لماذا ساءت العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى هذا الحد؟
تاريخ النشر: 13th, January 2025 GMT
لم تكن العلاقات الجزائرية الفرنسية على ما يرام منذ استقلال البلد في 62. لكنها لم تصل إلى هذه المرحلة الخطيرة من التشنج كما هو حالها هذه الأيام التي بدأت فيها السلطات الفرنسية تتكلم عن معاقبة الجزائر! في عهد الرئيس ماكرون الذي قدم نفسه قبل وصوله إلى قصر الإليزيه، عند زيارته الجزائر بمناسبة حملته الانتخابية، كونه الرئيس الذي ستعرف العلاقات بين بلده والجزائر مستويات جد متطورة، أوحى بها وهو يتكلم بأسلوب جديد عن الماضي الاستعماري لبلده، مبينا انه ينتمي إلى جيل ليس له مسؤوليات في حرب التحرير لا هو ولا عائلته التي لم يكن معروفا عنها ماضي استعماري في الجزائر، عكس الكثير من أعضاء النخبة الفرنسية السياسية القديمة.
عدة مستويات يمكن أن تفسر هذا التدهور في العلاقات بين البلدين، قد تكون مرتبطة بصغر سن الرئيس الفرنسي، الذي لم يعرف أسلوب التعامل الذي تعود عليه الطرف الجزائري مع المسؤولين الفرنسيين. مقابل أسلوب جديد انطلق مع الرئيس ساركوزي ليتكرس مع ماكرون، اعتمد فيه الرجل على العلاقات الشخصية المباشرة عبر لغة جسد يمتاز بها الإنسان المتوسطي، كان يفترض أن تؤدي إلى تمتين العلاقات الشخصية بين الرجلين على المستوى السياسي، وهما يتطرقان إلى الملفات السياسية الكبرى التي تهم البلدين. عكس ما اكتشف الطرف الجزائري وهو يطالع الرسالة التي بعث بها ماكرون للملك المغربي اعترف فيها بمغربية الصحراء.
الموقف الذي تعامل معه الرئيس الجزائري كخيانة شخصية للثقة التي وضعها في هذا الرئيس الشاب، في وقت لم يخرج فيه الطرف الجزائري بعد من الصدمة الناتجة عن اعتراف الحكومة الإسبانية بمغربية الصحراء.. إسبانيا التي كان يعول عليها الجانب الجزائري، هي الأخرى، كثيرا في دعم مواقفه، نتيجة المسؤوليات التاريخية التي تملكها كمحتل سابق للتراب الصحراوي، اعتراف يمكن أن تكون له تداعيات كثيرة في إضعاف الموقف الجزائري على المستوى الدولي انطلاقا من البلدان الأوروبية، التي يمكن أن تتأثر بهذا الموقف الجديد وصولا إلى دول أمريكا اللاتينية التي يحتمل جدا أن يؤثر عليها سلبا هذا الموقف الإسباني الجديد، هي التي كانت تملك تقليديا مواقف مؤيدة للأطروحة الجزائرية من قضية الصحراء.
الأمر نفسه، الذي يمكن أن ينطبق على الموقف الفرنسي، الذي عادة ما يقدم نفسه للأطراف الغربية، بما فيها الأمريكية، على أنه العارف الأكبر بالمطبخ السياسي الجزائري الداخلي، وهو يتطوع للقيام بشرح للسياسة الجزائرية التي يدعي كذبا معرفته بها، نتيجة القرب التاريخي التقليدي من الجزائر ونخبها السياسية والفكرية التي يفهمها أحسن من أي طرف دولي، حسب هذا الادعاء الذي لم يعد صالحا في أيامنا هذه، لتكون النتيجة العكس تماما، فقد أعمى هذا القرب المبالغ فيها الرؤية السليمة للجانب الفرنسي، الذي تحول إلى طرف في الصراعات وليس إلى ملاحظ من الخارج.
الملف الصحراوي ليس هو الملف الوحيد وراء التشنج الفرنسي، بعد أن اكتشفت فرنسا أن مصالحها الاقتصادية لم تعد مضمونة على المديين القصير والمتوسط في الجزائر، نتيجة المنافسة القوية التي تجدها من منافسين لها هما تركيا والصين، تمكنا من كسب حضور متميز داخل السوق الجزائرية.
زيادة على ما يقوم به الطرف الإيطالي من تمتين لعلاقاته مع الجزائر بعد أن تمكن من القفز على لغم ملف الصحراء، الذي تجنبه الطرفان الجزائري والإيطالي بذكاء حتى الآن، كما هو الأمر مع ألمانيا بدرجة أقل. في انتظار تسلم الرئيس ترامب لموقعه في البيت الأبيض الذي يمكن أن يزيد في تعقيد المشهد. قد لا يكون بالضرورة لغير صالح الجزائر بعد أن منح الرئيس الأمريكي كل ما بمكن للطرف المغربي – الاعتراف بمغربية الصحراء -في هذا الملف الذي لا يهم كثيرا الرئيس الأمريكي بقدر ما يهمه الدفاع عن إسرائيل وقد قام الطرف المغربي بالواجب وأكثر مما هو مطلوب منه.
ملف آخر يمكن أن يفسر إلى حد كبير التدهور الذي عرفته العلاقات بين البلدين. المرتبط هذه المرة بنوايا الجزائر في اعتماد اللغة الإنكليزية، بدل الفرنسية كلغة تعليم، رغم أنه مشروع لم يتبلور بعد، وما زال لم يبرح مرحلة منطق الانتقام والتشفي في الطرف الفرنسي – يمكن أن يهم التاجر الأمريكي الذي وصل إلى البيت الأبيض – ورقة يمكن أن تلعبها الجزائر، زيادة على ما تملكه من أوراق أخرى في مجالات الطاقة والاقتصاد عموما، في وقت تمر فيه العلاقات مع روسيا بحالة اضطراب، كجزء من الفوضى التي تعيشها العلاقات الدولية والإقليمية في الآونة الأخيرة، بعد حرب غزة، قد تغري الرئيس الأمريكي بالبراغماتية المعروفة عنه من التقرب أكثر من الجزائر.
اضطراب في العلاقات الدولية يجب أن لا يجعل الجزائر غير قادرة على التمييز وتحديد أولوياتها في علاقاتها مع الطرف الفرنسي الذي تعتريه حمة يمينية وشعبوية قد تأخذ وقتا – يجب أن لا تؤثر على مصالح ملايين الجزائريين المقيمين منذ عشرات السنين على التراب الفرنسي كإرث للعلاقات التاريخية بين البلدين.
يجب أن لا تتحول إلى مجال للابتزاز من قبل الطرف الفرنسي الذي يملك أكثر من ملف يمكن أن يوظفه ضد الطرف الجزائري، الذي تعود على وضع كل بيضاته في السلة الفرنسية، كما تظهره ممارسات الكثير من النخب الجزائرية الاقتصادية والسياسية التي تملك عديد المصالح في هذا البلد القريب، الذي يربط مع الجزائر رحلات جوية يومية أكثر كثافة من سيارات الأجرة في الجزائر العاصمة – سكنات – أرصدة بنكية – أولاد يدرسون في مدارس وجامعات فرنسا، وصديقات ما زال البعض يصر على تفضيل اللقاء بهن في باريس.
ملف الذاكرة والأرشيف المرتبط بعديد المراحل التاريخية، يمكن أن يبتز الطرف الفرنسي الجزائريين بواسطته عن طريق تعامل انتقائي مع بعض الأحداث التاريخية والأسماء وهو يُقتر في الكشف عن الأرشيف، حسب الأجندة السياسية الخاصة به. يجب أن يحضر الطرف الجزائري نفسه سياسيا ونفسيا للتعامل المسؤول معه، هو الذي قد يكون في حاجة إلى علاقة أكثر عقلانية مع تاريخه، رجاله واحداثه، تساعد الجزائريين على الخروج من هذه العلاقة المرضية مع الطرف الفرنسي، ما زالت هي السائدة عند الطرف الفرنسي.
عكس ما هو حاصل في العلاقات بين الفيتناميين والفرنسيين أو الفيتناميين والأمريكيين، على سبيل المثال، حين فضلوا إنتاج أفلام سينمائية حول الحرب الأمريكية ـ الفيتنامية للانتقال لاحقا إلى مواضيع أخرى تهم مستقبل الشعبين. فهل يجب أن نبدأ كجزائريين وفرنسيين في إنتاج أفلام سينمائية كبيرة حول تاريخنا المشترك بنقاط خلافه الكثيرة وصراعاته، بدل حالة النكوص الذهني التي نعيشها، التي لن تساعدنا على الإطلاق في التوجه نحو المستقبل، في وقت يتغول فيه أقصى اليمين الشعبوي على العالم.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجزائرية ماكرون فرنسا فرنسا الجزائر توتر ماكرون تبون رياضة سياسة عالم الفن سياسة صحافة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العلاقات بین یمکن أن یجب أن
إقرأ أيضاً:
صادي: عودتنا إلى اللجنة التنفيذية للكاف هو مكسب لكل الجزائر وأشكر الرئيس تبون
ثمّن رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، وليد صادي، عودة الجزائر إلى اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (كاف) بعد غياب طويل.
وصرّح رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، وليد صادي، اليوم الأربعاء، للموقع الرسمي لـ”الفاف”، بعد فوزه بعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد الافريقي لكرة القدم (كاف) في عهدة 2025-2029: “نهنئ الجزائر أولاً، ثم العائلة الرياضية كاملة بعودة بلادنا إلى اللجنة التنفيذية للاتحاد الافريقي لكرة القدم بعد غياب طويل”.
وأضاف وليد صادي قائلاً: “أشكر كل من دعمني، خاصة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، وكل السلطات العليا للبلاد، وكل العائلة الكروية. حقيقةً، هذ الإنجاز هو ثمرة تظافر جهود جماعية يعكس التزامنا بمواكبة كل المجهودات الكبيرة التي تبذلها السلطات العليا للبلاد لتطوير الرياضة وتشييد المنشآت والهياكل الرياضية”.
وتابع: “مثلما سبق وأن صرحت سابقا، كان لزاما علينا أن نواكب هذه الديناميكية بما يعود على بلادنا لمكانها الطبيعي ومكانتها المستحقة”.
كما أشار صادي موضحاً: “ما تحقق اليوم ليس مكسبا شخصيا، بل هو مكسب لكل الجزائر، ويرسّم أن الجزائر في الطريق الصحيح لترسيخ مكانة الجزائر وتعزيز حضورها الفعال على الساحة الدولية. كما أؤكد التزامي بالعمل بكل عزم ومسؤولية لأجل خدمة كرة القدم الجزائرية والإفريقية”.
وختم رئيس أعلى هيئة كروية بالجزائر حديثه بالقول: “تحيا الجزائر وعاشت الجزائر دائما مستقلة قوية ومنتصرة”.
الجزائر تعود إلى اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم بعد ثمان سنواتبعد غياب دام ثماني سنوات، تعود الجزائر بقوة إلى اللجنة التنفيذية للاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF). ويمثل هذا العودة نقطة تحول مهمة لكرة القدم الوطنية، ويعكس الجهود الكبيرة التي بذلها السيد وليد صادي، رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم (FAF) منذ 18 شهرًا. استراتيجية ناجحة لاستعادة مكانة الجزائر منذ توليه رئاسة الاتحاد، عمل السيد وليد صادي على تنفيذ استراتيجية دقيقة تهدف إلى إعادة هيبة الاتحاد الجزائري لكرة القدم على الصعيدين القاري والدولي. وبفضل عمله الدؤوب وتصميمه والتزامه الكامل، نجح في استعادة مكانة الجزائر داخل الهيئات القيادية لكرة القدم الإفريقية.
التزام قوي بالدفاع عن مصالح الجزائرإن العودة إلى اللجنة التنفيذية للـCAF ليست مجرد انتخابات، بل هي اعتراف بالدور البارز الذي تعتزم الجزائر لعبه في تطوير كرة القدم الإفريقية. فقد أكد السيد وليد صادي دائمًا حرصه على حماية مصالح كرة القدم الجزائرية، سواء على مستوى المنتخبات الوطنية أو الأندية المحلية، وذلك من خلال ضمان تمثيلها في القرارات الحاسمة لكرة القدم القارية.
ومن خلال عمل منهجي ومثابر، تمكن من إعادة تأهيل صورة الاتحاد الجزائري لكرة القدم دوليًا، مما جعله أكثر مصداقية واحترامًا. وهذا الحضور على الساحة الإفريقية سيمكن الجزائر من التأثير في النقاشات وتوجيه الاستراتيجيات المستقبلية لكرة القدم في إفريقيا.
إصلاحات وإنجازات كبرى على المستوى الوطنيإلى جانب هذه الخطوة المهمة على المستوى القاري، تميزت فترة رئاسة السيد وليد صادي للاتحاد الجزائري لكرة القدم بعدة إنجازات بارزة، تعكس التزامه بتطوير كرة القدم الوطنية. ومن أبرز هذه الإنجازات: إدخال تقنية التحكيم بالفيديو (VAR) لأول مرة في الجزائر، وهو تطور تكنولوجي مهم لتحسين مستوى التحكيم في البطولات المحلية. تسوية ديون الاتحاد الجزائري لكرة القدم والأندية، مما ساعد على تصحيح الوضع المالي لكرة القدم الجزائرية. إعادة إطلاق أشغال المركز التقني الجهوي في تلمسان بعد توقف دام أربع سنوات، وهو مشروع أساسي لتكوين المواهب الشابة وتطوير كرة القدم المحلية.
تعديل النظام الأساسي للاتحاد الجزائري لكرة القدم بهدف تحديث آلياته وتعزيز حوكمتهإطلاق مشاريع استراتيجية متعددة لتحسين البنية التحتية، وتطوير تكوين الشباب، وتعزيز تنافسية كرة القدم الوطنية.
تحقيق انتصار قانوني أمام محكمة التحكيم الرياضي (TAS)، مما عزز موقف الاتحاد الجزائري في إدارة النزاعات الرياضية وساهم في استقرار كرة القدم الجزائرية مؤسسيًا.
في إطار هذه الإصلاحات والتطورات، لم يفوت رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم فرصة التعبير عن امتنانه لرئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على دعمه المستمر. وقد عبر عن شكره لثقته الكبيرة والمساعدة القيمة التي قدمها له في هذه المهمة الهادفة إلى إعادة هيكلة كرة القدم الجزائرية.
ويعكس هذا الدعم من أعلى سلطات الدولة الأهمية التي يتم إيلاؤها للرياضة، ولا سيما كرة القدم، باعتبارها عاملًا رئيسيًا للوحدة الوطنية والإشعاع الدولي.
مستقبل واعد لكرة القدم الجزائريةمع هذا العودة إلى اللجنة التنفيذية للـCAF، تعزز الجزائر وجودها وتأثيرها في كرة القدم الإفريقية. ويمثل هذا التطور فرصة جديدة للبلاد للعب دور رئيسي في اتخاذ القرارات الكبرى التي تخص الكرة القارية. وبفضل هذه الديناميكية الإيجابية، يطمح الاتحاد الجزائري لكرة القدم إلى مواصلة جهوده في تحديث واحتراف كرة القدم الوطنية، مع الدفاع بحزم عن مصالح الجزائر على المستوى الدولي. إن عودة الجزائر إلى الهيئات القيادية في الـCAF هي رمز لنهضة كرة القدم المحلية، والتي تسعى إلى تحقيق طموح واضح: استعادة مكانتها في قمة كرة القدم الإفريقية والدولية.