لغز اختفاء الأفلام القبطية.. هل ستعود إلى سابق عهدها؟

«البوابة» تفتح ملف الأفلام القبطية.. وتضع خطوات للعودة من جديد

صناع الأفلام القبطية: العودة مرهونة بتضافر جهود الأديرة والكنائس مع المنتجين

إيهاب صبحي: أنا ابن هذه التجربة.. وكنا نستعين بالنجوم الكبار للاستفادة من شهرتهم

فريد النقراشي: المنتج يتعرض لخسائر فادحة.

. والأمل فى وجود منتجين لا يهدفون للربح

شهيرة فؤاد: الأزمة تكمن فى عدم وجود ورق مكتوب.. والتكلفة العالية

استيفان منير: حينما تتوفر الإمكانيات المادية والتقنيات الكبيرة يمكن تجميع كل العناصر المتبقية

وجيه شفيق: السر الوحيد وراء الاختفاء هو ظهور القنوات الفضائية الكثيرة

 

فى الوقت الذي ازداد فيه عدد القنوات التليفزيونية المسيحية قلت معه عملية إنتاج الأفلام القبطية التى تستعرض حياة القديسين والرموز المسيحية عبر الأجيال المختلفة، هذه الندرة فى العملية الإنتاجية من المؤكد أن لها أسبابا عديدة جعلت صناع هذه الأعمال يبتعدون شيئا فشيئا عن هذا المجال.

«البوابة» تفتح هذا الملف لترصد أسباب قلة الأفلام القبطية فى الآونة الأخيرة، وكيفية إيجاد حلول مناسبة لعودة الانتعاشة الإنتاجية التى شهدتها عدة فترات، وكانت تصل فى بعض الأحيان إلى إنتاج 10 أفلام قبطية فى السنة الواحدة.

على مائدة الحوار جلس عدد من رموز هذه الأفلام عبر السنوات الماضية، ومنهم الفنان والإعلامي إيهاب صبحى، والفنان فريد النقراشى، والفنانة شهيرة فؤاد والفنان استيفان منير، وصاحب ومدير دار أنطون وجيه شفيق، الذين أجمعوا على أن العملية الإنتاجية أصبحت تكلف مبالغ ضخمة وفى المقابل العائد المادى من هذه الأعمال لا يكفي مطلقا لاستعادة ما تم إنفاقه، وأن الحل يكمن فى تدخل بعض الأديرة والكنائس لإعادة إنتاج أفلام قبطية بالكم الذي كان عليه سابقا.

كما أكدوا أن المسرح الكنسى لن يستطيع تعويض اختفاء الأفلام القبطية، وأن الحل يكمن فى تضافر جهود العديد من الأديرة والكنائس حتى يعود إنتاج الأفلام القبطية إلى سابق عهده.

فى البداية، أكد الفنان والإعلامي إيهاب صبحي، أن تجربته مع الأفلام الدينية هى حياته كلها، حيث كانت بدايته من خلال فيلم «القديس مارى مينا»، وأيضا فيلم «الأنبا إبرام» سنة ١٩٨٦، وكان يشعر دائما بأنه ابن هذه التجربة وأنه ليس مثل الفنانين الكبار ومنهم سناء جميل  ويوسف داود وجورچ سيدهم، حيث كانوا نجوما كبار فى وقتها وتمت الاستعانة بهم فى بعض الأفلام كوسيلة جذب للجمهور بسبب شهرتهم وأدائهم المتميز.

كنا نشارك فى 10 أفلام سنويًا.. والآن من الصعب تقديم فيلم واحد كل 5 سنوات

وعن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى قلة الأفلام القبطية فى الآونة الأخيرة، قال إيهاب إنه يذكر فى عام ١٩٩٨ أنه شارك فى بطولة ١٠ أفلام فى السنة الواحدة، أما فى عصرنا هذا من الممكن أن نرى فيلما واحدا كل ٥ سنين، وهذا يعد بالتأكيد مقارنة ضعيفة وظالمة جدا، مشيرا إلى أن السبب فى ذلك هو رفع الأفلام على الإنترنت مجانا، والنتيجة فى ذلك لا يوجد أى ربح يعود على الجهة المنتجة، أو حتى تستعيد ما تم صرفه من ميزانية على إنتاج هذا العمل.

وعن الحلول، قال صبحى، إنه يجب على الأديرة والكنائس والقائمين على إنتاج مثل هذه الأفلام العمل على الهدف الروحى فقط وليس الربح، وظهر ذلك فى آخر فيلم من أعماله وهو فيلم القديس «أبو نوفر السائح»، وهذا العمل من إنتاج دير الأمير تادرس، وتم رصد ميزانية جيدة لهذا الفيلم، حيث كانت رغبتهم تحقيق الهدف الروحى وتصوير السيرة الذاتية بشكل صحيح وليست رغبتهم فى تحقيق الربح.

وعن أقرب أفلامه لقلبه، قال صبحى إن فيلم «تاج السريان» عن ساويرس الأنطاكى وهو يتحدث عن العقيدة القبطية، هو الأقرب له، حيث يكاد أن يكون الفيلم الوحيد الذى يتحدث عن العقيدة بشكل كبير وهو محبب عند الناس.

وردا على سؤال هل من الممكن أن يعوض المسرح الكنسى أزمة عدم وجود أو قلة الأفلام فى هذه الفترة، قال صبحى بالتأكيد لا، لأن العمل السينمائى يختلف عن الألوان الفنية الأخرى، فكل شىء منفرد ومخصص لذاته، ولكن الميزة التى حدثت هنا هى وجود أعمال مسرحية بدل الأفلام، وظهور فنانين معروفين الآن، لذلك أنا أرحب بوجود العديد من العروض المسرحية فى الكنيسة وانتشارها بشكل كبير، هذا يؤدى بالتأكيد إلى ظهور مواهب محترفين وناس جديدة، وفى النهاية التجربة مهمة جدا لكل من يريد الالتحاق بها، لكن يبقى للأفلام القبطية رونقها وروعتها وأتمنى عودة الإنتاج إلى سابق عهده.

من جانبه قال الفنان فريد النقراشي، إن السبب فى قلة الأفلام القبطية يعود إلى التكلفة الكبيرة التى يتم رصدها لعمل فيلم متكامل، وحاليا لا يوجد استثمار فى هذا المجال بعكس ما كان يحدث سابقا، حيث كان يتم إنتاج هذه الأفلام على هيئة شرائط فيديو وسيديهات يتم بيعها، وبالتالى يستعيد المنتج ما صرفه.

وأضاف النقراشى، أن الوقت الحالى أصبح الإنترنت يعرض مثل هذه الأفلام مجانا وفور صدورها، وهذا يعرض الجهة الإنتاجية لخسائر فادحة، ولو حدث وقامت القنوات المسيحية بشراء هذه الأفلام يكون المقابل المادى ضعيف جدا، وفى بعض الأحيان مجانا، مشيرا إلى أنه لا يوجد، حاليا، منتج  أو شركة تقوم برصد ميزانية لفيلم يتكلف ملايين ضخمة خاصة بعد ارتفاع الدولار، إلا إذا كان هناك جهة أو كنيسة أو دير يقوم بعمل قصة لقديس باسم كنيستهم رغبة منهم فى تعريف الناس بهذا القديس وهذا يكون بدون مقابل، وعدم انتظار ربح من الفيلم نفسه، وهذا عكس ما كان يحدث فى الماضي، حيث كان هناك إنتاج حقيقى وشركات وناس تعمل فى هذا المجال.

اكتسبت من تجربة الأفلام الدينية خبرات كثيرة

وعن تجربته مع الأفلام القبطية، قال النقراشى، إنها تجربة مفيدة جدا على مستويين، أولا على المستوى المهنى والمهاري، حيث اكتسب من خلالها خبرات كثيرة، وعلى المستوى التانى حب الناس، فقد منحته مساحات كبيرة فى قلوب الناس، وهذا  فضل عظيم من الله ونعمة، والسبب الحقيقى فيها أفلام الدراما المسيحية.

وعن أقرب فيلم لقلبه، قال النقراشى إن فيلم «العابد» هو الأقرب لقلبه من بين الأعمال التى قدمها، وذلك بالرغم من عدم عرضه حتى الآن، وهذا العمل عن قصة حياة أبونا بولس العابد، مشيرا إلى أنه يتمنى من الله أن يكتب له النجاح والقبول عند الناس مثل أفلامه السابقة وخاصة  فيلم أبونا فلتاؤس.

وعن إمكانية أن يعوض المسرح الكنسى غياب الأفلام القبطية فى هذه الفترة، قال النقراشى إنه يرى أن المسرح لا يمكن أن يعوض غياب الدراما التليفزيونية، فهذا مجال وذلك مجال آخر، ولا يمكن أن يحل أحدهما بديلا للثانى، لأن لكل منهما جمهوره الخاص.

أما الفنانة والإعلامية شهيرة فؤاد، فقالت إن سبب قلة الأفلام القبطية من وجهة نظرها يعود إلى عدم وجود ورق مكتوب بصورة أفضل أو بمعنى آخر الكتابة خارج الصندوق، وأيضا الإنتاج أصبح قليلا للغاية، فالمنتج يريد الربح بسبب ذلك لا يوجد رأس مال، ولكن لو وجدت السيناريوهات المكتوبة بشكل مميز وصحيح ورأس مال كافٍ ذلك يساعد على عمل العديد من الأفلام الكبيرة التى تساعد الشعب على معرفة سير القديسين.

المسرح الكنسي يمنح الفرصة لظهور مواهب جديدة.. ولكنه لن يغني عن الفيلم الديني

وعن تجربتها الثرية مع الأفلام القبطية قالت شهيرة، إنها تجربة رائعة، قدمت فيها أشياء كثيرة وساهمت من خلالها فى ظهور شخصيات هؤلاء القديسين لمعرفة الجمهور بمسيرتهم، وأيضا يوجد أدوار قامت بتجسيدها لمساعدة بعض الزملاء  كنوع من أنواع المحبة، مشيرة إلى أنها ترى أن هذه الأفلام القبطية ساعدتها كثيرا فى مشوارها، بالإضافة إلى المشاركة فى المسلسلات الدرامية مع المخرج «سمير سيف»، ذلك الشخص الذى تعلمت منه الكثير كأحجام اللقطات والزوايا وأن نرى الصورة بشكل مختلف.

وأضافت شهيرة، أن مثل هذه الأشياء ساعدتها كثيرا ومنحتها خبرة كبيرة فى حياتها، وساهمت الأعمال الدينية فى زرع مبادئ وأخلاقيات كثيرة لدى الجمهور، ولذلك الدراما حققت الكثير من النجاح بشكل كبير.

وحول إمكانية أن يعوض المسرح الكنسى عدم وجود الأفلام القبطية، قالت شهيرة إن المسرح الكنسى موجود من أيام الفراعنة، هو شىء جميل وممتع ومختلف، لا يمكن مقارنة أى شيء بشيء آخر، فهو لا يغني عن الأفلام، فهو أمر شامل ونهضة فنية كبيرة، لا يوجد له تعويض، لذلك فإن المسرح يساعد على التغيير والتنفيذ بشكل مختلف، ويعطى لنا شبابا لديهم مواهب ويظهر وجوها جديدة يتم اختيارها فى العديد من الأعمال الفنية.

وفى سياق متصل قال الفنان استيفان منير، إن أساس العمل الفنى هو التمويل، وحينما تتوافر الإمكانات المادية والتقنيات الكبيرة يمكن تجميع كل العناصر المتبقية، وأيضا تكوين فريق عمل فنى مختلف فى كل الأقسام، ووقتها يظهر الفيلم على أعلى مستوى، فكلما كان رأس المال كبيرا ساعد ذلك على خلق فيلم كبير.

وعن تجربته مع الأفلام الدينية، قال إنها تجربة رائعة جدًا، لأن الهدف منها تقديم سير قديسين وتعريف الناس بهم وحياتهم وظروفهم، وهذه من التجارب الرائدة، مشيرًا إلى أنه ينتمى لأوائل الناس التى قامت بفعل هذا الأمر، وأن روعة التجربة تكمن فى تكوين مجموعة كبيرة من العمل بهدف روحى وتعريفى لشخصية وسيرة قديس من القديسين.

وأضاف استيفان، أن الأعمال سابقا كانت مختلفة تماما عن الآن، وأنها كانت مرتبطة بتبرع من جهة ما تتحمس لهذا العمل فتقوم بإنتاجه فيديو كاست، ثم تقوم بتوزيع هذا الفيديو وهذا يساعد مع الجهة المتبرعة بأن تنتج العديد من الأفلام، أما الآن فمثل هذه الأفلام تعرض على المحطات الفضائية، وهذه المحطات ليس لديها الإمكانية أن تنتج عملا فنيا أو تعطى مقابل مادى يوازى الإنتاج، ولذلك يمكن القول اختفاء الأفلام الآن بمقارنتها عن زمان بسبب عدم وجود تقنيات وإمكانيات تساعد على تقديم عمل فنى.

وعن أقرب أعماله لقلبه، قال استيفان إنه يعشق كل أعماله، لأنه يرى أن هدف الفيلم هو تقديم سير قديسين وليس مجدا شخصيا.

وردا على سؤال حول إمكانية أن يحل المسرح الكنسى بديلا للأفلام القبطية، قال استيفان: «إلى حد ما لأن المسرح مختلف تماما عن العمل الفنى، فمن الممكن أن تكون تقنياته أبسط، كما أن أساس المسرح هو الكلمة أما السينما أساسها الصورة، وتقنيات السينما مكلفة جدا».

وقال وجيه شفيق: مدير وصاحب دار لإنتاج الأفلام القبطية، إن الأفلام القبطية كانت بمثابة كنز فى البيت، لأن فى الماضى لم تكن هناك قنوات فضائية، وكان الاعتماد بشكل كبير فى هذه الفترة على القناتين الأولى والثانية فكانت لا توجد أفلام قبطية، وكان الجمهور ينتظر ظهور فيلم أو فيلمين في السنة.

وأضاف، أنه يتمنى تقديم أفلام دينية كثيرة لأنه يريد أن يدخل العمل الفنى كل بيت، مشيرا إلى أن الشعب كان ينتظر أن يرى الكنيسة من خلال الفيلم نفسه، وأنه سبق كدار انطون وأهدى أفلام الدار لقداسة البابا شنودة، والبابا وقتها أعطاها لقناة أغابي وأيضا قناة ctv، وهذه القنوات كانت تساعد على انتشار الأفلام، وكل هذا مجانا وأى قناة كانت تحتاج الأفلام كانوا يحصلون عليها دون مقابل.

وأضاف، أن السر الوحيد وراء اختفاء الأفلام هو ظهور القنوات الفضائية الكثيرة، فالجمهور أمامه أكثر من ٢٠ قناة وأيضا الـ"يوتيوب" والـ«فيسبوك» وجوجل، لذلك الموضوع اختلف عن السابق، مشيرا إلى أن الإنتاج العالمى قل، وفى نفس الوقت آخر فيلمين قمنا بإنتاجهما لم نحصل منهما على أى ربح، واعتمادنا كان على بيع النسخ، وهذا كان وقتها مصدر المكسب لنا، فكان يوجد رأس مال يساعدنا على الإنتاج مرة أخرى.

وعن رأيه فى وجود المسرح الكنسى بشكل أكبر عن ذى قبل، قال إن المسرح يساعد بشكل كبير على ظهور مواهب جديدة، وإن إمكانات المسرح ليست مكلفة مثل السينما والأفلام، خاصة أن الخدام الذين يشاركون فى المسرح يعتبرونه بمثابة خدمة، سواء الممثل والمخرج وغيرهما من كل عناصر العمل.

وحول الحلول التى يقترحها لعودة إنتاج الأفلام القبطية، قال إنه من الممكن أن ينتج بمفرده، ولكن لو اجتمع  ٥ منتجين، وشاركنا فى عمل واحد أو بمشاركة إحدى الكنائس، فسوف يختلف الأمر كثيرا، وهذا هو الحل.

وعن أفضل الأعمال التى قدمها، قال إنه يحب كل أفلامه، ومنها «أبونا عبد المسيح، أبو سيفين، الراهبة مارينا» إخراج ماجد توفيق، و«الأنبا مكاريوس» إخراج طارق سعيد، وقدم أيضا معه أكثر من 20 قصة إذاعية منها الأمير تادرس، أبونا عبد المسيح.

وردا على سؤال من هو النجم المسيحي الذى يريد العمل معه، قال إنه لا يختار النجم بقدر ما يتم اختيار الفكرة و«التيمة» والقصة نفسها هى التى تفرض اسم النجم، مشيرًا إلى أنه قام بعمل أفلام لمعظم النجوم، منهم إيهاب صبحى، ماجد الكدوانى، فريد النقراشى، شهيرة فؤاد، جميل برسوم.

0b7b2228-8ad8-4a4c-92b3-7aa304293022 94ccaf9a-f27f-411a-94ec-7a7dca4e3a69 98c66f39-9c37-4f2c-8469-d8879bb0d56c 15fa9510-b434-4c44-aac9-1995174152f1 64a92ec5-c660-48d3-b255-3f363e6cc85c 134 342e766b-6455-4e2d-a74a-43434c714771 0536bc1a-d53d-4d04-833e-17ac8fb09e43 63453552-da31-4ee2-b5e8-71f772bb135a c6579be7-10ac-45d3-88ac-6860125f65d7 aa275aad-3a5b-4ef8-9a55-8236435d479d d06962e7-cdd7-4a7e-9c03-e26f7c73f773

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: القنوات الفضائية من الممکن أن هذه الأفلام مع الأفلام بشکل کبیر هذا العمل العدید من ا إلى أنه إلى سابق عدم وجود لا یوجد مثل هذه حیث کان قال إنه قال إن

إقرأ أيضاً:

المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

موضوعات عدة، ما بين الظروف السياسية والشئون الخارجية وما يحيط بمنطقة الشرق الأوسط، وشبح الحروب المخيمة على المنطقة، وأثر دخولنا لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، والعقبات والمشاكل التى تعرقل تطلعات وطموحات العقل العربى الفعال، تحدث الدكتور نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة السياسية إلى جريدة «البوابة نيوز»، محللًا الكثير من القضايا برؤية فلسفية متأنية.. وكان لا بد أن يتناول فى حديثه أبعاد الذكريات الرمضانية التى ترتبط بأيام الشهر الفضيل.

يُعد د. نصار عبدالله، نموذجًا فريدًا للمفكر الذي يجمع بين عمق التحليل الفلسفي وجمالية التعبير الأدبي. وتجلى هذا فى مسيرته الأكاديمية والشعرية، تناول فى مؤلفاته الفلسفية قضايا جوهرية تتقاطع مع الفلسفة السياسية، مثل: مسألة الحرب العادلة، وطبيعة العدل الاجتماعي، والعلاقة الجدلية بين القانون الوضعى والأخلاقي، بالإضافة إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين الفلسفة والأدب، من خلال هذه القضايا، كما حاول تفكيك المفاهيم التقليدية وإعادة بنائها فى ضوء رؤية فلسفية متكاملة. وفى الموازاة عبَّر عن رؤاه وتأملاته من خلال دواوين شعرية مثل "قلبى طفل ضال"، و"أحزان الأزمنة الأولى"، و"سألت وجهه الجميل"، و"ما زلت أقول"، وغيرها، ما يعكس قدرته على تجسيد الأفكار الفلسفية فى قالب أدبى مؤثر.

ولد "عبدالله" فى البداري بأسيوط، وشهدت مسيرته الأكاديمية مزيجًا فريدًا بين العلوم السياسية والفلسفية والقانونية. تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام ١٩٦٦، فى فترة تاريخية اتسمت بتحولات سياسية وفكرية عميقة، وصراعات تحيط بمصر من دول استعمارية كبرى، فى هذا السياق التاريخي، اتخذ "عبدالله" قرارًا جوهريًا بالتوجه نحو دراسة الفلسفة فى كلية الآداب، حيث تخرج فيها عام ١٩٧١. ومن ثمَّ وسع آفاقه المعرفية بدراسة الحقوق، قبل أن يعود إلى رحاب الفلسفة ليكمل دراسته العليا ويحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه، ويستقر أستاذًا للفلسفة السياسية فى كلية الآداب جامعة سوهاج، تعكس هذه المسيرة الأكاديمية المتميزة رؤية فلسفية متكاملة، خاصة وأنه سعى إلى فهم العلاقة الجدلية بين التاريخ والفكر، وبين النظرية والتطبيق. فهو لم يكتفِ بدراسة العلوم السياسية فى سياقها التاريخي، كما حاول تعميق فهمه للواقع السياسى من خلال العدسات الفلسفية والقانونية.

نصار عبدالله: للصيام حكمة تتمثل فى تحمل الإنسان الشدة والضيق بإرادته قبل أن تُفرض عليهالذكريات الرمضانية

حدثنا د. نصار حول بعض الذكريات الرمضانية، وخاصة بعض سلوكيات الأهالي قديمًا فى رمضان، أو سلوكيات الأطفال فى الشهر الكريم.. قائلًا: فى طفولتي كان الإفطار والسحور جماعيًا، العائلة الكبيرة تجتمع فى المندرة، وتخرج صوانى للمندرة من البيت وتحتشد حولها الجموع والمفطرين، وليس أصحاب الصينية فقط، وإنما دعوة عامة لكل عابر سبيل يتصادف وجوده، وهو منظر بهيج افتقدناه، منظر الصوانى وهى تخرج من البيت فى المغربية منظر بهيج وجميل.

ومن ذكريات الطفولة أيضًا: لحظة انتظار آذان المغرب ونحن أطفال، لم يكن هناك صوت مدفع، وننتظر صوت المؤذن، وساعتها تنطلق الأغانى الطفولية "افطر يا صايم على الكشك العايم". 

وأضاف أن للصوم حكمة يجب أن يشعر بها الإنسان، وهى فى رأيه "أن الحياة لا تقدم لك ما تريده وعليك أن تمتنع عما هو متاح لك حتى تتعرض لظرف به من الضيق والشدة رغمًا عنك، وعليك أن تعيش الضيق والشدة بقرار منك قبل أن تأتى لحظة ويُفرض عليك هذا الضيق وهذه الشدة".

نصار عبدالله: الحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفرادحروب عصر الذكاء الاصطناعى الفائق

تناول الحديث مع الدكتور نصار عبدالله التحديات الجديدة التى فرضها عصر التقنية وعصر الذكاء الاصطناعى الفائق، وبدوره رأى أنه "من الممكن أن نطلق عليها حروب من الجيل الخامس أو السادس، بمعنى أنها حروب جيل ما بعد الأجيال التقليدية للحروب، فهى تعتمد بشكل أساسى ورئيسى على التكنولوجيا المتقدمة جدا".

وبحسب "عبدالله" فإن النظرة للجيوش والأسلحة التقليدية سوف تتغير بالضرورة، و"لن يكون للأفراد نفس الدور الذى كان لهم فيما مضى، لأن دور الأعداد يتقلص لحساب مستوى التقدم العقلي، فالحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفراد، فأى كان عدد الأفراد من الممكن أن يطيح بهم سلاح يحركه فرد واحد، بدون مجهود".

رأى أستاذ الفلسفة السياسية أن تطور أدوات الحروب يصب فى دمار البشرية، قائلًا: "لو ألقينا نظرة على وسائل الحرب من بداية ظاهرة الحرب، سنلاحظ استخدام الحجارة والعصي، وقدرتها على الفتك محدودة جدًا، فمهما تكاثرت الأعداد كم من القتلى سوف يسقط؟ فالأسلحة تتمثل فى الحجارة المدببة وقدرتها على الفتك محدودة، لكن اختراع البارود والأعيرة النارية يُعد ثورة، لأن أعداد القتلى تزيد، وقدرتها على الفتك كبيرة جدًا. ومع ظهور القنبلة النووية، لم يكن أحد يتصور أن قنبلة واحدة تستطيع أن تقضى على ١٠٠ ألف إنسان، ومبانٍ ومنشآت مدينة بالكامل، وتعتبر قنبلة هيروشيما قزمة بالنسبة للأجيال المتطورة من الأسلحة النووية، وعند مقارنة الأسلحة النووية نجد الفارق يشبه الفارق بين السهم والمدفع، والنتيجة إن أسلحة التدمير أصبحت مروعة وباتت تهدد بفناء الإنسانية فناءً حقيقيًا.

أسلحة التدمير مروعة وتهدد بفناء الإنسانية.. وقوة الردع تعطل نشاط أسلحة الدمار نتيجة الخوف المتبادل بين الدولخطر فناء البشرية

وفى تنبيه عام، حذَّر المفكر الكبير من اتجاه البشرية للفناء الحقيقى نتيجة تطور أسلحة الدمار، وتوسع الدول فى امتلاكها دون تعقل أو مسئولية أخلاقية، وبسؤاله: هل هذا يؤكد وجهة نظر الفريق القائل بأن تطور وتقدم البشرية يؤكد أننا نتجه ناحية دمار وهلاك البشرية؟.
أجاب "عبدالله" بأن التطور يُلقى مسئولية أكثر على الدول التى تمتلك هذه الأسلحة، وتتوسع فى تطويرها، ويجعلها أكثر حذرًا من استخدامها للأسلحة التقليدية، هناك خوف متبادل من الردع المتبادل بين الدول.
وشرح المسألة بقوله: إن هذا الردع المتبادل لم يكن موجودًا زمن الأسلحة التقليدية.. الآن باتت الدول تمتلك أسلحة مخيفة ورادعة، ويجب أن تكون مسئولة وحذرة قبل استخدامها، لأن مفهوم الحرب تغير، ولن تكون النتيجة إيذاء فى مقابل إيذاء، بل ستكون هلاك وإزالة فى مقابل هلاك وإزالة، حاليًا فإن الغواصات النووية قادرة على إبادة دول العالم، عندما تتعرض دولها لضربة معينة ستقوم هى بضربة مضادة، وهذا يجعلها قوة رادعة، ويجعلها أسلحة موقوفة الاستخدام، نتيجة للخوف المتبادل.

نصار عبدالله: عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين موقف شجاع تنتصر فيه بلادنا.. لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلكردع إسرائيل وترسانة إيران

أكد "عبدالله" فى حديثه أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تحتاج لأن تبنى الدول العربية قوة ردع، لأن الردع هو الذى يحفظ السلام ويفرض الشروط، مشيدًا بالموقف المصرى الشجاع فى عرقلتها لخطط دولة الاحتلال الرامية لتهجير الفلسطينيين بمساعدة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال: يؤسفني أن أقول إن الفارق التكنولوجي بين الدول العربية وبين إسرائيل اتسع جدًا لدرجة أنه لا يوجد رادع حقيقى لأى طرف من الدول التى يعنيها الحق والعدل، ولو وجدت دولة تملك رادع حقيقي ضد إسرائيل لتغيرت المعادلة مع إسرائيل تمامًا.

وتساءل بدوره: ماذا لو كانت إيران مثلًا تمتلك سلاحًا نوويًا مثلما فعلتها باكستان فى غفلة من الزمن، حين باغتت العالم ذات يوم بتفجير نووي، ولم يكن العالم يتوقع أنها ستنجح فى ذلك، فماذا لو نجحت إيران فى ذلك؟ ربما تغيرت نقاط عدة فى المعادلة مع إسرائيل.

وهنا، عند الحديث عن تطور قدرات إيران النووية، كان سؤالنا: أليس امتلاك إيران لسلاح نووى يُعد تهديدًا للعرب ولمنطقة الشرق الأوسط؟. أجاب "عبدالله" بالإيجاب: بالطبع هى تهديد للمنطقة، ولكن أنظر لها بوصفها عدوًا لإسرائيل، والمعنى أنه من المفروض أن يكون هناك طرف يلزم إسرائيل بأن تستجيب للاتفاقيات والمطالب.

شجاعة الموقف المصري

وصف المفكر الكبير نصار عبدالله الموقف المصري بالشجاع والحكيم، قائلًا: لا أحد يشك فى الموقف المصري، والمصريون جميعًا من أعلى مستوى لأدنى مستوى يتألمون لما يحدث فى فلسطين، ويدركون عواقب ما يمكن أن يحدث لو أقدموا على المغامرة، لأنها ستكون خسارة كبيرة للفلسطينيين أنفسهم، لذلك أنا أثنى على الموقف المصرى وأراه حكيمًا جدًا، وأكثر البدائل حكمة فى ظل المعادلة الصعبة التى نعيشها الآن. وأكد أن عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين، هو موقف شجاع امتلكته مصر، وفيه تنتصر مصر، لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلك.

تطور الأمم مرهون بتقدمها فى مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقطضرورة الفلسفة فى عصر القوة

شدد نصار عبدالله على ضرورة الفلسفة فى عصر القوة، وعصر تطور الذكاء الاصطناعي، وأين يكمن دورها، مؤكدًا أنه من الخطأ الكبير تجاهل دور الفلسفة فى النهضة والتقدم. 

وبحسب حديثه، فإن الاهتمام العام فى التعليم ينطلق من مفهوم خطأ وهو قلة الاهتمام بالدراسات الإنسانية عمومًا، بما فيها الفلسفة، حتى كانت هناك دعوة لإلغاء أقسام الفلسفة، وترتب عليه انخفاض شديد فى عدد الدارسين لها، ولاحظ عدد الطلبة الذين يدرسون فى قسم الفلسفة ستجدهم قرابة ١٠ طلبة فى الدفعة، وهى ظاهرة على مستوى الجامعات، وهو شكل من أشكال الانبهار الأعمى بالنموذج الغربي، وتجاهل مخيف لإيجابيات النموذج، ومن الكارثة تصور أن العالم الغربى تطور بالتكنولوجيا فقط، وأغفل الدراسات الاجتماعية، هذا تصور خاطئ، فالدراسات الإنسانية لها دور أساسى جدا، والولايات المتحدة من الدول المتطورة تكنولوجيًا وبها العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية، التى تضم عددًا من الأساتذة المتخصصين فى الفلسفة السياسية، يساهمون فى رسم خطوط السياسية الأمريكية، ويضعون بدائل القرار الممكنة أمام رئيس الدولة، أى أن صاحب القرار لا يمكنه أن يستغنى عن مراكز الدراسات الاستراتيجية.

ولفت "عبدالله" إلى أن هناك فرعين من فروع الفلسفة على الأقل، وثيقى الصلة بنبض الحياة، أولهما فلسفة العلم، ومناهج البحث العلمي، لا يمكن الاستغناء عنه لأنه ضرورى لتطور العلم، وثانيهما علم الفلسفة السياسية، الذى يضع القيم والمحددات النهائية لأى دولة تسعى لتحقيقها، ويضعها أساتذة الفلسفة السياسية، وبهذا تظل الفلسفة تمارس دورها، وهذه الحقيقة غائبة عن واضع السياسية التعليمية وصانع القرار التعليمي، ويظن أن العالم يتقدم بالتكنولوجيا وبالتالى نلغى العلوم الإنسانية.

جزء ما من حياة الإنسان داخلي يريد أن يشبعه وجدانيًامعضلة الدين والفلسفة.. ما الحل؟

لا يرى د. نصار عبدالله أن ما يثار من مشاكل بشأن الفلسفة والدين هى أزمات معقدة، ويعتقد أنها حدثت فى الماضى لأنها أحيطت بملابسات تاريخية وسياسية أسهمت فى خلق المشكلة.

وفى رأيه، أنها معضلة تحل نفسها مع الزمن، وهى مشكلة لها جوانب سياسية، ومع التطور السياسى ومع ظهور قيادات سياسية لها رؤية شاملة تدرك أبعاد كل فروع المعرفة، سوف تستعيد الفلسفة دورها وهى جديرة به فى ضوء وظيفتها المعاصرة، بوصفها خادمًا للعلم والسياسة، فالتقدم السياسى العام يحل المشكلة بشكل تلقائي.

وقال: أعتقد أن مشكل الدين مع الفلسفة أو مع الإلحاد مثلًا كان مرهونًا بشروط وظروف تاريخية معينة، ومنها أن مكونًا ما حاول أن يكون صاحب السلطة السياسية العليا، وأعتقد أنه مع التقدم السياسى لم تعد هذه المناطحة من جانب المشتغلين بالدين واردة، وهل تعلم أن العالم به نحو ٥٠ أو ٦٠ ديانة مختلفة، ومن الممكن أن تسميها ديانات كبرى، وكل دين يؤمن بأنه الدين الصحيح، وتتفاوت الديانات فى أعداد تابعيها، ولا يمكن أن نقول أن ديانة تمتلك نصف مليون مؤمن هى أقل قيمة من ديانة يتبعها نحو أكثر من مليار إنسان مثل الديانة الهندوكية.

وأوضح أنه فى النهاية يظل جزء ما من حياة الإنسان داخلي، يريد أن يشبعه وجدانيًا، أيًا كان شكله أو بصمته فى الحياة، وأيًا كان نفوذه فى مجرى الأحداث اليومية، نسميه بالعقيدة، أيًا كانت هذه العقيدة.

نصار عبدالله: المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنيةاستعادة مشاريع قديمة أم انتاج جديد

بسؤاله حول أهمية الدعوات الخاصة بشأن استعادة المشاريع الفلسفية القديمة مثل مشروع ابن رشد التنويري، هل مثل هذه الدعوات مفيدة وفاعلة؟، أجاب قائلًا: فى ظنى لا شيء قابل للاستنساخ، المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنية، وتنمو كما ينمو الجسد بشكل مرحلي، خلية وراء خلية إلى أن يتكامل، إنما لا يكفى إعادة إنتاج مشروع فكرى ماضوي.

وقال "عبدالله": أظن أن الابتعاد عن الأسلوب العلمى فى التفكير سبب وجيه لتخلف العقل العربي، وإن غياب التفكير العلمى مؤسف حتى أنه وصل لفئة وظيفتها العلم والتعليم، فتجد إنسانًا يمارس العلم فى معمله بينما لا يترجم هذا لسلوك فى أرض الواقع، ومن المفروض أنه لا انفصام بين ما نؤمن به كعلم وبين ما نمارسه فى الواقع، وعلى الجيل المؤمن بالتفكير العلمى أن يغرس ذلك فى الجيل اللاحق.

الصفحة الأولىحوار المفكر الكبير د. نصار عبدالله

مقالات مشابهة

  • المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي
  • سهيل السقا لـ«البوابة نيوز»: المخيمات العشوائية أكبر التحديات الهندسية في إعادة إعمار قطاع غزة
  • سمية الخشاب لـ«البوابة نيوز»: «ريا وسكينة» أكتر مسلسل عمل ضجة في مشواري الفني
  • نقيب المقاولين بغزة لـ«البوابة نيوز»: مصر تلعب دورًا محوريًا في مشاريع إعادة إعمار القطاع
  • نقيب المقاولين بغزة لـ«البوابة نيوز: نواجه تحديات جسيمة جراء الحصار والقيود الإسرائيلية المشددة
  • سمية الخشاب تكشف لـ«البوابة نيوز» كواليس صلحها مع ريم البارودي
  • سمية الخشاب لـ«البوابة نيوز»: شهر رمضان ملهوش طعم من غير أمي وأفتقد فانوسها
  • سمية الخشاب لـ«البوابة نيوز»: مشاركتي في البطولات الجماعية مبيقللش من قدري ولا من نجوميتي
  • المتحدث باسم حركة فتح لـ "البوابة نيوز": نتنياهو لا يريد وقف إطلاق النار.. ولجنة إدارة غزة لا يجب أن تكون فصائلية
  • البوابة نيوز في ضيافة العتاولة