سبحان الله..
تختلف أو تتفق معه ، فهو اصبح رمزاً..
هو الآن في نظر مجتمع البطانة وشرق الجزيرة ووسطها ، بل فى عموم الوطن ، هو صاحب موقف وقائد قوة ذات بأس .. وله تأثير فى الميدان لا ينكره إلا مكابر..
هو ووفق الشواهد ، أحدث تحولاً فى ميدان المعركة ، من خلال سرعة إنقضاض قواته ، ومن خلال شراستهم فى القتال ، ومن خلال كثافة النيران والقدرة على المناورة والتقدم ، ومن خلال ثباتهم وشجاعتهم.
وأحدث إضافة فى ميدان المعركة، وقد تداعت له أفواج من الفدائيين فى معسكرات جبال الغر بالبطانة وفى الروا ، من الشباب المصادمين ، نواياهم خالصة و قلوبهم بيضاء ، وقوية عزيمتهم.. ومنهم شيوخ تزينهم الحكمة ويكسوهم الوقار..
إنه اللواء أبو عاقلة محمد احمد كيكل.. قائد درع السودان..
اختار موقفاً فى أول الحرب وقاتل بقناعته ، وحين تبين له خطأ التقديرات عاد ولم يركن وإنما أسرج خيله لمقاتلة المليشيا وتحت راية القوات المسلحة..
لم يكن أول من حارب الدولة السودانية ثم عاد بإتفاق سلام أو فى ظل عفو عام.. هو نهج سائر ، فلماذا أصبح محجوراً عليه ؟..
لم يطلب كرسي وزارة ، ولا قسمة فى الثروة ، وإنما انطلق فى اليوم التالى إلى الميدان للثأر للشهداء والانتصار للنازحين والمهجرين ، وقد أفلح بحمد الله ..
ليس مطلوباً من أحد ان يحبه ، مع ان كثر يقدرونه ، ولكن لا تمتلك إلا أن تحترمه.. عارض بوضوح وقاتل مع جيش وطنه ببسالة وشجاعة..
و ستثبت الأيام أن لدرع السودان شأن آخر.. بإذن الله..
المنطقة التى كانت عازفة عن العسكرية والجندية ، أصبحت اليوم فى قلب المعركة وتلك اهم معادلات الميدان ، ارض البطانة على سعتها وتنوع مجتمعاتها شحيحة المشاركة فى المؤسسات العسكرية والشرطية ، مع أن كل من انضم لهذه المؤسسات وضع علامة واصبح شامة ، والدرع اليوم يبعث فيهم ذلك الحس الكامن.. وتلك الروح السباقة للفداء والعطاء.. وتدافعوا..
خلال ايام محدودة كان معسكر جبال الغر بالبطانة ذخراً للوطن من الرجال ، وخلال أيام معدودة كانوا فى قلب المعركة ، واثبتوا براعة وبسالة بلا حدود.. وتلك قيمة درع السودان.. انه نداء الفداء..
آلاف الشباب اليوم شعارهم (الدراعة للأدب والطاعة) ، وكيكل مثالهم ووجدوا فى درع السودان ما حرك تلك النوازع فى طلب العلياء والتجافي عن الذلة والمسكنة.. وأرتادوا المجد وخاضوا غمار المعارك.. كلهم على ذات القناعة فى القتال كما قال الشهيد القائد احمد شاع الدين (ما في حاجة اسمها انسحاب)..
وخلال شهرين كانت عملياتهم مستمرة يومياً ، تستنزف قدرات العدو ، وتدخل فيه الرعب ، والخسائر فى عناصره وفى عتاده واربكت تخطيطاته وتمركزاته ، وشتت تركيزه وإنتباهه ، وحقق الدرع الطمأنينة والتأمين لمنطقة البطانة ، خاصة عندما سارعت قوات الدرع إلى منطقة قيلي وكان دوره فى معارك أم القرى وود المهيدي مشهوداً ، وكذلك المناورة فى ود راوه حيث احدثت هلعاً فى صفوف المليشيا ، ومن وراء كل ذلك تم (تأهيل) المستنفرين للتعامل مع تفاصيل المعارك واسرار الميدان العسكري ، والقدرة على التعامل كقوة ذات إنضباط عال وتماسك ، وهو ما ظهر خلال معارك أم القرى الأخيرة ، حيث حشدت المليشيا قواتها من النخبة لكسر إرادة أبناء الدرع ، ولكنها صادفت رجال صناديد وفرسان..
وكانت قوات درع السودان وقادتها هم أول من عبر كبري حنتوب إلى مدني ..
تلك حقائق عايشها الجميع ، وهى كتاب جديد من التاريخ ورواية جديدة للمجد ، وللدرع فيه صفحات..
حيا الله جيشنا وامننا وشرطتتا ومورال ، وحيا الله كتائب الفداء من العمل الخاص والبراؤون وكل مستنفر خرج دفاعاً عن الدين والأرض والعرض..
وحيا الله درع السودان وسدد الرمى وثبت الأقدام وتقبل الشهداء وشفا الجرحى وفك أسر المأسورين..
حفظ الله البلاد والعباد
د.ابراهيم الصديق على
12 يناير 2025م.. إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: درع السودان من خلال
إقرأ أيضاً:
البعوضة؟! (قصة قصيرة من رعب المعركة)
أصدر قائد المجموعة أمره بصرامة ودون أيّ تردّد، الأمر لا يتجاوز كلمة واحدة:
- البعوضة.
وسط الركام لم نجد سوى عجوزين، عجوز يؤنس عجوزته رغم أنف الحرب والدمار، وكأن بقيّة أفراد العائلة قد ابتلعتهم الحرب قتلا أو تشريدا أو كليهما، والأغلب قتلا لأن العائلات الفلسطينية لا يمكن أن تترك مسنّيها وتذهب، وسط هذا الدمار الهائل الذي لم يترك بناية على حالها، أتاها وفعل فعله الشنيع بها، والموت منتشر للناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم، بحرا وبرا وجوا وبأشكال متعدّدة وبكل الألوان، ومن لم يمت بالقصف مات بالقنص أو الحرق أو تساقط ركام الأبنية فوق رأسه، عجوزان ينتظران الموت في أية لحظة، لا شكّ بأنّهما قد رآنا ولكن لا حيلة لهم سوى انتظار الموت والرضى بقدرهم.
يريد قائدنا الأشمّ تطبيق خطّة البعوضة، كيف؟ معقول؟ على إنسانين بهذا السنّ المتقدّم، على كلّ حال هو لا يعترف بإنسانيتهم أوّلا ولا اعتبار للسنّ عنده إلا المزيد من الإمعان في الإذلال والقهر.
هجم الجنود بشراسة على فريستهم، عصّبوا المرأة العجوز وشدوا الوثاق على عينيها، سحبوا الرجل ودفعوه أمامهم، ربطوا عبوة ناسفة على رقبته، ثم هتف القائد الأغرّ بشراسة:
- انظر يا بطل، القنبلة في رقبتك وكبسة التفجير بيدي، ستسير حسب أوامرنا، أنت جاهز.
تلعثم الرجل ولم يدر ما يقول، حشد شجاعته وهمس من أعماقه:
- تريدونني درعا بشريّا.
- اخرس، ماذا تقول؟ نحن الجيش الأعلى أخلاقا من كل جيوش العالم.
- وما هذا الذي تفعلونه؟
- شيء من إجراءات السلامة العامة والحماية من الإرهابيين.
وزعق آخر:
- هيّا سر أمامنا وإياك أن تحيد عن تعليماتنا.
وعاد كبيرهم للتوجيه عبر سمّاعة زرعوها في أذن المسنّ.
تأرجح الرجل بين الركام وسار بأقدام واهنة تتحسّس طريقها بصعوبة، أوامرهم تغور في أذنه بقسوة بالغة.
- سر للأمام يا كلب، امش بسرعة، شدّ رجلك، انتبه كبسة واحدة تهوي بك في جهنّم.
صوت طائرات التجسّس تغدو وتروح بأصواتها المزعجة، صوت الانفجارات كبيرها وصغيرها تصخّ الآذان وتضرب بها القلوب الحناجر، لا مفرّ أمام هذا الحيوان البشري أو قل البعوضة من أن يسير أمامنا ويؤثرنا بالموت إن خرج لنا من تحت هذه الأرض المشئومة. أدخله ضابطنا أماكن متعدّدة، كانت حركته بطيئة وكأن جسمه قطعة من الأرض ينتزعها مع كلّ خطوة، رأيت في وجهه كلّ ألوان القهر وأشكال العذاب، رأيت في عينيه الموت يتمنّاه حتى تغيب عن شاشتها.
اشتغل معنا في هذا اليوم حتى المساء، كانت بعوضة ثقيلة بطيئة قد أكل منها الدهر وشرب، ألم تجد شابّا أخفّ ظلّا أيها الضابط العتيد؟ ضاقت عليك غزّة بما رحبت ولم تجد إلا هذا الهرم؟ أم أردت أن تمعن في كيل أشد أنواع العذاب حتى يطال المسنّين منهم، لتقول إنّك قد أدخلت ماكينة عذابك كل أعمارهم، يا لك من ضابط مرهف الحسّ الإنساني النبيل!
بعد رحلة طويلة مع هذا الدليل الهرم عدنا به إلى نصفه الآخر، ثم أصدر ضابطنا أمره لهما بالمغادرة من هذا المكان وأشار إلى الطريق الآمن الذي يجب أن يسلكوه للنجاة بأرواحهم.
عانقت يد الشيخ يدّ محبوبته التي تعلقّت به بكل ما فيها من خوف وحبّ وهلع، سارا معا يتعكّز كلّ منهما على الآخر، لسانها نطق بكلمات على الأغلب أنّها من صلواتهم، واضح أنّه قد أشرق وجهها بلقاء محبوبها وانطلقا يزحفان إلى حيث تأخذهما الطريق. في غزّة لا يسير المرء على هواه وإنما تسير به الطريق على هواها، وكل الطرق تؤدي إلى خيمة على قارعة الطريق أو بقايا طريق.
نهاية الطريق كانت لهم طلقتان وضعتا حدّا لنهاية بعوضتين، كانت هناك دبّابة لهما بالمرصاد، لم يرق له تعليمات الاتصال الذي أتاه من قبل ضابطنا أنّ بعوضتين مسنتين مسالمتين ستقطعان الطريق من الشمال إلى الجنوب، رأى فيهما أنهما أبوان لقساميين ألهبوا ظهروهم بسياطهم: "اقصف البعوض دون أن يرف لك قلب أو رمشة عين. هناك المزيد من البعوض فلا تتردّد يا فتى".
(ملاحظة: استخدم جيشهم تطبيق البعوضة في قطاع غزّة بهذه العنصرية المتوحّشة في مرات لا تعد ولا تحصى)