هل يصلح دستور 1950 لإدارة المرحلة الانتقالية في سوريا؟
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
بعد عقود من الاستبداد الذي كرسه حكم عائلة الأسد، يتطلع السوريون إلى بناء ملامح حكم جديد، قائم على أسس التعددية والديمقراطية، وسط جملة من التحديات والمعوقات التي يأتي في مقدمتها ملف صياغة الدستور، باعتباره الركيزة الأساسية لتأسيس نظام جديد يضمن حقوق الشعب السوري ويلبي تطلعاته التي ناضل من أجلها.
وبعد أيام من دخول قوات المعارضة السورية إلى دمشق، أعلنت الإدارة السورية الجديدة، على لسان الناطق الرسمي باسم إدارة الشؤون السياسية عبيدة أرناؤوط، تجميد العمل بالدستور والبرلمان خلال المرحلة الانتقالية التي ستستمر 3 أشهر.
ومع تعطيل العمل بالدستور الحالي (دستور 2012) والمدة الزمنية الطويلة لصياغة دستور جديد، والتي حددها قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع بـ3 سنوات، يبرز تساؤلان محوريان: الأول عن كيفية إدارة الدولة خلال المرحلة الانتقالية والأسس التي ستعتمد لتنظيم شؤون الحكم والإطار القانوني الذي سيُرجع إليه في ظل غياب دستور نافذ، والثاني عن إمكانية اعتماد دستور 1950 لإدارة هذه المرحلة الحساسة من تاريخ سوريا.
بماذا يتميز دستور 1950؟بحسب كثير من المراجع التاريخية التي تحدثت عن تلك الحقبة، يعدّ دستور 1950 من أفضل الدساتير في تاريخ سوريا، لأنه أقر بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي وأتى نتيجة لنقاشات مستفيضة ضمن جمعية تأسيسية منتخبة من جهة، ولأن كل الدساتير التي كُتبت بعده جاءت نتيجة انقلابات عسكرية، وقد تم تعليقه بعد الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1951.
إعلانوما يميز دستور 1950 أمران؛ الأول أنه صاغه نخبة من أبرز السياسيين وكبار رجال القانون في سوريا، على رأسهم ناظم القدسي الحاصل على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف، والأمر الثاني تميزه بكونه شاملًا ومتقدمًا في تنظيمه لشكل الدولة ومبادئ الحكم، وذلك ما جعله أساسا يُستند إليه عند كل منعطف تاريخي في سوريا.
إلى جانب ذلك، يذكر الكاتب كريم الأتاسي في كتابه "سوريا قوة الفكرة" أن دستور 1950 حمل في طياته نذر الاضطرابات التي شهدها المجتمع السوري في العهد اللاحق عبر الانقلابات المتعاقبة، وقد جمع بين المواد المعتادة في إعلان الحقوق (كما فعل دستورا 1920، و1928) وأضاف إليها مواد ذات طابع اقتصادي واجتماعي ومن ثم حمل طابع القانون والدستور معا.
وكان الهدف منه جعل سوريا دولة رفاه بإقامة نظام اقتصادي واجتماعي يضمن العدالة الاجتماعية، ويحمي العمال والمزارعين، ويضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، ويفرض الضرائب التصاعدية.
ناظم القدسي (مواقع التواصل) دستور 1950 والمرحلة الانتقاليةبعد إعلان أحمد الشرع، في مقابلته الأولى مع قناة إعلامية عربية في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن "إعداد دستور جديد للبلاد وكتابته قد تستغرق نحو 3 سنوات، وتنظيم الانتخابات قد يتطلب أيضا 4 سنوات"، مبررا ذلك بأن "أي انتخابات سليمة ستحتاج إلى إحصاء سكاني شامل وهذا يتطلب وقتا"؛ يرى كثير من خبراء القانون السوريين أنه يمكن اعتماد دستور عام 1950 لتسيير الأمور القانونية في البلاد إلى أن يتم اعتماد دستور دائم يتوافق مع متطلبات العصر، على أن تقوم بكتابته جمعية تأسيسية منتخبة، وبعد طرحه للاستفتاء الشعبي العام.
ومما يدفع في هذا الاتجاه أن دستور 1950 كان يعود في كل مرحلة تَحوّل ديمقراطي ليكون الضامن في الفترات الانتقالية، كما حدث مع انتخابات عام 1954 وانتقال السلطة من هاشم الأتاسي إلى شكري القوتلي، وكما جرى بعد الانفصال حين أعيد العمل به وأجريت انتخابات عام 1961 على أساسه.
إعلانوفي هذا السياق، يرى الحقوقي والمدرب في مجال العدالة الانتقالية علي الشريف أن التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية والبنى المتهالكة على الصعد كافة، وظروف التهجير والنزوح التي ما زال يعيشها ملايين السوريين، والمخاوف من الفوضى أو من ثورة مضادة تقودها فلول النظام السابق بدعم خارجي، كل ذلك يتطلب إطارًا دستوريًّا وقوانين تحكم عمل السلطات ومؤسسات الحكم لإدارة هذه المرحلة الانتقالية، وإصدار ما يلزم من قوانين وقرارات وصولًا لإنجاز الاستحقاقات المطلوبة.
ويتابع الشريف، في حديثه لموقع الجزيرة نت، أن هناك عوامل أخرى تدفع باتجاه ضرورة اعتماد دستور 1950 مع بعض التعديلات لإدارة المرحلة الانتقالية؛ منها "الخوف من استئثار قوى التحرير بالسلطة والسقوط في حلقة جديدة من الاستبداد، إضافة إلى أن تعقيدات مرحلة إعادة التأسيس والبناء ومعوّقاتها تتطلب زمنًا قد يطول لسنوات"، على حد قوله.
وكان عبيدة أرناؤوط أكد لتلفزيون الجزيرة في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي أنه "ستُشكَّل لجنة دستورية من خيرة الحقوقيين والقانونيين الذين سيعملون على النظر في الدستور السابق وإجراء تعديلات".
من ناحيته، يشير عميد كلية الحقوق بجامعة حلب الدكتور إسماعيل الخلفان، في تصريح لموقع الجزيرة نت، إلى أنه ليس هناك أفضل من العودة إلى دستور 1950 في مثل هذه الظروف الاستثنائية، وذلك بسبب موضوعيته في تنظيم شكل الدولة ونظام الحكم، وتوسعه في حقوق المواطنين وحرياتهم باختلاف طوائفهم من جهة، ولأنه من الصعب كتابة دستور متكامل في الفترة الانتقالية التي تحتاج حلا دستوريا سريعا من جهة أخرى.
التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية تتطلب إطارا دستوريا وقوانين تحكم عمل السلطات في سوريا (الفرنسية) ما معوقات اعتماد دستور 1950 في هذه المرحلة؟إلى جانب الأصوات التي تنادي بضرورة وجود إطار قانوني يشرعن عمل الإدارة السورية الجديدة، من خلال اعتماد دستور 1950، يرى قسم آخر من الحقوقيين أن هناك معوقات تقف في طريق هذا الإجراء، لذا لا بد من إجراء التعديلات التي تتناسب مع متطلبات الحياة والظروف الراهنة التي تختلف جذريا عن خمسينيات القرن الماضي.
المحامي زيد العظم يرى أنه لا يمكن تطبيق الدستور 1950 بحرفيته، لسبب جوهري هو أن دستور 1950 نص على أن نظام الحكم في سوريا هو نظام برلماني، وفي سوريا اليوم لا يمكن أن يكون الحكم بهذه الصيغة بسبب عدم وجود أحزاب حقيقية في البلاد لها الحرية بممارسة السياسة كما كان عليه الحال عام 1950 من جهة، ولأن الأحزاب الموجودة اليوم على الساحة السورية هي عبارة عن "هياكل أحزاب" فقط.
وينوه العظم -في حديثه لموقع الجزيرة نت- إلى أن المشكلة ليست في الدستور، بل في تطبيق الدستور، فحتى دستور 2012 -يتابع العظم- ليس سيئا بالمطلق، لكن المشكلة كانت في تطبيقه، فهو ينص مثلاً على أن التظاهر حق لكل السوريين، إلا أننا "رأينا أن الذين كانوا يتظاهرون كانوا يعتقلون ويزج بهم في السجون".
إعلانوفي السياق ذاته، يشاطر الحقوقي علي الشريف المحامي العظم الرأي بوجود عوائق أمام اعتماد دستور 1950 في المرحلة الانتقالية، ومن أبرزها -بحسب الشريف- أزمة الثقة التي تسبب بها النظام المخلوع وراكمتها ظروف المرحلة السابقة وتعقيداتها.
ويرى الشريف أن مؤتمرًا وطنيا يتمثل فيه جميع السوريين وما يتخلله من حوار صريح شامل وموسّع، إن أعدّ له جيدا، وتم التوافق على مبادئ دستورية محددة وملزمة وضمانات بينية ومن أطراف موثوقة ومؤثرة، يمكن أن يخرج بنتائج جيدة تسهم في إعادة تأسيس الدولة السورية الحديثة وبنائها بمشاركة الجميع.
الشريف يرى أن مؤتمرا وطنيا يتمثل فيه جميع السوريين وما يتخلله من حوار صريح شامل وموسّع يمكن أن يخرج بنتائج جيدة (رويترز) في ضرورة وجود إعلان دستوري لقرارات الحكومة المؤقتةيرى خبراء في القانون الدستوري أنه لا بد من وجود وثيقة دستورية مؤقتة تُنظّم عمل سلطات الدولة ومؤسساتها خلال هذه المراحل الاستثنائية التي تعيشها البلاد، وليكون هناك إطار قانوني ناظم للحكم خلال الفترة الانتقالية المحددة، ولتطبيق القوانين النافذة والحدّ من سلطة الإدارة السورية الجديدة وتقييد عملها بأطر قانونية واضحة.
وعليه، يوضح المحامي زيد العظم أن اعتماد دستور 1950 معدلا كإعلان دستوري يعتبر مظلة شرعية وقانونية للقرارات التي ستتخذ في المرحلة الانتقالية، لأن بعض الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة ليست من صلاحياتها.
ويضرب العظم أمثلة على تلك القرارات: إلغاء الخدمة الإلزامية في الجيش، وموضوع تعديل المناهج، والتعيينات القضائية، وغيرها من القرارات التي تحتاج إلى شرعية دستورية.
وتعتزم الإدارة السورية الجديدة إطلاق مؤتمر حوار وطني شامل في الأيام المقبلة بالعاصمة دمشق بهدف تشكيل مجلس استشاري ذي صفة تشريعية يقوم بصياغة إعلان دستوري وإقراره، بالإضافة إلى منح الثقة للإدارة الجديدة بقيادة الشرع.
إعلانويذكر أنه بعد إعلان أحمد الشرع أن مدة كتابة الدستور قد تستغرق 3 سنوات، شهدت الساحة السورية انقسامًا حول هذه المدة بين من يراها طبيعية في البلاد التي تشهد ثورات، إذ عادة ما تحتاج إلى فترة استقرار تراوح بين سنة و5 سنوات، وذلك تبعا لطبيعة البلد وظروف الشعب والمشكلات التي تواجهه، كما في حالة تونس مثلا التي استغرق كتابة الدستور فيها والموافقة عليه 3 سنوات، وفي مصر عقب سقوط نظام حسني مبارك عدّل المجلس العسكري الحاكم الدستور مؤقتا عام 2011 حتى صياغة دستور جديد عام 2014.
وبين فريق آخر يرى أن هذه المدة طويلة ومنهم الائتلاف الوطني السوري الذي أشار في وقت سابق على لسان رئيسه هادي البحرة إلى أن كتابة دستور جديد لن تستغرق أكثر من عام، إذ إن هناك فصولا جاهزة في الدستور "فالعملية لن تنطلق من الصفر".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإدارة السوریة الجدیدة المرحلة الانتقالیة دستور جدید فی سوریا من جهة إلى أن
إقرأ أيضاً:
أبوالغيط أمام اجتماعات الرياض بشأن سوريا: من المهم أن تكون العملية الانتقالية بمشاركة واسعة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شارك الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط في الاجتماعات التي استضافتها المملكة العربية السعودية بالرياض اليوم الأحد بشأن سوريا، وهي الاجتماعات التي ضمت عددا من وزراء الخارجية العرب، بمن فيهم وزير خارجية الإدارة الجديدة في سوريا، وكذلك وزراء ومسئولون لعدد من الدول الأجنبية ومنظمات دولية وإقليمية.
وصرح جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام بأن الاجتماعات تناولت الوضع السوري وكيفية دعم سوريا في خوض مرحلة جديدة تشهد انتقالا صعبا، محفوفا بتحديات عديدة وكبيرة، تحقيقاُ لتطلعات الشعب السوري بعد طول معاناة.
وأوضح المتحدث أن الاجتماعات أكدت أهمية وجود عملية انتقالية آمنة وشاملة ممثلة للجميع مع أهمية الحفاظ على سيادة سوريا ووحدتها الترابية وهويتها المتنوعة والمنفتحة.
كما أكد المتحدث أن الاجتماعات شهدت حوارات شفافة وصريحة عكست رغبة صادقة من الجميع في أن تكون سوريا المستقبل عضوا إيجابيا في الأسرة العربية والإقليمية.