«تحوّل الخارج» لا ينسحب على الداخل: بن سلمان ثابت على القمع
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
«تحوّل الخارج» لا ينسحب على الداخل: ابن سلمان ثابت على القمع
النظام يلمّع صورته من خلال استقدام أهمّ لاعبي كرة القدم إلى الدوري السعودي.
لكن شيئاً واحداً لم يتغيّر أبداً، هو مستوى القمع لكلّ صوت اعتراض مهما كان بسيطاً، على طريق تثبيت إمساكه بالسلطة.
منذ صعود بن سلمان إلى السلطة قبل 7 سنوات، غيّر كثيرا في سياساته، بل انتقل في حالات معينة من الشيء إلى نقيضه، كما حصل في السياسة الخارجية للمملكة.
تخلّص بن سلمان من كلّ أعدائه المحتملين والظاهرين منذ صعوده قبل 7 سنوات بل تخلّص من مؤيّدين لا يندرج سلوكهم في السياق الذي يريده لمشروعه في الحكم.
جرى اعتقال كثير من الدعاة بسبب انتقادات بسيطة لولي العهد، وبعضهم ما زال في السجن منذ سبع سنوات ويواجهون احتمال الحكم عليهم بالقتل، بسبب تغريدة فقط.
بالقوة والقمع يواصل بن سلمان تغيير هوية المجتمع عبر «هيئة الترفيه» برئاسة تركي آل الشيخ بإقامة الحفلات الموسيقية المختلطة ومظاهر التسيب المجتمعي الأخرى.
خوف وليّ العهد من مراكز القوى في الأسرة الحاكمة المستبعدة حاليا فهذه تظلّ موجودة وإن كانت كامنة ولها ولاءات قبائلية تتحيّن الفرصة للعودة لأنها لا تُبنى وتُهدم بين يوم وليلة.
* * *
لا مُزاح عند وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، عندما يتعلّق الأمر بفرض سلطته في الداخل، على رغم أنه تخلّص، كما يبدو، من كلّ أعدائه المحتملين الظاهرين، منذ ارتقائه منصبه قبل سبع سنوات، وتخلّص حتى من بعض المؤيّدين الذين لا يندرج سلوكهم في السياق الذي يريده لمشروعه في الحكم.
وإذا كان ذلك يدلّ على شيء، فإنّما على أن الرجل ما زال خائفاً على نفسه وعلى حكمه، وهو ما يصيبه بنوع من الهوس الذي يجعله يشكّك حتى في أشقّائه وأخوته.
فبعد الكلام قبل أشهر عن أنه قلّص دور شقيقه خالد، نائب وزير الدفاع، الذي كان أقرب المقرّبين إليه، تحدّث حساب «رجل دولة» المعارض المعروف عن أن ابن سلمان وبّخ أخاه عبد العزيز، وزير النفط، بسبب انخفاض أسعار النفط وعدم نجاعة خفض الإنتاج، وهدّده باستبداله، آخذاً عليه أنه قبل مدّة عندما أراد وليّ العهد التراجع عن سياسة خفض الإنتاج، قال له عبد العزيز: تريّث، فإن سعر البرميل الواحد سيصل إلى 125 دولاراً.
وفي تغريدة أخرى، يكتب «رجل دولة» الذي يضع في «بروفايل» حسابه، صورة وليّ العهد السابق، محمد بن نايف، أن ابن سلمان تسلّم تقريراً يتحدّث عن تململ الشعب بسبب سياسة تكميم الأفواه التي أصبحت سمة بارزة في السياسة الداخلية، وفي التقرير فقرة أيضاً عن وجود غليان داخلي بسبب ارتفاع الأسعار، إلّا أن المغرد يقول إن «وليّ العهد كعادته لم يأخذ التقرير بجدية ووبّخ مَن أعدّه».
سيظلّ حُكم ابن سلمان، طوال عهده، قائماً على ثنائية الخوف والتخويف. فالقمع الشديد الذي يشمل عمليات إعدام جماعية وعقوبات قاسية أخرى على أفعال بسيطة لا تشكّل حتى إساءة في أماكن أخرى، المقصود منه إثارة الرعب في نفوس المعارضين المحتملين.
في حين أن خوف وليّ العهد يأتي بالضبط ممّا يُفترض أن يكون - في الأحوال الطبيعية - ركائز الحكم في الداخل (وحلفاء الخارج)، أي من مراكز القوى الأخرى في الأسرة الحاكمة المستبعدة حالياً. إذ إن هذه الأخيرة ستظلّ موجودة، وإن كانت كامنة، ولها ولاءات بين القبائل، وتتحيّن الفرصة للعودة؛ فتلك وشائج لا تُبنى ولا تُهدم بين يوم وليلة.
التخويف يخدم بن سلمان أيضاً، بفعل الظروف الموضوعية؛ فأيّ عملية تغيير في منطقة كالشرق الأوسط محفوفة بمخاطر كبيرة: قد تؤدي مثلاً إلى تمزّق السعودية، وخسارة الكثيرين مستوى الرفاهية الذي يعيشونه، فضلاً عن أن الحكام المستبدّين لا يتركون فرصة لتبلور بديل حتى من داخل النظام.
وليس جديداً في الخليج تخيير الناس بين الصمت وبين التعرّض لمشكلات سواءً على المستوى الفردي أو الجماعي. وهذا ما يثني، كما يبدو، حلفاء النظام في الخارج، كالأميركيين، عن المخاطرة بخطوة قد يتبيّن أنها ناقصة وتُفلت المملكة من يدهم، إذا ما حاولوا دعم انقلاب ضدّ ولي العهد المزعج لهم.
في حالة ابن سلمان، يشتدّ القمع أكثر، لأنه ما زال بحاجة إلى تلك الخطوة الأخيرة المتمثّلة في تسنّمه العرش رسمياً، وهذه مناسبة مهما كانت شكلية، فقد جرت العادة على أن تواكبها مبايعات خارجية من مراكز القوى العالمية، وتحديداً واشنطن، فضلاً عن المبايعات الداخلية.
فقبل أسابيع قليلة، لاحظ المغرّد المعروف «مجتهد» غياب الملك سلمان تماماً عن الصورة في الأشهر الأخيرة، وكتب أنه «تأكد قطعياً أن آخر ظهور للملك كان في جلسة مجلس الوزراء في 23 أيار الماضي» أي قبل نحو ثلاثة أشهر من الآن، بالإضافة إلى أن رئيس الفريق الطبي المشرف على صحته في قصر السلام هو الدكتور علي القحطاني، من طرف مستشار ولي العهد، سعود القحطاني.
وكلّما اقتربت لحظة الانتقال، كلّما كان ابن سلمان بحاجة إلى إظهار تشدّد أكبر، وفي هذا السياق جاء اعتقال خبير الصحة العامة، محمد الحاجي، من دون سبب معروف، وهو داعم لولي العهد ولا يتعاطى السياسة. وجاء اعتقاله في أعقاب اختفاء واعتقال مؤثّرين بارزين آخرين بسبب «جرائم» تشمل الانتقاد المُتصَّور لولي العهد، ودعم المرأة وحقوقها.
بالقوة والقمع أيضاً، يواصل ابن سلمان مسعاه لتغيير هوية المجتمع السعودي عبر «الهيئة العامة للترفيه» برئاسة تركي آل الشيخ، من خلال إقامة الحفلات الموسيقية المختلطة وغيرها من مظاهر الانفتاح المجتمعي.
ويبدو رجال الدين في المؤسسة الوهابية وقد أُسقِط في يدهم، بحيث لا يستطيعون إبداء أيّ انتقاد لتلك الاحتفالات ولا لتركي آل الشيخ. وقد جرى اعتقال الكثير من الدعاة بسبب انتقادات بسيطة لولي العهد، وبعضهم ما زال في السجن منذ سبع سنوات ويواجهون احتمال الحكم عليهم بالقتل، بسبب تغريدة فقط.
هكذا، عطّل ابن سلمان عملياً دور الجناح الوهابي في السلطة، إلّا بما يخدم أجندته، حين يريد منهم تشريع أمر ما دينياً.ولعلّ آخر مثال على ما تَقدّم هو فيلم «باربي»، الذي يُتّهم بأنه يروّج للمثلية الجنسية، ويستمرّ عرضه في صالات السينما السعودية، بينما جرى منعه في دول عربية أكثر انفتاحاً بكثير من المملكة.
ومع ذلك، لم يجرؤ أيّ رجل دين، من أصغر داعية، وصولاً إلى مفتي عام المملكة، عبد العزيز آل الشيخ، على الإدلاء بأيّ ملاحظة.
القمع الشديد، يقابله إنفاق باذخ، بل جنوني، على تلميع الصورة من خلال استقدام أهمّ لاعبي كرة القدم إلى الدوري السعودي. وهذه يُدفع ثمنها من المال العام وليس من أموال الأندية التي لا تملك الإمكانية لعقد صفقات بأحجام لا تستطيع حتى الأندية الكبرى في العالم مثل «ريال مدريد» و«بايرن ميونيخ» دفعها.
وتُرافق تلك الصفقات همروجات إعلامية، ولا سيما عند عقدها مع أسماء لامعة جدّاً من مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما وأخيراً نيمار.
*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني
المصدر | الأخبارالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السعودية القمع بن سلمان تركي آل الشيخ سعود القحطاني الهيئة العامة للترفيه لولی العهد ابن سلمان ولی العهد آل الشیخ بن سلمان ما زال
إقرأ أيضاً:
خطاب قاسم في ميران التقييم: تضعضع حزبي وتحضير العودة إلى الداخل؟
كتبت سابين عويس في" النهار": لم تكن الإطلالة الأخيرة للأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم متماسكة وحازمة رغم حرصه على أن تكون كذلك. ذلك أن المواقف التي أطلقها في الاستحقاقات المطروحة لم تأت متناسقة بل حملت جملة من التناقضات لا يمكن فهمها أو تبريرها إلا بسببين أحدهما أن الحزب يعاني حالة من التخبّط على مستوى القيادة السياسية الداخلية التي تستوجب وجود مسار واضح ومحدّد لمقاربة الملفات الداخلية، مفترض أن يكون ثابتاً لدى الحزب، كما كان أقله قبل حرب الإسناد، لا سيما في ما يتصل بمسألة السلاح وانتخاب رئيس الجمهورية، أو على صعيد المواقف التي استجدّت بعد حرب الإسناد، وتتصل بمسألة المواجهة مع إسرائيل والربط مع غزة على أساس معادلة الميدان في ما يتعلق بوقف إطلاق النار.وقد حملت مواقف قاسم في هذه المسائل رسائل متعددة الوجهات، منها ما هو موجّه إلى قواعد الحزب لشدّ العصب عبر تأكيد الاستمرار في الحرب، ومنها ما هو موجّه لإسرائيل والمفاوض الأميركي ويتصل بمسار المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار، وقد تعامل مع الاتفاق الجاري التفاوض في شأنه بمرونة مبطنة بكلام منمّق يرضي تلك القواعد ولاسيما منها تلك المتشددة داخل الحزب. وللمفارقة، بدا لافتاً أن اعتراف قاسم بالمفاوض الأميركي والدور الذي يقوم به توصّلاً إلى وقف إطلاق النار، استتبع فوراً في الشق الثاني من الخطاب بوصف الولايات المتحدة الأميركية، الوسيطة في ملفّ التفاوض بـ"الوحوش البشرية".
أبرز التناقضات ظهر في الشق الداخلي من خطاب قاسم، حيث شدّد على نقاط أربع ستحكم سلوكه الداخلي. لكن النقاط الأهم تأتي في ما كشفه عن تفعيل الدور السياسي للحزب بحيث تكون خطواته السياسية تحت سقف الطائف. ولعلها المرة الأولى التي يقارب فيها "حزب الله" العمل السياسي على الساحة الداخلية من باب احترام اتفاق الطائف والعمل تحت سقفه.
في تعليق للنائب في الحزب علي فيّاض في حديث تلفزيوني أمس، كان لافتاً قوله إن "مواقف قاسم حملت رسائل مثقلة بالإيجابية والمرونة"، ما يعكس رغبة واضحة للحزب في النزول عن شجرة السقوف العالية والعودة إلى الداخل من خلال تقديم نفسه حزباً سياسياً لا يتكل على فائض قوّته العسكرية التي وضعت البلاد تحت نفوذه على مدى عقدين، مع كلّ ما رتّبه ذلك من تعطيل للحياة السياسية والعمل الديموقراطي في البلاد.