معركة الهوية الفلسطينية.. جذور العائلات وصراع الرواية
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
منذ نكبة عام 1948، تجاوز الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي حدود النزاع على الأرض ليشمل معركة أعمق حول الهوية والتاريخ.
فعلى مدى عقود، سعى الاحتلال لطمس الرواية الفلسطينية، محاولا استبدالها بسردية تنفي وجود الشعب الفلسطيني وتاريخه العريق، وهو ما شكل تحديا إضافيا للفلسطينيين دفعهم إلى لنضال، ليس فقط من أجل أرضهم بل أيضا من أجل الحفاظ على هويتهم وتراثهم.
وفي مواجهة هذه التحديات، برز العديد من المبادرات الفلسطينية الهادفة إلى الحفاظ على الهوية والتراث وتوثيقهما، ويبرز مشروع "هوية" مثالا بارزا على هذه الجهود، حيث يعمل على توثيق جذور العائلات الفلسطينية، جامعا الوثائق والصور والشهادات التي تثبت وجودهم المتواصل.
عائلة حلوم حجازي.. نموذج للهوية الراسخةولد عبد الرازق حلوم، المعروف باسم راؤول حلوم، عام 1901 في قرية المزرعة الشرقية بفلسطين، ثم هاجر عام 1925 إلى السلفادور وعاد بعد 10 سنوات إلى وطنه.
وفي عام 1938، استعاد جنسيته الفلسطينية بعد أن كان يحمل الجنسية العثمانية عند مغادرته، بحسب الوثائق الرسمية التي استخرجها مشروع "هوية" من الأرشيف.
كان لهذه الوثائق أهمية كبيرة في توثيق تاريخ العائلة، حيث أفاد الأستاذ ربحي حلوم، عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وابن شقيق عبد الرزاق، بأن هذه الوثائق لم تكن متوفرة لدى العائلة من قبل.
إعلانولا شك أن لهذه الوثائق أهمية في تعزيز ارتباط العائلة بجذورها الفلسطينية، فهي ليست مجرد أوراق، بل هي دليل مادي على الانتماء والارتباط بالأرض، وهي جزء لا يتجزأ من المعركة لإثبات الحق التاريخي للفلسطينيين في أرضهم.
من جانبه زوّد الأستاذ ربحي حلوم مشروع "هوية" بمعلومات إضافية عن تاريخ العائلة وقدّم لهم شجرة العائلة التي تتفرع من شجرة عائلة حجازي، وهي شجرة ضخمة تضم مئات الأسماء.
يقول القائمون على مشروع "هوية" إن عملهم يستند إلى مصادر متعددة، تشمل الأرشيفات المحلية والعالمية، وشهادات كبار السن من أفراد العائلات الفلسطينية.
ووفقا لياسر قدورة، مدير المشروع، فإن الحفاظ على شجر العائلات الفلسطينية هو جزء من معركة الهوية التي تستهدف دحض الرواية الصهيونية التي تدعي أن فلسطين كانت "أرضا بلا شعب".
ويوضح قدورة أن الاحتلال لطالما حاول التشكيك في انتماء الفلسطينيين عبر الادعاء بأن أسماء عائلاتهم (مثل المصري، البغدادي، البيروتي..) تدل على أصولهم من دول مجاورة.
ويتناسى الاحتلال أن هذه الهجرات كانت طبيعية على مر التاريخ، وأن الشعب الفلسطيني كبقية شعوب العالم يتكون من أفراد تحركوا لظروف اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية.
ولكن في المقابل، فإن قيام دولة الاحتلال كان استثناء تاريخيا شاذا، لأنه قام على اقتلاع شعب بأكمله وإحلال مهاجرين يهود مكانه.
يؤكد مدير المشروع أهمية ما ذكره المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه "اختراع الشعب اليهودي"، حيث كشف عن الجهود الصهيونية لتزييف شجرة نسب يهودية تجمع مهاجري العالم في إطار شعب موحد.
إعلانوهذه الجهود استخدمت لتعزيز قانون "العودة" الإسرائيلي، الذي سمح بموجبه لأي شخص من "بذور إسرائيل" -أي له جذور يهودية- بالهجرة إلى أرض فلسطين، بينما يتم حرمان الفلسطينيين من حق العودة إلى أراضيهم.
ويُلاحظ أن الاحتلال أنشأ مؤسسات ضخمة تهدف لتوثيق الأنساب اليهودية، ويعتني بعنوان "تاريخ العائلة" بشكل لافت، إلى درجة تضمينه أحيانا مع الأنشطة التعليمية في المراحل الابتدائية.
وفي المقابل تسعى "هوية" لجعل الاهتمام بتاريخ العائلة الفلسطينية بابا من أبواب تثبيت حق العودة الفلسطيني، وكان من أبرز أعمالها جهود توثيق شجر العائلات، التي أسفرت حتى الآن عن جمع أكثر من 6300 شجرة، إلى جانب أرشفة 26 ألف وثيقة وأكثر من 38 ألف صورة، منها 5 آلاف صورة لشهود النكبة.
عودة إلى عائلة حلوم-حجازي، واهتمامها بتوثيق تاريخها وجمع شجرتها رغم ما يتطلبه ذلك من مجهودات شاقة، يمكن اعتبارها مثالا حيا على مساهمة العائلات في مواجهة المشروع والتزييف الصهيوني.
يقول قدورة إن "رواية العائلة جزء لا يتجزأ من الرواية الوطنية الفلسطينية، كل شجرة عائلة يتم توثيقها هي وثيقة تدين الاحتلال وتؤكد حقنا في أرضنا".
ولا يقتصر مشروع "هوية" على التوثيق بل يسعى لتثقيف الأجيال الشابة عبر ورش عمل تدريبية، حيث تم تأهيل أكثر من 600 شاب وشابة لتوثيق تاريخ عائلاتهم، وهذا الجهد أسهم في إنتاج روايات فردية متماسكة تدعم الرواية الفلسطينية الجماعية.
تقود "هوية" والكثير من المؤسسات والمبادرات الفلسطينية معركة توثيق الهوية الفلسطينية في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لطمسها.
إعلانوهذه المعركة ليست مجرد جهد تاريخي، بل هي نضال من أجل المستقبل، فالحفاظ على جذور العائلات هو تأكيد على ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه، ورسالة واضحة بأن الاحتلال لن يستطيع محو وجود شعب عريق متجذر في تاريخه وأرضه.
ومختصر الحكاية أن معركة الهوية هي معركة وجود، ولن تنتهي إلا بزوال الاحتلال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العائلات الفلسطینیة الشعب الفلسطینی تاریخ العائلة توثیق تاریخ موقع هویة فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
مديرة «أوتشا» في بيروت لـ«الاتحاد»: العائلات اللبنانية النازحة تواجه مشكلات متفاقمة
أحمد عاطف (القاهرة)
أخبار ذات صلةقالت كريستن كنوتسون، مديرة مكتب تنسيقية الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية «أوتشا» بلبنان، إن العائلات المتضررة من عدم الاستقرار بجنوب لبنان، سواء ممن نزحت أو عادت، تواجه تحديات إنسانية متفاقمة في مراكز الإيواء الجماعية.
واصطفت أمس طوابير سيارات طويلة، منذ ساعات الصباح الأولى في انتظار سماح الجيش اللبناني للسكان بالدخول إلى بلداتهم، بعدما أعلنت إسرائيل انسحاب قواتها أمس الأول، والإبقاء على تواجدها في خمس نقاط استراتيجية.
وانتشرت وحدات من الجيش اللبناني منذ ليل الاثنين الماضي داخل 11 قرية، وأزالت سواتر ترابية من الطرق كان أقامها الجيش الإسرائيلي خلال سيطرته على المنطقة.
ولم تتحمّل عائلات كثيرة الانتظار، فأكملت طريقها سيراً على الأقدام لتفاجأ بهول الدمار الذي طال المنازل والطرق والحقول الزراعية المجروفة على نطاق واسع.
وأوضحت كنوتسون، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن النازحين يواجهون أزمات نقص الغذاء وشح المياه النظيفة وضعف الرعاية الصحية، إضافة إلى المعاناة النفسية نتيجة ما تعرضوا له.
وأضافت أن من اختاروا العودة إلى منازلهم بجنوب لبنان يواجهون مزيداً من المخاطر، مثل الذخائر غير المنفجرة، وديارهم المتهدمة، بجانب انهيار منظومة الصرف الصحي بتلك المناطق ما يعرض الموجودين للإصابة بالأمراض المعدية.
وأشارت مديرة «أوتشا» في لبنان إلى تضرر أكثر من 80 ألف وحدة سكنية بين تهدم كلي وجزئي مما دفع حوالي 100 ألف شخص نزحوا من جنوب لبنان للبقاء في مناطق إيواء لأسباب تتعلق بانهيار منازلهم أو خوفاً من الأوضاع غير المستقرة.
وحسب كنوتسون، فإن هناك جهوداً حثيثة بالتعاون مع شركاء المنظمة الأممية لتعزيز قدرة الصمود للنازحين والمتضررين، لتوزيع الطرود الغذائية وأدوات النظافة الصحية والمياه في الضاحية الجنوبية.
وطالبت بمزيد من الدعم للنازحين بلبنان في ظل الحاجة الماسة للموارد لتلبية الاحتياجات المتزايدة لهم، حيث إن مختلف الفئات السكانية في لبنان تضررت وتأثرت بالأزمة، من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.
وأشارت كنوتسون إلى أن لبنان يواجه أزمة حادة في الأمن الغذائي بعدما تسببت الأعمال العسكرية في نهاية العام الماضي في تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ونزوح المزارعين عن بساتينهم لأشهر عدة، وهو ما أضعف إنتاج الغذاء.