شمسان بوست / بي بي سي

يُوصّف الأردن بـ “الواحة المستقرة”، و”الجزيرة الهادئة وسط محيط ملتهب”.


في حين، تُوصّف تركيا بالقوة الإقليمية الصاعدة في الشرق الأوسط، والساعية لتعزيز حضورها وتأثيرها على الصعيد العالمي.


وفقاً لمنطق الجغرافيا، يُعد الأردن الناجيَ الوحيدَ من نيران الأزمات التي اندلعت في بلاد الشام (سوريا، ولبنان، والأراضي الفلسطينية)، والمتفاديَ للظروفِ المُحطِّمة التي مرَّ بها جارُهُ العراق، ناهيك عن كلِّ الصراعات المريرة التي هزّت أرجاء الشرق الأوسط.




لكنَّ هذه الحالة الاستثنائية من الاستقرار، تمكثُ في جوهر التساؤلات حول قدرة الأردن على التكيّف وتوظيف أدواته في عبور الأزمات.


وربما من هنا، يمكننا الانطلاق في محاولة فهم شكل “التموضع الإقليمي الجديد”، الذي التُقطت إشاراته بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتزامن مع عصف الحرب في غزة وما تُخلّفه من تحولات حادة في المنطقة.


* تركيا والأردن: طيف غزة في دمشق

شكّل إرسالُ الأردن المُعلن ثلاثة ًمن أهمِّ رجالاته إلى تركيا، خبراً غير تقليدي عن الدبلوماسية الأردنية، وتعاملاتها المألوفة مع التطورات الإقليمية، والحديث هنا بالتحديد عن سوريا الجديدة.


بينما ترى أنقرة المسلحين الأكراد الخطر الأكبر على حدودها، يخشى الأردن خطر عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الواجهة مجدداً.


ففي السادس من يناير/ كانون ثاني، التقى وفد أردني ضمَّ نائب رئيس الوزراء- وزير الخارجية، وقائد الجيش، ومدير المخابرات، بنظرائهم الأتراك، والرئيس رجب طيّب أردوغان.


وفيما نَزلَ في اليوم التالي وفدٌ سوري في عمّان، ضمَّ وزيري الخارجية، والدفاع، ورئيس جهاز الاستخبارات العامة، ووزيري الكهرباء، والنفط والثروة المعدنية، اعتبر الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، في حديثه مع بي بي سي، أنَّ الجوار الأردني التركي مع سوريا يستدعي تنسيقهما في كل ملفات الأوضاع الانتقالية، خدمة لسوريا وأمنها واستقرارها.


يُعلّق الزميل الأول في معهد نيولاينز ومؤسس مجموعة ريماركس لتحليل العنف السياسي مراد بطل الشيشاني، قائلاً إنَّ ملفي دمشق وغزة مترابطان، إذ فَرضت تبعات الحرب في غزة تحديات على الاعتبارات الأردنية الداخلية والخارجية، رغم ما تقوم به عمّان من فعل سياسي ودبلوماسي مناهض لإسرائيل، ودور إغاثي في غزة.


بالتالي وفي الصورة الأوسع، يشكّل سقوط الأسد انفراجة ضرورية للأردن، الذي عانى أيضاً على مدار 14 سنة من ضغوطات أمنية وسياسية واقتصادية بحكم الأزمة السورية، وقبلها خلال أزمة غزو العراق وما خلّفته من تداعيات خطيرة، وفق الشيشاني.


بالنظر إلى كلَّ التحديات المفروضة في المنطقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، يقول المحلل السياسي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو، إنَّ اللقاء الأردني التركي أسفر عن اتفاق على تعزيز الدفاع المشترك بين عمّان وأنقرة، خاصة أمام التهديدات الإسرائيلية المستجدة في سوريا، وأحلامها التوسعية التي تصل الأناضول، وفق تعبيره.


ويعتبر كاتب أوغلو أنَّ مواجهة إسرائيل قد تكون في ميادين السياسة والقانون وعدم السماح بوجود فراغ أمني في سوريا، مشيراً إلى أنَّ تركيا مستعدة لتزويد الأردن بما يلزمه من صناعات دفاعية وقدراتٍ متطورة لو تطلب الأمر ذلك.


* جهاديو سوريا على حافتين

تُعتبر تركيا البوابة الشمالية لسوريا، فيما تمتد معظم واجهة سوريا الجنوبية مع الأردن، وهما خطّان حدوديان لطالما شكّلا هاجساً لكلا الدولتين بسبب إفرازات الفوضى الأمنية وتوالد الجماعات المسلحة والنزاعات الدامية داخل سوريا.


وهكذا يشير الشيشاني، إلى بروز واحدة من أهم التقطاعات الجيوبوليتيكة بين أنقرة وعمّان، إذ يمتلك الأردن أفضلية وفهماً عميقاً للمجموعات الجهادية التي نشطت على مدار السنوات الماضية في جنوب سوريا، فيما تمتلك تركيا أيضاً خبرة ومعرفة هامة للواقع الجهادي في الشمال السوري.


ويضيف الشيشاني أنَّه في الوقت الذي تضع فيه الجماعات الجهادية عمّان وأنقرة في مرمى أهدافها، يصير الدافع مُلحاً لتوثيق العلاقات التركية الأردنية وتوظيف خبراتهما داخل سوريا، مما يحقق تصورهما بمساعدة الحكم السوري الجديد على الاستقرار، وتطهير الحدود من الجماعات الجهادية لكلا الدولتين.


* خارطة التيّارت الإقليمية

تمتد العلاقات الأردنية التركية الحديثة إلى ثلاثينات القرن الماضي، منذ عهدي الملك عبد الله الأول، والرئيس مصطفى كمال أتاتورك.


وينظر البلدان إلى بعضهما بعين التموضعات الجيوسياسية والجيواستراتيجية، وباعتبارهما بوابتين على سوقين اقتصاديين عملاقين سواء أوروبا أو الخليج عبر سوريا.


وهي علاقة وصفها الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، بالتاريخية.


لكنَّ العلاقات الأردنية التركية وإن حملت الكثير من التقارب سابقاً، لكنها تأخذ منحى آخر هذه المرة وتحولاً استراتيجياً طويل المدى، وفق تعبير عضو حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو.


يضيف كاتب أوغلو أنَّ هناك أحلافاً تتشكل اليوم، وتضم تركيا والأردن من جهة، وإسرائيل وقوى إقليمية من جهة ثانية، وإيران وما تبقى من حلفائها من جهة ثالثة.


أمّا مراد الشيشاني فلا يتفق مع كاتب أوغلو، إذ يرى أنَّ التعاون الأردني التركي مهم ولافت في هذا الظرف، لكنه لا يزال دون الشراكة الاستراتيجية الكاملة.


ويعتقد الشيشاني أنَّه لا تَشكُل لنظامٍ إقليمي جديد بعد، بل يوجد اليوم ما وصفه بالاصطفافيْن الرئيسييْن في المنطقة، إذ يُمثّل الاصطفاف الأول -تركيا، والسعودية، وقطر، والأردن- ليكون التيارَ الراغب بتدعيم الحكام الجدد في سوريا وتثبيتهم، فيما يُمثّل الاصطفاف الثاني -الإمارات، ومصر، ودول خليجية- التيارَ المتحفظ على الحكّام الجدد لدمشق.


* مناورة “قسد” وعينٌ على “الجولاني”

وفقاً لمصدر أردني مطلع، فإنَّ انفتاح الأردن على الإدارة السورية الجديدة، يظل في دائرة الحذر، فلم يغب بعدُ عن الذاكرة الأردنية، اسم “أبو محمد الجولاني” ولا تنظيم “جبهة النصرة”، أو جذوره “القاعدية”.


لكنَّ التحولات التي أبدتها هيئة تحرير الشام تتوافق مع التطلعات الأردنية نحو إنهاء أخطار تنظيم الدولة من جهة، وتحقيق العدالة الانتقالية والحكم التشاركي ودولة المؤسسات والحريات في سوريا من جهة أخرى، وهذا واحدٌ من الأسباب الهامة لتصرف الأردن بانفتاح وواقعية وعقلانية، وفق المصدر.


من جهة أخرى، مارست الدبلوماسية الأردنية تكتيكاً حذراً تجاه المعادلة السورية الداخلية، فبينما أدان الأردن للمرة الأولى “حزب العمال الكردستاني”، معلناً وقوفه إلى جانب تركيا، إلا أنه لم يذكر مصطلح “قوات سوريا الديمقراطية- قسد”، وهذا ما يُفهم في إطار الموازنات السياسية.


فحزب العمال الكردستاني (الذي دخل صراعاً مسلحاً ضد الحكومة التركية منذ عام 1984 في إطار سعيه للحصول على دولة مستقلة للأكراد في تركيا) مصنفٌ بالإرهاب عند الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا.



ولكنَّ قوات سوريا الديمقراطية (التي ظهرت في سوريا وعرّفت نفسها بالتكتل العسكري الوطني السوري الجامع للأكراد والعرب والتركمان والسريان في وجه تنظيم الدولة)، لا توجد على قوائم الإرهاب لأي دولة في العالم سوى تركيا، التي تُهدد باجتثات “قسد” عسكرياً، باعتبارها امتداداً وغطاء لحزب العمال الكردستاني، وفق أنقرة.



وهذا ما يُقرأ في المدى المنظور بأنَّ الإدانة الأردنية حققت معنى رمزياً وعززت من التقارب مع تركيا، لكنها في ذات الوقت لا تأخذ الأردن تجاه انعطافات عسكرية أو سياسية أو أمنية أو قانونية في سوريا.



* ماذا بعد؟


واجهت عمّان وأنقرة كثيراً من الأزمات التي خلّفتها الأزمة السورية، مثل أمن الجغرافيا وتهديدات الجماعات الجهادية، وتهريب المخدرات والسلاح، واستقبال اللاجئين الفارين من الحرب.



وبينما يُشكِّل الخوف من تجدد فوضى الدولة هاجساً لجارتي سوريا، فإن الفرص اللائحة في الأفق إذ ما استقرت سوريا، تُمثّل انفراجة هامة على جميع الصُعد السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية.



وإضافة للتقاطعات المصلحية المشتركة، يرى المحلل السياسي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، يوسف كاتب أوغلو، أنَّ الأردن دولة مهمة استراتيجياً لتركيا في تحقيق أمن واستقرار المنطقة، لذا تهتم تركيا بالتعاون مع الأردن في منع أي استهداف أو عبث محتمل في الداخل الأردني بالتزامن مع التحولات في المنطقة.



ويضيف كاتب أوغلو أن الأردن دولة تتمتع بالقدرة على التواصل مع شعوب المنطقة، كما تُمثل بوابة لإحياء نقل الغاز من قطر إلى تركيا.



من جهته، يرى الزميل الأول في معهد نيولاينز ومؤسس مجموعة ريماركس لتحليل العنف السياسي مراد بطل الشيشاني، أنَّ الأردن يُمثّل همزة وصل وقناة اتصال هامة بين الغرب والحكام الجدد في سوريا، وأنَّ سرَّ فاعليته يكمن في قدرته على إعادة التموضع السريع بما يضمن مصالحه مع كل الأطراف، إضافة إلى سياسة عمّان القائمة على إطفاء الحرائق في المنطقة كما وقع من أزمات سابقة في العراق وسوريا، وما يقع اليوم في غزة.



وبناء على ما سبق، وتساؤلاً عمّا إذا كانت هناك حدود للدور الأردني المرتقب في سوريا الجديدة، سألتُ المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، إن كان الأردن منفتحاً على المشاركة في بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية، فأجاب الوزير أن الأردن مستعد لتقديم كلِّ أشكال الدعم والخبرات اللازمة لسوريا، لضمان إعادة بناء جميع المؤسسات والمُقدرات السورية، وبما يُؤمّن أركان الأمن والاستقرار والاقتصاد، وعوامل النهوض بدولتهم السورية.

المصدر: شمسان بوست

كلمات دلالية: فی المنطقة فی سوریا فی غزة من جهة

إقرأ أيضاً:

وقفة أمام بقع الدم السوري..!

• لا يزال الاخوان و” مشتقاتهم” يعتقدون أنهم مرغوب بهم لدى الغرب كأداة سلطة وحكم لا مجرد أداة هدم وتهيئة انتقالية للأدوار التالية من المؤامرات، يتناسون تجربة طويلة من الصفعات، من أفغانستان إلى العراق إلى تونس ومصر وليبيا وغيرها.. ويفرحون مجدداً بالدفع بهم إلى واجهة الحكم في سوريا . يأملون بعمى السلطة ونشوة السيطرة أن تكون هذه البلد نموذجاً مختلفاً عن ما سبق، على الرغم من أن كل المعطيات تؤكد تكرار الصفعات والنهايات، بما فيها سوريا.
• ويوماً ما لن يطول انتظاره كثيراً.. وبعد أن يسقط هذا النظام الدموي الأحمق نتيجة تهوره وفقدانه القدرة على السيطرة، سيحدثك الإخواني “العميق بذكاء المؤامرة” كالعادة عن مؤامرة كونية استهدفت تنظيمهم، كدلالة أنهم على الحق قائمون، وقد تكالبت عليهم الأمم، وبأن الطوائف الأخرى متحالفة مع الغرب عليهم، وينسى كل المسارات التي انتهجوها وقادتهم للهلاك، وتستمر الحكاية ..
• أي تراث أو فكر أو نظرية إسلامية يُبنى أو يستند عليها هذا الإجرام الحاصل في المشهد السوري، علينا أن نتبرأ منها ونكفر بها وبعلمائها ومنظريها .. وبأي جماعة أو طائفة أو مذهب أو مجلس اسلامي يصمت عن ادانة ما يحدث هناك، ولا غرابة ان نشهد كل هذا الصمت والتشفي وثقافة النأي بالنفس عن قول كلمة الحق .. بعد المواقف من غزة التي عرت المستور، بات كل شيء ممكناً .
• ترسيخ دورة العنف غير الأخلاقي في المنطقة كثقافة متبادلة، بعيداً عن جدليات الدفاع أو الهجوم على الأنظمة البائدة، هذا هو ما تفعله اليوم الأنظمة العميلة القادمة على ظهر الدبابات الغربية، وبإملاءات غربية، وهو بالمحصلة ليس في صالح تلك الأنظمة، لأن سقوطها وصعود أنظمة جديدة – وهذه سنن الحياة الملموسة – سيبرر أو سيشعل الانتقام بالمثل على قادتها وجمهورها الأعزل، هذا ما يريده الغرب الكافر ولا تنتبه اليه جماعات النظام الجديد، ولو كانت تملك الشجاعة لأوقفت هذه الدورة من العنف الذي لطالما اشتكت منه، ولفتحت صفحة جديدة تؤسس لبقائها طويلا في سدة الحكم، وتأمن فيه من تقلبات المراحل، أو على الأقل ليكون لديها ثقافة مختلفة بأن يبقى الصراع نخبوياً، يحيد فيه الجمهور المدني الأعزل من الأحقاد والتصفيات.
• مبادئ “اليساري والقومي” هشة وكذبة كبرى، مع احترامنا للاستثناء وهم شخوص قليلة، منذ العدوان على اليمن إلى ما يحدث اليوم من تطورات في المنطقة ونحن نتفاجأ بالتناقضات، صار أولئك ” الأمميون” يرون العالم من ثقب إبرة، قد تجدهم مشبعين بالتعصب الطائفي أكثر من الملتحيين، وليبراليين أكثر من النظام الغربي!، واينما مالت رياح المؤامرات.. مالوا.
• في غزة، حدث أن تقاربت المذاهب الإسلامية الشريفة حول قضية مقدسة، بعد أن امتزجت دماؤها على طريق القدس انزوت الأفكار الظلامية خجولة أمام المشهد الوحدوي العظيم للساحات، كانت قد بدأت تتشكل ثورة من الوعي لدى جمهور العامة، وتنبه العدو لهذا الخطر الذي يتهدده، وهو الذي عمل على عدم وقوعه طوال المراحل والعقود الماضية، فأطلق العدو قطعان مسوخه بسوريا سعياً لإعادة إنتاج الفتنة واحياء لسدنتها المتربصين والذين في قلوبهم مرض، ولعن الله صناع الفتن وأدواتهم ومن أيقظهم.

مقالات مشابهة

  • إنجازات وتطلعات .. مصر والأردن تتشاركان تجاربهما في تمكين المرأة
  • أبرز الفئات التي شملها قرار الداخلية السورية إلغاء بلاغات منع السفر
  • يحدد المدة الانتقالية وسلطات الرئيس .. الشرع يوقع الإعلان الدستوري السوري
  • بموافقة واشنطن.. قطر تزود سوريا بالغاز عبر الأردن
  • ما هي الأسباب التي دفعت قسد والقيادة السورية لتوحيد الرؤى في إطار اتفاق تاريخي؟
  • تركيا تراقب أحداث سوريا الأخيرة
  • من أين يحصل فلول النظام على السلاح في الساحل السوري؟
  • مجلس الشورى يندد بجرائم الإبادة التي ترتكبها الجماعات التكفيرية في الساحل السوري
  • البرلمان الإيراني يدعو لمحاسبة تركيا على مجزرة الشعب السوري
  • وقفة أمام بقع الدم السوري..!