أثر العقوبات الأمريكية والتدخل الخارجي في حرب السودان
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
بقلم : تاج السر عثمان
1
اشرنا سابقا الى التدخل الدولي في حرب السودان بهدف نهب ثروات وموانئ وأراضي البلاد ، كما في العقوبات الأمريكية الأخيرة على قادة الدعم السريع وشركاته وقبلها كانت على قادة الحركة الإسلامية الذين يؤججون نار الحرب طمعا فى العودة للسلطة بعد أن أعاد لهم انقلاب 25 أكتوبر التمكين ، رغم أن العقوبات لها تأثير سياسي وعلى الأفراد، الا أنها ليست الحاسمة في وقف الحرب كما أكدت التجارب في العقوبات الأمريكية السابقة على البلدان والأفراد ، أمريكا تعلم جيدا من هي الدول التي تسلح أطراف الحرب، رغم ذلك لا تضغط عليها لوقف الحرب، أمريكا مصدر السلاح لتلك الأطراف وإسرائيل في حربها على غزة وغيرها، حتى لا يطول أمدها، أمريكا تحقق ثروات ضخمة من تجارة السلاح، من تلك.
. كما اشرنا سابقا ان العامل الخارجي مساعد، لكن العامل الحاسم في وقف الحرب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي هو العامل الداخلي المتمثل في أوسع. جبهة جماهيرية لوقف الحرب واستعادة مسار الثورة.
٢
أصبح واضحا للجميع أن حرب السودان تهدف لنهب ثرواته وإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر، ونهب أراضيه الخصبة ومياهه، ومعادنه ومن أجل نهب، تغذيها أطراف اقليمية ودولية مثل: الإمارات، مصر، ايران. الخ، فضلا عن تجنيد المرتزقة لتعزيز قوات الدعم السريع ( للمزيد من التفاصيل راجع صحيفة اللومانيتي الفرنسية: ٩ ٢ ديسمبر ٢٠٢٤)
كما يبلغ عدد الدول المشاركة في توريد الأسلحة إلى طرفي الحرب الآن العشرات. وهذا ما كشفت عنه منظمة العفو الدولية هذا الصيف، حيث تتبعت وجود أسلحة قادمة من الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة واليمن. ويضاف إلى هذا الدعم شحنات الأسلحة المصرية والإيرانية وحتى الأوكرانية، فضلاً عن وجود جنود أجانب، بينهم كولومبيون"(صحيفة ليمانييه)
فالسودان ، الذي تحدّه سبع دول أفريقية وله خط ساحلي طويل على البحر الأحمر، يتمتّع بأهمية استراتيجية للغاية، بما في ذلك الطريق المؤدي إلى قناة السويس. ويُعدّ “في مركز الاهتمام” بسبب موقعه وثرواته المعدنية، ومناجم اليورانيوم والذهب، وموارد النيل الأزرق والأبيض، توضّح “ليمانيتي”.
٢
كما يشتد الصراع الدولي في إطار أزمة الرأسمالية العالمية والليبرالية الجديدة ، مع الحروب بهدف السيطرة على الموارد والطاقة كما هو حاصل في السودان وأفريقيا والحروب الجارية بين روسيا وأوكرانيا بهدف أضعاف روسيا، والحرب في السودان ، والحرب في غزة التي يشنها الكيان الصهيوني بهدف تصفية القضية الفلسطينية بدعم من أمريكا وحلفاؤها في المنطقة بهدف الهيمنة في صراع النفوذ على منطقة الشرق الأوسط لموقعها الاستراتيجي الغنية بموارد الطاقة، في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الهادف لتقسيم وتمزيق تلك البلدان وتحويلها لكيانات دينية واثنية مصارعة، وتفكيك الجيوش الوطنية للدول العربية ونهب ثرواتها وجعلها تابعة مرتهنة للخارج في نظام النيوليبرالية الجديد .
يتم هذا في ظروف تشتد فيها أزمة النظام الرأسمالي ، والصراع على الموارد بين أقطاب الدول الرأسمالية، فقد اشتدت الأزمة منذ نهاية القرن الماضي التي مرت بالأزمات التالية :
ازمة شركات تكنولوجيا الاتصالات سنة 2000 التي شهدت فيها خسائر الانترنت أكثر من 5 تريليون دولار.
- أزمة الرهن العقارى عام 2008.
أزمة كوفيد 19 عام 2020.
إضافة لبزوز الصين كقوة اقتصادية مؤثرة في العالم ، وتفاقم الصراع بينها والولايات المتحدة. وجاءت الحرب الروسية – الأوكرانية كنتاج لصراع الولايات المتحدة وبقية الدول الرأسمالية الكبرى مع روسيا والصين لتقسيم العالم ونهب موارده ومانتج عنها من نقص في الوقود والقمح لتزيد الأزمة تعقيدا.
٣
كما اشرنا سابقا أدت الأزمة بعد سيادة سياسة التحرير الاقتصادي أو الليبرالية الجديدة و تفكيك الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية بهدف نهب مواردها وغزو اسواقها ، الي اشتداد حدة الصراع الطبقي بتركيز الثروة في يد فئة قليلة على صعيد عالمي وعلى مستوى كل دولة ، على حساب الكادحين والفقراء في البلدان المتخلفة والمتقدمة الذين يعانون من ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة والغذاء ، كما فقد أكثر من 200 مليون عامل وظيفته حسب منظمة العمل الدولية ، و اشتداد موجة الإضرابات والاحتجاجات لتحسين الأوضاع المعيشية ، ومن أجل رفع الأجور وتوفير خدمات التعليم والصحة وتحسين بيئة العمل..
اضافة لارتفاع الإنفاق العسكرى على صعيد العالم واتساع تجارة السلاح على حساب الإنفاق على التعليم والصحة ، كما حدث في السودان في التنافس بين الجيش والدعم السريع على الثروة والسلطة حتى نشوب الحرب اللعينة بينهما حيث بلغت ميزانية الأمن والدفاع 70% ، فضلا عن استحواذ شركات الجيش والدعم السريع والأمن والشرطة على 82% من الموارد ، وصرف الدولة علي الدعم السريع وجيوش حركات جوبا.
بحيث أصبح من نتائج أزمة الراسمالية زيادة الأغنياء غنىً والفقراء فقرا. فضلا عن ازدياد عدوانية حلف الناتو بهدف نهب الموارد في أفريقيا وبقية بلدان العالم ، في صراعها مع الصين وروسيا
٤
في الوقت التي تفرض الولايات المتحدة سياسة التحرير الاقتصادي على الدول الأخرى، نجد أن الدولة فيها تتدخل لحماية البنوك والشركات من الانهيار ( حلال على بلابله الدوح، حرام للطير من كل جنس) ، كما حدث في أزمة 2008 عندما تدخلت لحماية مصارفها وشركاتها الكبرى.
كما يشتد التناقض بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية بسبب هيمنة الولايات المتحدة وفرض مقاطعة روسيا عليها، التي تضررت من نقص الطاقة الواردة من روسيا بأسعار أقل.
لا يمكن فصل التدخل الدولي الكثيف عن اشتداد حدة الصراع الدولي لنهب موارد السودان ، فما هو جارى الآن من حرب وإبادة جماعية في الجزيرة و دارفور وجبال النوبا وجنوب النيل الأزرق والشرق و بقية المناطق هدفه نهب الأراضي وتشريد سكانها الأصليين، والموارد لصالح الشركات الزراعية العاملة في التعدين الاقليمية والعالمية ، وتسليح المليشيات لتلعب دورها في خدمة تلك المصالح كما في مليشيات الدعم السريع الذي اعترف قائدها حميدتي صراحة بالتبعية للخارج، فالمخطط الذي جرى قبل الحرب لنهب أراضي وموانئ البلاد في غياب الحكومة الشرعية والبرلمان المنتخب مثل قيام ميناء ” ابوعمامة” على البحر الأحمر، ومشروع “الهواد” الزراعي، وخط السكة الحديد بورتسودان – أدرى بتشاد، تهدف الحرب الجارية لتحقيقه، اضافة لصراع أمريكا لإبعاد الصين وروسيا من السودان ، كما في اعتراضها على السماح لروسيا بقيام قاعدة في السودان، ونشاط شركات “فاغنر” ومليشياتها في التعدين ، وهدفها الانفراد بالسودان والعمل على استقراره لضمان نشاط شركاتها في السودان.
٥
لقد فرّط نظام الانقاذ والرأسمالية الطفيلية الإسلاموية في سيادة الوطن وباعت أراضي السودان الزراعية أو تأجيرها لسنوات تصل إلي 99 عاما، وابرمت شروطا مجحفة في اتفاقات التعدين نالت بموجبها الشركات 70% من العائد ، بدون شروط لحماية البيئة والعاملين وتعمير مناطق الإنتاج ، وربطت البلاد بالأحلاف العسكرية والمشاركة في محرقة حرب اليمن، وفقدان السودان لأجزاء منه بالاحتلال ” حلايب ، شلاتين ، الفشقة، . الخ”
فالحل ليس في العقوبات الأمريكية والتدخل الخارجي، ولكن يكمن في الداخل بتكوين أوسع جبهة جماهيرية لوقف واستعادة مسار الثورة، والاستفادة من التجربة السابقة بسلبياتها وايجابياتها.. حتى لا يتم إعادة إنتاج الأزمة والشراكة مع العسكر والدعم السريع اللذين يجب أبعادها عن السياسة والاقتصاد وتقديم المسؤولين عن جرائم الحرب والاغتصاب للمحاكمات إضافة للتنسيق من أجل :
– وقف الحرب واستدامة السلام والحكم المدني الديمقراطي.
– الترتيبات الأمنية لحل مليشيات الدعم السريع وجيوش الحركات ، وجيوش ومليشيات الكيزان ، وقيام الجيش القومي المهني الموحد.
– ضم كل شركات الجيش والدعم السريع والأمن والشرطة لولاية وزارة المالية .
– محاسبة ومحاكمة كل الذين ارتكبوا جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية ، وتسليم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية.
– إلغاء اتفاق جوبا الذي فشل في تحقيق السلام والتوجه للحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور المشكلة.
– إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات.
– الحل الشامل لقضايا البلاد وقيام المؤتمر الدستوري والدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع، واستقلال القضاء ومبدأ سيادة حكم القانون وتحقيق قومية الخدمة المدنية والعسكرية، وعودة تسوية أوضاع المفصولين من العسكريين والمدنيين .
إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وعودة النازحين لمنازلهم و لقراهم وحواكيرهم وخروج الدعم السريع والمليشيات من كل مدن وقرى السودان، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات المؤتمر الوطني وجيوش الحركات وكل المليشيات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية.
– تحسين الأوضاع المعيشية وتنفيذ مقررات المؤتمر الاقتصادي لمعالجة التدهور المعيشي والاقتصادي، ورفض سياسة التحرير الاقتصادي بتحقيق مجانية التعليم والصحة ودعم الدولة للوقود والدواء والمزارعين
– التفكيك الناجز للتمكين واستعادة ممتلكات الشعب المنهوبة.
– إعادة النظر في كل الاتفاقيات المجحفة حول الأراضي التي يصل إيجارها الي 99 عاما ، ومع شركات التعدين.
– السيادة الوطنية وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم لمصلحة شعب السودان بعيدا عن الأحلاف العسكرية والمحاور الإقليمية.قيام المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم، ويتم فيه التوافق على دستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية.
alsirbabo@yahoo.co.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العقوبات الأمریکیة الولایات المتحدة والدعم السریع الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
هزيمة الدعم السريع.. ثاني أكبر مدن السودان تتحرر
في لحظة تاريخية فارقة، نجح الجيش السوداني في تحقيق انتصار جديد على قوات الدعم السريع السبت 11 يناير/ كانون الثاني 2025، بإحكام سيطرته على مدينة ود مدني، ثاني أكبر المدن السودانية وعاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، وأقرب المدن للعاصمة الخرطوم.
هذا التقدم العسكري ليس مجرد نصر ميداني، بل يمثل تحولًا إستراتيجيًا في مسار الصراع الدائر وانتهاء الحرب لصالح صيانة الدولة الوطنية، ودليلًا على كفاءة الجيش السوداني وقدرته على استعادة زمام المبادرة في مواجهة واحدة من أخطر التحديات التي تهدد وحدة البلاد واستقرارها.
وليست ود مدني، بموقعها الجغرافي الحيوي وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، مجرد مدينة؛ فهي رمز للصمود والإرادة الوطنية، مما يجعل تحريرها من قبضة القوة المتمردة إنجازًا له أبعاد عميقة، تتجاوز حدود المعركة إلى التأثير على توازن القوى على المستوى الوطني.
لم يكن انتصار الجيش في هذه المدينة الإستراتيجية مجرد حدث عسكري معزول، بل رافقته احتفالات عفوية اجتاحت مختلف مدن السودان، حيث خرجت جموع الشعب السوداني تعبيرًا عن فرحتها الصادقة بهذا الإنجاز، مما يعكس بوضوح الالتفاف الشعبي حول الجيش باعتباره الحامي الأول للوطن ووحدته.
إعلانتشير أحدث الإحصاءات المتعلقة بالحرب في السودان إلى أن التقديرات بشأن عدد القتلى المدنيين منذ اندلاع الصراع في أبريل/ نيسان 2023 يُقدَّر بنحو 150.000 شخص وفقًا لمنظمة "جينوسايد ووتش". فيما أفادت المنظمة الدولية للهجرة بأن النزاع أدى إلى نزوح نحو 10.7 ملايين شخص، منهم 9 ملايين نزحوا داخليًا، بينما فرَّ 1.7 مليون إلى دول مجاورة. كما أدت هذه الحرب إلى خسائر اقتصادية ضخمة، بما في ذلك انهيار شبه كامل لاقتصاد البلاد؛ نتيجة توقف الإنتاج، والخدمات.
الجيش.. التاريخ والدور الوطنيظلّ الجيش السوداني منذ تأسيسه عام 1925 واحدًا من أهم دعائم الدولة الوطنية الحديثة في السودان، وممثلًا للقيم العليا للوحدة والسيادة الوطنية. كما لعب أدوارًا مهمة في حفظ السلام والاستقرار عبر مشاركاته ضمن قوات الردع العربية في لبنان، ما يؤكد مكانته كأحد الجيوش الأفريقية والعربية ذات السمعة العالية. هذه السمات جعلت منه ليس فقط حاميًا للحدود، بل أيضًا للمشروع الوطني السوداني في أوقات الأزمات.
في خضم الصراعات السياسية التي أعقبت سقوط نظام البشير عام 2019، واجه الجيش السوداني تحديات غير مسبوقة، تمثلت في محاولات بعض الأطراف المدنية التدخل في شؤونه الداخلية، من قرارات الإعفاء والترقيات، إلى رفع شعارات تحريضية ضد المؤسسة العسكرية خلال التظاهرات.
هذه التدخلات ليست فقط مخالفة للوثيقة الدستورية التي منحت الجيش استقلالية تامة في شؤونه، لكنها أيضًا تهديد مباشر لواحدة من أهم ركائز الوحدة الوطنية. ولضمان مستقبل مستقر، لا بد من احترام استقلالية الجيش وتجنيبه صراعات القوى السياسية، مع العمل على تحقيق شراكة حقيقية بين كافة المكونات الوطنية لبناء سودان قوي وموحد.
الجيش والدعم السريع.. صراع المصيريتجلى الفارق بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العديد من الجوانب، بدءًا من العقيدة القتالية وانتهاءً بالهيكل التنظيمي، وهو ما يُفسر تماسك الجيش وقدرته على الصمود، مقابل الطبيعة الهشة والانتهازية للدعم السريع.
إعلانفالجيش السوداني يعتمد على عقيدة قتالية وطنية متجذرة في تاريخ طويل من الدفاع عن سيادة السودان ووحدته. هذه العقيدة تقوم على الولاء للدولة ومؤسساتها، مما يضمن التزام الجنود بالمهام العسكرية وفق قيم الانضباط والتضحية.
وقد أثبت الجيش السوداني قدرته على القتال في ظروف شديدة التعقيد، مستمدًا قوته من إرثه الوطني، وتقاليد صارمة تُعزز روح الفريق والانتماء للمؤسسة.
على النقيض، تفتقر قوات الدعم السريع إلى عقيدة قتالية راسخة. إذ تأسست كقوة غير نظامية قائمة على الولاء الشخصي والارتباط القبلي، وليس الولاء للوطن. وتُعرف العقيدة القتالية للدعم السريع بالانتهازية، حيث تعتمد بشكل كبير على الغنائم، واستغلال الفوضى، والتكتيكات غير التقليدية التي تتسم غالبًا بالعنف المفرط ضد المدنيين. هذه الطبيعة تجعل قوات الدعم السريع تفتقر إلى الاستدامة في القتال أمام قوة منظمة كالجيش السوداني العريق.
ويتمتع الجيش السوداني بهيكل تنظيمي متين قائم على التراتبية الواضحة، التي تحدد الأدوار والمسؤوليات داخل المؤسسة العسكرية. وهو يُدار وفق نظم صارمة في التدريب والتخطيط الإستراتيجي، مع التزام كامل بقوانين الحرب الدولية. هذا الانضباط يجعل الجيش أكثر قدرة على التكيف مع مختلف التحديات، كما يُعزز من استمرارية العمليات العسكرية حتى في أحلك الظروف.
في مقابل ذلك تفتقر الدعم السريع إلى البنية التنظيمية المتماسكة. فهي تعتمد على هيكل هرمي مبني حول قائد واحد، ما يجعلها عرضة للتفكك بمجرد غياب هذا القائد. تعمل تلك القوات وفق آليات غير رسمية وغير منضبطة، مما يؤدي إلى ضعف التنسيق الداخلي وانعدام التخطيط طويل الأمد. إضافة إلى ذلك، فإن اعتمادها على المجندين من خلفيات غير عسكرية، غالبًا بدافع الحاجة المادية أو الولاء القبلي، يضعف من جاهزيتها وقدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة.
إعلانويخضع أفراد الجيش السوداني لتدريبات متقدمة وفق معايير عسكرية دولية، مع توفير أسلحة نوعية تناسب العمليات القتالية المتعددة. فالتدريب المكثف يخلق أفرادًا لديهم كفاءة عالية في استخدام الأسلحة الحديثة والتعامل مع المواقف القتالية المتنوعة.
بينما تفتقر الدعم السريع إلى تدريب منهجي محترف، وتعتمد على التجنيد العشوائي الذي غالبًا لا يُراعي معايير الكفاءة. تسليحها، رغم أنه متنوع ويشمل أسلحة حديثة، إلا أنه يُستخدم غالبًا بشكل غير منظم أو مدروس، مما يجعلها غير فعالة في العمليات العسكرية المنظمة.
كما يعمل الجيش السوداني ضمن إطار أهداف وطنية واضحة، تشمل الدفاع عن حدود البلاد وحماية سيادتها واستقرارها. هذا الالتزام يجعل الجيش يتمتع بشرعية شعبية واسعة تدعم جهوده العسكرية. بينما تتمحور أهداف الدعم السريع حول تحقيق مصالح قيادتها والسيطرة على الموارد والمناطق الإستراتيجية. عدم ارتباطها بمشروع وطني جامع يفقدها أي شرعية شعبية، ويضعها في مواجهة مباشرة مع المجتمع السوداني.
البعد الإستراتيجي للانتصارسيطرة الجيش السوداني على ود مدني جاءت نتيجة لتخطيط إستراتيجي محكم قائم على فهم دقيق لطبيعة الأرض، وتوزيع قوات الدعم السريع، مما مكنه من استغلال نقاط ضعفها بشكل فعال.
كما لعبت المقاومة الشعبية من سكان المدينة دورًا مهمًا في نجاح العمليات، حيث قدم الأهالي معلومات استخباراتية وسهّلوا التحركات العسكرية، الأمر الذي عزز من قدرة الجيش على التقدم.
إلى جانب ذلك، أظهر الجيش تفوقًا في التنظيم والتنسيق بين وحداته المختلفة، وهو ما افتقرت إليه قوات الدعم السريع التي بدت منهكة ومشتتة؛ بسبب المعارك الممتدة. ساعدت هذه الفجوة التنظيمية، الجيش في إحكام سيطرته واستغلال الإرهاق النفسي والمعنوي الذي تعاني منه الدعم السريع بعد سلسلة من الهزائم الميدانية.
إعلانأما أهمية ود مدني، فتبرز من موقعها الجغرافي المميز في قلب السودان، حيث تمثل حلقة وصل بين الخرطوم وبقية ولايات البلاد، مما يجعل السيطرة عليها تأمينًا لخطوط الإمداد الحيوية، وممرًا إستراتيجيًا نحو مناطق الجنوب والشرق.
المدينة ذات ثقل اقتصادي كبير، كونها عاصمة ولاية الجزيرة، ومركزًا لمشروع الجزيرة الزراعي، ما يُتيح للجيش تأمين الموارد الغذائية والمائية والاستفادة من البنية التحتية كشبكة الطرق الرئيسية لتمركز القوات، وإعادة توزيعها نحو جبهات أخرى.
كما تكتسب ود مدني كذلك رمزية سياسية واجتماعية كبيرة نظرًا لثقلها السكاني ودورها التاريخي، ما يضيف بعدًا معنويًا لسيطرة الجيش عليها، ويُظهر قدرته على استعادة المدن الكبرى من قبضة المليشيات.
هذه السيطرة تُهيئ المدينة لتكون قاعدة انطلاق نحو مناطق إستراتيجية أخرى، مثل القضارف وسنار، مما يعزز التوسع العسكري، ويفرض مزيدًا من الحصار على الدعم السريع، في خطوة قد تكون حاسمة لتأمين كامل البلاد.
قراءة مظاهر الفرح الشعبيفور دخول طلائع الجيش ود مدني صباح السبت اندلعت احتفالات عفوية في مختلف المدن السودانية، حيث عمت مشاعر الفرح والفخر الأرجاء، لتتحول الشوارع إلى ساحات احتفاء بالإنجاز الوطني.
تعالت الأناشيد الوطنية والهتافات التي تشيد بانتصارات الجيش وتحيي صموده، بينما علت الأعلام السودانية لتزين الأحياء والساحات، في مشهد يعكس وحدة الشعب والتفافه حول مؤسسته العسكرية باعتبارها رمزًا للوطنية والكرامة.
لم تكن هذه الاحتفالات مجرد تعبير عن فرح لحظي، بل رسالة شعبية واضحة تجسد ثقة المجتمع في الجيش كحامٍ للسيادة الوطنية، ورفضًا قاطعًا لوجود قوات الدعم السريع التي باتت معزولة اجتماعيًا بعد جرائمها وانتهاكاتها.
الشعب السوداني، الذي عانى ويلات الحرب والدمار، وجد في انتصارات الجيش بارقة أمل لاستعادة الأمن والاستقرار. إن الهتافات والشعارات التي رددها المحتفلون عبّرت عن وحدة الموقف الشعبي، إذ شددت على أن الجيش يمثل إرادة الوطن بأكمله، وليس مجرد مؤسسة عسكرية.
إعلانووسط أصوات الطبول والتصفيق، بدت رسالة الشعب واضحة: السودان باقٍ بتماسك جيشه والتفاف أبنائه حول قيم الوحدة والصمود في وجه كل من يهدد أمنه وسلامه. وتمثل هذه الاحتفالات مؤشرات داخلية وخارجية:
داخليًا توحيد الصف الوطني عبر إحياء الروح الوطنية المشتركة بين السودانيين. والتأكيد على أن النصر في ود مدني ليس نصرًا عسكريًا فقط، بل أيضًا انتصارًا للأمل في مستقبل أفضل. كما تعكس أن الشعب مستعد لتحمل المصاعب دعمًا للجيش حتى تحقيق الحسم الكامل. خارجيًا؛ تعتبر رسالة للعالم بأن الجيش يحظى بدعم شعبي واسع، مما يعزز شرعيته أمام الأطراف الإقليمية والدولية. مما يزيد من احتمالات إعادة تقييم الأطراف الدولية لأدوار الفاعلين في هذا الصراع. تحديات ما بعد التحريرعلى الرغم من أهمية الانتصار الذي حققه الجيش السوداني في مدينة ود مدني، فإن المرحلة القادمة تحمل في طياتها تحديات كبيرة تتطلب التعامل معها بحذر وحكمة.
من أبرز هذه التحديات قدرة الجيش على الاحتفاظ بالمدينة وتأمينها، في ظل التهديدات المستمرة التي قد تشكلها فلول الدعم السريع، خاصة عبر تكتيكات الكر والفر. تأمين المدينة يتطلب جهدًا عسكريًا مكثفًا، إلى جانب تعزيز ثقة السكان المحليين من خلال بسط الأمن وإعادة الخدمات الأساسية.
بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تبرز الحاجة الملحة للتعامل مع الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي خلفتها الحرب. آلاف الأسر تعاني من النزوح وفقدان سبل العيش، ما يستدعي جهدًا جماعيًا من الحكومة والمجتمع الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية، وإعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرها الصراع. معالجة هذه القضايا الإنسانية تشكل خطوة أساسية في تعزيز استقرار المناطق المحررة، وكسب دعم السكان المحليين.
لكن التحدي الأكبر يكمن في الانتقال من الانتصار العسكري إلى بناء سلام دائم وشامل. فالحرب مهما طالت لا يمكن أن تحل محل الحلول السياسية التي تضع نهاية جذرية للصراع وتعيد للسودان وحدته وسيادته. يتحمل الجيش، بوصفه رمزًا للسيادة الوطنية، مسؤولية دعم المبادرات السياسية التي تسعى لتوحيد السودانيين وإنهاء الانقسامات.
إعلانختامًا، لا بد من دعوة جميع الأطراف إلى الانخراط في مسار سياسي حقيقي ينهي الصراع المسلح، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تضمن السيادة والوحدة، وتُخرج السودان من دوامة الحرب إلى آفاق جديدة من التنمية والسلام. هذا الطموح لن يتحقق إلا بتكاتف السودانيين جميعًا، وإعلاء مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية