لكل مدينة وبلدة وقرية في سوريا قصتها الخاصة ومعاناتها خلال الثورة التي اندلعت في مارس/آذار 2011، وما تعرضت له من قمع الأجهزة الأمنية ونظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

ومن بين هذه القصص بلدة الهامة التي تقع غرب العاصمة دمشق، والتي يمر بها نهر بردى، وتمتاز بموقعها الإستراتيجي، لذلك حاصرها نظام الأسد من جميع الجهات وجعل التلال والجبال التي تحيط بها مركزا لقواته ومسكنا لضباطه.

ومع اندلاع الثورة السورية، شارك أهالي الهامة بقوة في الحراك السلمي إلى أن سقط أول قتيل في البلدة عام 2012، ليحمل أهلها السلاح للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأرضهم، كما يروي بعضهم للجزيرة نت.

مدخل بلدة الهامة بريف دمشق (الجزيرة)

وخلال تجول فريق الجزيرة نت في البلدة، بدأ الأهالي برواية قصة عائلة زيتون من أهل الهامة وماذا حدث لها مع دخول جيش الأسد وشبيحته إلى البلدة، وتقول السيدة أم محمد زيتون، وهي أخت 4 شبان اختطفهم جيش الأسد ثم قتلهم وأحرق جثثهم.

وبدأت أم محمد تروي للجزيرة نت ما حدث في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2012 مع دخول جيش الأسد إلى البلدة وانسحاب الثوار منها.

وقالت أم محمد إن أحد أخوتها (يدعى مسلم) انضم إلى الثوار مع بدء جيش نظام الأسد بقتل المدنيين وفي الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2012 وتستذكر أنه في يوم صادف يوم جمعة، دهم الجيش منزلهم وفتشه بحثا عن مسلم، إلا أنهم لم يجدوه فانسحبوا من دون أن يلحقوا الأذى بأحد.

وتضيف أم محمد زيتون: "في اليوم التالي، تفاجأنا بدخول قوات الفرقة الرابعة (قوات النخبة التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد) والشبيحة إلى الهامة، دخلوا علينا وصاروا بالبيت كسروا الباب، وفاتوا فورا طلعوا (أخرجوا) الرجال كلها لبرا مع والدي حجي كبير، أخرجوهم جميعهم للخارج، أما النساء والأطفال والبنات فجمعوهم بغرفة وفتشوا البيوت وكسروا، وقالوا لنا: نحن دخلنا عليكم بسبب مسلم".

إعلان

وتكمل أم محمد ما حدث مع إخوتها الأربعة بالقول: "أحرقوا بيت مسلم حين لم يجدوه، وأخدوا إخوتي محمد وأحمد ومحمود ومصطفى معهم، فسألهم والدي إلى أين تأخذونهم؟!، فأجابوه "(نسألهم) سؤالين ورح نرجعهن"، وهي عبارة يعرفها السوريون جيدا عند اعتقال جيش النظام للثوار ومن الممكن أن يمتد غيابهم لسنوات في المعتقلات، وبعضهم لم يعد أبدا.

وتروي أم محمد في شهادتها قائله "وفي اليوم الثاني -الله يرحمهم- وجدوهم مقطعين ومقتولين ومكوّمين جثثا ومحروقين".

 

الأشقاء الـ4 الذين أحرق جيش الأسد جثثهم (الجزيرة) انتظرهم حتى مات كمدا

وتختتم أم محمد قولها إن والدها رغم علمه بوفاة إخوتها ظل يجلس أمام باب المنزل يوميا ولمدة سنة ونصف سنة وهو ينتظر عودة إخوتها، ويردد أن الضابط أخبره بأنه سيوجه لهم سؤالين فقط، وفي النهاية مات كمدا عليهم.

ودفن الإخوة محمد وأحمد ومحمود ومصطفى زيتون في مقبرة "السادات"، التي استحدثها أهل الهامة خلال الثورة السورية لتجنب عمليات القنص والقتل من قبل قوات وجيش الأسد.

وهناك قصص مأساوية كثيرة عاشها أهالي الهامة خلال فترة الثورة السورية بسبب بطش نظام الأسد بأهل البلدة، لا يسع تقرير واحد أن يذكرها.

الشقة التي أحرق فيها نظام الأسد الإخوة الأربعة (الجزيرة) الهامة جسد سُرق منه الروح

أما مقبرة السادات فلها قصة مع أهل الهامة، حيث كانت قبل اندلاع الثورة السورية مكانا للتنزه ويوجد بها مزار لشخص يطلق عليه "السادات"، ولكن مع بدء الحراك الثوري لجأ إليها أهل البلدة لدفن قتلاهم فيها، لكونها أكثر أمانا من المقبرة الرئيسية للبلدة، لأنها مغطاة بالشجر.

ويقول صياح صادق -أحد أبناء البلدة الذين شاركوا في الثورة السورية- إنهم وضعوا في هذه المقبرة 3 طوابق من القبور فوق بعضها لضيق المكان.

وأحيا أهل الهامة ذكرى قتلاهم بجدارية كتبوا عليها أسماء من قتلهم جيش الأسد خلال الثورة السورية.

إعلان

أهمية الهامة وموقعها الإستراتيجي

أما عن أهمية الهامة بالنسبة لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، فالتقت الجزيرة نت المسؤول الأمني في إدارة العمليات العسكرية ببلدة الهامة بسام "أبو عبدو"، الذي تحدث عن موقع البلدة الإستراتيجي، وقال "إن لبلدة الهامة طبيعة جغرافية مميزة، إذ إنها محاطة بالجبال من الجهات كافة، فإذا بدأنا من جهة الغرب نجد قرية جمراية وبها ثكنة عسكرية وهي للدفاع الجوي، وبعدها يأتي جسر الهامة الكبير الذي به مفرزة أمن، ومن بعده يأتي حي الشامية الذي حصلت فيه المجزرة، ويليه جبل الورد وهو عبارة عن سكن لضباط النظام وجنوده، وفي منتصف البلدة نجد جبل التربة، ويليه مؤسسة معامل الدفاع التي بها الإدارة العامة ومن بعده البحوث العلمية".

ويكمل بسام "وهنا مربط جبل الخنزير الذي كانت ترابط به قناصة النظام التي تكشف البلدة كافة، ومن ورائنا مركز تدريب الأغرار (المجندين الجدد في الجيش) في منطقة الدريج، وكانت لبلدتنا أهمية عند النظام كونها مدخل الغوطة الغربية وقربها من مركز العاصمة، لذلك كانت تلك لعنة على سكانها بسبب إجرام النظام".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الثورة السوریة نظام الأسد جیش الأسد أم محمد

إقرأ أيضاً:

الملفات الهامة والحساسة التي حملها ميقاتي في زيارته لدمشق

بيروت- بزيارة تعد الأولى من نوعها منذ 15 عاما، وصل رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، اليوم السبت، إلى العاصمة السورية دمشق، والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في قصر الشعب، حيث تكتسب هذه الزيارة أهمية كبرى على الصعيدين السياسي والأمني، إذ تمثل بداية عهد جديد في العلاقات بين لبنان وسوريا في ظل تغييرات جذرية شهدتها المنطقة.

وحمل ميقاتي في زيارته ملفا دقيقا يركز على الأمن والإصلاحات الثنائية، ورافقه وفد رسمي ضم وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي، ونائب المدير العام لأمن الدولة العميد حسن شقير.

وخلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد بعد اللقاء، قال الشرع إنه "من الضروري أن تكون هناك علاقات إستراتيجية طويلة الأمد مع لبنان، تستند إلى أسس صحيحة وسليمة"، مؤكدًا أن سوريا ستظل ملتزمة بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف اللبنانية، وأضاف "هناك العديد من القضايا التي يتم بحثها مع لبنان ومن أبرزها ضبط الحدود".

من جانبه، أكد ميقاتي أن المناقشات تركزت على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، مبرزًا أهمية الحوار والعلاقات الودية التي تجمع الشعبين اللبناني والسوري، ولفت إلى أن "إعادة النظر في ملف اللاجئين السوريين في لبنان بات أمرًا ملحًا، بالنظر إلى الضغوط التي يشكلها هذا الملف على لبنان"، وأعرب ميقاتي عن ارتياحه لتفهم الشرع هذا الموضوع.

إعلان مرحلة جديدة

يلاحظ الأستاذ الجامعي علي مراد أن زيارة ميقاتي جاءت في توقيت حساس بالنسبة للمشهد اللبناني، إذ تزامنت مع انتخاب رئيس الجمهورية الجديد جوزيف عون، مما أعطى زخما لعجلة إعادة تكوين السلطة في لبنان بعد أكثر من سنتين من الفراغ، وقبل تكليف رئيس الحكومة، وهذا يعكس بداية نوع من الشرعية مع وجود رئيس للجمهورية، بالإضافة إلى أنها زيارة لرئيس مكلف.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح مراد أن الزيارة تحمل طابعا من محاولات التسويق الدولي والإقليمي لميقاتي في مرحلة ما بعد التكليف، بهدف كسب تأييد النواب في جلسة يوم الاثنين المقبل.

ويضيف "من المهم أن نعلم أن ميقاتي كان يعتبر من الشخصيات القريبة من النظام السوري وحلفائه في لبنان –حركة أمل وحزب الله– لذلك تعتبر الزيارة خطوة نحو تعزيز العلاقات بين مكون سياسي لبناني لم يكن معارضا للنظام السوري السابق، مما يعكس وجود علاقة ثابتة بين البلدين بغض النظر عن من يتولى السلطة في كل منهما".

من ناحية أخرى، اعتبر مراد أن الزيارة التي تمت بالطائرة تحمل دلالة أخرى على عمق العلاقة بين لبنان وسوريا، حيث تكرس هذه الزيارة العلاقة الرسمية بين البلدين.

أما بالنسبة للنتائج المتوقعة، فيشير إلى وجود العديد من القضايا العالقة بين لبنان وسوريا، أبرزها تعزيز الاعتراف المتبادل بسيادة واستقلال كل من البلدين، وعدم التدخل في شؤونهما الداخلية، وقد تجلى ذلك في تأكيد رئيس الجمهورية اللبنانية في خطاب القسم على أهمية العلاقات الندية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

كما يشير الأستاذ الجامعي إلى وجود عدة ملفات أخرى مثل قضية المعتقلين، وضبط الحدود، وإعادة النظر في اتفاقيات التعاون بين البلدين، بالإضافة إلى ملف اللاجئين وضمان عودتهم إلى بلادهم، ومسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية.

كما تظل قضية مزارع شبعا قضية إشكالية، حيث يعتبر الموقف الرسمي اللبناني أنها أرض لبنانية، رغم بعض الأقاويل غير المؤكدة عن وجود اعتراف ضمني لبناني بالسيادة السورية على هذه المنطقة.

إعلان

ويختتم بقوله إن هذه الملفات تشير إلى "تركة من الالتباسات التاريخية والهواجس المتبادلة بين البلدين على المستويين الشعبي والمؤسساتي، وهي مسؤولية يتحملها بشكل رئيسي النظام السوري السابق".

ويضيف "مع ذلك تمثل هذه الزيارة خطوة نحو فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، حيث إن وجود مسؤولين أمنيين مرافقين لرئيس الحكومة يعكس الأولوية الأمنية التي تحظى بها العلاقة في هذه المرحلة".

زيارة دبلوماسية

ومن جانبه، يربط رئيس تحرير صحيفة "اللواء" صلاح سلام زيارة الرئيس ميقاتي إلى دمشق اليوم بمضمون خطاب القسم للرئيس جوزيف عون، الذي أكد فيه أهمية العلاقة الودية مع سوريا وضرورة معالجة الملفات العالقة بين البلدين، ومن أبرز هذه الملفات، وفقا لسلام:

معرفة مصير اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية. عودة النازحين السوريين إلى وطنهم. ترسيم الحدود البرية شرقًا والبحرية شمالًا بين لبنان وسوريا، خاصة في ظل الاهتمام المتزايد بملف الغاز والنفط في البحر الشرقي للمتوسط، والذي يمتد من مرسين في تركيا إلى غزة جنوبا.

ويشير سلام، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذه الزيارة تُعدّ ذات أهمية خاصة، كونها أول اتصال رسمي بين بيروت ودمشق، "وليس فقط في عهد النظام اللبناني الجديد، بل منذ سنوات طويلة من القطيعة بين الحكومتين التي سادت خلال حكم الرئيس السابق بشار الأسد".

ويضيف سلام أن الهدف الأول من هذه الزيارة "ليس مراجعة معاهدة التعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا، بل هو إلغاؤها، نظرًا لأنها كانت تعتبر مجحفة بحق لبنان، فالمعاهدة وضعت في ظل الهيمنة السورية السابقة على لبنان"، وأضاف "من المتوقع أن تُفتح ملفات عالقة على ضوء هذه الزيارة، حتى وإن كانت النتائج النهائية لن تُنجز خلال لقاء واحد أو في فترة قصيرة".

لكن الأهم -وفقا لسلام- أن تطرح هذه الملفات المعقدة على طاولة البحث بين البلدين، "خاصة أن العلاقات اللبنانية – السورية يجب أن تكون تكاملية، بما يتماشى مع الروابط العميقة والمصالح المشتركة التي تجمع الشعبين".

إعلان

كما يشير سلام إلى ملف مزارع شبعا الذي يعد إستراتيجيا وأمنيا بالغ الأهمية للبنان، "ويتطلب تأكيد السيادة اللبنانية على المزارع لضمان الحق القانوني والدستوري في المطالبة بانسحاب إسرائيل منها".

وذكر سلام أن إسرائيل تعتبر هذه الأراضي سورية إذ احتلتها خلال حرب يونيو/حزيران 1967، وهي تخضع بالتالي للقرار 242 وليس للقرار 425، أو القرارات اللاحقة المتعلقة بالاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية.

ويخلص سلام إلى أن زيارة ميقاتي تعتبر "خطوة إيجابية، تعكس حرص لبنان على تعزيز أمن واستقرار النظام الجديد في دمشق، وبناء علاقات متوازنة بين البلدين، كما تهدف إلى دعم التعاون المثمر على المستوى الرسمي بما يخدم مصالح الشعبين اللبناني والسوري".

مقالات مشابهة

  • رحيل روسيا عن سوريا.. مطلب شعبي ملح يصعب تحقيقه
  • انقطاع خدمات الاتصال والإنترنت عن محافظة درعا جراء اعتداء مجهولين على كابل عند بلدة دير علي بريف دمشق
  • الملفات الهامة والحساسة التي حملها ميقاتي في زيارته لدمشق
  • أول حفل له بعد 13 عاماً في المنفى.. وصفي المعصراني يشعل قاعة دمشق بأغاني الثورة السورية.. فيديو
  • في أول حفل له بعد 13 عاماً في المنفى.. وصفي المعصراني يشعل قاعة دمشق بأغاني الثورة السورية
  • لجنة تحقيق دولية: مستعدون للتعاون مع دمشق لمحاكمة مجرمي نظام الأسد (مقابلة)
  • لجنة أممية: مستعدون للتعاون مع دمشق لمحاكمة مجرمي نظام الأسد
  • لجنة تحقيق دولية: مستعدون للتعاون مع دمشق لمحاكمة مجرمي نظام الأسد
  • رويترز: تحذيرات غربية للإدارة السورية الجديدة من تعيين مقاتلين أجانب في الجيش