يسعى العراق اليوم إلى ربط مصالحه الترانزيتية بتركيا عبر طريق التنمية، إلا أن تجربة حصار قطر من قبل السعودية في عام 2017 تُظهر أن احتكار المسارات التجارية والترانزيتية قد يؤدي إلى حصار و تجويع داخل البلد.

احد أهم مقومات الأمن التجاري هو وجود مسارات متعددة لاستيراد و تصدير السلع. تُظهر دراسة الدول الناجحة في مجال التجارة أن هذه الدول تسعى دائمًا إلى تنويع مساراتها التجارية.

الهدف من هذا التنويع هو تمكين الدول من ضمان أمنها الاقتصادي و التجاري من خلال استبدال المسارات في حال وقوع أي مشكلة. على سبيل المثال، تسعى الصين، بالإضافة إلى اعتمادها على المسار التجاري البحري، إلى إنشاء طريق الحرير البري، وذلك لتوفير بديل تجاري في حال ظهور أي عائق في المسارات البحرية، وخصوصًا في مضيق مالاكا الذي يخضع لنفوذ الولايات المتحدة. من خلال طريق الحرير البري، الذي بدأ العمل عليه منذ عام 2013، تهدف الصين إلى إنشاء عدة مسارات تجارية مع أوروبا و أفريقيا، و من بين هذه المسارات يمكن الإشارة إلى الآتي: الصين-باكستان-إيران-العراق-سوريا-البحرالابیض المتوسط، الصین-آسیاالوسطی-ایران-ترکیا-جورجیا-اوروبا ، الصین-آسیا الوسطی-ایران- عراق-سورية-البحر الابیض المتوسط. كما تستخدم تركيا أيضًا مسار إيران والعراق للاتصال بالخليج الفارسي.

الصورة رقم 1 - المسارات المختلفة لمشروع طريق الحرير الصيني

من جهة أخرى، تسعى إيران أيضًا إلى تشغيل ممر الشمال-الجنوب وربط الهند بروسيا عبر ثلاثة مسارات: إيران-آسيا الوسطى-روسيا.ایران-أذربيجان-روسيا.ايران-بحر قزوين-روسيا .على الجانب الآخر، عندما تعتمد دولة على مسار دولة واحدة ولا تمتلك القدرة على تنويع أو إيجاد بدائل لمساراتها التجارية، فإنها قد تواجه مشكلات اقتصادية وتجارية كبيرة. وفي حال حدوث أي توترات سياسية أو أمنية مع الدولة التي يمر عبرها المسار، فإن خطر الحصار يصبح واردًا فعليًا، ربط التجارة كليًا بمسار واحد و دولة واحدة يؤدي إلى اعتماد شديد على تلك الدولة، مما قد يجعلها تستخدم هذا المسار كأداة ضغط سياسي.و على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى حصار قطر من قبل السعودية في عام 2017. بلغت التوترات السياسية بين قطر و السعودية ذروتها بسبب خلافات حول قضايا إقليمية. استغلت السعودية، التي كانت تشكل المسار التجاري الوحيد لقطر، هذه النقطة كأداة ضغط وأغلقت المعبر الحدودي في يونيو 2017. نتيجة لهذا الإجراء، توقفت تقريبًا جميع الواردات إلى قطر، مما تسبب في أزمات اقتصادية و تجارية كبيرة للبلاد.

الصورة رقم 2 - حصار قطر من قبل جيرانها العرب.

العراق أيضًا يُعد من الدول التي تملك بفضل موقعها الجغرافي، إمكانية تنويع مساراتها التجارية والاستفادة من الممرات الدولية بين الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب. و مع ذلك، فإن السياسة الحالية لبعض التيارات السياسية في العراق تقتصر فقط على استغلال موقع الترانزيتي لميناء الفاو وطريق التنمية من خلال الاتصال بتركيا، مما يعني ربط التجارة والمصالح الترانزيتية للبلاد بتركيا وحرمانها من مزايا ومنافع المسارات الأخرى. ربط الموقع الترانزيتي بتركيا يأتي في وقت تواجه فيه تركيا مشكلات سياسية و أمنية عديدة مع العراق، مثل احتلال جزء من أراضي البلاد، والاعتداءات الجوية المتكررة، و دعم تركيا لجماعات إرهابية مثل داعش في عام 2014 وما بعده. لذلك، يعتقد العديد من الخبراء أن حصر المصالح التجارية و الترانزيتية للعراق بتركيا يمثل مخاطرة كبيرة، حيث يمكن لتركيا، في حال حدوث أي توتر، أن تستخدم هذا المسار كأداة ضغط ضد العراق من خلال إغلاقه وقطع التواصل الترانزيتي للحصول على الامتيازات التي تسعى إليها. من هنا، تبرز ضرورة أن يعمل العراق على تنويع اتصالاته التجارية مع جيرانه الآخرين، مثل إيران والسعودية، لتجنب هذا الخطر الكبير وضمان مصالحه الاقتصادية والتجارية.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار

إقرأ أيضاً:

ما الذي تريده إيران من العراق؟

عانت العلاقات العراقيّة- الإيرانيّة منذ سبعينيات القرن الماضي من حالات شدّ وجذب، ولم تستقرّ إلا نادرا!

والمناوشات العراقيّة- الإيرانيّة بدأت في العام 1972 وانتهت باتّفاق الجزائر في العام 1975. وبعد أشهر من قيام "الثورة الإسلامية الإيرانيّة" بداية العام 1979 بَدَت التّشنّجات السياسيّة واضحة بين البلدين، وبعد أقلّ من عامين انطلقت بينهما المناوشات العسكريّة الحدوديّة بين 4–22 أيّلول/ سبتمبر 1980، لتشتعل حينها حرب الثماني سنوات (حرب الخليج الأولى)، وانتهت في آب/ أغسطس 1988!

وقد سَحقت الحرب أكثر من مليون شخص، وربّما تكلفتها المادّيّة الباهظة قادت لغزو الكويت وحرب الخليج الثانية، وأخيرا لاحتلال العراق!

ولاحقا بين عاميّ 1991 و2003 دخلت علاقات البلدين بمرحلة الحرب الهادئة والباردة، وكان العراق خلالها يدعم منظّمة "مجاهديّ خلق" المعارضة، فيما دعمت إيران المعارضة العراقيّة!

وبعد الاحتلال الأمريكيّ للعراق في العام 2003 تفاجأنا بأنّ إيران تقول صراحة بأنّها دعمت احتلال العراق، وفقا لتصريح "محمد علي أبطحي"، نائب الرئيس محمد خاتمي، حيث قال في منتصف كانون الثاني/ يناير 2004: "لولا إيران لما استطاعت أمريكا غزو أفغانستان والعراق"!

التدخّل الإيرانيّ المتنوّع في العراق يسعى لتحقيق جملة أهداف لصالح إيران حصرا، ومحاولة تغليف هذه الأهداف بأغطية "دينيّة ومذهبيّة" لم تعد مقبولة لدى "شيعة العراق" قبل غيرهم، وربّما من أبرزها: اللعب بالورقة العراقيّة في مفاوضات الملفّ النوويّ مع واشنطن، و"تصدير الثورة الإسلاميّة" للعراق ومن خلاله لبعض دول المنطقة، والظفر ببعض خيرات العراق!
وهكذا صارت إيران تتفاخر، وعلانية، بأنّها تتحكّم بأربع عواصم عربيّة بينها بغداد، وهذا الأمر لم يكن محلّ ترحيب غالبيّة العراقيّين الذي تمنّوا أن يَروا بلادهم تمتلك سيادة حقيقية، وليست سيادة وهميّة على الورق والإعلام فقط!

التغلغل الإيرانيّ لم يكن هامشيّا، ولدرجة أنّ رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي ذكر يوم 11 كانون الثاني/ يناير 2020": لا يمكن اختيار رئيس الوزراء في العراق من دون موافقة إيران"!

وبداية العام 2020 قتلت الطائرات الأمريكيّة قائد فيلق القدس الإيرانيّ قاسم سليماني بعد خروجه من مطار بغداد، والذي كان يتردّد على العراق شهريّا، أو أسبوعيّا، ويتحكّم في غالبيّة الملفّات الأمنيّة والسياسيّة!

التدخّل الإيرانيّ المتنوّع في العراق يسعى لتحقيق جملة أهداف لصالح إيران حصرا، ومحاولة تغليف هذه الأهداف بأغطية "دينيّة ومذهبيّة" لم تعد مقبولة لدى "شيعة العراق" قبل غيرهم، وربّما من أبرزها: اللعب بالورقة العراقيّة في مفاوضات الملفّ النوويّ مع واشنطن، و"تصدير الثورة الإسلاميّة" للعراق ومن خلاله لبعض دول المنطقة، والظفر ببعض خيرات العراق!

ووجدت إيران، التي تعاني من عقوبات أمريكيّة وأوروبيّة منذ العام 2018، من تغلغلها في العراق فرصة ذهبيّة للتهرّب من العقوبات وتعويض أضرارها الاقتصاديّة! وقد جنت آلاف المكاسب الاقتصاديّة على حساب العراق، وفي نهاية تمّوز/ يوليو 2024 أكّد المستشار السابق في الرئاسة العراقيّة "ليث شبر" تهريب أكثر من 200 مليار دولار من العراق لإيران منذ العام 2003"، عدا التبادل التجاري بقيمة 10 مليارات دولار، وتهريب النفط وغيره!

وآخر المكاسب الإيرانيّة، التي أُعلن عنها بداية العام 2025، تمثّل بتصدير تركمانستان لحوالي 25 مليون متر مكعّب يوميّا، وبقيمة 2.5 مليون دولار يوميّا إلى الشمال الإيرانيّ التي تعجز إيران عن إيصال الغاز إليها، ثمّ تعطي إيران كمّيّات مساوية من غازها من مدنها القريبة للعراق عبر الأنابيب، وفي المقابل تستهلك الغاز الذي دفع العراق أمواله لتركمانستان! فهل يعقل هذا؟

ولذلك هنالك حديث، وفقا لـ"Oil Price"، بأنّ فريق الرئيس ترامب "يفكّر في فرض عقوبات على العراق مثل إيران، تشمل الأفراد والكيانات المرتبطة بالتمويل والخدمات المتعلّقة بنقل النفط والغاز الإيرانيّين، والأموال المتعلّقة بذلك"! ولا أدري ما ذنب الشعب العراقيّ الذي يدفع ضريبة هذه السياسات المنبطحة للغرباء!

يفترض بالقيادة الإيرانيّة أن تترك سياسة التدخل، ومحاولة التحكّم بالعراق وغيره، لأنّ خروجها "المذلّ" من سوريا يؤكّد بأنّ البطش والقوّة والترهيب لا تُمهّد الطريق للغرباء للسيطرة على مقدّرات الدول
ومع تطوّرات الملفّ السوريّ والتخوّف من استهداف العراق، وعدم قدرة رئيس حكومة بغداد "محمد شياع السوداني" لإقناع الفصائل التي تأتمر بأوامر إيرانيّة بتسليم سلاحها للحكومة قبل وصول ترامب للبيت الأبيض بعد عشرة أيّام، ولهذا تحرّك مباشرة إلى طهران، الأربعاء الماضي، لحسم هذا الملفّ قبل الوصول لمرحلة "الانهيار الكبير"!

وقد ينقل رسالة من القيادة السوريّة، بعد زيارة رئيس المخابرات العراقيّة لدمشق، للقيادة الإيرانيّة، وكذلك مناقشة تداعيات الملفّ السوريّ على العراق، وربّما المطالبة بدعم إيرانيّ في حال تعرّض العراق لهجمات خارجيّة!

وتأكيدا للربكة السياسيّة والأمنيّة قال زعيم تيار الحكمة "عمار الحكيم"، يوم 02 كانون الثاني/ يناير 2025: "الأمريكان أبلغوني بأنّ الفصائل ستتعرّض لهجوم، وأنّ الرئيس ترامب سيحاصر أذرع إيران في العراق"!

القلق العراقيّ من احتمالية حصول هجمات لداعش من الأراضي السوريّة جعل بغداد تحاول التنسيق مع القاصي والداني لتأمين الحدود المشتركة.وفي تصريح غريب وناريّ، ويحمل في طيّاته الكثير، قال السوداني الأحد الماضي: "العراق على أتمّ الجهوزيّة والاستعداد لردّ أيّ اعتداء مهما كان مصدره"! وبعده قال نوري المالكي، زعيم "دولة القانون": "إعادة رسم خارطة العراق احتمال وارد"!

وهكذا، ومع هذه الصور المتشابكة والمركّبة يفترض بالقيادة الإيرانيّة أن تترك سياسة التدخل، ومحاولة التحكّم بالعراق وغيره، لأنّ خروجها "المذلّ" من سوريا يؤكّد بأنّ البطش والقوّة والترهيب لا تُمهّد الطريق للغرباء للسيطرة على مقدّرات الدول!

ينبغي على إيران أن تحترم السيادة العراقيّة، وتحاول العمل لتحقيق مصالح البلدين الجارين بعيدا عن سياسات الهيمنة والوكالة في الحروب! فمتى يتحقّق الحلم العراقيّ والعربيّ، وتكفّ إيران عن تدخّلاتها؟

x.com/dr_jasemj67

مقالات مشابهة

  • ههههههه… العراق يدعو سوريا للاستفادة من تجربة حكمه بعد 2003
  • تفاصيل فيلم تشويش قبل طرحه في السعودية
  • البركي: المسار الحقيقي نحو حل الأزمة في ليبيا لا يكمن في إنتاج حكومة جديدة
  •  (سوريا المتصالحة) كيف يمكن للعراق نسج علاقات اقتصادية مستقبلية معها؟
  • السفير العراقي لدى النروج الدكتور علي ياسين نموذج اصيل للدبلوماسي الحقيقي
  • واتساب تختبر تحديثًا جديدًا يعزز تجربة الذكاء الاصطناعي داخل التطبيق
  • بين بليغ ابو كلل و الشابندر: مطالب أمريكا أم مطالب العراق تضليل الجمهور على حساب المصلحة الوطنية
  • بشق الأنفس.. يد العراق عالية في إيران
  • ما الذي تريده إيران من العراق؟