د احمد التيجاني سيد احمد

قاوم شقيقي حصار الخرطومً لمدةً اثنان وثمانون يوما قبل ان يجبر علي النزوح ومعه اختنا ووالدتنا المسنة. تعرض منزله الكبير للنهب و الدمار بواسطة ثمانية جنود لا يزالون يقيمون في بيته. لكنه بعث لي من منفاه في قريتنا بلنك-اسفيري ل194 كتاب تتخصص كلها في تأريخ السودان . كتب محثا الا يضن بها أحدٍ علي غيره في هذه الفترة القاسية التي تتكالب فيها قوي الشر من الكيزان و الجنحويد لإنهاء وجود هذا الوطن العزيز.


https://app.mediafire.com/y2i1s516m484k مكتبة تاريخ السودان (194 كتابا)

عاد بي هذا الضني الموجع لذكري زيارتي لمنغوليا بلد هولاكو في بدايات التسعينات من القرن الماضي. أشار دليلي ألي أنقاض مدينة مغطاه بالثلوج تماما، قائلا لي انها عاصمة هولاكو خان سفاح المغول و الذي خرج منها لغزو العالم و لتدمير الحضارات في يوليو ١٢٥٢ م و لم يعد اليها. خلال سنوات غزواته استباح دول و مدن اسلامية و عربية !

اندثرت قراقورم في بدايات ال١٤٠٠م.
ولم يبق من هولاكو أثر سوي ذكري جبروته و همجيته:
• هو الذي أحرقالمدن وقتل الملايين و انشاء جبلا من رووس القتلي في وسط بغداد .
• وهو الذي استباح النساء (كانت له وحده ٧٠٠ زوجة وسرية و سبية).
• وهو الذي دمر مدينة بغداد و احرق مكتباتها التي كانت تعد من اضخم الاثار الفكرية في العالم بخزائن كتبها الضخمة التي احتوت انذاك علي مختلف أنواع العلوم والآداب والفنون.
• وهو الذي دمر بيت الحكمة أثناء حصار بغداد .

ويقال بان الكتب التي ألقيت من مكتبات بغداد في نهر دجلة كانت بكميات هائلة جعلت مياه النهر سوداء بسبب تسرب الحبر. ولعلهم كانو قد قدموا للبشرية بعض الخبر لو نقلو المكتبة لعاصمتهم في بلاد المغول

مضي كل شي من مجد هذا الباطش المتوحش و بقيت ذكري همجيته و تدميره للحضارة الانسانية خلال فترة قصيرةً رهيبة من الزمن (مبراطورية المغول 1206–1368م).

كسرة
هذا الدمار الحضاري الفكري يظهر امتداده الي ظهور الاسلام الارهابي السياسي في القرن الماضي . ومن شواهده تفجير مكتبة الموصل في العراق وحرق محتوياتها التي تضم ١٠ الف كتاب بيد ارهابيو تنظيم داعش عام ٢٠١٥.

علامات استمرار الماساة يظهر فيما قامت به فلول الكيزان و مليشيا الجنجويد (يا للعجب يتحاربانً بينما ينسقان تدمير السودان بحضارته و تاريخه) من حرق دار الوثايق و تدمير المتحف القومي والمتحف الطبيعي و ما يشاع في ابادة مستندات مصلحةً الاراضي !

و يقول البعض ان ما يحدث هو من فعل الجنحويد وفلول الكيزان و ان الجيش جيش السودان منه براء . لكن كل الشواهد توكد بان البرهان يعمل تحت امرة فلول الكيزان و تحديدا اميرهم علي كرتي!

الجيش اذا كان هنالك جيش عليه ان يثبت انه خالي تماما من الكيزان . مشكلة الشعب السوداني مع الكيزان المشكلة رقم واحد . الكيزان انقلبوا علي الشرعية عام ١٩٨٩. و اذاقوا الشعب الويل بينما هدموا كل الموسسات و سرقوا كل الاموال و سلبوا كل المقدرات بهدف التمكين . الكيزان هم اصل المصايب و الشعب السوداني يكرههم لمًا سلبوه من حياتهم و حقوقهم .اذا بقي احرار في الجيش عليهم استلام السلطة فورا و ابعاد و سجن كل الكيزان فورا و سوف يقف الشعب معهم

نواصل
د. احمد التيجاني سيد احمد
١٤ اغسطس ٢٠٢٣ روما ايطاليا

eltijani@icloud.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟

في البدء، كان الحلم هشًّا، يتنازعه الواقع والممكن، بين دولة لا يحكمها العقل وجيوش يحكمها الرعب. لم يكن السودان يومًا استثناءً في سياق التراجيديا التاريخية التي صنعتها الجيوشُ العربية منذ أن تحولت من مؤسساتٍ وظيفية إلى كياناتٍ فوق الدولة، تمارس السلطة دون مساءلة، وتحكم دون أن تُحاكم.

لكن في هذا البلد، كان للعسكر وجوهٌ كثيرة، كلٌّ منها أكثر فتكًا من الآخر، حتى أصبح المواطن السوداني، ذاك الكائن المعذَّب، رهينَ طاحونةٍ تدور برؤوسٍ متشابكة، إحداها الجيش الذي خنق الدولة منذ 1956، والأخرى مليشيا خرجت من رحم التوحش وصارت قوة تنازع الطاغية ذاته على سلطانه، في مشهد عبثي تتداخل فيه الأدوار بين الجلاد والضحية، حتى بات الوطن كله رهينةً بين المطرقة والسندان.

بدأت السردية القاتلة منذ أن استيقظ السودان المستقل على حقيقة أنه لم يُخلق ليحكم نفسه، بل ليكون حقلَ تجاربٍ لأوهام الضباطِ الذين قرأوا نصفَ كتبِ القوميةِ العربية، وظنوا أن الشعب صفحةٌ بيضاءُ قابلةٌ لإعادة التشكيل وفق أوامرِ القيادةِ العامة.
الفريق عبود، أول الطغاة، جاء كظلالٍ ممتدة لجيوشِ ما بعد الاستعمار، حيث لم يكن الاستقلالُ سوى قناعٍ رثٍ لاستعمارٍ داخلي أكثر فجاجة. ثم تلاهُ نُميري، العائد من شطحاتِ البعثِ الماركسي إلى خرافاتِ الهوسِ الديني، في مسيرةٍ عكست هشاشةَ السرديات التي حاول العسكرُ تسويقها، والتي انتهت إلى أن الشعب ليس سوى متغيرٍ ثانوي في معادلة الحكم.

لكن اللعبةَ الأكثر فجاجةً كانت في 1989، حين اختُزلت الدولةُ في معادلةٍ وحيدة: الإسلاميون والجيشُ كيانٌ واحد، والحربُ على المواطنِ أصبحت معركةَ استئصالٍ مفتوحة.
هنا، بدأ الجيش في التحول إلى عصبةٍ متآمرة، حيث لم يعد مجردَ قوةٍ تحكم باسم الدولة، بل صار جهازًا أيديولوجيًا يعمل لتصفية أي مشروعٍ خارج ثنائية “الطاغية المخلص” و”العدو الوجودي”. كانت الإنقاذُ لحظةَ التحامِ القمعِ المقدسِ مع السلاحِ الدنيوي، حيث أصبح الوطنُ مجردَ ساحةٍ تُعادُ هندستها وفق أوهامِ البقاءِ الأبدي.

في تلك اللحظة، وُلدت المليشيات.

وجيف الخطى الأولى ظهرت في دارفور، حيث اختُزلت الدولةُ في معسكراتِ الموت، وتحولت الجيوشُ النظاميةُ إلى أشباحٍ تراقبُ المذابح من بعيد. ومن رماد الجنجويد، خرجت قوات الدعم السريع، كظلٍّ كثيفٍ لنظامٍ أفرط في صناعة الوحوش، حتى كادَ يُبتلع بها.
حميدتي، بائع الإبل الذي صعد من ثقافة الغزو البدائي، أصبح رجل الدولة بامتياز، في استعارةٍ فظةٍ لصعود العوامِ المسلحين في الإمبراطورياتِ الآفلة. هنا، لم يكن الصراعُ مجردَ لعبةِ سلطة، بل كان إعادةَ توزيعٍ للقوةِ خارج أطرها التقليدية، حيث أصبح الموتُ رأسمالًا قابلًا للمساومة، وصارت الحربُ استثمارًا مفتوحًا، بمدخلاتِ الذهبِ ومخرجاتِ الخراب.

حين انفجرت الحرب في 15 أبريل 2023، لم تكن سوى لحظةٍ حتمية في سياقٍ بدأ منذ أن تخلّى الجيشُ عن كونهِ مؤسسةً وطنية، وأصبح مجردَ أداةٍ لصناعةِ الطغاة. لكنها كانت أيضًا إعلانًا لانهيارِ النموذجِ نفسه، حيث لم يعد بالإمكان إخفاءُ هشاشةِ الدولةِ خلفَ أستارِ البيروقراطيةِ العسكرية. الجيشُ الذي كان يُراد له أن يكون درعَ الدولة، أصبح شبحًا يتآكل من داخله، والدعمُ السريع، الذي أُنشئ كأداةِ قمع، أصبح دولةً صغيرة داخل الدولة، حتى خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.

لا شيء يعبر عن هذه اللحظة أكثر من أصواتِ الخرطومِ المنكوبة، حيث تحوّلت المدينة إلى أطلالٍ تتردد فيها أصداءُ الأسئلة التي لم تجد إجابة: من يحكمُ السودان؟ هل هو الجيشُ الذي صار ظلًّا لنفسه؟ أم المليشياتُ التي خرجت من رحمِ الفوضى وأصبحت القوةَ الوحيدةَ القادرةَ على فرضِ معادلاتها؟ أم أن البلادَ محكومةٌ بمنطقِ الحربِ الدائمة، حيث الدولةُ مجردُ مرحلةٍ عابرة بين معركتين؟

إذا كان ماركس قد تحدث عن “الدولة كأداةٍ للقمع الطبقي”، فإن السودان يقدم نموذجًا أكثر تعقيدًا، حيث الدولةُ لم تعد موجودةً أصلًا، والقمعُ أصبح مُوزّعًا بين عدةِ أقطابٍ، كلٌّ منها يحاولُ أن يؤسسَ روايتهُ الخاصة.
الأمر ليس صراعًا بين سلطةٍ وشعب، بل بين عدةِ سلطاتٍ، كلٌّ منها ترى في الشعب مادةً خامًا لإعادةِ التشكيل.

هذا ما يُفسرُ لماذا تحولت المليشياتُ إلى كياناتٍ اقتصاديةٍ ضخمة، ولماذا أصبح الجيشُ نفسه طرفًا في تجارةِ الحرب، حيث لا أحد يرغبُ في إنهاءِ النزاع، لأن النزاع ذاتهُ أصبح مصدرَ الشرعيةِ الوحيد.

لكن المأساةَ الحقيقية ليست في القتلةِ فحسب، بل في الذين ما زالوا يبحثون عن تبريرٍ أخلاقي لهذه الفوضى. هنا، تأتي السردياتُ التي تحاولُ اختزالَ الأمرِ في “حربٍ بين معسكرين”، وكأن هناك حقًا معسكرًا يمثلُ الشعب. الحقيقةُ أن الشعبَ السوداني، الذي ظلَّ لعقودٍ محاصرًا بين الطغاةِ والجلادين، لم يعد طرفًا في المعادلة. لقد صار مادةً للفرجةِ في مسرحيةٍ دمويةٍ تُعيد إنتاج نفسها بوجوهٍ مختلفة، لكنها تحتفظُ بالحبكةِ ذاتها: الوهمُ، القمع، ثم السقوط.

عبد الخالق محجوب، الذي قُتل لأنه رفض أن يرى في الجيشِ حليفًا، كان يُدركُ أن العسكرَ لا يصنعون الثورات، بل يُجهضونها. غرامشي، الذي تحدث عن “الهيمنة” كأداةٍ لصياغةِ الوعي، كان ليجدَ في السودانِ نموذجًا فريدًا لهيمنةٍ لم تُصنع عبر الأفكار، بل عبر الرصاص. وبين هذا وذاك، يظل المواطنُ السوداني، الذي اعتاد أن يكون مشروعَ شهيد، في انتظارِ أن يسألهُ أحدهم: متى تُريدُ أن تكونَ مواطنًا كاملَ الحقوق؟

لكن لا أحد يسألُ هذا السؤال، لأن في السودان، كما في كل الدول التي سقطت في قبضةِ العسكر، السؤالُ الوحيدُ الذي يُسمعُ دائمًا هو: لمن السلطة؟ وما دامت الإجابةُ تأتي بالسلاح، فإن المواطنَ لن يكونَ سوى صدىً للأقدامِ التي تجوبُ الخرطوم، بحثًا عن غنيمةٍ جديدة.

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • المهمش الوليد مادبو
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • الغرابلي: كيف تحذر الدول مواطنيها من زيارة ليبيا بينما تدعو لتوطين الأفارقة بها؟
  • ما هو الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • ما الإعلان الدستوري الذي جرى إقراره في سوريا وماذا منح للشرع؟
  • مجلس سوريا الديمقراطية يرفض الإعلان الدستوري
  • الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
  • هل ما زالوا يقولون انه “جيش سوسو” و “جيش الكيزان”؟!
  • حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان