يمن مونيتور:
2025-03-16@01:13:34 GMT

فاكهة الأدب في المراسلات الشعرية

تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT

فاكهة الأدب في المراسلات الشعرية

فاطمة البلوي

لفتت انتباهي الرسائل الشعرية بين شعراء سعوديين وآخرين مِنْ اليمن الشقيق يتعاطونها عبر اليوتيوب والتيكتوك بأغراض يحددها الشاعر المُرْسِل. مِنْها رسالة لشاعر سعودي في مدح موظف محطة يمني لموقفه المشرِّف معه تفاعل معه الشعراء اليمنيون وشكروه برسائل الشعر على ذكره لجميل اليمني وذكَّروه بعلاقة الدم والدين والعادات التي تربط الشعبين؛ والمراسلات الشعرية نوع مِنْ الأدب في إحداث لغة للتحاور حول موضوع يرسله شاعر لشاعر آخر لها نكهة أدبية جميلة تجبر المتلقي على متابعتها كونها تحمل إشارات وأخبارًا وتساؤلات ودعابات يُعرف بأدب المراسلات ويُسميها البعض -فاكهة الأدب- موجودة منذُ عهد الجاهلية؛ ومرَّت عبر التاريخ بتطورات وتغيرات حتَّى وصلت الرسائل في عصر التكنلوجيا الحديثة إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

إلَّا أنَّ الشاعر السعودي/ مسعود ابن جرشب كان الأبرز في المراسلات الشعرية الشفهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي في موضوع تحدٍ بأبيات شعرية وجهها لشعراء اليمن لمعرفته بثقل الشاعر اليمني الذي يقاسمه الانتماء للجزيرة العربية أصل الشعر. استقبل الشاعر/ مسعود ابن جرشب كماً كبيراً مِنْ رسائل الشعراء اليمنيين تنوعت ردودهم واختلَفت رؤيتهم في رسائله الشعرية وظهر في محتواها المورد الثقافي الواحد منْ شعراء الشقيقتين؛ وهذا أمر طبيعي لكوننا نعيش في مكوِّن واحد ممتد مِنْ حضارات الجزيرة العربية التي ينتمي لها الشعبان السعودي واليمني؛ وعرَّفتنا بشعراء لَمْ نكن نعرفهم وهذا مِنْ أحد أهداف الرسائل الأدبية. لَمْ يرتو ابن جرشب مِنْ شعراء اليمن بَعدْ؛ فأطلق لهم رسالة تحدٍ أخرى وأشهد أصدقاءه اليمنيين الملتفين حوله عليها؛ فمَا زال يبحث عَنْ ندٍ يماني يناطحه الشعر:

يا أهل اليمن يالله عساكم تسلمون

أنا اتحدى بالقصيد أطلق شنب

أنا اتحدى والنشامى يسمعون

هذا وأنا مَغيْر أحلَّي بالعنب

توافدت رسائل الشعر الشفهية قادمة مِنْ شعراء اليمن بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي على الشاعر مسعود ابن جرشب/ تحمل في محتاها محاريب الشعر منهم الشاعر اليمني عبدالرحمن الزبيري الذي أرسل رد بالشعر وضمنها رداً على بيت الدعابة الأخير لابن جرشب بدعابة مثلها ما دل روح التفاهم الأدبي والفكري الكبير بين الفريقين الشقيقين:

يا مرحبا تعداد ما شنّ المزون

تعداد ما بَرْق بسمانا قد ضرب

بالشاعر اللي مسكنه جوف العيون

من جيت في درب الصداقة والصَحب

يا من تحدى والنشامى يسمعون

احنا نجاوب لك على حسب الطلب

لأهل اليمن في الشعر عنوان وحصون

فينا الفصاحة والبلاغة والأدب

خلك من اشعار التحدي والفنون

وابقَ على أكل الفصافص والعنب

بعد مساجلات شعرية بينهم أرسل الشاعر مسعود ابن جرشب لشعراء اليمن رسالة شعرية مضمونها أنه اكتفى من ردودهم وأنه لمْ يتحدهم إلا لكونهم ذوي كفاءة وأهل شعر وثقافة ولأنه يحب مجاراة الشعراء وهو الشاعر البارز في ساحات الشعر النبطي السعودي والخليجي والعربي بجرأة وقوة فكرته وحضور قصيدته:

يا أهل اليمن كلٍ يريٍّحْ محلّه

تريّحوا وأنا شربت الفناجيل

اليا خذيت أبا أخذ العز كله

واليا تحدِّيت اتحدَّى الرجاجيل.

ثم أرسل أبيات شعر تُظهر مدى إجلاله برجال اليمن الشقيق وحبه وفخره بأصدقائه اليمنيين وكأنه يقول- كلمة حق أقولها فيكم بأنكم فخر لمن يخاويكم.

يا مرحبا يا أهل اليمن وألف ترحيب

أقولها ولواني عن الشعر جايز

اللي يخاوي واحدٍ من أهل الطيب

في ذمتي إنه على الكل فايز

فأرسل الشاعر اليمني عبدالرحمن الزبيري برسالة ضمّنها ترحيبه واعتزازهم به.

يا مرحبا وأهلا براعي المواجيب

بالشاعر اللي للفخر دوم حايز

وانشهد إنك كفو يابن الأجاويد

في مدحكم أمسيت أنا اليوم عاجز

وفي موقف جميل صادفه في نجران بعض من الإخوة اليمنيين وعرفوه ورحّبوا به وأبدوا له جل تقديرهم واحترامهم فأرسل الشاعر ابن جرشب رسالة شكر لأهل اليمن ذكرَ فيها خصالهم العربية مثل الطيبة والوفاء والكرم والشجاعة والثقافة.

يا أهل اليمن من بعد ما جيت نجران

استقبلوني بالعلوم الوفيّة

أنا استفز أهل المراجل على شان

ألقى المراجل والعلوم الطرية

توافدت للشاعر عدة رسائل من شعراء يمنيين يثنون على الشاعر ذكْره لليمن واليمنيين وذكَّروه أننا شعبان متلاحمان نحمل خصال وفكر الجزيرة العربية. اخترْتُ من بينها رسالة لشاعر لم يذكر اسمه يقول:

يشهد لنا التاريخ في كل ميدان

فينا الكرامة والشهامة عليَّة

الضيف لا جانا نرفع له الشأن

ونكرمه بالطيب منا بنية

متواردين القبيَّلة عبر الأزمان

يا ابن السعودي شل رَدي التحية

الشاعر مسعود ابن جرشب مُدركًا لثقافة شعب الحضارات والتاريخ العربي؛ فكمْ من شاعر فحل وأديب فذ قدمته أرض اليمن؛ ففيهم الفصاحة والبلاغة والفكر ومنهم الشاعر محمد محمود الزبيري الذي وقف في موسم حج 1940م – 1358هـ. بمكة المكرمة وقال قصيدة في الملك عبدالعزيز أثنى عليه:

قلب الجزيرة في يمينك يخفقُ

وهوى العروبة في جبينك يُشرِقُ

ولعمر مجد المسلمين لأنت في

أنظارهم أمل منير شيِّقُ

حتى قال:

وإليك يا أسد الجزيرة خفْقَة

من قلب صبٍ لمْ يزلْ بكَ يخفِقُ

ناءت بمحملها حنايا لوعتي

وهفت إليكَ بها القوافي السُبَّقُ

يمنيّة نجديّة مكيّة

قل ما تشاء فإنها لا تفرقُ

أظهرت الرسائل السابقة ما يتمتع بهِ شعراء البلدين الشقيقين من ثقافة واحدة راسخة في أخلاقهم وما يتمتعان به من رقي في تعاملهما المتبادل كأخوة تربطهما علاقات دم ودين وجوار منذُ بزوغ التاريخ.

عبدالرحمن الزبيري

مسعود ابن جرشب

الشاعر محمد محمود الزبيري

المصدر: صحيفة الرياض

 

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: السعودية الشعر المراسلات أهل الیمن

إقرأ أيضاً:

وصية المخدوم الأعظم سلطان بن مسعود بن سلطان

تُعَدُّ الوصايا من بين أكثر أصناف الوثائق انتشارًا في التراث الوثائقي العماني، ولعل ما رأيناه من أمثلة سابقة في هذه السلسلة إنما هو من المنقول منها في كتب الفقه في سياق استفتاء الفقهاء عمّا ورد فيها وما يثبت منها وما لا يثبت. أما السواد الأعظم من الوصايا الباقية فهي محفوظة ضمن المجموعات الوثائقية الخاصة، لكنها لا تتعدى في الغالب من حيث تأريخها القرون الثلاثة الأخيرة. ومن بين الأمثلة على المنقول من الوصايا القديمة وصية مشحونة بالعجيب من الموصى به، مثيرة للاهتمام، محفِّزة للبحث والسؤال، وهي وصية نُقِلت في بعض مخطوطات كتاب (بيان الشرع)، مما زِيدَ على الكتاب. وهي وصية سلطان بن مسعود بن عدي بن شاذان، وهو فيما يظهر من أمراء بني صلت الذين كانت لهم زعامة خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين، وآثار معقلهم ومقبرتهم باقية في ناحية من وادي بني خروص.

وقد جاء في النص المنقول أن الوصية عُرِضت على الفقيه أحمد بن مدّاد (ق10هـ) وهي بخط الفقيه محمد بن عبدالسلام، من فقهاء النصف الثاني من القرن التاسع وأول القرن العاشر الهجري، ومن تلامذة الفقيه صالح بن وضّاح المنحي (ت:875هـ)، وعلى هذا كان عرض الوصية على ابن مدّاد بعد زمان صاحبها، ومن قرائن ذلك أن الذي عرضها عليه فيما يظهر تلميذه محمد بن سعيد بن محمد بن عبدالسلام، ويُفهم ذلك من قوله في جوابه على كتابه: «وفهم المُحب ما شرحتَه في كِتابك الشريف، في حال وصية السُّلطان الأعظم، سُلطان بن مسعُود بن سُلطان، التي هي بخط جدك الفقيه محمد بن عبد السلام».

وقد وُصِف الموصي في النص وملاحقه بـ«المخدوم» و«السلطان» وفيهما إشارة إلى السلطة والنفوذ، كما يُفهَم من النص أيضًا أن مقرّه كان بمدينة نخل، في عبارة: «وأوصى بخمسمائة ألف دينار هرموزي يفرق على كل من يُؤدي القلم من أهل داره نخل، الغني والفقير». ولعل أكثر ما يلفت النظر في الوصية كثرة ما أوصى به وتنوّعه وتفرّعه، وما يترتب عليه من أموال مُعيَّنة بـ«الدينار الهرموزي» نسبة إلى مملكة هرمز، وهو نقد كان -فيما يظهر- متداولًا في عُمان.

ولسنا بصدد نقل نص الوصية هنا فهو طويل وتتخلله عبارات الفقيه أحمد بن مدّاد معلقًا بـ«يثبت» أو «لا يثبت» مع بيان العلّة في بعض المواضع، ثم علّق ابن مدّاد بعد نص الوصية مبيّنًا منهجه وطريقته، وعلى عدم ثبوت بعض ما في الوصية، ثم تلت ذلك زيادة بخط عبّاد بن محمد بن عبدالسلام وهو ولد كاتب الوصية، وقد جاء في أول الزيادة: «لقد حضرنا عند المخدُوم الأكرم سُلطان بن مسعُود بن سُلطان، وقد أثبت وصيته التي أوصى بها، بخط والدي محمد بن عبد السلام، فهي ثابتة في السقم والحضر والسفر، والمحيا والممات، وقد جدد التوبة بمحضرنا...الخ»، ثم ذكر ما زاده الموصي في وصيته، ونقرأ في تلك الزيادة تعليقات أحمد بن مدّاد أيضًا على ما يثبت منها وما لا يثبت وفق رأيه، ثم جاء بعد ذلك ردّ أحمد بن مدّاد على محمد بن سعيد بن محمد بن عبدالسلام، حفيد كاتب الوصية الأصل، وهو الذي عَرَض عليه الوصية فيما يظهر.

ومما يُدهِش في هذه الوصية أنها استغرقت كثيرًا من الضمانات فيما يبدو، وهي منتشرة في نواحي وبلدان عمان، ولعل ذلك يوحي بأن نفوذ صاحبها قد بلغ أماكن بعيدة عن داره ومقرّه، كما أن الأموال الموصى بها بالدينار الهرموزي تصل إلى ملايين، ناهيك عن حقوق كثير من الناس ممن ذكرهم بأسمائهم أو ببلدانهم.

وإذا ضربنا صفحًا عن الشِّق الفقهي المتمثل في تعليقات أحمد بن مدّاد، فإن مجموع ما أوصى به مثير للدهشة بحق، والعجب أن كل تلك الضمانات من «ثلث ماله» فحسب، وقد جاء في أول الوصية: «هذا كِتاب ما أقر به وأوصى، المخدوم الأعظم، سُلطان بن مسعُود بن سُلطان بن عدي بن شاذان، وهو صحيح العقل والبدن، ومُقر بجُملة الإسلام. أوصى المُقدم ذِكره ابتداءً بعطره وكفنه، وما يحتاج إليه الميت من رأسماله وجميع الضمانات التي عليه من رأسماله ووصيته من ثلث ماله». ومما أوصى به ثلاث حجات، وأجرة كل حجة سبعون ألف دينار هرموزي. وممن أوصى لهم من أصحاب الحقوق وذُكِروا بأسمائهم: خلف بن راشد، وعبيد بن شمخيل، وعمر بن أحمد السيباني، وسلطان بن عدي بن دهمان، وبَهم بن سرحان بن نمر، وورثة راشد بن عاصم الباطني، وراشد بن فضيل بن فضل الباطني، وابن هدّاب صاحب فنجا، وسالم بن سبت، وغسان بن محمد بن سعيد، وراشد بن مجنب، وغسان بن عبدالله، وابنة مسعود بن مالك، وراشد بن محمد البحري.

ومن الضمانات التي أوصى بأدائها للناس بالجملة: أوصى لأهل داره نخل، وأهل المسلمات (مسلمات) وأفي وحبراء وهي من بلدان وادي المعاول، للغني والفقير منها، وفيها إشارة إلى أنهم كانوا يؤدون الخراج له. ولبعض البلدان التي خُشِي منها مال أي أُتلِف شيء من نخلها أوصى كذلك، ومن تلك البلدان سمائل ومنح، كما أوصى للفقراء في العديد من البلدان منها: إزكي، وسيفم (غربي بهلا) وسُونِي وعِيني، والمربا، ومناقي، والقلعة، ووبل، وباطنة السويق «كذا»، وأوصى لبعض الجماعات من الناس ومنهم: بنو صبح، والنعب، والسريريون، والبدو. وأوصى لمسجد جامع نخل، وبأن تفرَّق غلة مال من أمواله يوم الحج سنة في مسجد الجامع من الغريض، وسنة في جامع مسجد المُسلمات، وسنة في جامع أفي، وسنة في جامع الطو. والحق أن في هذه الوصية مادة تاريخية جديرة بالدراسة والتأمل.

مقالات مشابهة

  • زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ: غاراتنا في اليمن رسالة واضحة لخصومنا عبر العالم
  • واشنطن: الرئيس ترامب وجه رسالة قوية وواضحة إلى الحوثيين في اليمن
  • بول فون هايس .. لماذا فاز بجائزة نوبل في الأدب؟
  • لهم فضْلُ القديمِ وسابقاته.. عن لغة الشعر النبطي
  • قاضٍ أمريكي يؤجل محاكمة أبو عجيلة دون تحديد موعد جديد
  • وصية المخدوم الأعظم سلطان بن مسعود بن سلطان
  • أسماء صديق المطوع لـ24: الأدب الإماراتي يكتسب مكانته عالمياً وفي قلوب القراء
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تختتم مشاركة السعودية في معرض لندن الدولي للكتاب 2025
  • محمود درويش: كيف شكلت النكبة هويته الشعرية؟
  • "الشارقة للصحافة" يناقش الثقافة والتراث في الأدب