمد الشرع رئيسا لسوريا في المرحلة الانتقالية